DELMON POST LOGO

منى عباس في المنتدى الخليجي للسياسات الأسرية بصلالة : ضرورة تنفيذ سياسة اجتماعية تحقق العدالة والمساواة للمواطنين

من اجل ساسيات بناء سياسة اجتماعية أسرية فعالة وناجحة بمجلس التعاون الخليجي

"حققت المجتمعات المحلية في دول مجلس التعاون الخليجي تقدماً نوعياً على مستوى الحقوق الاجتماعية والإنسانية لمختلف الفئات والشرائح المجتمعية، كما أدرجت هذه الحقوق ومفاهيمها وما جاء في سياقاتها من تطبيقات اجتماعية في دساتيرها ومنظوماتها التشريعية وأطر سياساتها العامة لاسيما نظمها الخاصة بالضمان الاجتماعي وشبكات الأمان التي أنشأتها في إطار قناعتها بدور القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع الأهلية كشركاء فاعلين في الدفاع عن هذه الحقوق والمكتسبات، كما بذلت الجهود المختلفة والمبادرات لتمكين أفراد الأسرة على كافة المستويات وخصوصاً المرأة التي عززت من مشاركتها وانخراطها في الحياة العامة والاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وهي لذلك استحدثت التشريعات والقوانين."

هذا ما بدأت به الدكتورة منى عباس عباس في ورقة عمل في المنتدى الخليجي الثالث للسياسات الأسرية بصلالة والذي بعنوان : ممارسة المواطنة المسؤولة والهوية في دول مجلس التعاون.

وكنتيجة لبروز الاهتمامات الدولية والإقليمية بالتنمية المستدامة وأبعادها وبما اشتملت عليه من خدمات أساسية وامتلاك سلع للأسرة وهي تمثل حقوق لأفراد المجتمعات؛ وبما نصت عليه الاتفاقيات الدوليّة والإقليمية .

كما تغدو الأسرة الجماعة الأولية الأساسية في التنظيم الاجتماعي في المجتمع الخليجي، نظراً لدورها في تنمية وبناء الشخصية وتحديد أنماط السلوك في النظام الاجتماعي المتشابك، الذي يشكل شخصية الفرد ويوجه نشاطه ويبقى على المجتمعات واستمرار نشاط أفراده ونموهم، ولهذا أولت دساتير المنطقة في موادها كما يتضح في الجدول أدناه اهتماماً بالغاً بهذا الكيان وأفراده لترسيخ مبدأ الأمان والاستقرار وتلبية الاحتياجات وتنمية القدرات بما يحقق قيامها بدورها في المجتمع بفعالية ونجاح، ما يعني أهمية دراسة تفاصيل أوضاعها وبنيتها والمتغيرات التي تطرأ عليها عند بناء أي سياسة اجتماعية.وافردت عباس القوانين المتعلقة بمكانة الأسرة في دساتير دول مجلس التعاون الخليجي.

وعرّفت السياسة الاجتماعية بانها الخيارات والتوجهات والأهداف التي تحقق شروط الحياة المؤدية إلى الرفاه على مختلف الأصعدة الحياتية، وهي تشكل جزءاً من السياسة التنموية للدولة وفي إطار التوجهات السياسية الحاكمة للمجتمع، وقد اتفق الدارسين على إن السياسة الاجتماعية Method/manner هي النهج الذي تعتمده الدولة تأسيساً على المنظور perspective السياسي والاقتصادي الذي تتبناه، لغرض تنظيم أداء منظمات السوق والهياكل الاجتماعية، بما يكفل تحقيق التوزيع العادل للثروة القومية وتعزيز رأس المال البشري والعمل المنتج، سعياً إلى توفير الرفاهية الاجتماعية والتنمية والتكافل والاستقرار الاجتماعي. وبالتالي فهي نهج -أي طريقة- يتصف بالانتظام، وهو يقوم على منظور سياسي واقتصادي تتبانه الدولة، وقد يتخذ في بعض الحالات صيغة "أيديولوجبة" في الدول التي تقودها أحزاب تتبني أيديولوجيا خاصة بها، وهي تهدف إلى تحقيق غايات محددة يقتضي تنفيذها اتخاذ إجراءات تتحدد بقرارات من الجهات المختصة في الدولة، وتتأطر في العادة بإطار قانوني يكسبها صفة الإلزام، ولها غايات ذات طبيعة بنائية، فهي لا تقتصر على تقديم خدمات إلى الفئات لتمكينها من الحصول على احتياجاتها الأساسية فقط، وإنما غدت آلية بناء مجتمعات تسودها العدالة والاستقرار، وتتوفر لها مقومات الاستدامة، عن طريق تحسين نوعية الحياة للناس كافة بمختلف أبعادها.

