بقلم : عبد النبي العكري
تحل الذكري السادسه والسبعين لنكبه فلسطين 1948 ونكبه العرب هذا العام فيما تجري امام انظار الشعب الفلسطيني والعرب والعالم اجمع وعلى الهواء مباشره وقائع نكبه جديده تجري في غزه مترافقه مع عمليلت خطيره في باقي فلسطين المحتله , ولكن ذلك يواجه بمقاومه بطوليه ضد المحتل الصهيوني ,فما هي أصداء النكبه في فلسطين وفي المحيط العربي وعلى امتداد العالم؟
ان من اهم نتائج طوفان الأقصى والذي انطلق في 7 أكتوبر 2023 وما تبعه من حرب اباده صهيوينه ضد الشعب الفلسطيني في غزه بشكل خاص وباقي فلسطين المحتله والذي ترتب عليه حركه احتجاجات طلابيه جامعيه عبر الولايات المتحده الاميركيه ثم اوربا وبلدان أخرى ,هو انه أعاد الى النقاش والاهتمام العالمي لما تعرض له الشعب الفلسطيني من نكبه فعليه قبل 76 عاما وترتب عليها اغتصاب معظم فلسطين وتشريد نصف شعبها ( حوالي 800 الف ) وإخضاع من تبقى منهم في فلسطين ,واقامه دوله "إسرائيل" كوطن قومي ودوله للشعب اليهودي كما يزعمون .
وكما سادت السرديه الصهيونيه والغربيه حينها من ان اليهود كانو يخوضون الحرب من اجل الاستقلال ضد جيش الاحتلال البريطاني والمسلحين الفلسطينيين في ظل الحكم البريطاني, فقد طمست او همشت الوقائع التاريخيه من تآمر بريطانيا المناط بها الوصايه على فلسطين من قبل عصبه الأمم والحركه الصهيونيه وبدعم من قبل الغرب ,لتمويل وهجره وتمكين اليهود للاستيطان في فلسطين على حساب شعب فلسطين .وترافق ذلك مع قيام بريطانيا بتسليح العصابات العسكريه الارهابيه الصهيونيه مثل الارجون وشترن , مقابل نزع سلاح المقاومه الفلسطينه وشن الحرب والعمليات القمعيه والامنيه ضدها واخمادها بتواطئ من قبل الدول الغربيه بقياده أمريكا وعجز فاضح من قبل عصبه الأمم ومن بعدها الأمم المتحده بل ومن قبل دول عربيه.وهنا يجب التاكيه ان الفلسطينين رغم ذلك قد قاوموا ببساله القوات الاستعماريه البريطانيه والقوات الارهابيه الصهيونيه ,كما انهم لم يبيعوا أراضيهم وبيوتهم لليهود , بل ان بريطانيا استولت على أراضي الدوله ثم أملاك الغائبين الفلسطينيين الذين هجروا بفعل الإرهاب البريطاني الصهيوني وتسليمها للوكاله اليهوديه ولليهود .
هذا الاختلال في واقع القوى على ارض فلسطين وارتهان الدول العربيه حينها للغرب وهيمنه الغرب العالميه هو مامكن الحركه الصهيونيه وبريطانيا من العمل لتحويل الاغتصاب الصهيوني الى كيان دوله "إسرائيل " والاعتراف بها من قبل الأمم المتحده والعديد من دول العالم .
وتذكر الوقائع ان بريطانيا التي انيط بها الانتداب على فلسطين من قبل الأمم المتحده لتاهيلها للاستقلال , قد خانت الامانه وعملت على الضد منها ,ولما حان قطف ثمار المؤامره أعلنت بريطانيا انها ستنهي انتدابها في 1 اغسطس 1948.في ذات الوقت فان العصابات الصهيونيه وبريطانيا افشلتا جهود الأمم المتحده لتقصي الحقائق وحفظ حقوق الفلسطينين واشهرها اغتيال الوسيط الدولي كونت براندوت .
