DELMON POST LOGO

رحلة على ضفاف المتوسط

الكاتب

بقلم: مهدي مطر

ونحن نودع فصل الصيف نهاية أكتوبر الطويل والمُثقل بالرطوبة ودرجة حرارة تجاوزت 50 درجة مئوية في بعض الأيام، كانت لي فرصة الالتحاق برحلة بحرية (curies) عبر البحر المتوسط، ودائماً في الذاكرة ما تعلمناه في درس الجغرافيا، مناخ  دول منطقة البحر المتوسط "حار جاف صيفاً، دافئ ممطر شتاءً، وإضافةً للرحلة البحرية، زيارة مدن ساحلية صديقة وجارة للبحر.

برشلونه

مدينة برشلونه الأسبانية كانت المحطة الأولى مع توقف قصير في المدينة، وعندما تُذكر برشلونه تُربط مباشرة بنادي برشلونة النادي العريق، هذا النادي الذي مرت عليه أجيال ونجوم، كرويف الهولندي الطائر، مارادونا الأسطورة الأرجنتيني وختاماً بميسي الأسطورة هوالآخر. مدينة برشلونة وهي المدينة الثانية في أسبانيا بعد العاصمة مدريد، مدينة في غاية الجمال بأسواقها وكنائسها وزادها جمالاً إطلالة على البحر المتوسط.

ما لفت انتباهي في المدينة، الأعلام في شرفات الشقق، سألت أحد الأخوة عن قصة الأعلام في الشرفات، أجابني، العلم يُوضح هوية المقيم ،إذا كان علم أسبانيا الدولة فهو أي المقيم مع وحدة أسبانيا الواحدة، أما إذا كان علم إقليم كتالونيا وعاصمته برشلونه فالمقيم  مؤيد لاستقلال الإقليم وانفصاله عن أسبانيا..، ولا يبدو في الأُفق مايسمح لإقليم كتالونيا بالانفصال عن الوطن الأم..

في اليوم الثاني لوصولنا لمدينة برشلونه، انطلقت الباخرة من الميناء لتشق عباب البحر وكما يقول الشاعر " والبحر أجمل ما يكون".

الباخرة أشبه بقرية عائمة، من حيث  عدد الطوابق وعدد السياح على ظهر  الباخرة.

تونس

تونس الميناء والبلد والعاصمة كانت المحطة التي الأولى توقفت فيها الباخرة، تونس مهد الربيع العربي عام 2011، الذي للأسف لم نُحسن التعامل معه، حكومات وأحزاب ونخب.

زيارة قصيرة للمدينة تونس والبلدة القديمة وشارع الحبيب بورقيبة والمدينة التاريخية قرطاج الأثرية المصنفة كموقع تراث عالمي، وتعاقبت على المدينة سبع حضارات بدءً بالبونية مروراً بالرومانية حتى الإسلامية... واليوم المدينة بها القصر الرئاسي الذي شيده الرئيس الحبيب بورقيبه.

أثناء الجولة السياحية، لاحظت أن الحافلات التي تقل السياح ترافقها سيارات أمن مدنية، ورجال أمن يتواجدون في الأماكن السياحية، كمالاحظت شرطي مرور  يستقل دراجة نارية يتقدم الحافلة التي نستقلها ويفتح لنا الطريق، قُلت لزوجتي على سبيل الدعابة، يبدو إننا في غاية الأهمية، لهذا تُوقف حركة المرور وتُفتح لنا الشوارع..

نزور متاجر حياكة وبيع السجاد، نتحدث مع أحد أصحاب المتاجر عن  وضع السوق، البيع والشراء، يأتيك الجواب، الكساد يسود السوق..، وهذا حاصل منذ التغيير عام 2011.

نتحدث مع سواح توانسة جمعتنا معهم الصحبة خلال الرحلة البحرية، يحدثونك عن صعوبة الوضع الاقتصادي والسياسي، وأن الأحزاب التي جاءت للحكم بعد التغيير عام 2011 لم تُحسن إدارة الدولة، وتعاملت مع الوضع استحقاق وتعويض لهم عن فترة " النضال" إبان العهد السابق، فتم توظيف محازبي ومريدي هذه القوى في دوائر الدولة بعيداً عن الكفاءة..

التوانسة يتذكرون بالخير عهد الراحل الرئيس الحبيب بورقيبة وانجازاته تحديداً على الصعيد الاجتماعي..

نعم تونس تعاني على كل الصعد..

تُغادر الحافلة  المدينة إلى الميناء حيث ترسو الباخرة ترسوا هناك وفي قلبنا أسى على هذا البلد العربي الذي كان منطلقاً للربيع العربي وكان أملاً في التغيير الديمقراطي..

بارليمو

محطة التوقف الثانية للجولة البحرية مدينة بارليمو وتقع في الجزء الغربي من جزيرة صقلية الإيطالية وأكبر الجزر في البحر المتوسط حيث رست الباخرة، هنا استقر في هذه الجزيرة العرب والمسلمون برهة من الزمن بدءاً من عام 965م  حتى 1091 م، يتحدث المرافق السياحي عن تاريخ الجزيرة ودور العرب وما تركوه من آثار وتأثير على الحياة، إيطاليا بلدالجمال والحضارات وصراع الأباطرة، واليوم خلاف الشمال الغني والجنوب الفقير..

