ضرورة الحد من فرض القيود والتشريعات المقيدة لنشاط المنظمات الأهلية ووقف تدخل وزارة التنمية في شؤونها وتطبيق مبدأ "الشراكة"
خلص استقصاء ميداني حول "تمكين المرأة في مؤسسات المجتمع المدني" قامت به الدكتورة منى عباس فضل بالتعاون مع اتحاد نقابات عمال البحرين نوقشت نتائجه يوم أمس في ندوة نظمها الاتحاد بفندق "وندهام غراند"، بأن هناك ضعف نسبي في تمكين النساء كقيادات في الجمعيات السياسية والمنظمات الأهلية عامة، وإن دورهن وأداءهن فيها يعد محدوداً مقارنة بتاريخ تعليم المرأة البحرينية وخروجها للعمل ونشاطها في المجال العام.
وشددت الباحثة في خلاصة الندوة إلى أهمية جمع المرأة بين نشاطها في المنظمات الأهلية "مؤسسات المجتمع المدني" النسوية والمنظمات المختلطة والسياسية؛ وضرورة تعزيز اهتمامها النوعي بالشأن العام والعمل التطوعي في هذه المؤسسات؛ وبالقدر نفسه الذي تعنى فيه بقضايا المرأة، وأن لا تحصر نفسها في الاهتمام بقضاياها فقط فهي جزء من المجتمع.
كما طالبت في ورقتها، بالحد من فرض القيود والتشريعات المقيدة لنشاط المنظمات الأهلية، ووقف تدخل وزارة التنمية الاجتماعية في شؤونها بما يمنحها "الاستقلالية" النسبية؛ فضلاُ عن تطبيق مبدأ "الشراكة" الحقيقية.
وقالت هناك غياب لقانون يلزم بفرض "كوتا نسائية" على مجالس إدارة المنظمات الأهلية أو على قوائمها الانتخابية أثناء خوض العملية الانتخابية مستقبلاً؛ مما يعزز من مفهوم تمكين المرأة للوصول إلى المواقع القيادية.
وان هناك تأثير سلبي للثقافة السائدة ومنظومة الأعراف والقيم "وإن كان بعضها يعمل بشكل خفي"، وهي تتفاعل وتتقاطع مع المواقف المتشددة التي تعمل على بلورة وتشكيل مواقف تلك المنظمات والقوى من قضية المساواة وتمكين النساء وإدماجهن في الحياة العامة، مما أدى إلى انتشار ظاهرة استنكاف النساء القياديات من الترشح لمجالس إدارة هذه المنظمات، وقد يعود هذا الوضع إلى أسباب عقائدية بعدم جواز تولي النساء الولاية العامة والخاصة وعدم أهليتها، الأمر الذي يخضع مفهوم المساواة والتمكين للاجتهادات والفتاوى.
بدأت الدكتور منى ورقتها بتعريف مفهوم التمكين وتاريخ نشأته وبالسؤال: ما الذي تحقق على صعيد تمكين المرأة البحرينية في مؤسسات المجتمع المدني؟ فقالت؛ بأن الإجابة على هذا السؤال تستوجب التحقق من مشاركة المرأة في مواقع صنع الـقرار في هذه المؤسسات أو ممارسـة أي دور قيـادي فيها، ولـهذا بعديـن أسـاسيين؛ سياسي ونقابي، ومهني احترافي؛ مضيفة بأن شعار التمكين قد طرح منذ مؤتمر بكين 95، وقد جاء في سياق الأهداف التنموية للألفية منذ 2004 وفي أجندة 2030، وإن التمكين يعد التزام على الدولة ومؤسساتها.
كما نوهت إلى إن علاقة النساء بالنشاط العام علاقة مكتسبة تتراكم فيها الخبرات والدروس عبر الممارسة العملية، ولكي يكون التحليل موضوعي وشامل يتحتم الإضاءة على أربعة عناصر هي:
أولا: التركيز على تاريخ وأوضاع الحركة النسائية البحرينية وتجربة النساء في الحياة العملية (الشأن العام) والمهنية.
ثانيا: مناقشة العوامل التي ساعدت المرأة البحرينية على خوض نشاطها في (الشأن العام) من خلال التركيز على مكانتها في التشريعات الوطنية وتطور حقوقها المدنية التي أتاحت لها تعليم متقدم ومشاركة واسعة في سوق العمل.
