DELMON POST LOGO

ما وراء إنتخابات غرفة البحرين 1-3

بقلم : محمد حسن العرادي

جاءت نتائج انتخابات غرفة البحرين مخيبة لآمال الكثير من المواطنين الذين كانوا ينظرون للغرفة ( اكبر واعرق مؤسسات المجتمع المدني في البحرين تاسست عام 1939) باعتبارها رافعة للعمل الأهلي والترمومتر الذي يمكن من خلاله قياس مقدار وهامش الديمقراطية التي تسير عليها البلاد، ومدخلاً مناسباً لمعرفة اتجاهات الإنتخابات النيابية والبلدية القادمة.

ولم يكن التجار وأصحاب الأعمال من الرجال والنساء هم المصدومين فقط من النتائج التي تمخضت عنها هذه الانتخابات التي جرت يوم السبت 19 مارس 2022 في مركز البحرين الدولي للمعارض، فقد كانت النسبة المتدنية للمشاركة (أقل من 10%) من الكتلة الانتخابية مؤشراً على تراجع ثقة الشارع التجاري بهذه الإنتخابات وعدم اكتراثه بنتائجها ( اصبح الكثير من أصحاب الاعمال ومالكي السجلات التجارية ينظرون الى الغرفة باعتبارها نادي كبار التجار).

وسجل العزوف الكبير عن المشاركة في الانتخابات إحتجاجاً صامتاً كبيراً ولافتاً على التعديلات التي أدخلت على القانون رقم 48 لسنة 2012 والتي صادرت دور أعضاء الغرفة وميزت بين غنيهم وفقيرهم بشكل مخجل ، بل وحولت الغالبية العظمى من أعضاء الغرفة الى مجاميع من (الكومبارس) والمتفرجين ، لا يؤثر حضورهم او غيابهم على انتخابات الغرفة او توجهاتها وقراراتها بأي شكل من الاشكال.

لقد تم العبث بقانون غرفة البحرين لصالح الشركات الحكومية (تمتلك شركة ممتلكات - الحكومية - عدد كبير من الشركات الكبيرة صاحبة الأصوات الوازنة التي تستطيع التأثير في سير الانتخابات) وشركات الأسر التجارية الكبيرة في البلاد ونتج عن ذلك تضخم وإرتفاع فاحش في عدد الأصوات التي تتشكل منها الكتلة الانتخابية للغرفة  (289670 الف صوت) وهو رقم خرافي يقترب من الكتلة الانتخابية  المسجلة في الانتخابات العامة في البحرين للفصل التشريعي الخامس 2018/2022 (356 الف ناخب تقريبا).

كما أدى ذلك الى مصادرة حق غالبية أعضاء الغرفة ( تشكل المؤسسات للصغيرة والمتوسطة حوالي 90% من عضويات الغرفة) وتحويلهم الى ما يشبه الدمى الناطقة والتي ليس لها اي تأثير يذكر، لذلك كان العزوف كبيرا حيث وقف أكثر من 90% من الأعضاء في قواعد المتفرجين، ويعتقد كثيرون بان (كتلة ريادة) التي قادها عضو الغرفة الدكتور عبدالحسن الديري والتي ضمت 11 مرشحا قد وفرت غطاء شرعياً لهذه الانتخابات الباهتة .

ولسنا هنا في وارد الطعن في نتائج انتخابات غرفة البحرين لانها جرت تحت اعين واسماع المراقبين والمتابعين مع حضور خاص وفاعل لمراقبي جمعية الشفافية البحرينية التي تحرص دائماً على تقديم خدمات رقابية مهنية عالية وقد شهدت بنزاهة العملية الانتخابية في الغرفة، لكننا نقرع ناقوس الخطر خوفًا على هامش الديمقراطية البحرينية الهش الذي يبدو انه آخذ في التقهقر والتراجع بشكل كبير من جراء هذا التمييز الفاقع في طريقة احتساب اصوات اعضاء الغرفة.

ويلاحظ بأن التعديلات المخجلة التي أجريت على النظام الانتخابي للغرفة قد تمت بمعرفة مجلس النواب ذاته، وكأن السادة النواب يرغبون دائماً في تأكيد الاتهامات الموجهة اليهم بشأن التمادي في تقليص الحريات و هوامش الديمقراطية الهشة التي بدأت تفقد الكثير من بريقها بعد أن قام مجلس النواب في الفصل التشريعي الرابع (2018/2014) بتعديل قانون مباشرة الحقوق السياسية باتجاه تقليص حق الترشح لعدد كبير من المواطنين يقدره المراقبون بالالاف من المواطنين.

