بقلم : الدكتورة سبيكة النجار
غيب الموت اليوم الأخت والصديقة بدرية خلفان التي ارتبطت سيرتها بالحركة الوطنية في خمسينيات القرن الماضي وخاصة أبان حركة هيئة الاتحاد الوطني 1954- 1956. وقد بدأت علاقتي بالمرحومة أثناء إعدادي كتاب "المرأة البحرينية في القرن العشرين" مع الأخت فوزية مطر؛ حيث أجريت معها مقابلة مسجلة في منزلها في مسقط بسلطنة عمان وذلك بتاريخ 14 نوفمبر 2013. ومنذ ذلك الحين ارتبطت معها بعلاقة إنسانية رائعة.
ولدت بدرية خلفان في فريج الفاضل ودرست في مدرسة عائشة أم المؤمنين. وكان أخوها خليفة يشجعها على القراءة. وكما ذكرت عن نفسها أنها كانت أول صوت نسائي في أول إذاعة في البحرين في منطقة التيل في الحورة؛ كما كتبت الكثير من المقالات في جريدة القافلة والوطن. وركزت في مقالاتها تلك على وضع المرأة والمشاكل التي تعاني منها. وقد شجعها على الكتابة الصحفية كل من الأستاذين محمود المردي وعلي سيار. شاركت رحمها الله في المظاهرات التي قادتها الهيئة وذلك بدافع من حسها الوطني والقومي العروبي. ولعل أهم مظاهرة شاركت فيها كانت في العام 1956 لنصرة مصر على أثر العدوان الثلاثي. وعن ذكرياتها عن تلك المظاهرة قالت "كنت أحمل صورة جمال عبد الناصر. وقد دفعني الحماس في تلك المظاهرة فألقيت خطاباً في الجماهير المحتشدة"، كما قادت النساء في أكثر من مظاهرة.
أزعجت تحركات بدرية السلطات البريطانية؛ فتم اعتقالها لأنها حسب ما كتب بلجريف في يومياته "أصبحت قائدة سياسية". وعن اعتقالها ذكرت "جاء إلى منزلنا في الصباح ضابطان بريطانيان وآخر بحريني وأخذوني في سيارة جيب. ووضعت في حجرة ضيقة في قلعة الشرطة وقفلوا عليّ باب الزنزانة وكلفوا شرطياً بحراستي. لازلت إلى الآن أذكر تلك الغرفة التي كانت تقابل المدرسة الصناعية التي يديرها في ذلك الوقت الأستاذ سعيد طبارة. لقد كان الأمر غريباً بالنسبة لي وأثار رهبة كبيرة في نفسي. تم التحقيق معي من قِبل أكثر من محقق إنجليز وبحرينيين. بقيتُ في المعتقل لفترة تقل عن الشهر ثم طُلِب مني مغادرة البحرين دون أن أقدم للمحاكمة. غادرت إلى المملكة العربية السعودية وسكنت عند أخوالي بمدينة الخبر. ومنعت من دخول البحرين لمدة عامين".
أكملت رحمها الله دراستها الإعدادية في بغداد ثم توجهت لمصر حيث أكملت المرحلة الثانوية والجامعية. في القاهرة انحصر نشاطها السياسي على إذاعة صوت العرب مع أحمد سعيد؛ فأوصلت صوت البحرين وأثارت القضية الوطنية ودافعت عن قادة الهيئة المنفيين إلى سانت هيلانة.
توقف نشاطها السياسي قبل الزواج بعدة سنوات. فقد عملت بعد تخرجها من الجامعة كمدرسة في مدرسة في الرفاع. وبعد زواجها انتقلت للسكن في دبي، وتوظفت هناك وأنجبت إبنها الوحيد هيثم؛ ثم انتقلت إلى مسقط واشتغلت في مجال التعليم وتدرجت في الوظائف لتصبح أول إمرأة في عمان تشغل منصب مدير إدارة.
رحم الله بدرية خلفان وأسكنها فسيح جناته وألهم ذويها ومحبيها الصبر والسلوان على فراقها.