DELMON POST LOGO

التنقيبات في مـوقـع شـجـرة الحيـاة الأثـري للدكتور المعراج

شهدت منطقة شجرة الحياة وما حولها استيطان بشري قديم يعود للعصر الحجري الحديث ربما زرعت الشجرة في فوهة بئر ماء
اعداد: الدكتور: محمد رضا معراج
موقع شجرة الحياة يقع في جنوب جزيرة البحرين، ويطلق على المنطقة التي تقع فيها شجرة الحياة منطقة ( حفيرة ) وتبعد مسافة 2 كلم إلى الغرب من قريتي جو وعسكر وتقع على خط الطول 35/50 ودرجة العرض 59/25 وتبعد على مسافة 40 كلم من المنامة  ( شكل 1 )، ويستغرق وقت الوصول إليها بالســيارة 45 دقيقة، ويعرف أســم هــذا النوع من الشـجر محلياً بــ ( العوسج ) ويسمى في أمريكا Mesquite tree ( لوحة 1أ، ب)، وسبب شهرتها ليس فقط لبقائها على قيد الحياة في الصحراء القاحلة وإنما لبقائها خضراء لمدة طويلة، وهذه الشجرة المسنّة المتميزة بأغصانها الشوكية لا تتغير خضرتها بتغير المناخ، وهـذه إشــارة لحصولها على ما تكتفيه مــن مـاء مـن تحت الأرض .
يمتد التل شــرق / غرب بطول 162 متر، وشــمال / جنوب بعرض 119 متر، وارتفاع التل التراكمي بقدر 10 متر فوق مستوى سطح البحر (شكل 1أ،ب ).
شــجـرة الحيــاة Tree of life:
    تقع في الطرف الشمالي الغربي من التل ومحيط قطر ساق الشجرة 60,3 متر ، وأما عن عمر الشجرة فأنه غير معروف بالضبط، وهناك مقال للباحث على اكبر ابو شهري عن الموقع نشر في جريـدة الوقت اليـوميـة البحرينيـة العدد 507 الخميس 12 يوليو 2007 ) وبسـبب ما تعرضت له من حريق في جذعها من الأعلى، وقد أشار أبو شهري على أن الدراسة التي أجريت على الشجرة عام 1986 بالتعاون مع معهد سـيمثـونيـان للتاريخ الطبيعي في الولايات المتحدة الأمريكية، شملت الدراسة طبقات لحاء الشجرة (لوحة رقم 2 ب ) إضافة لدراسة معدل سقوط الأمطار في البحرين منذ عام 1904 ونتج عن هذه الدراسة (على ابو شهري، جريـدة الوقت اليـوميـة البحرينيـة، 2007) بأن عمر هذه الشجرة يصل إلى 424 عام، ويعتقد بأنها زرعت في عام 1583م .
وهناك دراسة أخرى أجريت عن سر بقاء شجرة الحياة منتصبة منذ أربعة قرون وهذه الدراسة أجراها الدكتور غازي الكركي أستاذ فسيولوجيا النبات بجامعة الخليج العربي ( جريدة الوقت العدد507، 2007 )، أستطاع من خلالها أن يكشف سر بقاء هذه الشجرة على قيد الحياة طول هذه المدة، مؤكداً أنه يعود إلى فطر المايكورايزا، والدراسة العلمية تقول سر بقائها دون ري أو تسميد قـد أنها ابتكرت آلية خاصة لتغذية نفسها ذاتياً بمساعدة فطر المايكورايزا .
والتفسير المقبول، بعد إجراء عمية التنقيب، فإنه رغم ابتعادنا أثناء التنقيب عن الشجرة لمسافة ثلاثة أمتار تجنباً ظهور جذور الشجرة، ولتجنب تعرضها للجفاف ولكي لا تجف الشجرة وتموت، رغم بروز صف من الحجارة بالقرب من جذع الشجرة ، يحفزنا على الافتراض بأنها ربما زرعت في فوهة بئر ماء أو ما شابه ذلك، ولكن يلاحظ من خلال التنقيب بعيداً عن الشجرة وإلى عمق في بعض الأماكن يزيد على ثلاثة أمتار، بأن الطبقة السفلى من التل عبارة عن رمال ناعمة ورطبة، مما يدل على أن مياه الأمطار تنفذ للطبقات السفلى الرملية وتبقى، مما ساعد الشجرة على البقاء طيلة هذه الفترة الزمنية خضراء .