ومن المفارقات الغريبة أن كل المجالس النيابية في العالم تطالب وتعمل على زيادة مستويات المشاركة الشعبية وحقها في اتخاذ القرارات المصيرية انطلاقاً من القاعدة الدستورية (الشعب مصدر السلطات) باستثناء مجلس النواب في البحرين فقد أصبح اعضاءه واعتباراً من الفصل التشريعي الثالث يتنافسون على تحجيم صلاحياتهم وحقوقهم التشريعية،

ولم يكتفوا بذلك بل اضافوا لذلك المزيد من التضييق على حرية العمل الأهلي والنقابي، وقد انعكس ذلك على انتخابات غرفة البحرين الاخيرة، كما سبق ان ساهم في اقصاء العديد من الكفاءات عن الترشح لمجالس ادارات الجمعيات الاهلية ومؤسسات المجتمع المدني.

وبالعودة لانتخابات غرفة البحرين سنجد ان عدد الناخبين المشاركين في الانتخابات قد انحدر الى 1346 ناخباً فقط يمثلون 3121 سجلاً من بين اكثر من 32736 سجلاً تجارياً يحق لهم المشاركة في الانتخابات (عدد السجلات التجارية في البحرين يقدر بأكثر من 100 الف سجل) أي أن نسبة السجلات المستوفيه لشروط العضوية لم تصل الى 33% من أعضاء الغرفة  بما مجموعه 87620 صوتا انتخابياً.

وفيما تجاوزت الأصوات التي حصدها السيد سمير ناس رئيس كتلة تجار 22 حاجز 60 الف صوت بنسبة تقترب من 70% من عدد الاصوات المشاركة في الانتخابات، فإن الحد الادنى الذي حققه اعضاء هذه الكتلة  قد تجاوز حاجز 30 ألف صوت بقليل والذي حققه المرشح الفائز بالمقعد الأخير في مجلس ادارة الغرفة للدورة 30 السيد احمد يوسف غلوم،

فيما  حقق السيد يوسف العوضي المترشح على قائمة ريادة مقعد الإحتياط الأول بمجموع اصوات تجاز 23 الف صوت وحقق الدكتور فيصل عبداللطيف الناصر من نفس القائمة مقعد الإحتياط الثاني بمجموع أصوات تجاوز 17 الف صوت،

ويمكن اعتبار نتائج انتخابات الغرفة لهذه الدورة تشويهاً حقيقياً لواقع الأسرة التجارية في البحرين يكشف عن درجة التمييز الطبقي الذي تعاني منه هذه الأسرة غير المترابطة والمفككة بشكل ملحوظ.

ان جميع الغرف التجارية في العالم وكافة مؤسسات المجتمع المدني والأهلي تعطي حقوقاً متساوية لأعضائها دون الالتفات الى التمايز الطبقي ودرجة الثراء التي يتمتع بها كل منهم، لكن تعديلات جدول الاصوات التي اجريت على قانون غرفة البحرين كسرت هذه البديهية وشرعنت التمايز الكبير بين اعضاء الغرفة المجبرين على عضويتها أصلاً - بحكم القانون - وذلك فصل آخر من فصول قمع الحريات النقابية، حيث تقر الأنظمة النقابية في كل بلدان العالم بما في ذلك مواد دستور مملكة البحرين على حرية الانتماء النقابي وليس اجباريته كما ينص على ذلك قانون غرفة البحرين.

لقد حان الوقت لاعادة النظر في هذا العوار والتشويه القانوني الكبير الذي يعتري النظام الانتخابي لقانون الغرفة رقم 48 لسنة 2012 الذي سن سنة غير حميدة تعطي الشرعية والغطاء القانوني للتمييز بين المواطنين بناء على درجة ثرائهم والملاءة المالية التي يتمتع بها كل منهم،

ودون شك فان ذلك يمكن ان يكون له انعكاسات وخيمة على مسار العملية الديمقراطية في البحرين في المستقبل القريب، فهل ينتبه مجلس النواب الحالي لهذه المثلبة ويسعى الى تصحيحها أم يترك ذلك لمجلس النواب القادم في الفصل التشريعي السادس المتوقع تشكله نهاية هذا العام 2022.  .. يتبع في الجزء الثاني ..