DELMON POST LOGO

أما آن لهذه الأمة أن تستيقظ وتتحرر ..؟

بقلم محمد حسن العرادي - البحربن

بوليفيا، كولومبيا، هندوراس، تشيلي، وايرلندا، هذه أسماء دول حرة ومستقلة إمتلك حكامها وقادتها حرية القرار السيادي والسياسي، وتمتعوا بكل معاني الإنسانية والتزموا بمعايير حقوق الانسان وأهمها المساواة في الحقوق ومحاربة العنصرية والبُعد عن إزدواجية المعايير، والتزموا بعدم الكيل بمكيالين، وحين طبقوا مبادئهم على الحالة الفلسطينية وما يتعرض له الشعب الفلسطيني من إبادة وتهجير وتدمير وقتل متعمد قرروا قطع علاقاتهم مع الكيان الصهيوني وسحب سفرائهم من هذه الدولة المارقة الخارجة عن القانون الدولي والقانون الإنساني .

بوليفيا، كولومبيا، هندوراس، تشيلي، وايرلندا ليست دولاً عربية كما إنها ليست دولاً إسلامية، ولم تكن مدعوة للمشاركة في القمة العربية الاسلامية التي عقدت بالرياض يوم الأحد 11 نوفمبر 2023، حتى ولو بصفة مراقب، ورغم ذلك إتخذت ما لم تستطع جميع الدول المجتمعة في تلك القمة المشئومة إتخاذه، فقرروا بمحض إرادتها بعيداً عن الخوف من الولايات المتحدة وتهديدات اللوبيات الصهيونية بالنيل من دولهم ومعاقبتها، رغم أن هذه الدول أكثر قرباً لأمريكا وأكثر تاثراً بتدخلات اللوبيات الصهيونية السياسية و المالية والعسكرية من دولنا العربية والاسلامية، لكنها دول احترمت كرامتها وقيمها وحافظت على مصداقيتها فقررت طرد السفراء الصهاينة من بلدانها دون تردد.

تُرى مالذي يمنع دولاً عربية وإسلامية أبتليت بالتطبيع مع الكيان الصهيوني تحت مختلف الذرائع والحجج والضغوط أن تتخذ قرارات جريئة مماثلة، فتقرر قطع العلاقات مع هذا الكيان العنصري المسخ، خاصة وهي تحصي وتراقب عن كثب حجم الجرائم التي يرتكبها هذا النظام الحاقد من مذابح ومجازر دموية بحق أشقائنا الفلسطينيين في قطاع غزة المحاصر بالحديد والنار والتجويع والإرهاب طوال عقود من الزمن، منذ العام 1967 على أقل تقدير، دون أن يحرك الأشقاء والجيران الأقربون ساكناً لرفع الضيم عن هذا الشعب المظلوم الذي إحتل الصهاينة أرضه وسرقوا بيوته وممتلكاته، ثم صادروا خيرات بلاده، وطردوه وشردوه الى المجهول.

ولعل اللافت في الأمر بصورة مستهجنة هو أن

بعض دولنا العربية والإسلامية قد فرضت من تلقاء نفسها حصاراً سياسياً وإقتصادياً وأمنياً ضد أشقائنا الفلسطينيين بحجة الحفاظ على قضيتهم من الإندثار والضياع، فقامت أغلب هذه الدول بمنع الفلسطينيين من الحصول على تأشيرة عمل أو زيارة أو إستثمار، بل وتم تم استثنائهم من حق الإقامة وممارسة العمل السياسي، بحجة عدم الرغبة في إنصهارهم بمجتماعات جديدة ونسيان قضيتهم وبلادهم المحتلة، ورغم أن جامعة الدول العربية قد حرضت الفلسطينيين على المقاومة والدفاع عن حقوقهم منذ تأسيسها، إلا أن دولها أوصدت جميع الأبواب والحدود في وجوههم ومنعتهم من القيام بواجبهم المقدس.

ولما شعروا بأن اغلب هذه الدول قد تخلت عنهم، وأسلمتهم لليأس والانتظار، وعاملتهم بالشك والريبة وربما الإحتقار، قرروا أن ينتفضوا لكرامتهم ويثوروا لحقوقهم الضائعة، فعادوا الى حمل البندقية والسلاح، وخططوا للإنتفاضات والإحتجاجات والكفاح المسلح، وهو حق مشروع تقره جميع المواثيق الدولية والسنن الكونية، بعد أن فشلت محادثات السلام والخديعة، وسقطت المحاولات الدبلوماسية والوعود العربية البراقة بانتزاع الإعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود 4 يونيو 1967، رغم أن مساحة الدولة الموعودة لا تتجاوز 22 % من مساحة فلسطين التاريخية ( 27 الف كم2)، وبعد فشل المبادرة العربية للسلام التي إجتمعت عليها القمة العربية في بيروت فبراير 2002 والتي قابلتها دولة الكيان بالرفض التام منذ ولادتها وعلى مدى أكثر من عشرين عاماً حتى الآن.

