علوي : مُدَوِّنات الموضة في دول مجلس التعاون الخليجي يملنَّ إلى حب الظهور والشهرة على وسائل التواصل الاجتماعيّ حتى لو كان ظُهُورُهُنِّ مخالفاً لأعراف المجتمع .. 2-5
دراسة : اتفاقية التجارة الحرة سمحت بمعاملة الشركات الأجنبية كمعاملة الشركات المحلية أسهم في انتقال رأس المال واقتحام السوق والترويج للسلع الاستهلاكية
يواصل الباحث فاضل حيدر علوي في دراسة بحثية بعنوان " مُدَوِّنات الموضة )الفاشينستا( والتغير الثقافيّ لمنظومة القيم لدى فتيات دول مجلس التعاون في ضوء ثقافة العولمة بالقول ، في ضوء التقدم المضطرد في المجال التكنولوجيّ والمعلوماتيّ، بدأالتحول شبه الكامل للمجتمع نحو ثورة الاتصالات بأبعادهاالمختلفة، الإعلامية والاتصالية والترفيهية، حتى انهارتأيديولوجيات المجتمع بأحزابه المتعددة، مما جعل التغيير في ثقافة قيم المجتمع تكون الأبرز في المشهد العالمي، وفي المقابل لم تستطع الحكومات رفض السلعة التكنولوجيّة مع عِلمْها بما أحدثته تلك الفضاءات المفتوحة في استقطاب الثقافة العالمية، والتي تسبّبت في تدمير منظومة القيم الثقافة المحلية.
ولأن العالم فِطن إلى تحديات التحول الثقافيّ المادي والمعنوي، فقد أقرت منظمة اليونسكو عدداً من الاتفاقيات التي تصون التراث الثقافيّ )الأمم المتحدة ، ( ، بوصفه البوتقة التي تستند عليها أيَّة أمة في أداء دورها الإنساني والحضاري داخل المجتمع، والضامن الأمثل لتحقيق التنمية المستدامة، ويلاحظ من ذلك أن عمليتي العولمة والتحول الثقافيّ، فالأول يتباهى بما تركه الأجداد والآباء والذي اسُتُمد من قيم المجتمع ومورثه الديني، والثاني يخطو نحو تحرُّر المرأة ومساواتها وحقوقها في كل جوانب الحياة والذي ينطلق أساساً من المجتمعات الحديثة المعولمة، ورغم التباين واختلاف الواقع الذي تعيشه الفتاة بدول مجلس التعاون فيما يخص القيم المجتمعية، فإن حركة التطور التكنولوجيّ لازمتها حركة تغيير ثقافيّ، وهو ما أحدث تخللا في تحديد معالم الهوية وتوجهاتها نحو ثقافة القيم.
ومع تعاظم دور شبكات الاتصال والتواصل المجتمعي بانتشار الهواتف الذكية التي باتت وسيله أساسية للترفيه والتثقيف والتعليم في المجتمعات العربية، ضعف دور الأسرة في عملية التنشئة الاجتماعيّة، فاستطاعت ثقافة العولمة أن تطرح بوسائلها المختلفة أشكالاً ومضامين إعلامية غير متوقعة على الأسر العربية بوساطة الإعلانات الدعائية المغايرة للثقافة العربية ولقواعد السلوك والأخلاق السائدة، )الجميلي ،5٣5 :٢٠١( وكذلك انتشار البرامج والتطبيقات التواصلية التي مكنت الفئات الفتية في المجتمع من التواصل والتفاعل الكبير من خلالها. إن ما أسهم في تهميش دور الأسرة في عملية البناء الثقافيّ بالقيم المجتمعية هو بروز مُدَوِّنات الموضة كواجهة تتوفر فيها عناصر الإبهار والصورة الجمالية التي تتمناها الفتيات، كما أنها تحظى بعدد كبيرٍ من المتابعين يتعدى المليون من دول مجلس التعاون، فمع تعدد المكاسب التي تحققها المدَّوِّنات يوماً بعد يوم والدور الذي تمارسه في فرض فلسفة التغيير الثقافيّ دون وعي وإدراك لتسهم في عمليات التحول الاجتماعيّ على مختلف الأبعاد: الاقتصادية السياسية، والثقافيّة، والتربوية، والعقائدية والأسرية ،والترويجية وغيرها، فقد نشأت إشكالية المفهوم في أوساط المهتمين بشؤون الثقافة والهوية والقيم، فقد ورد مفهوم مُدَوِّنات الموضة أو ما يعرف بالفاشينستا) Fashionista( بأنه يعني " الفتاة التي تبدو دائماً في مظهر أنيق وجميل، معتمدةً على ملامحها الجمالية، وقوامها الجسدي، مع اختيار ملابسها من العلامات التجارية المشهورة في عالم الأزياء .")
