DELMON POST LOGO

لماذا يزورنا بايدن .. في الوقت الضايع ؟

بقلم محمد حسن العرادي

في 20 يناير 2021 أعلن عن تنصيب جو بايدن الرئيس 46 للولايات المتحدة الأمريكية، ومنذ ذلك التاريخ وحتى الآن تحاشى بايدن زيارة أي من دول مجلس التعاون الخليجية، بل أنه أعلن أكثر من مرة عن تحويل اهتمام أمريكا باتجاه الصين ودول اسيا الاخرى وقام بسحب بطاريات صواريخ باتوريوت الامريكية من المنطقة وخاصة من المملكة العربية السعودية ودولة الكويت في خطوة تؤشر إلى تراجع الإهتمامات الأمريكية بأمن المنطقة الذي طالما أوجعوا أدمغتنا بها.
لقد حاول بايدن في بداية فترة حكمه الإيحاء بأن هناك أجواء سلام ورخاء ستعم المنطقة، من خلال الإعلان عن توجهه لإحياء الإتفاق النووي مع إيران الذي الغاه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب من طرف واحد في 8 مايو عام 2018، لكن هذا التوجه بدأ في التراجع، وبدل تخفيض مستويات التوتر في منطقة الخليج العربي، تم الإيعاز إلى ربيبة أمريكا ووكيلتها في المنطقة (إسرائيل) بقرع طبول الحرب وإرباك الوضع الأمني برمته في المنطقة بهدف زيادة ابتزاز دولنا ورفع مستوى هواجسها الأمنية وجرها إلى التطبيع البائس.
ومع تراجع الآمال بإعادة إحياء الاتفاق النووي مع إيران الذي أصبح اتفاق (5+1) بعد خروج امريكا منه، تفرغت (إسرائيل- التي تمتلك اكثر من 200 رأس نووي- وليست طرفاً في اتفاقية منع انتشار الاسلحة النووية) إلى تعطيل العودة للاتفاق  النووي عبر دس أنفها في تفاصيل الاتفاق والعمل على تخريبه من خلال عمليات الاغتيال التي مارستها ضد عدد من القادة العسكريين الايرانيين، ورفع حدة التوتر عبر نقل بطاريات الصواريخ ومنظومات الدفاع الجوية لدول المنطقة بحجة حمايتها من التهديدات الايرانية، وهكذا أصبحت أصوات طبول الحرب تسمع بوضوح في معظم العواصم الخليجية.
وعندما يقرر الرئيس بايدن أن يقوم باستداره كاملة ويعيد حساباته ليدعي الإهتمام بمنطقة الخليج العربي من جديد بعد أن هجرتها السياسة الأمريكية على مدى عام ونصف منذ تسلم قيادة القوة العظمى الأولى في العالم، فانه يفعل ذلك لغاية في نفس يعقوب ولكن في الوقت الضائع بعد أن مُني بهزائم جيوسياسية كبيرة في سياسته الخارجية وتوجهاته ناحية الصين.
لقد باغته الدب الروسي بضربات قاتلة في خاصرة حلف الناتو عبر الدخول الى الأراضي الأوكرانية والبدء في قضمها شيئا فشيئا تحت سمع وبصر القادة الأوربيين دون أن تستطيع أمريكا رغم الكثير من الجعجعة والصراخ والتهديدات المجوفة، أو حلف الناتو المنتهية صلاحيته بعد تفكك حلف وارسو، فعل أي شيئ يوقف الزحف الروسي، والذي ذكر العالم بجاحفل الجيش الأحمر وهي تتصدى للزحف النازي فتلحق به هزيمة نكراء في الحرب العالمية الثانية وتوقف زحفه الذي هدد العالم بأكمله لكنه انكسر أمام عنفوان وصمود الروس في واحات سيبيريا الثلجية.
