DELMON POST LOGO

على خفيف .. انتخابات الكويت وانتخابات البحرين

الكاتب

بقلم :علي صالح

لعل ابرز ما يميز انتخابات الكويت التي جرت مؤخرا عن انتخابات البحرين التي ستجري في شهر نوفمبر القادم هو الدستور الذي تجري في كنفه هذه الانتخابات.
فالمعروف ان الدستور الكويتي انجز عام 1962 وانه من فرط اعجاب الحكم في البحرين بذلك الدستور قام بتكليف نفس الخبير الدستوري بأعداد دستور البحرين عام 1972 .
وما حدث في السنوات اللاحقة ان شعب الكويت وقواه الوطنية تمسك بدستوره لعام 1962 وقاوم كل محاولات الحكومة بتعديل ولو مادة واحدة فيه، مؤكدا على ان اي تعديل في الدستور سيجر الى تعديلات متلاحقة اكبر تعود بالسلب على سلطة وصلاحيات البرلمان وعلى المسيرة الديمقراطية بصفة عامة، وبالفعل تعرض البرلمان- مجلس الامة - الى نكسات الا ان الدستور ظل صامدا.
دستور البحرين والذي اقر من المجلس التشريعي وجرت على اساسه انتخابات عام 1973 تم تجميده بعد حل المجلس الوطني عام 1974 وظل كذلك حتى جاء الميثاق في عام 2001 والمح الى تعديل الدستور في جانب صغير وهو اضافة مجلس معين للاستشارة فقط ووافق الشعب على التعديل الغامض المذكور ولكن ليس على التعديلات الجذرية التي اجريت على الدستور من طرف واحد وهي التعديلات التي لم يستفتى عليها الشعب كما جرى للميثاق قبل عام ولم تعرض على مجلس النواب للموافقة عليها في اجتماعاته الاولى .
مالم يحدث لدستور الكويت وما حدث لدستور البحرين هو بالتحديد ما جعل مجلس الامة الكويتي في تمسكه بمواد الدستور وتصديه لمحاولات المس به يحافظ على سلطاته التشريعية والرقابية ، يشرع القوانين ويسائل ويستجوب جميع المسؤولين في الدولة بدون استثناء ويسقط الحكومات الواحدة تلو الاخرى لاسباب كثيرة على رأسها حالات الفساد التي تعاني منها الكويت ودول خليجية اخرى لا تظهر عليها اعراضها .
وبالمقابل فان التعديلات الكثيرة التي اجريت على دستور البحرين قد ادت الى جعل الحكومة هي السلطة الاولى بعد ان كانت السلطة التشريعية هي الاولى في دستور 1973 وبالتالي اصبح التشريع بيد الحكومة، وسيطرت الحكومة على الرقابة وعملت على تقليصها سنة بعد اخرى حتى بات انتقاد الوزراء في المجلس ممنوعا واستجواب الوزير له شروط تعجيزية والنواب يقدمون اقتراحات بقوانين ترفع الى الحكومة لإعادة صياغتها واعادتها الى المجلس على ان تكون الاولوية دائما لمناقشة القوانين الواردة من الحكومة .
ولن اطيل في عرض الاجهاضات التي جاء بها دستور 2002 المعدل او بالأحرى المغير ، يكفي ان اشير الى ملاحظة تهكمية قالها احمد السعدون الفائز بأعلى الاصوات في انتخابات الكويت الاخيرة والمرشح دون منازع لرئاسة مجلس الامة ، حدث ذلك عندما حل السعدون ضيفا على المؤتمر السنوي لأحدى الجمعيات السياسية في البحرين عام 2005 وفيه القى كلمة تحدث فيها عن التجربتين الكويتية والبحرينية ، ومما قاله في كلمته تلك  : اننا في الكويت تعرضنا مرارا لمطالبات من قبل الحكومة لتعديل مواد في الدستور واحيانا مادة واحدة بحجة تحديثه ولكننا كنا نتصدى لها الواحدة بعد الاخرى يقينا منا ان موافقتنا على اي تعديل مهما كان بسيطا سيفتح الباب امام تعديلات اخرى تسلب الشعب حقوقه ومجلس الامة صلاحياته في التشريع والرقابة ومحاسبة الحكومة .
