بعد انقطاع دام عدة سنوات، أعود لزيارة ألمانيا ضمن مجموعة سياحية بتنظيم من مكتب سفريات "عاشق السفر"،
وأنا أميل لزيارة المدن، وتحديدا من تحمل إرثا تاريخيا،ولست من هواة البحر أثناء السفر ، فقد وُلدنا وعشنا بجوار البحر.
كانت المحطة الأولى في جولتنا مدينة فرانكفورت عبر مطار أمستردام، استقبلنا المطر في مطار أمستردام ونحن القادمون من الوطن ودرجة الحرارة تتراوح بين ٤٠-٤٥ مئوية ودرجات رطوبة في حدها الأعلى..
في مطار فرانكفورت، دقائق بعد الهبوط ، تستلم حقائبك وتغادر مع القادمين، سلاسة إجراءات وحسن استقبال بدءا من مطار امستردام محطة الوصول الوصول الأولى لأوروبا.
سهولة الإجراءات عند الوصول، أعاد بي الذاكرة مع حكاية أحد الأخوة العرب الذي جمعنا معه حضور دورة في التأمين البحري، عام ١٩٩٩ في مدينة كولون الألمانية، صاحبي العربي الذي تفاجأ بحسن الاستقبال مع وصوله لمطار كولون، ولا سؤال، ولا تفتيش، يقول صاحبي العربي،
"كُنتُ في زيارة لإحدى الدول العربية، عند الوصول في المطار ،سألني موظف الجوازات، أنت أردني، أم أردني فلسطيني؟، قبل أن أُجيب،والكلام لصاحبي،علق ضابط كان واقفًا بجانب الموظف " ما بتفرق، الإثنين ؟؟؟"..!
واستطرد أخينا العربي" شعرتُ في داخلي بأسى من كلام " الشقيق" العربي، لكن لا حول ولا قوة..
للأسف هكذا التعامل في أغلب الحدود العربية..
أعود لزيارتنا لألمانيا ومدينة فرانكفورت والتي أزورها للمرة الأولي، سبق لي زيارة مدينة هامبورج وبريمن وكولون وميونيخ.
زيارتي الأولى لألمانيا عام ١٩٨٨ وكانت لمدينة هامبورج الواقعة على بحر الشمال لحضور دورة عملية في التأمين البحري وزيارات ميدانية لميناء هامبورج ، الدورة كانت في شركة اليانز، إحدى كبريات شركات التأمين وإعادة التأمين في ألمانيا، وكانت تربطها شراكة مع الشركة الوطنية للتأمين(NIC).
وقتها لم تتوحد ألمانيا بعد، كانت مُقسمة بين ألمانيا الغربية وعاصمتها بون وألمانيا الشرقية عاصمتها برلين، هذا التقسيم في ضوء ما تمخضت عنه الحرب العالمية الثانية( ١٩٣٩-١٩٤٥) وهزيمة ألمانيا النازية على يد الحلفاء بقيادة أمريكا والاتحاد السوفيتي.
يومها والحديث عن عام ١٩٨٨،قُمتُ بزيارة لبرلين الغربية، للتوضيح، برلين عاصمة ألمانيا هي الأخرى قُسِمت بعد الحرب إلى جزئين غربي وشرقي.
المفارقة لتزور برلين الغربية في ذلك الوقت عليك عبور أراضي ألمانيا الشرقية.
زيارتي لبرلين الغربية القصيرة أتاحت لي زيارة برلين الشرقية ليوم واحد عبر سور برلين، تم إعادة توحيد ألمانيا وعودة برلين الموحدة عاصمة لألمانيا عام ١٩٩١.
مدينة فرانكفورت من أهم المدن الصناعية في ألمانيا، ومطارها من أهم المطارات في أوروبا، ومثل بقية المدن الألمانية، مزدحمة بالسياح ، في كل الأماكن، الأسواق، المتاحف والساحات العامة، يشق المدينة نهر الماين ، وعدة جسور تربط الضفتين، من أهمها جسر آيزرنر ستيج(Eiserner Steg)،تم تشييده في عام ١٨٦٩ وتم تدميره في الحرب العالمية الثانية، وأُعيد بناءه بعد الحرب.
وسط المدينة الحي القديم( رومبرج)، حيث الكنائس القديمة والآثار الرومانية،وهنا تقليد للمواطنين والزوار بوضع أقفال على الجسر تُسمى " أقفال المحبة".
قريبًا من مدينة فرانكفورت، هناك عدة أماكن جديرة بالزيارة،أتاح لنا البرنامج الموضوع زيارة مدينة كوبلنز، تقع عند تقاطع النهرين، الراين وموسيل.
المدينة مُدرجة على قائمة اليونسكو، وتحتوي على الكثير من المعالم التاريخية والقصور القديمة والكنائس.
هنا نصب تذكاري للإمبراطور فيلهم الأول وكأنه يُراقب ويحرس المدينة، بُني عام ١٨٩٧ ودُمر إبان الحرب العالمية الثانية وأُعيد بناؤه عام ١٩٩٣.
أيضًا زرنا مدينة هايدلبرغ وتقع على نهر النيكار، مدينة الجامعات والمستشفيات،هي الأخرى جديرة بالزيارة.
ألمانيا كطائر الفينيق كما في الميثولوجيا الإغريقية، فبعد الحرب العالمية الثانية والهزيمة والتقسيم، أعادت بناء اقتصادها، واليوم ألمانيا القاطرة التي تقود اقتصاد أوروبا.
اليوم الحرب الروسية-الأوكرانية تُلقي بظلالها على الحياة عامة في ألمانيا وشعور بالقلق إلى أين يسير هذا الحريق الكبير الذي يستنزف الاقتصاد وتدمير للبشر والحجر..
تسمع هذا القلق من صاحب المتجر، ورجل الشارع العادي،
جمعني حديث في أحد المقاهي مع شخص،قُلت له أنا سائح قادم من البحرين، عرفني بنفسه، قال أعرف البحرين وأتردد عليها، حيثُ إنني أعمل في شركة تعمل في مجال النفط في مدينة الخبر بالسعودية.
قُلت لمحدثي، أتابع مجريات الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا، وسمعتُ في الأخبار أن ألمانيا مع بدء الحرب رصدت ١٠٠ مليار يورو للتسلح، وهذه سابقة بعد الحرب العالمية الثانية، رد محدثي، المبلغ المرصود للتسلح وما يُدفع للحرب أكثر بكثير مما يُقال في الإعلام..والقادم أسوأ..
بعيدًا عن الحرب وأهوال الحرب، أستعيد الذاكرة بين زيارتي الأولى لألمانيا عام ١٩٨٨ وزياراتي التالية،مظاهر الحياة اليوم تغيرت، وكما يُقال مياه كثيرة جرت تحت الجسر ،ما لفت انتباهي زيادة عدد الأجانب، في السابق كان الأتراك تلتقيهم في أغلب المدن، يعملون في المطاعم وقطاع البناء، اليوم فضلًا عن الأتراك،هناك القادمون من عدة دول أوروبية وتحديدًا الشرقية، وهناك النازحون نتيجة الحروب وسؤ الأوضاع السياسية والاقتصادية من البلاد القادمين منها.
ما لفت نظري أيضًا ،في السابق قل أن تجد من يتحدث غير اللغة الألمانية، اليوم اللغة الانجليزية ولغات أوروبية وحتى العربية لغة التخاطب في الأسواق والمطاعم.
مدينة فرانكفورت كانت محطتنا الأولى في الجولة السياحية، وآمل تكملة التغطية في قادم الأيام للمدن التي زرناها بين باريس وامستردام.