أن زيارة الرئيس بايدن المقررة في 16-17 يوليو 2022 إلى منطقتنا لا تحمل من الخير شيئاً، وهو يأتي إلى المنطقة منكسراً ذليلاً يبحث عمن ينقذ خططه ومصالحه ويخرجه من فشله الإستراتيجي الكبير والهزيمة النكراء التي منيت بها سياسته في مواجهة زعيم الكريملين الرئيس الروسي القوي فلاديمير بوتين الذي يكاد أن يطلق رصاصة الرحمة على نظام القطب الواحد - أمريكا العظمى- الذي سيطر على العالم منذ انهيار الإتحاد السوفيتي في صيف عام 1991.
إن كل ما يأمله الرئيس الأمريكي من هذه الزيارة هو أن ينقذ ماء وجهه المراق على حدود روسيا العظمى، وخاصة بعد أن إنقلب السحر على الساحر وأصبحت العقوبات الاقتصادية والسياسية والعسكرية التي فرضت على روسيا تطوق أعناق الدول الأوربية التي وجدت نفسها في أتون تضخم إقتصادي كبير ونقص في الطاقة والغذاء وتضخم غير مسبوق في اسعار اهم السلع الإستراتيجية.
إن اوروبا التي وجدت نفسها محاصرة بقراراتها المرتجلة والإنفعالية وتضيق الخناق على شعوبها،  تحاول أن تهرب للأمام للتخلص من ورطتها الاقتصادية بالأساس، وهي تعمل على إرسال الوسطاء للتصالح مع الدب الروسي الذي أعلن بضرس قاطع من منتدى بطرسبيرغ في روسيا انتهاء عصر القطب الواحد، لذا نجد أوروبا تطلق التصريحات الممهدة لسلوك طريق التراجع عبر الإعلان عن عدم اندفاعها في إستعداء روسيا، وتبدي رغبتها في فتح قنوات الحوار معها، لكن الدب الروسي الذي بدأ يستطعم الإنتصار ويتلذذ بارتفاع مكاسبه الإقتصادية الكبيرة والتي ترجمت بصب مليارات اليوروات الأوربية والدولارات الأمريكية في خزائنه وقادت الى رفع سعر صرف عملته الوطنية الروبل الروسي الى أعلى مستوياتها ليس مستعجلاً على الإستجابة لطلبات الأوربيين، بل على العكس نراه يبتسم إبتسامة ماكرة ويطرب لصراخهم الذي يتصاعد كلما وجدهم يتلاومون وهم يقفون أمام طريق مسدود لا مخرج منه، يحصون الجسور المهدمة بفعل الضربات الصاروخية الساحقة، والبنى التحتية المدمرة تحت سلاسل المجنزرات والدبابات الروسية، ودون شك فإن بوتين غير عابئ بايجاد أو إلقاء طوق نجاة الى الرئيس الامريكي او حلفاءه الذين يسيرون خلفه كقطيع من الأغنام يُقاد الى المسلخ دون إرادة منه.
من هنا فإننا نقرأ هذه الزيارة الأمريكية المتأخرة وكأنها لجوء اللاعب الخاسر في المقامرة الى اللعب بأخر أوراقه، ظناً منه بأنه يستطيع إبتزاز دول الخليج العربية باعتبارها الجوكر الذي سينقذ رهاناته من الضياع ويعوض خسائره، فهو يأتي إلى منطقتنا ليس حباً فينا وليس إعترافاً بوزن دولنا ودورها الإقليمي والعالمي وتأثيراتها على السياسة الدولية، وليس من أجل حل المشاكل الأمنية التي تواجهنا مع إيران من جهة والسياسية مع العدو الصهيوني من جهة أخرى، بل من أجل إنقاذ نفسه وحلفاءه من المصير المجهول الذي ينتظرهم في حال وضعت الحرب أوزارها واسفرت عن سقوط مريع لأوكرانيا جزئيًاً أو كلياً تحت قبضة الدب الروسي المنتشي بالانتصارات التي حققها ويحققها كل يوم عبر اكتساب أراضي ومياه جديدة أو من خلال تدمير ترسانة السلاح الأمريكي والأوربي المتطور الذي يرسل يوميا الى اوكرانيا بطريقة بائسة ويائسة فيتم الإستيلاء عليه قبل أن يتم استخدامه.
