" إن الدراسة الحالية تُسلط الضوء وتُعالج موضوع مُدَوِّنات الموضة )الفاشينستا( معالجةً علمية، مع دراسة الأثر الذي أفضى إلى تغير القيم الثقافيّة لدى فتيات دول مجلس التعاون الخليجي في ضوء ثقافة العولمة."
يواصل الباحث فاضل حيدر علوي في دراسة بحثية بعنوان " مُدَوِّنات الموضة )الفاشينستا( والتغير الثقافيّ لمنظومة القيم لدى فتيات دول مجلس التعاون في ضوء ثقافة العولمة بالقول ، بانه قد برزت مسألة القيم وثقافة العولمة تطفو على المسرح الدولي كموضوع عالمي استحوذ الاهتمام، وبات التغيير في منظومةالقيم يستلزم الخضوع للتجديدات العالمية في كل مجتمعات العالم .
( وارتبط موقع المجتمع بعامل التكنولوجيّا في التفاعل المجتمعي؛ لتصبح الأخلاق والمبادئ والقيم تُصاغ بناءً على ما تفرضه العولمة، فالتغيير الثقافيّ في ظل التطور الهائل في تكنولوجيا الاتصالات أحدث ثورة اجتماعية غير مسبوقة على مستوى تغيير القيم بالشق المادي، والذي تدرّج لينتقل منها إلى الشق المعنوي ليُصبح المجتمع مرتهناً تحت تأثيرات العولمة وآلياتها التي منها انبثقت برامج التواصل الاجتماعيّ؛ لتكون الأداة الأبرز في تغيير ثقافة القيم في المجتمع، فظهرت من خلالها مُدَوِّنات الموضة )الفاشينستا( لتقود حركة التغيير في منظومة القيم لدى فتيات دول مجلس التعاون الخليجي بمسي التجديد والتطور ) (، حيث يتم ذلك تحت تأثير إغراء لا يقاوم من التدفق الصوري والإعلامي، مما يُلغي عقول الفتيات ويجعل الصورة هي المفتاح الثقافيّ الجديد الذي يقود حركة التغيير في سلوكياتهم وتصرفاتهم التي تُظهر أنهم أكثر انفتاحاً وتقليداً لما تقوم به مُدَوِّنات الموضة ،وعليه يمكن القول بأن مُدَوِّنات الموضة في المجتمع الخليجي قد يتركن في المستقبل المنظور بصماتهن الواضحة على منظومة القيم في دول مجلس التعاون الخليجي لما يحظيّن به من متابعةٍ من جمهورٍ عريض على صفحات التواصل الاجتماعيّ. وضمن ذلك تتمثل مشكلة الدراسة في تحديد مدى تأثير مُدَوِّنات الموضة في منظومة القيم في دول مجلس المجتمع الخليجي
في ضوء ثقافة العولمة. وعليه يمكن صياغة مشكلة الدراسة التي اقتصرت الدراسة على عينة من مواطني دول مجلس التعاون الخليجي من الإناث تحديداً ممن لديهن اهتمام ومتابعة لمدَّوِّنات الموضة في دول المجلس عام 2020.
في السؤال الرئيس الآتي: ما واقع ممارسات مُدَوِّنات الموضة المتعلقة بمنظومة القيم في دول مجلس التعاون في ضوء ثقافة العولمة، من منظور فئة الإناث بدول المجلس؟
يتمثل الهدف الرئيس لهذه الدراسة في التعرف على المدى الذي يمكن من خلاله لمدَّوِّنات الموضة أن يغيِّرن في منظومة القيم الثقافيّة والاجتماعيّة والاقتصادية والأخلاقية السائدة لدى فتيات دول مجلس التعاون الخليجي في ضوء ثقافة العولمة، وفي سياق ذلك تفرع عنه الأهداف الفرعية الآتية:
1- الوقوف على مفهوم مُدَوِّنات الموضة وعلاقة الملبس بتُغير ثقافة الفتيات وتوجهاتهنَّ في دول مجلس التعاون الخليجي.
