DELMON POST LOGO

مرضى لا يُنسون 4-4

ترجمة: مهدي عبدالله
نقدم اليوم الجزء الأخير من المقال الذي كتبته كورنيليا دالنبرج، الممرضة بمستشفى الإرسالية الأمريكية في البحرين، ونشر في العدد 217 المؤرخ يوليو 1949 من مجلة اريبيا كولنج Arabia Calling التي كانت تصدرها الإرسالية آنذاك.
في أحد الأيام جاءت السيدة هاريسون لزيارة المريضة (الحاجية) ووجدتها تهتم بقراءة الكتب، فتركت لها بعض كتب إلسي آنا وود التوضيحية وجزء من الإنجيل. في ذلك اليوم دخل النور إلى حياة الحاجية، لم تكن تعرفه حينها وربما لم تعرفه الآن لكنه كان اليوم الذي تحدث فيه منقذها السيد المسيح إليها وقال : تعالي إليّ. وتلت ذلك العديد من الزيارات لأن صداقة قوية قد نشأت بينها وبيننا وقبل أن تغادر المستشفى بدا لي أن وجهها قد فقد نظرته القاسية وأن بعض الأمور التي قرأتها وسمعت المبشرين وأم سارة يتحدثون عنها قد أخذت طريقها إلى قلبها. إنها تمشي  كما هي عليه أبدا الآن وتجلب لنا المرضى من جيرانها.
أسماء فتاة شابة تبلغ من العمر حوالي عشرين عاما وقد فقدت أمها عندما كان عمرها ثمان سنوات. درست في المدرسة لمدة سنة واحدة وتعلمت القراءة لكن بعد وفاة أمها اضطرت للبقاء في البيت لتدبير أمور المنزل لوالدها. توفى والدها حينما بلغت الثالثة عشرة فذهبت للعيش مع أخيها المتزوج. كانت بارعة في عمل الإبرة وفي فترة وجيزة تعلمت الأنماط الفاخرة من الحياكة التي تقوم بها المدارس الحكومية.
وبدأت زوجات الشيوخ والتجار الأثرياء في التعامل معها. وأصبحت الفتاة مشغولة ليل نهار بماكينة الخياطة وعمل اليد. الشيخة لطيفة يجب أن تحصل على ثوب ابيض مع تصميم كامل لنجوم زرقاء في خياطة متقاطعة بديعة. الثوب هو لباس فخم والتصميم الكامل يعني أسابيع من العمل. الشيخة نورة ترسل حزمة من الأقمشة وتريد تطريزا بالذهب على حواف ملابسها والشيخة ثاجبة تحتاج إلى تجهيز جديد قبل يوم العيد. براعم زهور وردية في خياطة مقطوعة بالكامل فوق ثوب شبكي ازرق . الأطفال أيضا يجب أن يكون لهم ثياب جديدة ليوم العيد. أغطية الرأس الصغيرة مع حواف مخاطة مقطوعة هندسية وملابس بحواشي ذهبية وشرابات وأغطية رأس بتصاميم بيضاء أنيقة.
طلبات كبيرة تم تنفيذها لكن لم تدفع أثمانها. في يوم ما سوف تأتي النقود، هذا الشيء لم يقلق أحدا سوى عصمه. اخيرا أصبح العمل عبئا ثقيلا جدا عليها. بدأت تكح وأصابتها الحمى كل يوم. كانت تعلم إنها لن تستطيع أن تستمر على هذا الحال وفي عصر احد الأيام جاءت إلى المستشفى وهي تلتهب من الحمى الشديدة وقالت: أريد أن آتي إلى هنا  للبقاء. من فضلكم أحفظوني هنا.
أجريت الفحوص لها وتم إرسالها إلى فحص الملصاف بأشعة إكس وأظهر التقرير أنها مصابة بالسل الرئوي. ادركت عصمه أن أيام الخياطة قد انتهت. إنها فتاة عميقة التدين، تنشر سجادة صلاتها بجانب سريرها وتؤدي صلوات المسلمين بانتظام لكنها أيضا تأتي لحضور صلواتنا التي نقيمها للموظفين في الصباح الباكر. هناك جوع وحزن في عينيها الكبيرتين السوداوين المشرقتين. لا أحد يستطيع أن يمر بها دون التوقف للحديث معها. عندها واحد من كتبنا ، عنوانه (الحياة الجديدة) بلغة عربية بسيطة. دعواتنا لها بأنها أثناء وجودها هنا ربما تجد الطريق إلى حياة جديدة.
مهدي عبد الله