وعندما قرر الفلسطينيون الذود عن حياضهم باجسادهم وارواحهم ودمائهم وصدورهم العارية، وهب طوفان الأقصى يوم السبت 7 اكتوبر 2023 ، وعبرت ثلة من الفتية المجاهدين الأسلاك الشائكة والجدار العنصري لتحرر الإرادة الفلسطينية وتستعيد المبادرة في إدارة الصراع مع الصهاينة المحتلين، فإكتشفت خوائهم وكذب إدعائاتهم بالقوة والتقدم والجبروت، وأبانت للعالم بأن الجيش الصهيوني الذي هزم العديد من الجيوش العربية في سويعات قليلة وأرعبها وأخافها طيلة سبعة عقود، لايعدو كونه نمر من ورق، يحتمي به الجُبناء خلف ترسانة من الأسلحة الأمريكية الذكية والغبية، فوقع ما لم يكن في الحسبان.

وبدلاً من أن تهُب الدول العربية للمساندة والتضامن، وتقديم الدعم السياسي والدبلوماسي واللوجستي للمجاهدين الفلسطينيين الأشاوس، تركتهم في الساحة لوحدهم، ولم تقدم لهم أي غطاء يحتاجونه، بل ساهمت في حصارهم وتجويعهم ومنع المساعدات أن تصل إليهم، عندها وجد الكيان الصهيوني المدعوم بالإمبريالية العالمية وقائدتها أمريكا وكافة الدول الأوربية العنصرية والاستعمارية، بأن الوقت قد حان لإكتساح قطاع غزة وإبادة أهله وتهجيرهم، وبدم بارد ولغة استعلائية حاقدة أطلق الرئيس الامريكي بايدن والرؤساء الأوربيين أكذوبتهم البغيضة المعبرة عن (حق الكيان الصهيوني) في الدفاع عن نفسه، ولم يكتفوا بتوفير الغطاء السياسي، بل سارعوا إلى إرسال حاملات الطائرات والبوارج الحربية، وسيروا جسوراً جوية تنقل أحدث أسلحة القتل والدمار لدعم ربيبتهم وحاملة إرثهم وعارهم العنصري نظام الأبرتهايد البغيض.

ومرة أخرى تنكفئ الدول العربية والإسلامية على نفسها، فلا هي فتحت الحدود، ولا هي سمحت للشعوب العربية بالتضامن مع الشعب الفلسطيني الشقيق المظلوم، ولا هي مارست الضغط السياسي والاقتصادي المناسب لوقف المجازر ، ولا هي قطعت العلاقات مع الصهاينة وحماتهم الاستعماريين، وهكذا وجدنا أنفسنا في ذيل قائمة المتضامنين ونحن نشاهد مئات الآلاف من شعوب العالم تتضامن مع فلسطين وغزة هاشم، ونحن لا نملك إلا الدعاء والإسترجاع والحوقلة، فمتى يتحول هذا الفعل الصامت إلى أفعال ناطقة مؤثرة تهب لنصرة أهل فلسطين وتدافع عن حقهم في الحرية والحياة والاستقلال.

وامام هذا الوضع المريب تبدوا الفرصة سانحة لاعادة رسم الخارطة السياسية العربية، وتسلم قيادة جديدة مسؤولية هذه الأمة والدفاع عن حقوقها ومستقبلها، ولابد هنا من الاشارة الى الجهود الكبيرة التي تبذلها بعض الدول العربية لكشف زيف وعنصرية الصهاينة مشكورة، بحاجة الى تكثيف اكبر، حيث تلعب دول مثل السعودية والكويت والجزائر والعراق دوراً رائداً في سبل توفير الغطاء السياسي للأشقاء الفلسطينيين، وترفض مصر القبول بمؤامرة التهجير الى سيناء رغم الكثير من الوعود بإسقاط الديون وتوفير الدعم الاقتصادي، بينما تلعب قطر دور الوسيط لحل الأزمة وإيقاف العدوان، من هنا تبدوا الفرصة سانحة وبشكل كبير لاعادة تبلور قيادة جديدة للأمة العربية عبر تحالف يضم الدول القادرة على كبح جماح الصهيونية العالمية ورأس حربتها الكيان الصهيوني الحاقد، والسؤال متى تستيقظ وتتحرر هذه الأمة ومن يتولى زمام قيادتها في هذا الظرف العصيب، والله من وراء القصد