أهمية بناء سياسة اجتماعية أسرية

تنبع أهمية بناء أي سياسة اجتماعية أسرية ناجحة وفعالة من كونها تعبيراً عن حاجة المجتمع إلى التحديث والتطوير ووضع السياسات المنسجمة مع أفضل الممارسات؛ وبالتالي فهي عنصر أساسي للتخطيط المستقبلي للأسرة وتأمين حاجات الأجيال القادمة من الخدمات السكنية والتعليمية والصحية وبمعايير وخصائص تعزز من قدرة الأسرة على التكييف مع المتغيرات والتطوّرات التي يشهدها العالم وبما يمر به من كوارث وحروب وأزمات اقتصادية وسياسية تنعكس على المستويات المعيشية لأفرادها وعلى مداخيلهم في ظل ارتفاع الأسعار والتضخم وانتشار البطالة والأمراض والتغيير المناخي والنزاعات؛ فكل هذا وذاك يؤثر بصورة مباشرة وغير مباشرة على حياة المواطنين.

كيف نبني سياسة اجتماعية أسرية فعالة وناجحة؟

تتفق أغلب الدراسات بأن خصائص السياسة الاجتماعية الأسرية الفعالة والناجحة؛ هي تلك التي تتميز بمرونتها وقابليتها للتعميم والتطبيق وتركز على نشر مبادئ ومفاهيم تؤدي إلى أسرة متآلفة ومتماسكة في علاقات أفرادها وبنيتها؛ وهي التي تستند إلى الأدلة التي تتضمن بيانات واحصاءات دقيقة وسليمة تعبر عن احتياجات أفراد الأسرة والخدمات المقدمة إليهم ومدى شموليتها وجودتها وتحديد تكاليفها، كما إنها تدرس وتستفيد من خلاصة أفضل الممارسات العالمية في مجالها، وذلك بإجراء مقارنات معيارية تلائم البيئة المحلية من خلال التعرف على كيفية استخدام البيانات في اتخاذ القرارات.

مقومات السياسة الاجتماعية في الاستراتيجيات الوطنية

لإرساء مقومات لسياسة اجتماعية أسرية فعالة وناجحة لدول مجلس التعاون الخليجي، يستوجب مناقشة وضع الأسرة الراهن فيها من حيث تحليل البيانات المتوفرة ومن مصادر المتنوعة التي تعزز من قراءة الواقع على حقيقته وبموضوعية من خلال الأدوات التحليلية؛ والاطلاع على استراتيجيات الدولة ومبادراتها ذات الصلة بالأسرة وأفرادها.

تقديم المقترحات وجمع البيانات المتعلقة بقضايا الأسرة الاجتماعية وتحليلها وبما يساهم في وضع السياسة الاجتماعية الأسرية الفعالة، ويمكن إيجاز أهم المقومات التي أجمعت عليها الدراسات الاجتماعية على أولا ، تنفيذ سياسة اجتماعية تحقق العدالة والمساواة للمواطنين في الحصول على الخدمات وعلى اختلاف أوضاعهم الاقتصادية وانتماءاتهم ومما يزيد من كفاءة وإنتاجية فئات المجتمع الأضعف اقتصادياً على أن تغطي النواحي التالية:

أ‌- الحماية الاجتماعية / بتلبية الاحتياجات الأساسية كالمعونات والمخصصات الشهرية التي تقدمها الدولة للأسر ذات المداخيل المتدنية والمحدودة ولشرائح سكانية أخرى،وب‌-   الصحة من خلال تعزيز جودة الخدمات الصحية الأساسية لاسيما المتعلقة بصحة الأم والطفل باعتبار أن توفيرها وتيسرها يعد أساس لتحسين صحة الأفراد والعائلات والمجتمعات المحلية ورفاهها ولما لها من تأثير مباشر على إنتاجية اليد العاملة والازدهار والنمو الاقتصاديين، وج‌-   التعليم ، اذ انطلاقاً من أن تعليم المواطن هو أساس النمو الاقتصادي الطويل الأجل والتماسك والاستقرار الاجتماعي العام، وأن الاستثمار فيه يساهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، يمكن اتخاذ التدابير بتجويد النظام التعليمي وإلغاء الرسوم وتعزيز الجهود لمنع التسرب من المراحل التعليمية ومجانية التعليم في مرحلة الحضانة ،وح‌-    فرص العمل اللائق ، من خلال توسعة مجالات فرص العمل اللائق لأفراد الأسرة للحد من البطالة في أوساطهم وإصلاح تشريعات العمل وقوانينه حسب المعايير الدولية واتفاقيات حقوق الإنسان التي تحقق تحسناً في المستويات المعيشية وترفع مداخيل الأسرة،

المشاركة في القرار

توسيع خيارات الناس وإشراكهم في صناعة قرارات مجتمعهم بمنظور تنموي يتجاوز التنمية الاقتصادية فقط، وهذا يستوجب تمتع المواطن بالحرية والمبادرة والتفاعل ، واعتماد السياسة الاجتماعية كوسيلة وأداة لمعالجة المشكلات التي تعاني منها الأسرة وسد حاجاتها وتأمين الحماية لها ضد مخاطر الكوارث والأزمات الاقتصادية وتحولات السوق، وإعادة النظر في الأنظمة الإدارية والتشريعية للعمل الاجتماعي والتي تنظم عمل ونشاط مؤسسات المجتمع الأهلية ورفع القيود عنها مما يساهم في التحول من منهج الرعاية الفوقية إلى توفير فرص تمكين الأسرة وبناء قدراتها ، 4 -  الأخذ باللامركزية في التنفيذ وتوزيع المسؤوليات الخاصة بتنفيذ السياسات الاجتماعية وتوسعة مشاركة مؤسسات المجتمع المدني والمنظمات المهنية والنقابية وترسيخ مبدأ الشراكة والمسؤولية،  

5-  وضع نظم للمتابعة والتقييم، وضمان استمرارية تمويل الحكومات والقطاع الخاص للمشاريع والمبادرات،

6-  توفير قاعدة بيانات ومرصد اجتماعي كأداة هامة لمتابعة تطوّر أوضاع الأسرة؛ ويمكن إنشاءه كمنظمة مستقلة أو شبه حكومية أو خاضعة للإشراف الحكومي،

التوصيات

وقدمت الباحثة عدد من التوصيات بينها ، ضرورة بناء سياسة اجتماعية أسرية فعالة وناجحة على مستوى بلدان مجلس التعاون وبمنظور موضوعي شامل يتناسب وطبيعة المتغيرات المتسارعة التي يمر بها العالم وتنعكس تأثيراتها المباشرة وغير المباشرة على مجتمعاتنا المحلية، خصوصاً مع التحديات المتمثلة في اتساع الفجوات بين الشرائح المجتمعية، وتمدد مساحة التهميش الاجتماعي بمظاهرها في تآكل الهوية وضعف الشعور بالمواطنة وانتشار المشكلات الاجتماعية كالفقر والبطالة والطلاق وممارسة العنف وكل ما يؤثر على استقرار الأسرة وأمنها النفسي والاجتماعي.

وضرورة تغيير منهجية الرؤية إلى الواقع وتطوير السياسات الاجتماعية القائمة بما يتسع مفهومها ومكوناتها وعناصرها ونهجها وأسلوب صياغتها وتحديد غاياتها للفئات المستفيدة منها.