2- التعرف على ممارسات مُدَوِّنات الموضة المتعلقة بالبعد العلمي والثقافيّ لمنظومة القيم في دول مجلس التعاون من منظور أفراد العينة من الإناث بدول المجلس.
3- تعرُّف ممارسات مُدَوِّنات الموضة المتعلقة بالبعد الاجتماعيّ لمنظومة القيم في دول مجلس التعاون من منظور أفراد العينة من الإناث بدول المجلس.
4- تعرُّف ممارسات مُدَوِّنات الموضة المتعلقة بالبعد الاقتصادي لمنظومة القيم في دول مجلس التعاون من منظور أفراد العينة من الإناث بدول المجلس.
5- تعرُّف العلاقة بين ممارسات مُدَوِّنات الموضة المتعلقة بالبعد السلوكي والأخلاقي لمنظومة القيم في دول مجلس التعاون من منظور أفراد العينة من الإناث بدول المجلس.
وتنطلق الأهمية من المبادئ والتوجهات الثقافيّة لدول مجلس التعاون الخليجي في الحفاظ على الهوية الحضارية العربية والتصدي لمحاولات الاستلاب الثقافيّ )الأمانة العامة لدول مجلس التعاون لدول الخليج ، (، وعليه يمكن تلخيص الأهمية في الآتي:
1- الكشف عن العلاقة بين مُدَوِّنات الموضة وثقافة فتيات دول مجلس التعاون الخليجي، يضع المجتمع الأصلي تحت طائل المسؤولية الاجتماعيّة في مواجهة تقليد كل ما هو موجود في وسائل التواصل الاجتماعيّ، والذي هو مرتبط بالتغييرات العالمية، الأمر الذي يجعل صُناع القرار يتعاملون تلك الظواهر بتشريعات تحافظ على قيم المجتمع ونظامه.
2- إن التغيير الكبير في نمط الثقافة الاجتماعيّة يفتح الباب حول الحاجة المهمة لعمل الدراسات والبحوث التي تُسلط الضوء على ظاهرة انتشار مُدَوِّنات الموضة والازدياد الملحوظ في عدد المتابعين لهنَّ عن طريق وسائل التواصل الاجتماعيّ، والأثر الذي تتركه على حالة التراجع الثقافيّ لفتيات دول مجلس التعاون الخليجي.
3- تأتي هذه الدراسة للتعرف على الدور الذي تُمارسه مُدَوِّنات الموضة على المنصات الالكترونية بمختلف أشكالها، والتي باتت واقعاً ينقل الصورة الرخيصة لثقافة الإعلام الربحي الذي يستجلب الاهتمام الشكلي، وبالتالي التأثير الثقافيّ لقيم المجتمع الخليجي وعاداته.
مُدَوِّنات الموضة وبداياتها في مجتمع الخليج العربي.
شاع في الأوساط المجتمعية في الآونة الأخيرة مصطلح مُدَوِّنات الموضة أو ما يُعرف بالفاشينستا) fashionista(، خصوصاً بعد ظهور مواقع التواصل الاجتماعيّ، واستحواذها على اهتمامات شرائح المجتمع المختلفة؛ منها على سبيل المثال تطبيق الانستغرام )INSTGRAM(، وسناب شات) SNAPCHAT( وغيرها.
