DELMON POST LOGO

الجذور التاريخية للعوامل المؤثرة في التحول الديموقراطي في دول «الربيع العربي» 6-7

تم إحلال مصالح النظام السياسي القطري مكان المصالح الوطنية العليا (القومية) للدول العربية وجاء حدث الربيع العربي لكي يمهّد لإقامة بيئة إقليمية وعلاقات وتحالفات جديدة

قوى التغيير والتقدم الاجتماعي فشلت حمل لواء النهضة والتنوير في الأقطار العربية بسبب اعتقادها بان العرب يشكلون أمة واحدة جاهزة لإنشاء دولة واحدة  

معالجة الانسداد التاريخي تتطلب معالجة الأزمة الفكرية لان أزمة الفكر تقود إلى انسداد الواقع وهو ما يتطلب المراجعة النقدية المستمرة للأفكار والممارسات

تواصل الاكاديمية الدكتورة شرف محمد علي المزعل تحليلها للجذور التاريخية للعوامل المؤثرة في التحول الديموقراطي في دول «الربيع العربي» ، وتشرح في مبحثها الثالث أثر الانسداد التاريخي في التحول الديموقراطي بدول «الربيع العربي» ، وتقول : لا يزال المؤرخون حائرين في تحديد سبب انهيار الحضارة العربية الإسلامية الكلاسيكية بعد فترة ازدهار رائعة، فقد أشار المستشرق الأميركي مارتن كريمر ،  المُختص في تاريخ العرب والإسلام، إلى أن الإمبراطورية الإسلامية قد نشرت، في القرن الرابع الهجري (نحو عام ألف ميلادية)، حضارة إسلامية عالمية، وكان الشرق الأوسط بؤرتها، وكانت صامدة بفضل الإرادة الحرة لأكبر العقول المبدعة، فكانت تنجب العباقرة وترعاهم (تأسست جامعة القرويين عام 859، وهي أقدم جامعة في العالم)، وكانت السلالات الإسلامية تمثل آنذاك القوى العظمى في مختلف الصعد. غير أن الظروف تغيّرت، وغدت الإنجليزية هي لغة الحضارة والعلم والفلسفة، وصارت مراكز البحوث العالمية ُتصنّف منْ لا يتقن لغة أوروبية حديثة في خانة الأميّين.

لا ينكر المؤرخون أهمية العوامل الخارجية، كالغزو المغولي الذي دمّر بغداد وبقية المراكز الحضرية الأسلامية (1258)، إلا أن الانحطاط العربي بدأ عمليا مع انطلاق الكشوف الجغرافية الأوروبية (1497) التي فتحت صفحة جديدة في التاريخ العالمي؛ حيث تم طرد العرب من الأندلس وفقد العالم العربي الإسلامي مكانته المعرفية والثقافية ، وهنا تكمن بدايات الانسداد التاريخي. وقد تركت العوامل المناخية أيضا أثرا سلبيا، حيث تصحّر الهلال الخصيب، وتحوّل معظم مناطق العالم الإسلامي إلى الجفاف بما يعيق ازدهار الحضارات والثقافات.

وفي المقابل، شهدت أوروبا الغربية في القرن السادس عشر انطلاق عصر النهضة والإصلاح الديني، ثم الثورة العلمية الحديثة في القرن السابع عشر، وفلسفة التنوير بالقرن الثامن عشر، والثورة الصناعية في القرن التاسع عشر، والتي تواصلت إنجازاتها في القرن العشرين.

الجدير بالذكر هنا أن التخلف والتقدم هما محصلة طرق التفكير في المجتمع، ونتاج المنظومات العميقة الحاكمة لتصوراتنا عن العالم وفي العالم، وليس هناك طريق للمستقبل من دون معالجة منظومات التفكير، وتبني طرائق التفكير التي تستوجب الفصل بين الدين والدولة. فالإسلام بشكله الاجتماعي كعقيدة وشعائر وشرائع، في جلّ مادته، هو محل اتفاق بين أغلب المسلمين على اختلاف توجهاتهم، ولا يمثل فضاء خلافيا، كونه يشكل العمود الفقري الذي استمر عبر الأجيال. أما فضاء السياسة وشأن الدولة، فهو قضية خلافيّة مُمتدة عبر التاريخ الإسلامي، وهي مصدر دائم للخلاف ، ولذلك فإن معالجة الانسداد التاريخي تتطلب معالجة الأزمة الفكرية، حيث أن أزمة الفكر تقود إلى انسداد الواقع؛ وهو ما يتطلب المراجعة النقدية المستمرة للأفكار والممارسات. ويتمثل الانسداد التاريخي الداخلي، كما سبق ذكره، في عجز أنظمة الحكم عن تحرير الدول العربية من الفقر والجهل والتخلف، وإيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية يرضي الأطراف المتنازعة بعد أكثر من 70 عاما على النكبة (1948)؛ فيما يتجلّى الانسداد الخارجي في عدم القدرة على قراءة التراث العربي الإسلامي بصورة مغايرة للثوابت المطلقة للأيديولوجية القومية، وللفكر الأصولي، والذي اتخذ طابعا عالميا في أعقاب أحداث 11 سبتمبر 2001 .