التاريخ المطلق Absolute dating :  
    مــن المعلوم هنـاك عـدة طرق علمية لتحديد العمر المطلق، وأهم هـذه الطـرق هي تحديد عمر الكاربـون ( للمادة العضوية ) بما يسـمى كـاربـون ( 14 ) أو الكاربون المشع.  وأما الطريقة الأخرى لتحديد عمر الشجر بشكل عام، وكحقيقة علمية من المعروف بأن الشجرة في كل عام تنتج في ساقها حلقة واحدة، وتعاقب هذه الحلقات السنوية في لحاء كل شجرة، يمكننا ببساطة مشاهدتها في المقطع الأفقي لساق الشجرة، وبحساب تسلسل الحلقات في شجرة مزروعة، يمكن معرفة عمرها وذلك بأخذ عينة صغيرة من الساق من دون إيذاء الشجرة، وليس من الضرورة قطع ساق الشجرة لكي ندرس تسلسل حلقاتها ونستطيع استخراج عينة من الجذع دون الإضرار بالشجرة .
و في ســاق شجرة الحياة بحد ذاته وجدنا بأن أحد الأشخاص أخذ 29 عينة من حلقات لحاء الشجرة، لأننا وجدنا نفس هذا العدد من الثقوب في جذعها (لوحة رقم2 ب).( معهد سـيمثـونيـان للتاريخ الطبيعي في الولايات المتحدة الأمريكية ).
أدوات العصور الحجرية :
    شهدت منطقة شجرة الحياة وما حولها استيطان بشري قديم يعود للعصر الحجري الحديث، حيث تنتشر أدوات العصور الحجرية حول تل شجرة الحياة والبعض عثر عليه في طبقات عثر الباحث الدفن أثناء التنقيب، لدليل على وجود حركة استيطان بشري في الموقع منذ فترة العصور الحجرية، وتتميز أدوات الموقع بمستوى رفيع في فن تصنيع الأدوات الحجرية، حيث المكتشفات المادية الأثرية تدل على وجود الاستيطان البشري في المنطقة المحيطة بتل شجرة الحياة في العصور الحجرية.
والآلات الصوانية المكتشفة من قطع حجر الصوان، تتمثل في المقاشط والشفرات ومزارف وسكاكين وفأس يدوي، تدل على نمط حياة الصيد وأنواع من الأدوات الحجرية البدائية، وبعض هذه الأدوات صنعت بالطرق الشديد وتبدو آثار الضربة العميقة، وأثر قشور التشذيب ظاهره على جميع الأدوات من النوايات الحجرية، خاصة الصوانية منها.
التل الأثري :
    التل غني بالدلائل الأثرية، كالفخار وأساسات المباني، ومواد البناء كالفروش والحجارة الكلسية البارزة فوق سطح التل( لوحة رقم 2 أ )، والمقطوعة من المحاجر المجاورة للموقع نفسه، أن أساسات المباني توحي بأنها وحدة معمارية استيطانية.
يتدرج التل في الانخفاض من جميع الجهات، وهذا التدرج يظهر طبقات تراكمية متعددة لفترات زمنية طويلة. إن النظرة على هذا التل تشير بشكل واضح أنه كان ذو امتداد واسع ولم تكن هذه المساحة الحقيقية الإجمالية للموقع الأثري، ولكن يمكننا القول بأن هذا هو ما تبقي من التل، وأن مساحته كانت أكبر من ذلك بكثير، ولكن النهب الجائر المتواصــل ولمـدة طـويلـة للـرمـال من هذا الموقع لم يتبق من الموقع إلا هذه المساحة من التل، بينما أزيلت المنطقة المحيطة بالتل.