كما أن الرئيس الأمريكي  بايدن يأتي إلى منطقتنا لاقناع دولنا بالإنصياع إلى مخططه البائس الرامي الى فرض هيمنة (اسرائيل) المطلقة على مياهنا وسمائنا وإقتصادنا وسياستنا باعتبارها الحليف الرئيس الموثوق به وبشكل غير مباشر الناطق باسم البنتاغون، ولكي يكرس حالة عداء دائم بيننا وبين الجارة المسلمة إيران مستغلاً سوء الفهم الحادث فيما بيننا، والذي يمكن ان ينتهي بالحوار المباشر - مع وجود مؤشرات قوية لنجاح مسار المفاوضات الايرانية السعودية -
بينما يسعى الأمريكي إلى الاستمرار في لعب الأدوار القذرة في مناطق أخرى من العالم ولاسيما اللعب على الجبهات الروسية والصينية والكورية والفنزويلية، ولكن هيهات فلقد إنكشف الغطاء وبان هزال أمريكا التي أطلقت صفقة القرن واعترفت بالقدس عاصمة للكيان الغاصب لفلسطين العربية، وروجت للديانة الابراهيمية الكاذبة والمختلقة.
لقد سقطت هنا هيبة  الإدارة الأمريكية وإنكشفت ألاعيبها وتمرغت سمعتها في الوحل الأوكراني وبان زيف وعودها إثر إنسحابها المذل والهزيل من أفغانستان، فلماذا ندفع ثمن تخبطها وتعجرفها وانحيازها الكامل إلى جانب عدونا الحقيقي الوحيد في المنطقة (اسرائيل) هذا الكيان الصهيوني اللقيط.
لقد آن الاوان أن يواصل قادتنا الخليجيين بزعامة المملكة العربية السعودية في اتباع سياسة الحياد الايجابي والنأي بالنفس عن معارك الرئيس الأمريكي بايدن، كي لا نكون حطباً يحترق في حروب غيرنا، بل نضع مصالحنا الإستراتيجية والوطنية على سلم الأولويات خاصة وأننا نقف في صف  الرابحين من هذه الحرب، بعد أن ارتفعت أسعار البترول والغاز الذي تصدره دولنا وأصبحنا نجني أضعاف ما كنا نحصل عليه من عملات صعبة، ونسير في اتجاه سد العجوزات المالية التي تسببت في أغلبها أمريكا وحلفائها من الدول الاستعمارية.
انها لحظة الإعتداد بالنفس والوقوف في صف شعوبنا وحماية مصالحنا والدفاع عن حقوقنا والعمل على تعزيز إقتصادياتنا كي لا نكون بيدقاً في حروب الآخرين ، ولن يتأتى لنا ذلك الا إذا قلنا للرئيس الأمريكي وادارته المهوسة بالحروب والسيطرة والهيمنة على الآخرين، لقد تأخرت كثيراً - نحن لسنا حديقتك الخلفية - ولن نقبل بعد الآن بأن نكون على دكة الاحتياط في فريقك المهزوم.
فلتعد إلى بلادك خائباً خالي الوفاض، لأننا لم نعد نستسيغ لعب دور المنقذ بدون ثمن يناسبنا ويضمن ويلبي مصالحنا أولاً، فإذا أردت أن يصلك نفطنا وغازنا ويصل حلفائك وتابعيك فادفع السعر الذي يناسبنا،  وتوقف عن إبتزازنا والتهديد بمصادرة أموالنا وإستثماراتنا الموجودة في بلادك ومؤسساتك المالية، وبين البايع والشاري يفتح الله.