فرغم الاختلافات والتفاوت بين نظرية المفهوم كمصطلح يُشير إلى معنى مفاده الجديد الشائع في عالم الأزياء، وبين واقعيته التي يُفهم منها على أنها عرض للأزياء من أماكن بعيدة عن منصات عروض الأزياء كفن جديد أفرزتها فضاءات وسائل التواصل الاجتماعيّ، فخلقت بذلك جدلاً تجاه توصيفه توصيفاً دقيقاً يحدد معناه الاصطلاحي، وفي اتجاه آخر يتفق الجميع على أن مُدَوِّنات الموضة أسهمن بشكل كبير في تحسين عمليات التسويق والشراء للملابس التي يروجن لها مستغلاتٍ العدد الكبير من المتابعات من فتيات دول مجلس التعاون. )( وهذا ما يفسر واقع ثقافة الاستهلاك والقيم الفردية التي تُوصلها تلك المدَّوِّنات إلى الجمهور الهائل من الفتيات المتابعات ،حيث يتضمن أسلوب حياة المدَّوِّنات حاجات مصطنعة لا تعبر عن حياة الفتاة الخليجية، مع إظهار الرفاهية والحرية المطلقة في الملبس والسلوك.
وقد انتقل نشاط المدَّوِّنات من عرض اليوميات والتصنع في الحركات السلوكية، إلى نشر السلع الاستهلاكية للمحلات التجارية على نطاق الربح المادي المبني على الترويج والدعاية والإعلان وحققن مبالغ طائلة، بل تفوّقت في عملية التسويق والترويج أكثر من شركات الدعاية والإعلان المتخصصة التي لا تحصل ربع أرباحهن ،كما أصبحت المؤسسات التجارية تتهافت على طلب تلك المدَّوِّنات لعرض منتجاتها وسِلعها، وقد لعب الإعلان دوراً بارزاً بالغ الأهمية في ثبات المدَّوِّنات واستمرارهن في تقديم المزيد من رموز وصور الثقافة الاستهلاكية، وإعلاء القيم الفردية، والبحث عن المتعة والترفيه من خلال الاستهلاك الثقافيّ للمادة التي يقدمنها.
في المقابل، أدى ذلك المحتوى الذي تتابعه الفتيات إلى تسليع القيم والأفكار والمعاني والمشاعر داخل الأسرة الخليجية الواحدة، مما ولدّ ضغوطاً اقتصادية وثقافيّة على معظم أربابالأسر حتى الميسورة منها، فصارت الفتيات غير قادرات علىالصمود أمام كل ما هو جديد على صعيد الملبس والسلع المروجلها من قِبل هؤلاء المدَّوِّنات، فتظهر الرغبات والاحتياجات المصطنعة وغير الضرورية جراء تفشي قيم الاستهلاك والرغبةفي تقليدهنَّ، وهذا ما أوجد حالةً من تنميط الأذواق، بالإضافة إلى الإجماع الزائف على استهلاك سلعة أو خدمة لا يكون الفرد ولا المجتمع في حاجة إليها، بل لا تتفق مع أوضاعه المعيشية ولا مع أولوياته. ) كما أن اللافت للنظر هو أن بعض ملابس المدَّوِّنات لا تتفق في تصميمها وخطوطها مع أجسامهن وأعمارهن من جهة، ومع طبائع المجتمع من جهة آخرى، فهي تحمل دلالات التبعية الثقافيّة بوعي ودون وعي للدول الأجنبية، فما تقوم به المدَُوِّنات من نقوش وعلامات رمزية بحجة أنها من مكمِّلات الملبس والزينة، إنما يدل على العلاقة بين جسم المدَُوِّنات والعالم الذي ينتمين إليه من ناحية، فانتشار ظاهرة الوشم أو النقش على الجسم لها دلالات الارتباط بثقافة الاستهلاك في المجتمع الغربي من ناحية أخرى.
وعلى الرغم من الجهود الكبيرة التي تبذلها دول مجلس التعاون الخليجي في المحافظة على القيم الاجتماعيّة ومواجهة خطر التغير الثقافيّ لمواطني دول المجلس، )مجلس التعاون لدول الخليج العربية ، ( فإن مؤسسات العولمة اخترقت كل الاستراتيجيات المانعة للثقافة المجتمعية.
فاتفاقية التجارة الحرة بين دول مجلس التعاون الخليجي ) ( سمحت بمعاملة الشركات الأجنبية كمعاملة الشركات المحلية، وتضمنت الاتفاقية ملحقاً خاصاً بالتجارة الإلكترونية بهدف تعزيز تبادل المعلومات والمشاركة في التجارة الالكترونية، وهذا ما أسهم في انتقال رأس المال واقتحام السوق والترويج للسلع الاستهلاكية. ومع التغير الكبير في ثقافة التواصل لأفراد المجتمع والانتقال من الفضاء الاجتماعيّ إلى الفضاء الرقمي، وجدت مُدَوِّنات الموضة نفسهنَّ فجأةً تملك جماهيرية واسعة، والملايين من المتابعين والمتابعات، يعتمدون على قوامها وإبراز صورتها على غير العادة تحت مسمى عرض اليوميات والتنسيق الأنيق للملابس؛ لتفرض نفسها كشخصية مؤثرة في سلوكيات الفتيات المتابعات، وبالرغم من قناعة الباحث بالتباين والاختلاف في انتماءاتهن الأيديولوجية، إلا أن جمال الصورة، والإبهار بالمظهر هما الهوس الأبرز الذي يعكس شخصياتهنّ .