وقد أظهرت نتائج المسح الأثري ( الباحث ) أثناء بداية عملية التنقيب وعلى مسافة 1 كلم شرقي تل شجرة الحياة، وإلى ما قبل المرتفعات الصخرية، وجود كسر فخارية من نفس نوع الكسر الفخارية المكتشفة في تل الموقع، مما يدل على أن المستوطنة الأثرية كانت تمتد إلى هذه المسافة قبل التعدي على رمال التل وإزالتها، وأن الكسر الفخارية سقطت من الرمال أثناء شحن الشاحنات بواسطة البلدوزرات، وهذا دليل أيضاً على أن مساحة المستوطنة كانت أكبر مما هي الآن .
مع أننا لم نعثر بهذا الموقع على أية مظاهر عمرانية بارزة فوق سطح التل، إلا أن المخلفات على سطح الموقع تتمثل في صفوف من الحجارة تعود لأساسات أبنية كانت بارزة على سطح التل وأزيلت، وهذا يشير إلى أن التل يخفي تحته العديد من المباني والمنشآت، وهذه الأبنية لم يبق منها في الأعلى إلا الأساسات.
هذا بالإضافة لانتشار كسر فخارية متعددة الأنواع والاستخدامات على سطح التل، والتي تعود جميعها إلى الفترة الإسلامية، القليل من الكسر الفخارية تعود للفترة الإسلامية المبكرة، والبعض يعود للفترة الإسلامية المتوسطة ومعظمها جرار فخارية كاملة وفي حالة حفظ جيدة، وكمية غير قليلة تعود للفترة الإسلامية المتأخرة، شبيه للفخار والخزف الإسلامي المكتشـف في المواقع الأثرية الأخرى في مملكة البحرين، مثل موقع قلعة البحرين، وموقع بلاد القديم، والمقشع وحلة عبد الصالح (Insoll, Timothy,2005, P118),.
هذا ولم نعثر حتى الآن على فخار يعود لفترة ما قبل الإسلام أي لا دليل أثري مادي على الاستيطان في فترتي تايلوس ودلمون في موقع شجرة الحياة.
كما لا يوجد أبحاث حقلية سابقة، ولم يتم الكشف عن الموقع من قبل، وبالتالي يمكن أن يمدنا هذا الموقع بمعلومات جديدة عن تاريخ المنطقة وخاصة في الفترة الإسلامية.
أعمال التنقيب بالتل الأثري :
    يعد العمل بموقع شجرة الحياة هو الموسم الأول وبدأ موسم التنقيب منذ بداية شهر ابريل إلى 31 من شهر يوليو 2010 ، وقد أوكلت إدارة الآثار والتراث إلى الباحث مسئولية الإشراف ومتابعة أعمال التنقيب وفق عملية يومية منظمة حسب النظام المتبع في قسم التنقيبات، والتوثيق الفوتوغرافي حيث يتم تصوير مراحل التنقيب وتصوير اللقى الأثرية في مكانها وقبل إزالتها، وأعمال الرسم وشملت الظواهر المعمارية بالقيام بحفريات علمية منظمة في موقع شجرة الحياة وتحمل مسئولية الإشراف ومتابعة أعمال التنقيب وكتابة البطاقات للمعثورات بشكل توثيقي وفق عملية يومية منظمة حسب النظام المتبع في قسم التنقيبات الأثرية، والتوثيق الفوتوغرافي والمقاطع الجدارية للمربعات المنقبة والقواطع التراكمية للحفر.
وقد صنف الموقع من قبل بعثة إدارة الآثار والتراث بوزارة الثقافة بأنه أحد المواقع الأثرية الإسلامية السكنية المهمة، وذلك نظراً لإكتشاف المنشآت المعمارية المبنية جدرانها بالحجارة والجبس، وكذلك لانتشار الكسر الفخارية على سطح هذا التل، والتي تعود جميعها إلى الفترة الإسلامية. وبالتالي مقارنة المكتشفات في هذا الموقع مع مكتشفات المواقع الأثرية الإسلامية الأخرى في البحرين، للحصول على أكبر قدر ممكن من المعلومات عن طبيعة الحياة القروية الرعوية في هذه المستوطنة.