من صقلية تأخذنا الباخرة إلى نابولي ميناء الجنوب الإيطالي عاشقة لاعب كرة القدم الأرجنتيني الأسطورة مارادونا، صور وتماثيل اللاعب تملأ متاجر الهدايا، يعشقون مارادونا لإنه حقق للمدينة بطولة كأس الاتحاد الأوروبي عام 1989، ولا ينسون أنه أي مارادونا من أخرج إيطاليا من الدور قبل النهائي في كأس العالم عام 1990 وفي إيطاليا.

جنوا

مدينة جنوا ميناء الشمال وذات التاريخ العريق، بلد كريستوفر كولومبس مكتشف العالم الجديد" أمريكا" عام 1492 م، خُصص متحف لإبن المدينة، وللأسف لم يتسن لنا زيارة المتحف لضيق الوقت، قبل يوم من زيارتنا لمدينة جنوا كنت أقرأ استطلاع في مجلة العربي، عدد مايو ٢٠٢٢ حول المدينة من إعداد صالح تقي، يُشير الكاتب في تغطيته لرحلته للمدينة "تاريخ المدينة يعود إلى عصور قديمة، حيث كان أول من سكنها أفراد قبيلة (الليفوريين(. وقد احتلها الأغريق في القرنين السادس والخامس قبل الميلاد، ويُرجح أن يكون الفينيقيون هم من أسسوا مرفأ جنوا" ،انتهى الاقتباس من تغطية الكاتب.

إطلاعي على الاستطلاع المنشور في مجلة العربي وما تضمنه من معلومات حول المدينة، وجاءت الزيارة لتكتمل الصورة.

من الظواهر اللافتة وأنت تتجول في مدن جنوب أوروبا مشهد اللاجئين الأفارقة وهم يفترشون الأرض ويعرضون بضاعتهم الرخيصة الثمن من شنط وأحذية، وهنا يأتي السؤال، مالذي أجبر هؤلا الفقراء على الهجرة الشرعية وغير الشرعية من بلدانهم وتحمل عناء ومخاطر السفر؟

هل هي الدول التي احتلتهم وسرقت خيرات بلدانهم؟ أم أنظمة بعيدة عن الحكم الرشيد؟  

شاتو

تجول في مدن العالم وتلحظ الاهتمام بالأماكن الأثرية  والقديمة ورمزيتها في تاريخ البلد، مثال جسر قديم له قيمة تاريخية في السلم والحرب، ميناء ودوره في حركة النقل البحري، وتقرأ الكتب السياحية التي تسرد سيرة المكان وما يمثله من قيمة تاريخية، هذه الأماكن والمعالم أصبحت اليوم قبلة للسواح. أحد هذه المعالم جزيرة شاتو" Chateau D’FF” ,  هذه الجزيرة الصغيرة جزء من أرخبيل وتقع على بعد ١.٥ كيلومتر من ساحل مدينة مرسيليا جنوب شرق فرنسا وكأنها تحرس المدينة من أي أخطار محتملة، بُنيت عليها دعائم عام ١٥٢٤م لحماية المدينة من أخطار البحر، عام ١٦٣٤م تحولت الجزيرة إلى سجن حتى نهاية القرن التاسع عشر، واستقبلت الجزيرة الكثير من المشاهير، من ضمنهم شقيق ملك بولندا، أسأل المرشد السياحي الذي رافقنا وبعد أن قدم شرحاً وافياً عن تاريخ الجزيرة التي كانت سجناً عن وضع الجزيرة اليوم، رد المرشد، أصبحت معلما سياحياً ومقصداً للزوار.

هنا جال في خاطري جزيرة جدا التي كانت سجناً للمحكومين في قضايا جنائية والمعتقلين في قضايا سياسية حتى منتصف ثمانينات القرن الماضي، من ضمن من مر وسجن في هذه الجزيرة قادة هيئة الاتحادالوطني المرحوم إبراهيم حسن فخرو والمرحوم إبراهيم بن موسى، فضلا عن الراحلين الثلاثة عبدالرحمن الباكر وعبدعلي العليوات وعبدالعزيز الشملان الذين تم نفيهم بعد محاكمة صورية إلى جزيرة سانت هيلانة في المحيط الهندي.. تساءلتُ لِم لا تتحول هذه الجزيرة إلى معلم سياحي يؤمها السواح؟

إنها أحلام، فهل تتحقق؟

أيضاً من الأماكن التي كان ممكن الحفاظ عليها كأحد معالم الوطن ميناء المنامة القديم" الفرضة" الذي كان بوابة البحرين على العالم وأسهم في ازدهار اقتصادي وكان بالإمكان تحويله، أي الميناء القديم ، لمعلم سياحي، الاهتمام بالمباني القديمة لا يتعارض مع التطوير.

نعم وطننا البحرين يحتضن الكثير من الأماكن التي تستحق العناية وتحويلها إلى أماكن سياحية ومقصداً للزوار والموطنين، وهي ذاكرة الوطن، ذاكرة المكان والإنسان البحريني.

نعم هناك مبادرات من هيئة الثقافة بترميم بعض البيوت القديمة التي لها    قيمة تاريخية مثال مركز الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة  وبناية بن مطر في المحرق وبيت الحاج خلف بالمنامة وبيت الشاعر غازي القصيبي بحي الفاضل بالمنامة ومتحف البريد بباب البحرين.

نصول ونجول بين البحار والمدن، وتبقى الكثير من الأماكن التي يطمح الانسان لزيارتها للمزيد من المعرفة حول تاريخ وثقافات الشعوب.

ختاماً ما أود قوله، ما ورد هنا هي انطباعات لما نشاهده في زياراتنا لدول ونتوق ونتطلع لرؤيته في وطننا، هي أقرب لسرد أو سمها أوراق مسافر، كما سماها الكاتب غالي شكري.