ثالثا: التعرف على البيئة المحلية المساندة ونواقصها «موقف الجماعات السياسية والقوى الاجتماعية والدينية» من قضية تمكين المرأة ومشاركتها في الشأن العام وتكافؤ الفرص والمشاركة في صناعة القرار»، وذلك للكشف عن مدى الدافعية والحوافز التي تفرض وجود أوسع للمرأة في الحياة العامة والمواقع القيادية، مضيفة؛ لنتذكر إن عملية التغيير والتمكين نتاج تراكمات متتالية تتم عبر مراحل تاريخية تستوجب حضور المرأة بفعالية.
رابعا: إدراك أن معالجة هذه القضية له علاقة وطيدة مباشرة بمفهوم ذي أبعاد إشكالية حول مشاركة المرأة في النشاط العام، وتأثير نشاط الجماعات والمؤسسات واعترافها بأهمية مشاركة النساء في أنشطتها وتعاطي المجتمع مع مفهوم النوع الاجتماعي وتعدد أدوار المرأة.
مفهوم تمكين المرأة
أولا: تبلور المفهوم وترسخ في سياقات العمل على تنفيذ الدول والمنظمات الأهلية لمقررات مؤتمر بيجن، والاهتمام بقضايا المرأة الإنسانية والاجتماعية في مجالات التنمية، وقد اتسع وتمدد في ظل المتغيرات والعولمة و"انهيار المنظومة الاشتراكية وسيادة سياسة القطب الواحد، فضلاُ عن بروز مشروع دمقرطة الشرق الأوسط، والثورة المعلوماتية والاتصالاتية.. إلخ»، وجميعها تمخضت عن تحولات كمية ونوعية في المجتمعات الخليجية وأثرت بدورها على اتجاهات الأفراد ومواقفهم من قضايا حقوق المرأة وتمكينها.
ثانيا: هذه المتغيرات أثرت في الأنظمة السياسية للمجتمعات، فاتجه بعضها نحو نهج الإصلاح بطابع ديمقراطي أو شبه ديمقراطي وبما تتجاذبه من صراعات وتباينات بفعل العوامل الداخلية والخارجية؛ وهذا وتبعاً للخبراء يمثل تحدياً لإنجاز خطط وبرامج التنمية المستدامة.
ثالثا: ارتكز مفهوم التمكين على مبدأ الشراكة الحقيقية للنوع الاجتماعي القادر على تأدية الأدوار المتعددة التي يتطلبها تحقيق أهداف التنمية المستدامة وعلى قمتها الهدف الخامس وهو "المساواة".
وبالنسبة لدور مؤسسات المجتمع المدني، ترى الباحثة بأنه؛ دور يتمحور في عدة عناصر رئيسية تتمثل في حماية وتحسين حقوق الإنسان والمرأة والضغط على الحكومات، من خلال المنظمات غير الحكومية "نقابات، جمعيات، نوادي طلابية، الجمعيات الخيرية.
إلى جانب إنه وبسبب تزايد دور مؤسسات المجتمع المدني في إطار التحولات الديمقراطية، صار لابد وأن تهتم هذه المؤسسات بتعزيز المواطنة الفعالة وتحفز على بناء المشاركة المدنية والتفاعل مع الحكومة والمنظمات الإقليمية والدولية؛
وأيضاً هناك دورها في مراقبة أداء الحكومات وتحمل هموم المواطنين؛ والدفاع عن الفئات التي تعاني من الحرمان أو التمييز كالمرأة؛ وتبادل المعلومات؛ والمناصرة، والتبليغ عن الانتهاكات ودعم وإطلاق الحملات وتقديم المشورة وتوفير نظام حماية ومساءلة وتقديم التدريب.
أما عن علاقة الدولة بمؤسسات المجتمع المدني فذكرت بأنها؛ تتمحور في ثلاث نقاط أساسية هي؛ التمويل والدعم والاشراف والرقابة والشراكة، وتهيئة هامش من الديمقراطية وحرية الحركة.