كما يُطلق مصطلح مدونة الموضة على الفتاة أو السيدة التي تعشق الموضة وتتابع أجدد صيحاتها أولاً بأول، وتتخذ من التدوين عبر الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعيّ طريقًا لنشر إطلالاتها اليومية، وعرض تفاصيل أزيائها وإكسسواراتها والماركات التي تفضلها، )العناني ، ( ويتابعها آلاف وأحياناً ملايين من المعجبات والمهتمين بعالم الموضة والجمال. وقد استوحيت فكرة المدَُوِّنات من خلال متابعة عارضات الأزياء ونجوم تلفزيونالواقع المشهورات عالمياً، واللاتي يَظهَرنَ في كل موسم علىمنصات عروض الأزياء العالمية في أسابيع الموضة، كما تقومالمدَّوِّنات بإجراء بعض عمليات التجميل بين فترة وآخرى تماشياً مع ما هو جديد في عالم الجمال والأزياء،
وأشار أحد الباحثين إلى أن فكرة المدَّوِّنات "انطلقت من المجتمعات الصناعية الرأسمالية ،كالولايات المتحدة الأمريكية، وبعض الدول الأوربية كالمملكة المتحدة التي بدأت تنتشر فيها ثقافة الجمال والموضة كالوباء الذي سيطر على عقول الفتيات اليافعات وأثَّر تأثيراً كبيراً على قيمة الملبس في أواخر القرن التاسع عشر لينطلق إلى الفضاء الكوني عبر وسائل إعلامية مختلفة) "،( مع تباين العوامل الاجتماعيّة والاقتصادية والثقافيّة مع الاستهلاك والحاجة. فالعامل الثقافيّ لفتيات دول مجلس التعاون الخليجي )المستوى التعليمي والاجتماعيّ( له الأثر الأكبر في تشكل ثقافة الاستهلاك، وذلك وفقاً للأنماط الاستهلاكية المتعارف عليها في المجتمع، فالملاحظ أن اختلاف حاجات الفتيات فيما يتعلق بالملبس تعدى المحيط الاجتماعيّ وخصائصه، لينتقل إلى محيط العالمية ،وهذا ما أظهرته نتائج بعض الدراسات التي أكدت على أن أنماط الاستهلاك زادت واختلفت بين الفتيات نظير التطور الكبير في مجال تكنولوجيا المعلومات والإنترنت، ) (.
ورغم اختلاف اللغات والثقافات بين شعوب العالم؛ إلا أن زوال القيود الوطنية، وتدفق الأفكار عبر قوة وسائل الإعلام العولمي ،وكذلك بريق الاعلانات أدت إلى تسليع القيم، )الأفكار ،المعاني ،والمشاعر( ليصل فيها الترف إلى مستويات عالية جداً، ويُعزى ذلك إلى الاتصال بثقافة المجتمعات الأجنبية، وبروز ثقافة الاقتصاد كواجهة تقوم عليها كيانات الدول، اذا صار المال أهم ركيزة ثقافيّة، فالاستهلاك لازم حالة الترف والتطور ولكن بالمعنى العكسي؛ الذي أفضى إلى قلة الإنتاج والاعتماد على الغير في كثير من شؤون الحياة، وإذا ما نظرنا إلى الواقع الاستهلاكي الخليجي في الفترة الراهنة وتحديداً عند المدَّوِّنات، فسنرى أن الواقع تغير تماماً عما كان، فبعدما كانت التطلعات الثقافيّة تُعبر عن روح الجميع، وتُظهر شخصية المجتمع في عاداته ونمط حياته، إلا أنه حدا نحو النزعة الفردية، وانطلقت فيه شهوات الاستهلاك إلى أقصى حد، فالتعطش الشديد لامتلاك السلع والبضائع ومنتجات الشركات متعددة الجنسية هي السمة البارزة التي أسهمت في استلاب هوية المدَُوِّنات وزرعت فيهن عبودية الخضوع نحو رغبة التقليد حتى في المأكل، فنظام الأكل عبر سلسلة المطاعم الأجنبية، فرض أيضاً نظام الوجبات السريعة، وهو ما جعل من الأجنبي أنموذجا يتجذر في ذهنية مُدَوِّنات الموضة، ويُصبح معتقداً قبل أن يكون استهلاكاً، فمنطق السوق وعقلية الربح لمدَّوِّنات الموضة، حتمت انتشار ثقافة الاستهلاك، دون رضا أو دون استئذان، لتنشر معها ظاهرة الموضة، وتصل لكل فتيات دول مجلس التعاون عبر المتابعات المليونية التي وصلت إليها تلك المدَّوِّنات.