تم إطلاق أسم موقع شجرة الحياة في السجلات الرسمية علي جميع أجزاء الموقع الأثري، لوجود هذه الشجرة على هذا التل حيث ظهرت الكثير من الجدران السطحية وليس لها استمرارية في العمق وقد ظهر جدار يستمر إلى عمق 110 سم في الأسفل، وهذا الجدار مبني بالحجارة الكلسية يتجه شرق – غرب، ويستمر في الاتجاه إلى الجنوب ( شمال – جنوب ) وارتفاعه من سطح التل 90 سم، ينقطع بوجود أرضية قاسية مرصوفة بالجبس (لوحة رقم12ب ).  
ولعل الجدير بالملاحظة هنا أن المواد الحجرية والمنشآت بهذه المنطقة قد تنتمي إلى فترة أو أكثر، ونخص بالذكر هنا المنشآت مع أن بقايا كلا البناءين التي كانت تنتمي إلى فترة زمنية واحدة وهي الفترة الإسلامية والغالبية تعود الى الإسلامية(المتوسطه، والمتأخرة )، فإن هناك من الشواهد التي تشير إلى أن هذا الموقع بوجود طبقتين سكنيتين، واحدة عليا آثارها في تصميم صفوف طويلة من الحجارة طبقة سطحية، التي يعتقد بأنها تعود إلى منشآت سكنية كانت قائمة على سطح التل وأزيلت من الوجود فيما بعد( لوحة رقم 12 أ )، والطبقة الثانية عبارة عن جدران تمتد إلى الأسفل( لوحة رقم 12 ب ). كان هدفنا تتبع ملامح الوحدات المعمارية واتجاهاتها والتفرد بكل وحدة، ورفع محتوياتها في نفس اليوم كل ما أمكن بعد توثيقها لضمان سلامتها.
اعتمدنا طريقة الكشف الأفقي الشامل للجدران، واستبعدنا طريقة الكشف العمودي للبحث عن طبقات سفلي، قد تكون تعود إلى فترات ما قبل الإسلام ،لأن في هذه الحالة يتطلب منا إزالة بعض جدران أو أرضيات المسـتوطنـة الإســلامـيــة، عـــلاوة عـلـى عـــدم تـوقعـنــا العـثــور عـلى عصــور ما قبل الإسلام، مثل فخار أو ما شبه تؤكد وجود مثل طبقات أقدم مثل فترتي تايلوس ودلمون، لعدم إكتشافنا أدلة أثرية، مكتفين بحفرة الإختبار، بالإضافة محاولة تتبع النشاطات البشرية في هذه المنشآت.
وقد كانت المادة الملاطية المستخدمة في البناء المكتشف من الجبس، وطريقة البناء عبارة عن مداميك مستقيمة من الحجارة الكلسية غير مشذبة، قطعت من المحاجر المجاورة للموقع، مرصوصة على مداميك سفلية غير منتظمة بينها طبقة من المونه، تظهر في بعض الحالات إلى الخارج، ويجرى مسحها بالجدار، وهذه المادة من الجبس لونه أبيض مصفر( لوحة رقم 13 أ، لوحة رقم 14 ب) ولوجود بعض الصدف البحري الصغير، يمكننا أن نقول بأن هذه المادة ربما مخلوطة بالطينة، هي من الطمي البحري والذي يسمى محلياً بمادة ( الطبّل ) التي تستخدم في بناء الجدران والأسطح في البيوت القديمة في البحرين إلى ما قبل 50 سنة ماضية.
وقد أخذت عينات عشوائية من المونة المستخدمة في الجدران المبنية، وأرسلت للتحليل المختبري في معهد بحوث الخامات وتكنولوجيا صناعة مواد البناء، في المركز القومي لبحوث الإسكان والبناء، في القاهرة، وقد أظهرت النتيجة احتوائها على كبريتات الكالسيوم المائية، معدن الجبس بنسبة 69% ، وكاربونات الكالسيوم (الجير) بنسبة 29%، ولكن نظراً لعدم قوة هذه المونة وهشاشتها وسرعة تساقطها فإنه يبدو بأن هذا الجبس غير محروق، ربما إستخدم كمادة (خام).