DELMON POST LOGO

الذكرى الثامنة لوفاة المناضلة العمانية عاصمة الجمالية .. " وفاء ياسر"

بقلم : حمدان بن سيف الضوياني

شهد فجر اليوم السادس من يونيو 2016م، ارتقاء روح إحدى قامات الوطن العُماني، وأبرز الشخصيات المناضلة في تاريخه خلال العقود الماضية.

لعبت عاصمة بنت عبد الرضا بن محمد بن علي الجمالية، والتي عُرفت بـ( وفاء ياسر أحمد) أو (مريم حسن عبدالله)، دورًا اجتماعياً وثقافيًا ووطنيًا، فقد كانت واحدة من وجوه الانسان العُماني المناهض للرجعية والتخلف من عام 1968م، وحملت على عاتقها رسالة الوطن وتحرير المرأة من الأفكار المقيدة لحقوقها، وسيرتها شاهدة على ذلك، فسِجِلُها الوطني مليء بالأعمال الوطنية والانسانية التي حققتها وأنجزتها في عُمان وخارجها، كل ذلك من أجل بناء انسان عُماني يحمل رسالة التقدم ويهب نفسه للوطن وبناءه ويخلصه من العُقد والقيود.

ولدت عاصمة الجمالية (وفاء ياسر) في شرق أفريقيا بزنجبار في 26/12/1947م، وعاشت في كنف أسرة عُمانية معروفة، كانت حياتهم تتسم بالبساطة ولهم تطلعاتهم الوطنية والثقافية، إلا أن زنجبار لم تحتضنهم طويلاً، وشردتهم الثورة في ذلك الوقت عام 1964م وعادوا إلى أرض الوطن، إلى عُمان التي بنيت عليها الآمال والأحلام لأجلها، إلا أن عُمان لم تكن كما رسمتها وفاء في خيالاتها، عُمان كانت غارقة في الظلمات، في الجهل والفقر والمرض، والانسان فيها كان غائبًا بلا حرية ولا طموح ولا أحلام.

لم يطل الزمان بها فكما شردت ثورة زنجبار وفاء، احتضنتها الجبهة العُمانية التي وجدت فيها ما يعكس آفاقها وتطلعاتها للوطن، وانضمت إليها منذ أن تأسست والتحقت بصفوف المناضلين وجعلت الاخلاص سيفها والعمل الدؤوب شعارها والوطن والانسان هدفها.

منذ أن وصلت وفاء ياسر إلى عُمان وهي تسعى لبناء لبنة الوطن فكانت من أوائل اللواتي التحقن بسلك التدريس في مدرسة الزهراء بمسقط، غير أنها وجدت نفسها مضطرة للانتقال من عمل إلى آخر :

* عملت في مكتب سفريات (للزيبر).

* كانت من مؤسسي جمعية المرأة العُمانية بمسقط إلى جانب عدد من النساء العُمانيات وتم تكريمها عام 2011م بمرور 40 عامًا على تأسيسها.

* انضمت إلى وزارة الشؤون الاجتماعية عام 1972م.

* أُرسلت إلى بيروت (لبنان) من قبل وزارة الشؤون الاجتماعية لحضور دورة عن الأمومة والطفولة والتي تقدمها اليونسكو مع عدد من الشباب العُماني، وهناك التقت بعدد من العمُانيين الدارسين، ومنها لم تعد إلى عُمان بعد أن أُخبرت بتوجه الانظار حولها لاسيما بعد اعتقالات عام 1972م والتي شملت ما يقارب 75 شخصًا.

* من لبنان بدأت مسيرتها بالبحث عن مكاتب وأفراد الجبهة، فلجأت إلى مكتب الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين لعله يكون سبيلا في الوصول إليهم، وكان منها أن التقت بعدد من الأخوة العُمانيين المناضلين وانضمت إليهم، وهناك التقت بأحد مؤسسي الجبهة الشعبية لتحرير عُمان والخليج العربي وهو المناضل الشهيد أحمد علي ( زاهر بن علي بن مطر المياحي) عام 1973م ثم أرسلت إلى عدن (اليمن)، وهناك تزوجت منه من نفس العام، واستشهد في أكتوبر عام 1974م.

* عملت في مكتب اعلام  الجبهة  لفترة طويلة.

* بدأت وفاء ياسر ومعها هدى محاد وليلى فخرو، بالإعداد لمؤتمر المرأة العُمانية الذي أقيم في مدرسة الحرية، وفيه انتخبت عاصمة الجمالية (وفاء ياسر) رئيسة لمنظمة المرأة العُمانية للمؤهلات التي امتلكتها فقد درست  في المدرسة التابعة للإرسالية الأمريكية، وظلت وفاء رئيسة للمنظمة من عام 1975م وحتى عام 1989م. وهدفت هذه المنظمة إلى تعزيز دور المرأة والنهوض بمستواها ووعيها الثقافي والاجتماعي، وتوجيه طاقة المرأة العُمانية بما يخدم الوطن وأرض عُمان.