احمد السعدون قال ايضا في كلمته تلك موجها حديثه للحضور: الخطأ الفادح الذي ارتكبه شعب البحرين هو موافقته على تعديل الدستور من خلال التصويت على الميثاق وبالتالي بلع طعم استحداث مجلس الشورى الذي لم يأت كمجلس استشاري وانما جاء كصمام امان و مجلس تشريعي اول ومعين يستجديه مجلس النواب لتمرير اي قرار لا ترضى عنه الحكومة ! .
وانطلاقا من ملاحظة السعدون نجد ان كل التغييرات التي حدثت في الكويت والبحرين على صعيد المجلسين ( الامة والنواب ) او على صعيد العملية الانتخابية قد جاءت في الكويت بناء على رغبات ومطالبات الشعب والمعارضة في المجلس ، وفي البحرين بناء على رغبات وارادة الحكومة ومصلحتها .
ولنأخذ بعض الامثلة على ذلك : في الكويت عمل الكويتيون على تقليص الدوائر الانتخابية من 25 دائرة الى خمس دوائر بمظاهرتهم امام مجلس الامة الت هتفوا فيها ( نبيها خمس ) واستجابت لهم الحكومة على الفور ، فكلما توسعت الدائرة الانتخابية ازدادت خيارات الناخب وارتفع عدد الاصوات التي تؤهل المرشح للفوز .
وفي البحرين التي بيدها وحدها وضع النظام الانتخابي وتقسيم الدوائر الانتخابية وادارة الانتخابات وفرز الناخبين والمرشحين تصر منذ عشرين عاما على 40 دائرة انتخابية ومعها عدد لا يحصى من المراكز العامة والتي هي بدعة انفردت بها البحرين دون غيرها من الدول ، وهي مراكز ( انتخابية ) لا يسمح بان يكون فيها ممثلين للمرشحين !
وفي الكويت وفي الدوائر الخمس على اتساعها ينتخب المواطن ببطاقة الهوية التي تحتوي على عنوان سكنه وبالتالي لاحاجة لهذه القوائم والكشوف واختفاء الاسماء وحجب ما لا ترغب السلطة في منحها حق الترشح والانتخاب.
وفي الكويت ايضا وكما حدث في الانتخابات الاخيرة فالحكومة لا تشرف ولا تتدخل في الانتخابات، وليس هناك عزل ولا منع ولا تحفظ على ترشح احد من المواطنين بدليل ترشح وانتخاب اثنين موجودين في السجن فإرادة الشعب لا يعلى عليها .
وفي الوقت الذي تتدخل حكومة البحرين لمنع المعارضة وكل شخص لا تريده من الانتخاب والترشح في الانتخابات، نجد ان انتخابات الكويت نتجت عن فوز المعارضة بأكثر من 60% من اعضاء مجلس الامة وان المشاركة والفوز شملا كافة الطوائف والمذاهب ، وان الحكومة على لسان ولي العهد اعلنت انها لن تتدخل في الانتخابات ولا حتى في انتخاب رئيس مجلس الامة ، اي ان الوزراء الاعضاء في المجلس لن يدلوا بأصواتهم اثناء انتخاب الرئيس .
اكثر من ذلك ان انتخابات مجلس الامة هذه المرة وكذا في المرات السابقة خضعت لمراقبة جهات حقوقية دولية على عكس البحرين التي تخاف المراقبة الخارجية ودأبت على منع حضورها على مدى 20 عاما وكذلك في الانتخابات القادمة، والذي يمنع الرقابة على اعماله لابد انه يخفي شيئا !
المقارنة بين الانتخابات النيابية في البحرين والكويت تدلنا على مدى عراقة الديمقراطية الكويتية ومدى تواضعها وشكليتها في البحرين، وكذلك على مدى وجود الثقة والاحترام للمواطن في البلدين.
في عام 1974 زار الراحل والكاتب الكبير محمد حسنين هيكل البحرين والكويت وفي كل منهما سأل شريحة من المواطنين: اي شعوب الخليج اقرب اليكم وكان الجواب من شعبي البلدين متطابقا تماما كما هو الحال مع الدستور الذي حافظ عليه شعب الكويت وفرط فيه شعب البحرين.