DELMON POST LOGO

من المسئول عن ضياع وقت الشباب في العطلة الصيفية ؟

بقلم : محمد الانصاري

كان العمل في فترة العطلة ثقافة منتشرة بشكل واسع بين الفتيان والفتيات في الأجيال السابقة ، فقد كان من الواجب أن يساعد الأبناء آبائهم في العمل وكسب الرزق أثناء عطلتي الربيع والصيف ، كما كانت البنات تساعدن أمهاتهن في إدارة شئون المنزل ، ويتعلمن الطبخ و التدبير المنزلي بشكل عملي.  

يعتبر العمل الصيفي للشباب في حقبة الخمسينات وحتى منتصف الثمانينات من القرن الماضي ، نموذجاً حياً وناجحاً للتدريب على رأس العمل ، رغم إفتقاره للمقومات الأكاديمية للبرامج الحديثة ، إلا أن التنفيذ الجدي كان سبباً لإكساب الناشئة الكفايات الحقيقية المطلوبة لسوق العمل في تلك الأيام .

معظم البحرينيين كانوا يشتغلون في العمل الحر غير المنتظم ، مثل الصيد و الفلاحة و البناء ، والبعض كان لدية عمله الخاص في دكانه الصغير بسوق المنامة أو المحرق ، أو في احدى الدكاكين الصغيرة المنتشرة في القرى المتناثرة كاللؤلؤة على سواحل البحرين.

كان معظم ملاك الدكاكين يديرون وينفذون عملهم بأنفسهم ودون الاستعانة بأي عماله وافده ، الوحيدون الذين يسمح لهم أن يشاركوا صاحب العمل أسرار عمله هم أبنائه وأحفاده ، وهم فقط المسموح لهم أن يطلعوا على مدخول اليوم ، و يشاركوا والدهم معرفة مصدر شراء البضائع وأسعارها وتكلفتها.

أما الذين كانو يعملون بالأجرة عند أشخاص آخرين من تجار  السوق ، فقد كان هؤلاء يتوسطون عند صاحب العمل لقبول تشغيل أبنائهم فترات العطل ولو بأجر زهيد ، كي يتعلموا من والدهم ومن الآخرين أصول المهنة ، ويكتسبوا مهارات التعامل مع الزبائن و يتعلم اللغتين الهندية والانجليزية بجانب العربية.

عندها كان يعتبر صاحب العمل متوسط الحال إذا كان يشتغل عنده بين ٥ الى ١٠ عمال ،  أما إذا زاد عدد العاملين لدية عن ٢٠ عامل فيصنف تدريجياً بأنه صاحب عمل كبير ، لكن رغم ضيق الحال و شح فرص العمل ، لم يكن الآباء ولا أصحاب العمل يبخلون على الأبناء إكسابهم هذه المهارات الضرورية للحياة والمستقبل ، بالمقابل كان أبناء ذلك الجيل مجتهدًا و جاداً في الاستفادة من وقته.

وإذا رجعنا لحقبة الستينات والخمسينات لم تكن العمالة الوافدة شيىءً متعارفاً عليه ، ومعظم المهن بما فيها الزراعة والبناء مشغولة بالمواطنين ، أو من أبناء دول الخليج ،وخصوصًا العمانيين وعدد أقل من الحساويين الذين سرعان ما تحولوا لأصحاب عمل ، بسبب وعيهم التجاري ، أما القطاع العام فقد كان يضم عدداً قليلاً جداً من الموظفين ، غالبيتهم معلمين ، وأعداد صغيرة أخرى في كل وزارة بما لا يتجاوز ١٠٪؜ من عدد العاملين في الوزارات حالياً.

في تلك الفترة جميع الاولاد تقريباً كانوا إما ملتحقين مع والدهم في عمله أو يجدون لأنفسهم مكاناً يعملون فيه ، حتى أبناء الأثرياء كانوا ملتزمين بهذه الثقافة ، بخلاف هذه السنوات فقد أصبح الأبناء يقضون معظم وقت فراغهم سهرانين حتى الفجر و نائمين حتى العصر ، ولا يستثنى منهم إلا القليل.

إن الجيل الذي تعود على ثقافة العمل مختلف تماماً عن الجيل الذي تعود على السهر و البليستيشن ، لذلك لا بد لنا أن نعود لتربية أبنائنا كما يجب ، فالمستقبل صعب جداً ، والأيام القادمة لن تقبل الكسالى.

ختاماً أُذكِّر المعنين بالتوجيهات التي صدرت عن صاحب السمو الملكي ولي العهد رئيس مجلس الوزراء عام ٢٠١٨ بالاهتمام بطلبة المدارس أثناء العطلة الصيفية ، حيث وجه سموه حفظه الله لمساعدة الراغبين منهم في العمل في أثناء العطلة ، تنفيذ هذا التوجيه مسئولية متضامنه بين وزارة التربية والتعليم التي لديها أعداد وتفاصيل الطلاب ، و وزارة العمل و تمكين وهيئة تنظيم سوق العمل الى جانب غرفة صناعة وتجارة البحرين و الشركات الكبرى التي سوف تستفيد منهم لاحقاً في سوق العمل.

كما أيضاً أذكركم بمشروع التلمذة المهنية و نظام التدريب المزدوج و سلم المهارات المهنية و برنامج المعايير المهنية وغيرها من الأطر المهمة لتحضير سوق العمل لإستقبال المتدربين بشكل متناسب مع المتغيرات العالمية.

العديد من البرامج المقرَّة والمعتمدة باتت في الثلاجة مجمدة دون وجود سبب ، رغم صدور التوجيهات الكريمة من الحكومة الموقرة ، وتوافر التمويل و قيام الحاجة الملحة لها ، لكن التنفيذ محلك سر كما يقول الأشقاء في المحروسة ، بسبب تبعثر المهام بين تمكين و هيئة تنظيم سوق العمل و وزارة العمل ، باعتقادي الفرقة تحتاج لمايسترو واحد كي لا تكون الألحان نشاز.