يتمثل المظهر الرئيس للتخلف في المجتمعات العربية في المكانة المُهينة للإنسان العربي وإخضاعه لعلاقة القهر والرضوخ لسلطة نظام الحكم؛ فالنظم الحديثة للدولة العربية جاءت عمليا مُستنسخة عن النظام العثماني، وحملت جيناته؛ فتكيّفت مع السيطرة الاستعمارية الوافدة، ودأبت على الاستحواذ على مناهج التربية والتعليم والقنوات الإعلامية، وتسخيرها في تكريس المعرفة اليقينية المطلقة لدى المتعلمين؛ وبالتالي تعليم الجهل وتنمية التعصب الفكري الضيق ، واستخدام سلطة مطلقة وعنيفة في تنمية عقد النقص والدونية، وترسيخ ظاهرة التهيج الانفعالي لدى الجماهير المقهورة عبر العقود، وتعزيز إنتاج وعيها الاجتماعي وإعادة إنتاج التخلف عبر أدوات القمع السلطوية؛ مما أوهن الثقافة الوطنية، وأفقدها طاقتها التنويرية، وولّد عجزا دائما لدى الجماهير عن التفكير الموضوعي، وعدم الثقة بالآخر، والانغلاق الاجتماعي، وهذه السمات هي العقبة المُعطِّلة للتغيير الديموقراطي ومصدر ضعف تيار الديموقراطية في المجتمع العربي.

كان من المتوقع والحال هذه أن تحمل قوى التغيير والتقدم الاجتماعي لواء النهضة والتنوير في الأقطار العربية، غير أن القوى القومية قاربت موضوع التخلف القومي بنظرة عرقية ضيّقة، مُعتقدة أن العرب يشكلون أمة واحدة جاهزة لإنشاء دولة واحدة، وبالنتيجة أغفلت حقيقة أن الوحدة القومية هي حصيلة فكر تحديثي، يحمل مشروعا حداثيا لإنجاز مهمة تصفية التخلف التاريخي الموروث، والتجزئة القطرية، والانقسامات العشائرية والطائفية، وتفكيك قيود الاستبداد السلطوي.

أما القوى الاشتراكية العربية، فقد ربطت الحرية بالتحرر الوطني من الاستعمار، لكنها لم تشكل عنصر إشعاع للممارسة الديموقراطية والمعرفة المُعمقة بالواقع الاجتماعي؛ فقصُرت سياساتها على الاهتمام بالأيديولوجيا التي قدمت وعيا زائفا بخصوصيّات الواقع العربي. ومع أن هذه القوى أضافت عناصر جوهرية إلى الثقافة الوطنية، وإلى قيمة الديموقراطية، إلا أنها لم تتمكّن من الربط الجدلي بين العام في الحركة الثورية العالمية والخاص في إطار المجتمع العربي، وظلت مغتربة عن الواقع ووعي الجماهير الشعبية؛ ولذا كان إسهامها في محاربة التخلف محدودا.

لقد طرح حدث «الربيع العربي» إطارا جديدا لفهم مجريات الصراع العربي – الإسرائيلي، فقبل اندلاع الاحتجاجات الشعبية، كان هناك انكفاء شبه كامل للأنظمة العربية عن القضية الفلسطينية، ومحاولات حثيثة لاسترضاء إسرائيل خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، حيث انحازت الأنظمة العربية لإعادة تعريف المصالح الوطنية لبلدانها ومُحدِّدات أمنها القومي في إطار جديد يخدم مصالحها السياسية في سبيل بقاء سلطتها.

وبالنتيجة، تم إحلال مصالح النظام السياسي القطري مكان المصالح الوطنية العليا (القومية) للدول العربية. وجاء حدث الربيع العربي لكي يمهّد لإقامة بيئة إقليمية وعلاقات وتحالفات جديدة، حيث تمثل القضية الفلسطينية أحد المرتكزات لهذه العلاقات؛ نظرا لدورها الهام في صياغة الأمن القومي للمنطقة .

وإذا كانت الأنظمة العربية قد سعت، على مدى فترة زمنية طويلة، لإقناع شعوبها أنه لا يمكن أن تكون هناك ديموقراطية ولا حرية ولا تنمية اجتماعية واقتصادية حقيقية ما ، كان من المتوقع والحال هذه أن تحمل قوى التغيير والتقدم الاجتماعي لواء النهضة والتنوير في الأقطار العربية، غير أن القوى القومية قاربت موضوع التخلف القومي بنظرة عرقية ضيّقة، مُعتقدة أن العرب يشكلون أمة واحدة جاهزة لإنشاء دولة واحدة، وبالنتيجة أغفلت حقيقة أن الوحدة القومية هي حصيلة فكر تحديثي، يحمل مشروعا حداثيا لإنجاز مهمة تصفية التخلف التاريخي الموروث، والتجزئة القطرية، والانقسامات العشائرية والطائفية، وتفكيك قيود الاستبداد السلطوي.

الجذور التاريخية للعوامل المؤثرة في التحول الديموقراطي في دول «الربيع العربي» 1-7

https://www.delmonpost.com/post/shm03

الجذور التاريخية للعوامل المؤثرة في التحول الديموقراطي في دول «الربيع العربي» 2-7

https://www.delmonpost.com/post/shm04

الجذور التاريخية للعوامل المؤثرة في التحول الديموقراطي في دول «الربيع العربي» 3-7

https://www.delmonpost.com/post/shm06

الجذور التاريخية للعوامل المؤثرة في التحول الديموقراطي في دول «الربيع العربي» 4-7

https://www.delmonpost.com/post/shm07

الجذور التاريخية للعوامل المؤثرة في التحولالديموقراطي في دول «الربيع العربي» 5-7

https://www.delmonpost.com/post/shm08