* شاركت في العديد من المؤتمرات الخارجية التي نظمتها منظمات المرأة العربية، فقد شاركت في مؤتمر العام الثاني للمرأة الفلسطينية عام 1975م والتقت بالرئيس الراحل ياسر عرفات، وكانت منظمة المرأة العُمانية عضوا في اتحاد النساء العربي الذي كان مقره في القاهرة، وعضوا في اتحاد النساء الديموقراطي العالمي، إضافة إلى اتحاد النساء في العراق وسوريا واليمن والجزائر وليبيا، هذا إضافة إلى أن وفاء ياسر تمكنت من تمثيل المنظمة في عدد من المؤتمرات غير العربية والزيارات الرسمية في كل من روسيا وألمانيا والصين الشعبية وتشيكوسلوفاكيا وسويسرا والسويد وبلغاريا والمجر وكوبا والتقت هناك بالرئيس السابق فيدل كاسترو، وفيتنام وسمحت لها هذه الزيارات من تبادل الخبرات.

* اهتمت بتثقيف المرأة سياسيًا وعسكريًا من خلال معسكرات الثورة، الحلقات السياسية ومدارس الثورة، كما اهتمت بالنشئ (الاطفال) وشاركت بإنشاء روضة خاصة بهم كان مقرها (الغيضة) في اليمن.

تمكنت وفاء ياسر من حضور مؤتمر السلام الذي انعقد في كوبنهاجن في الدنمارك عام 1984م.

* عادت إلى عُمان مع أسرتها دون زوجها طوعاًوذلك في يوليو عام 1993م، دون أي وساطة وبقناعتها المطلقة، وفي نفس العام عاد زوجها وتم اعتقاله من المطار وتم استدعاءها لكفالة زوجها حمدان من مركز بوشر في الخوير

* في عام 1994م تقدمت بطلب وظيفة إلى وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل وجاء الرد بتحويل الطلب إلى وزارة التجارة التي زودتها برسالة للعمل في أحد الفنادق، وهو ما يتنافى مع مبادئ وفاء ياسر ومع ما كرسته من سنين حياتها للعمل الوطني وبناء الانسانية وخبراتها وقدراتها.

* غرست تجربة الثورة في نفس عاصمة الجمالية أفكارًا  وثقافة تختلف عن نساء المجتمع في ذلك الوقت، فقد كونت حياة الغربة والنضال ثقافة جديدة في نفسها وجديدة على مجتمعها، الأمر الذي جعلها تبتعد عن النشاطات الاجتماعية على الرغم من المناصب التي تبوأتها في الجبهة، فسخرت طاقتها في تربية أولادها واكسابهم حب الوطن والعطاء له دون حدود، وجعلت نصب عينيها أن يكون أبنائها مرآتها التي كانت ترى فيها حلم التقدم والصحوة الانسانية.

منذ عودتها إلى عُمان الحبيبة عاشت عاصمة الجمالية (وفاء ياسر) في ولاية الرستاق بمحافظة جنوب الباطنة، ولها ابنة من الشهيد أحمد علي اسمتها هيفاء نزولا على رغبته قبل استشهاده(تحمل هيفاء شهادة الدبلوم الفني في مختبرات المدارس)، وتزوجت وفاء من المناضل حمدان بن سيف بن سعيد الضوياني (خلفان سالم) ولهما أربعة أبناء : د.سعود( دكتوراه في الهندسة)، رشا(بكالوريوس تربية لغة انجليزية)، سهير(ماجستير إدارة أعمال) ورنا(ماجستير تاريخ).

أي رثاء يتسع لهذا العطاء؟

وأي كلمات توفيك حقك، وتسمو مقامك العظيم؟

ارقدي بسلام، وهنيئاً لبيت القرن ( بولاية الرستاق) احتضان جثمانك،أرض العظماء حيث دفن فيها الامام سيف بن سلطان اليعربي (قيد الأرض) والامام أحمد بن سعيد البوسعيدي، هذه الأرض الطيبة أرض الرستاق التي احتضنت قبلك جثمان الشهيد المناضل زاهر بن علي المياحي (أحمد علي).

وتظل الأرض الطيبة تنبت طيبا وتستقبل الطيبون.

سلام ورحمة على روحك التي سنظل ندعو لها، وإن غبت عنا إلا أنك بقيت في القلب محفورة وفي الذاكرة والتاريخ اسماً مخلدًا.

----------------------

ملاحظة : المرحومة زوجة حمدان بن سيف الضوياني ولديها من الابناء هيفاء، سعود، رشا، سهير، رنا.