بقلم : د. جاسم حاجي
في عصر تتقدم فيه التكنولوجيا بوتيرة غير مسبوقة، يعد الذكاء الاصطناعي قوة تحولية لها القدرة على إحداث ثورة في جوانب عديدة من حياة الإنسان. ابتداءً من الرعاية الصحية والتمويل وصولًا إلى النقل والتعليم، تعمل أنظمة الذكاء الاصطناعي على إعادة تشكيل الصناعات، وتعد بزيادة الكفاءة والإنتاجية والابتكار. مع ذلك، يرافق هذا الوعد حاجة ماسة إلى حوكمة مسؤولة. كلما أصبح الذكاء الاصطناعي أكثر تكاملاً في المجتمع، تصبح الآثار الأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية لنشره أكثر تعقيدًا، وتصبح أطر الحوكمة الفعالة ضرورية لضمان التزام تطوير ونشر الذكاء الاصطناعي بالمعايير الأخلاقية، وحماية وتعزيز النمو الشامل والتنمية المستدامة.
استجابةً لأهمية التطوير المسئول للذكاء الاصطناعي، ظهرت مبادرات مثل برنامج "AI Connect" كمنصة حاسمة لتشجيع التعاون وتبادل المعرفة. يهدف هذا البرنامج، الذي يديره بشكل مشترك مكتب الفضاء الإلكتروني والسياسة الرقمية بوزارة الخارجية الأمريكية ومركز الجيوتكنولوجيا التابع للمجلس الأطلسي (Atlantic Council's GeoTech)، إلى توحيد أصحاب المصلحة الذين يكرسون جهودهم لضمان ممارسات الذكاء الاصطناعي الأخلاقية في جميع أنحاء العالم بما يتماشى مع توصية منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) بشأن الذكاء الاصطناعي.
يعمل البرنامج على تمكين المشاركين من مختلف البلدان على الانخراط في المناقشات العالمية حول أخلاقيات الذكاء الاصطناعي، وتعزيز التعاون عبر القطاعات، وتشجيع الحوار وبناء التوافق بين صانعي السياسات وقادة الصناعة والأكاديميين. مع التركيز على الشفافية والإدماج، يسعى البرنامج إلى صياغة أطر حوكمة تضع الأولوية للإنصاف والمساءلة والرفاه المجتمعي، مما يضمن مستقبلًا مستدامًا وعادلاً للذكاء الاصطناعي.
في الحادي والثلاثين من مارس 2022، انطلق البرنامج الافتتاحي الذي أطلق عليه اسم "AI Connect I"، حيث تم إطلاق مبادرة لمدة عام كامل جمعت خبراء سياسات الذكاء الاصطناعي على مستوى العالم لمناقشة التصميم والتطوير والنشر المسئول لتقنيات الذكاء الاصطناعي. ضم البرنامج 134 مشاركًا من قطاعات متنوعة، بما في ذلك الحكومة والأوساط الأكاديمية والقطاع الخاص. من الجدير بالذكر أن 70٪ من المشاركين قد شاركوا في صياغة استراتيجيات أو لوائح وطنية للذكاء الاصطناعي.
خلال العام، استضاف البرنامج 16 ندوة عبر الإنترنت و 4 ورش عمل، حيث حضر الأعضاء مؤتمرات بارزة مثل محادثات الذكاء الاصطناعي لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في باريس، ومؤتمر الاتحاد الدولي للاتصالات للذكاء الاصطناعي من أجل الخير في جنيف، ومؤتمر ستانفورد للذكاء الاصطناعي من أجل الإنسان في بالو ألتو، ومؤتمر الذكاء الاصطناعي للصناعة والعلوم والتكنولوجيا في جنيف، وفعاليات الجمعية العامة للأمم المتحدة في مدينة نيويورك. واشتملت جلسات ندوات الويب وورش العمل هذه على خبراء مشهورين عالميًا شاركوا الدراسات وأفضل الممارسات وعالجوا القضايا الملحة في سياسة وتنفيذ الذكاء الاصطناعي.
استكمالًا لنجاح "AI Connect I"، بادرت وزارة الخارجية الأمريكية في أبريل 2024 ببرنامج "AI Connect II" بهدف تشجيع اقتصاد رقمي مفتوح ومتوافق ومترابط وآمن. يجمع برنامج المتابعة هذا مجموعة مختارة من 150 صانع سياسة وأكاديمي وممارس وممثل للقطاع الخاص من دول متنوعة للتعاون مع خبراء في الموضوع. وعلى غرار سابقتها، سيستضيف برنامج "AI Connect II" ندوات عبر الإنترنت وورش عمل، مما يتيح للمشاركين مناقشة مشاريعهم وتحدياتهم الفريدة مع سياسات الذكاء الاصطناعي والحوكمة والأخلاق والابتكار. سيختتم البرنامج بندوة حول الذكاء الاصطناعي المسئول في العاصمة واشنطن في مارس 2025. بالإضافة إلى ذلك، سيدعم المجلس الأطلسي المشاركين في تطوير استراتيجيات قوية للذكاء الاصطناعي ويسهل التواصل بين أصحاب المصلحة الإقليميين، مع تبني حوار عالمي أكثر شمولية حول التطوير المسؤول للذكاء الاصطناعي.
مع استمرار تطور أنظمة الذكاء الاصطناعي، من الضروري أن نلتزم بالبناء على الأسس التي وضعتها هذه البرامج الدولية، لضمان استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي بشكل أخلاقي وشامل لصالح الجميع. مع الاستمرار في الجهد والتعاون، يمكننا اجتياز التعقيدات في مشهد الذكاء الاصطناعي واستكشاف إمكانياته الكاملة لمعالجة تحديات عصرنا مع خلق مستقبل أكثر عدالة واستدامة للأجيال القادمة.
و الجدير بالذكر انني اول بحريني و خليجي يحمل عضوية هذا البرنامج الممنوحة من وزارة الخارجية الأمريكية. حيث يضم هذا البرنامج اكبر مخترعي الذكاء الاصطناعي في العالم.