وعلى الصعيد الدولي فقد عملت الحركه الصهيونيه والبنيه الصهيونيه على ارض فلسطين والغرب بقياده اميركا تنفيذ خطه إضفاء الشرعيه على الوجود الاستيطاني اليهودي في فلسطين ومن اهم ادواتها الأمم المتحده.من هنا جرى التخطيط لتقسيم فلسطين مابين اليهود والعرب ,ضمن مخطط الاستيلاء الصهيوني على كامل فلسطين ومحيطها فيما يعرف ب:"إسرائيل الكبرى" .وفي 29 نوفمبر 1947 وبعد ضغوط هائله من قبل أمريكا وحلفائها والصهيونيه العالميه على العديد من الدول الأعضاء من دول ناشئه جرى التصويت على مشروع القرار 181 بتقسيم فلسطين مابين اليهود والعرب الفلسطينين بحيث يحصل اليهود على معظم الساحل الفلسطيني والمتصل مع باقي الأراضي الفلسطينيه شرقا وجنوبا,في حين انها خصصت للعرب الفلسطينين أراض غير متصله وهي يافا وغزه على الساحل الفلسطيني وجزء من الجليل والضفه الغربيه وام الرشراش على خليج العقبه .وفي حين كان اليهود يمثلون اقل من ثلث السكان ويملكون 7% من الأراضي الفلسطينه , فقد منحوا 56.5% من ارض فلسطين فيما الفلسطينيون والذين بقوا في فلسطين رغم المجازر يمثلون حوالي 67% من السكان فقد خصص لهم 41.5.% من ارض فلسطين,فيما تقرر ان توضع القدس ومحيطها تحت الوصايه الدوليه ويخصص لها 1% من ارض فلسطين.كما نص القرار على انهاء الانتداب البريطاني مع بقاء القوات البريطانيه حتى 1 اغسطس1948 كنهايه لانتدابها ولتنفيذ قرار الأمم التحده بالتقسيم وقيام الدولتين .
بالطبع فان قرار تقسيم فلسطين قرار مجحف وغير شرعي من وجهه نظر القانون الدولي للأمم المتحده ذاتها واثمرت ضغوط الغرب والصهيونيه بموافقه 33 دوله على مشروع القرار ومعارضه 13 دوله وامتناع 10 دول عن التصويت, ولذى رفضه الفلسطينيون والدول العربيه المستقله حينها الممثله في الأمم المتحده.
وترتب على ذلك ميدانيا قراربتشكيل جيش الإنقاذ بقياده فوزي القاوقجي وضم قوات من الدول العربيه المجاوره وتدريب الفلسطينين وتسليحهم . استمرت عمليات المقاومه الفلسطينه غير المتكافئه مع القوات الصهيونيه التي تدفق عليها السلاح والمدربين و المدعومه من قبل قوات الاحتلال البريطانيه وترتب عليه احتلال المزيد من الأراضي الفلسطينه بحيث اقتصرت في النهايه على22% من أراضي فلسطين هي الضفه الغربيه بما فيها القدس الشرقيه ووضعت تحت الوصايه الاردنيه وقطاع غزه والذي وضع تحت الوصايه المصريه وتهجير المزيد من أبناء الشعب الفلسطيني.
وعلى ارض فلسطين فقد استثمرالصهاينه سيطرتهم على الأراضي الفلسطينه ودعم قوات الاحتلال البريطاني وتاييد الدول الكبرى لفرض الامر الواقع واعلان قيام دوله "إسرائيل" في 15 مايو 1948 ومن خلال التحالف الصهيوني الغربي فقد سارعت الدول الغربيه بل والاشتركيه للاعتراف بدوله "إسرائيل" .
ومره أخرى طرحت قضيه فلسطين امام الجمعيه العامه للأمم المتحده حيث تقدمت بطلب عضويه الأمم المتحده وقد قبلت "إسرائيل" كعضو في الأمم المتحده بموجب القرار 273 بتاريخ 11 مايو 1949 باغلبيه 35 عضوا بما فيها الدول الكبرى وجاء ذلك بعد تمرير قرار مجلس الامن رقم 69 بتالريخ 4 مارس 1949 بالتوصيه بذلك .وقد اشترط القرار التزام "إسرائيل" بميثاق الأمم الأمم المتحده وقراراتها ذات الصله بفلسطين ومن أهمها القراررقم 194 بتاريخ 11 سبتمبر 1948 "بحق اللاجئين الفلسطينيين بالعوده الى ديارهم والعيش بسلام مع جيرانهم او تعويض من لايرغب في ذلك" .لكن "إسرائيل " لم تسمح بعوده أي من 800 الف لاجئء الذين اجبروا على النزوح خلال حرب 47-1949 والذي يتجاوز عددهم حاليا 6 مليون لاجئء فلسطيني في دول الجوار والعالم .كما انها استولت على24% من لرض فلسطين المخصصه للعرب بموجب قرار التقسيم .واستمرت في شن الحروب ضد الفلسطينين والدول العربيه المجاوره وضم مزيد من الأراضي ضمن مخطط "إسرائيل" الكبرى.