نشأة المنظمات الأهلية في البحرين
جاءت انطلاقة العمل الأهلي من فكرة التكامل الاجتماعي وفزعة الأهالي وطابعها أما فردي أو سياسي، حيث شاركت المرأة في جميع محطات الحراك السياسي والانتفاضات التي مرت بها البحرين بدءاً من ثورة الغواصين في بداية القرن الماضي، وإن العلاقة بين هذه المنظمات والجانب الرسمي تراوحت بين الشد والجذب وتضارب المصالح، وإن المطالب الشعبية تركزت في نشاط بعض هذه المؤسسات على خروج الاستعمار والاستقلال، والمطالبة بالحقوق الدستورية والسياسية والمدنية والاجتماعية والاقتصادية، وإطلاق حرية العمل السياسي والنقابي.
وإنه ومع طرح المشروع الإصلاحي تغيرت ملامح الواقع، وشاركت المرأة في التصويت على الميثاق، والدستور، كما ان المناخ السياسي والقانوني في بداية الألفية كان لصالح المنظمات الأهلية حيث هيأ لها بيئة مواتية نسبياً، تمثلت في الخطاب الرسمي الذي رحب بدورها وشجعها على المشاركة.
وبناءً عليه حدث تغير في القوانين وتعديل لها في إطار تطور الخطاب السياسي والاقتصادي الإصلاحي؛ واتسعت مساحة الحرية الديمقراطية المتاحة للحركة وللمشاركة وبناءً عليه حدث تغير في القوانين وتعديل لها في إطار تطور الخطاب السياسي والاقتصادي الإصلاحي؛ واتسعت مساحة الحرية الديمقراطية المتاحة للحركة وللمشاركة النسائية في النشاط العام لكن:
- السؤال المهم طرحه؛ يتعلق بما حدث بعد تلك المرحلة وتأثيره على نشاط المنظمات الأهلية؟
فقد حدثت زيادة كمية في عدد المنظمات الأهلية، وهذا قد يكون مؤشراً على ارتفاع مستوى المبادرات التطوعية بما يعكسه من وعي ولكن السؤال المطلوب طرحه؛ هل فتحت هذه الظروف أبواب أوسع لقيادة النساء فيها؟!
وذكرت بأن هناك مؤشرات كيفية تتعلق بأنماط نشاط هذه المنظمات وتطوره، وتوجهها للتحول نحو التنمية البشرية وليس العمل الخيري فقط، وهذا يعني الانطلاق نحو "مفهوم التمكين" ومن ثم توفر قدرات ومهارات للمنتفعين للاعتماد على الذات.
أما بالنسبة لأنماط نشاط المنظمات الأهلية، فقد لوحظ، تنامي لجيل من المنظمات الدفاعية والحقوقية وذلك للتأكيد على الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان التي تشمل بالطبع على حقوق مدينة وسياسيه واقتصادية واجتماعية وثقافية؛ كذلك تنامي منظمات نشطة تعمل على تمكين المرأة وفصل قضايا المرأة عن الطفل؛ وأخرى متخصصة في مواجهة قضايا معنية كـ (العنف، الشباب، مثلا)، وقد اتجه بعضها نحو التشبيك في (الحملات المشتركة، حملة جنسيتي..)، وهنا لابد من مناقشة مدى "الجدية والوعي ومواطن الخلل ...الخ، في أداء هذه المؤسسات.
ونوهت الباحثة إلى إن المنظمات الأهلية انتشرت كالفطر على قطاعات مختلفة، بلغ عددها بحسب البيانات الرسمية وحتى أغسطس 2024 (675) جمعية "سياسية، نسائية، مهنية، خيرية، متخصصة، تعاونية، رياضية وثقافية وفنية وغيرها"، من بينهم حوالي "117" جمعية خيرية و"78" مهنية، "77" خاصة، و"42" نادي و"30" جمعية إسلامية..؛ بيد إن عدد النساء القياديات في مجالس الإدارات لهذه الجمعيات صغير جداً، ولا يعكس مستويات التطور الذي مرت به المرأة البحرينية وما تقوم به من أدوار في المجتمع وهي التي تشارك الرجل في جميع القطاعات والدروب.
ولخصت إلى إن المتغيرات العالمية والانفتاح والثورة التقنية والاتصالاتية ساهمت في بروز دور هذه المنظمات، وبسبب خلخلة دور الدولة والتداخل ما بين السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، بدأت بوادر انسحاب للدولة من ممارسة وظائفها التنموية، وهذا موضوع مفتوح للنقاش المجتمعي. وقد أدار الحوار نائب الامين العام حسن الحلواجي.