واثرها أرسلت الدول العربيه المحيطه بفلسطين وهي مصر والأردن وسوريا والعراق قوات الى فلسطين وانتشرت في الأراضي المخصصه للعرب الفلسطينين ,وهي قوات محدوده العدد وسيئه التسليح وتفتقد الى القياده الكفؤؤه والسيطره الفعليه وبالمقابل فقد كانت القوات الصهيونيه مدربه ومسلحه جيدا ومدعومه بقوه من قبل القوات البريطانيه .وكلنا يعرف النتيجه فقد ضغطت الدول الغربيه من اجل وقف اطلاق النار وترتب عليه اتفاقات الهدنه في رودس في 1949 بين الدول العربيه ذات القوات في فلسطين مع القوات "الاسرائيايه " وانسحاب قواتها من فلسطين باستثناء القوات الاردنيه في الضفه الغربيه والقوات المصريه في غزه.
ورغم ذلك فقد عمدت "إسرائيل" اثر حرب يونيو 1967 وهزيمه العرب الكبرى الى احتلال ماتبقى من فلسطين اضافه الى سيناء المصريه والجولان السوريه ولم تنسحب منها رغم قرار مجلس الامن رقم 242 بتاريخ 22 نوفمبر 1967 .واثر حرب أكتوبر 1973 المجيده والتي حقق فيها العرب (مصر وسوريا) انتصارات مهمه في بدايتها لاسترجاع أراضيهم المحتله فقد تعثر هذا الانتصار وتدخلت الأمم المتحده مره أخرى وصدر عن مجلس الامن القرار 338 بتاريخ 22 أكتوبر 1973 ويدعو الأطراف المتحاربه الى وقف لاطلاق النار وتنفيذ قرار مجلس الامن 242 /1967 بجميع اجزائه وبدأ مفاوصات بين اطراف الصراع لاقامه سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط.وهنا أيضا لم تنسحب "إسرائيل" من ألاراضي الفلسطينيه والعربيه المحتله.
يعتبر قرار القمه لجامعه الدول العربيه في القاره في 1 يناير 19064 باقامه منظمه التحرير الفلسطينه , تحولا هما في التعاطي العربي مع القضيه الفلسطينيه . ونتيجه لذلك عقد المؤتمر العربي الفلسطيني الأول في القدس في 28 مايو 1964 وقرر أقامه منظمه التحرير الفلسطينيه كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني في فلسطين والشتات , وانتخب لجنه تنفيذيه ورئيسها احمد الشقيري وهدفها تحرير كامل التراب الفلسطيني. وجاء انطلاق الثوره الفلسطينيه المسلحه بقياده فتح في 1 يناير 1956 ليدشن مسيره الشعب الفلسطيني لتحقيق ذلك .
لكن كثيرا من التطورات حالت دون تحقق مشروع الثوره والتحرير لأسباب فلسطينيه وعربيه ودوليه وطبيعه الخصم الصهيوني وتحالفاته وقد انطلقت الثوره الفلسطينيه من خارج فلسطين ومن قبل عده فصائل ولم يتوفر للثوره الفلسطينه ساحات الاحتضان الداعمه.والمحصله هي عدم نجاح الفلسطينين ودول الطوق في تحرير الأراضي الفلسطينه والعربيه المحتله .اما التطور الخطير فهو التخلي عن فلسطين كقضيه قوميه من خلال اتفاقيات التطبيع (كامب ديفد واوسلو ووداي عربه ) وتبعتها الاتفاقيات الابراهيميه.
النكبه مجددا والبطوله في غزه
في الذكرى ال76 لنكبه فلسطين هناك نكبه أخرى تجري في فلسطين منذ انطلاقه طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023 حيث تشن "إسرائيل" حرب اباده ضد الشعب الفلسطين في قطاع غزه وعمليلت عسكريه وامنيه لاسابق لها في الضفه الغربيه ,وهي الان في شهرها الثامن وقد ترتب عليها خسائر لاسابق لها في تاريخ الصراع العربي الصهيوني او الحروب المعاصره حيث يستهدف المدنيون بمجازر اباده ويدمر كل ماهو قائم على الأرض ويفرض حصار تام على القطاع الأكثر اكتضاضا بالسكان في العالم بحيث تجاوز الشهداء 35 الف شهيد أضافه الى الاف المفقودين بين ركام المباني المهدمه وما يزيد عن 80 الف جريح وتدمير اكثر من 85% من المباني بما فيها المدارس والمستشفبات والبنيه التحتيه وتحول اكثر من مليوني فلسطيني الى نازحين. وتقوم "إسرائيل" حاليا بعمليه بريه تدميريه في محافظه رفح حيث يحتشد مايزيد عن 1.5 مليون لاجئ في عمليه اباده لاسابق لها في الحروب اضافه لعملياتها في باقي القطاع .وهدف "إسرائيل" اضافه للقضاء على المقاومه ,اجبار الفلسطينين للنزوح من قطاع غزه الى سيناء مصر في اطار التخلص من الفلسطينين واحلال المستوطنيين في فلسطين المحتله لاستكمال التهويد من اجل دوله "إسرائيل" اليهوديه.
في ذات الوقت ومنذ 7 أكتوبر 2023 تصاعدت في الضفه والقدس الشرقيه العمليات العسكرية والامنيه وتهديم بيوت الفلسطينين والاستيلاء على الأراضي الفلسطينيه ومهاجمه القرى والمخيمات بمشاركه المستوطنيين لاجبار الفلسطينين على النزوح الى الأردن امتداد لعمليات التهجير القسري منذ نكبه 1948.
لكن الفرق بين نكبه 1948 والنكبه الحاليه هو المقاومه الباسله في قطاع غزه والضفه الغربيه لقوات الجيش الإسرائيلي "الذي لايقهر" والذي الحق الهزائم المتكرره بالجيوش العربيه والذي كان يحسم حروبه ببضعه أيام , واذا به يواجه حرب استنزاف دخلت شهرها الثامن دون السيطره على قطاع غزه واجبار أهلها على النزوح وتكبده لخسائر لاسابق لها مع شمول الحرب للداخل الفلسطيني المحتل ونزوح مئات الالاف من المستوطنيين.
هناك أيضا فارق جوهري مابين نكبه 1948 والنكبه الحاليه وهي ان العالم يتابع مايجري على الأرض الفلسطينيه من مجازر بحق المدنيين الفلسطينيين لاسابق لها في تاريخ الحروب.ورغم وضوح طبيعه حرب الاباده و ما اكدته محكمه العدل الدوليه والأمم المتحده وغيرها من المنظمات الدوليه المستقله ,فقد استمر الغرب بقياده أمريكا في مشاركه ودعم الكيان الصهيوني عسكريا واقتصاديا وسياسيا ودبلوماسيا وتحصينه من المساءلة والاستمرار في حرب الاباده .ومن هنا انطلقت حركه احتجاجيه طلابيه جامعيه اميركيه واسعه ثم انتقلت الى اوربا وبلدان أخرى شريكه "لإسرائيل " في حربها, مطالبه بوقف فوري لحرب الاباده ووقف دعم حكوماتهم "لإسرائيل" ووقف استثمارات جامعاتهم في شركات تدعم "اسرائيل " وتطورت حركه نصره الشعب الفلسطيني لادراك مدلولات حرب الاباده وطبيعه الدوله "العنصريه الاسرائيليه"والمطالبه بدوله فلسطين الديمقراطيه لجميع أبنائها على انقاض دوله الفصل العنصري.
كما انه من خلال تداعيات هذه الحرب فقد اعيد الاعتبار للقضيه الفلسطينيه مجددا كقضيه شعب تعرض لظلم لاسابق من قبل الصهيونيه العالميه ومنظومه الدول الغربيه الراسمايه وفي خرق واضح للقانون الدولي واحباط للمؤسسات الدوليه وفي مقدمتها الأمم المتحده ومحكمه العدل الدوليه والمحكمه الجنائيه الدوليه وغيرها.هناك مجموعه من الدول المتحررة من النفوذ الصهيوني والهيمنه الغربيه وفي مقدمتها جنوب افريقيا ودول في اوربا مثل اسبانيا وامريكا اللاتينيه مثل كولمبيا تقف مع الحق الفلسطيني وتتصدى للظلم الصهيوني الغربي.
اذن هناك حركه وعي جديد بالخلل العميق للنظام العالمي وطبيعه الدوله المعاديه للإنسان وحقوقه وهي الحركه الانسانيه في مواجه التوحش الصهيوني الغربي.
ان فلسطين ضحيه النظام العالمي الرأسمالي والصهيونيه العالميه , وهي في ذات الوقت انطلاقه البشريه لاستعاده إنسانيتها وكرامتها وقيم العداله والحقوق لجميع أبناء البشريه .