الإسلام أعاد للمرأة اعتبارها عندما تشاؤم العرب من البنات وكراهتهم لهن ، وحرم وأد البنات
ان قسما كبيرا من كتابات رواد التنوير والإصلاح في الفكر الإسلامي خلال القرنين الثالث عشر والرابع عشر لايزال بعيدا عن الضواء ، ومن ثم لايزال محدود التاثير في مواجهة المشاكل التي تواجه مجتمعاتنا خصوصا في مجال الاسرة .
" دلمون بوست " تستعرض احد كتب التنوير وهو كتاب ” امرأتنا في الشريعة والمجتمع للشيخ الطاهر الحداد" والذي صدر عام 1929 من مؤلفه التونسي من جامعة الزيتونة .
في القسم التشريعي ، يرى الحداد ان التشريع الإسلامي يتميز بالتدرج ،وان هذا التدرج لا يقف عند جيل او قرن ، فيتعين التمييز بين الثابت والمتحول ( البعض يرى ان التدرج في أصول التشريع مقتصر فقط على زمن النبي محمد ) .
وطالب الحداد التفريق بين ما اتي به الإسلام وجاء من اجله ، وهو جوهره ومعناه ، فيبقى خالد بخلوده كعقيدة التوحيد ومكارم الاخلاق وإقامة قسطاط العدل والمساواة بين الناس ، وهو معنى الأصول ( وهو الثابت : وهو التوحيد والمضامين القِيَمية (سورة الأنعام 151 )، وهذا هو الدِّين في القرآن.
وبين ما وجده من الأحوال العارضة للبشرية والنفسيات الراسخة في الجاهلية قبله ، دون ان تكون غرضا من اغراضه ، فما يضع لها من الاحكام اقرارا لها او تعديلا فيها باق ما بقيت هي ، فاذا ما ذهبت ذهبت احكامها ،وليس في ذهابها جميعا ما يضر الإسلام ، كمسائل العبيد والاماء وتعدد الزوجات ونحوها .
فهو يرى ان الإسلام أعاد للمرأة اعتبارها عندما تشاؤم العرب من البنات وكراهتهم لهن ، وحرم وأد البنات وقطع دابر هذه العادة الفضيعة ، واشراك المرأة في حمل الراسلة والدعوة اليها ، وأوصى بتاديب البنات وتعليمهن ، ولئن اشترطت شهادة أمرأتين من الرجل فلان النساء كن حديثات عهد بالقضايا العام ( وقد سمح أبو حنيفة للمراة ان تتولى القضاء ) ، واثبت الإسلام أهلية المرأة للتصرف بمالها ومنع على ابيها او زوجها او اخيها ان يقوم بالحجر عليها دون موجب شرعي.
وقد خاطب الإسلام المرأة والرجل على حد سواء واعتبرها واعتبرهما مكلفين بنفس التكليف ، وفرض عليهما معا النفقة في الدين، ووعهما على حد سواء بالجزاء او العقاب بمقتضى ما اقترفته الايدي مع اعمال ، وحرم على كل منهما ما حرم على الاخر واحل لكل مهما ما احل للاخر ، واصبح للمرأة الحق في نصيب من الميراث بعد ان كانت ممنوعة عنه ، بل اكانت توّرث أحيانا عند زوجها ، ويرى الحداد ان ميراث المرأة وان جاء اقل من ميراث الرجل فلان السائد عند ظهور الإسلام ان الرجل هو الذي يعول وحده الاسرة ويقوم بنفقاتها .
لذا فان اسلام استعمل سياسة التدرج للمضي باوضاع المرأة نحو الاحسن لكن المسلمين ضيعوا ذلك لسببين :
أولا : التراجع عن بعض الحقوق التي سنها الإسلام ، اذ اصبح شائعا مثلا ان تحرم المرأة من الميراث بحيل عديدة ، او يحجر اقاربها الذكور في أموالها دون وجه شرعي ، او بفرض عليها البقاء في البيت والانفصال عن الحياة الاجتماعية العامة ، فبذلك تراجع حقوق المرأة عما كان الإسلام اقرها .
ثانيا : توقف المسلمين من مراعاة قاعدة التدرّج ، فكأنهم قد حكموا بذلك على التاريخ بالتوقف ، فسار تيار التطور الحديث دونهم بل اصبحوا متهمين بمعاداة التطور والمدنية .
واهم القضايا الذي ناقشها الحداد في كتابه المتصلة بالمرأة والاسرة والمجتمع وتطبيق نظريته في التشريع المتدرج في المواضيع التالية:
الميراث ...
الميراث : نشأ التراجع في حقوق المرأة في الميراث من خلال إساءة البعض استخدام نظام الوقف ( التحبيس للارث – وهو غير معمول به في الشرق العربي ) اذ يعمد الاب قبل موته الى وقف ماله على الذكور فقط ولا يترك للانثى الا حق مؤونتها ما دامت في بيت ابيها او اذا عادت اليه بسبب طلاق من زوجها او وفاته ، وبهذا الحيلة الشرعية تملص المسلمون من أداء فرائض المراة في الميراث واستحكمت بينهم نفسية الذكور وحرمان الاناث.
ويطالب الحداد في نظريته بالتدرج الذي يبلغ فيه تساوي الإرث بين الرجل والمرأة ، اذا ما أصبحت مثله قائمة بنفقة الاسرة قادرة على الكسب والعمل .
ونفى الحداد في كتابه ان تكون قاعدة النصف للمرأة قاعدة ثابتة في التشريع الإسلامي ، وحجته في ذلك الا ان التشريع قائم على التدرج فقد اصبح للمرأة بفضل الإسلام نصف نصيب الرجل بعد ان كانت محمرومة من الميراث ، فلا شيئ يمنع ان تصبح لها نصيب مساو اذا تواصل ترقيها واندماجها في المجتمع ، وتاكدت قدرتها على العمل واعالة الاسرة ، كما هو الشأن في العصر الحديث.
ثم حجته في ذلك ثانيا ان القران الكريم يورد حالات يستوي فيها ميراث المرأة بميراث الرجل ، بل تجاوزه أحيانا ، مثل ذلك ميراي الابوين مع وجود الولد . اذ يورد الاية 11 من سورة النساء : " وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ ۚ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ " . فكلمة ابويه تعني الاب والام ، فيستوي الذكر والانثى في نصيبهما من الميراث في هذه الحالة ( وفاة شخص له ولد وابوان على قيد الحياة ) .ومثال ذلك ميراث الاخوة في الكلالة كما ورد في الاية 12 من سورة النساء : " وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ ۚ فَإِن كَانُوا أَكْثَرَ مِن ذَٰلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ ۚ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَىٰ بِهَا أَوْ دَيْنٍ " .
فقد استوى هنا نصيب الأخت والاخ من الميراث .
اما حالة تفوق نصيب المرأة من الميراث على الرجل فشاهدها حسب الكاتب ما جاء في الاية 11 من سورة النساء : ” فَإِن لَّمۡ يَكُن لَّهُۥ وَلَدٞ وَوَرِثَهُۥٓ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ ٱلثُّلُثُۚ" .. أي ثلث الذي لها من اصل التركة، فاذا كان من الوارثين زوج يستحق النصف من امراته الهالك ، فلم يبقى للاب الا الأقل من نصيب الام .
هذه الايات لدعم موقف المؤلف الحداد ونفي ان تكون قاعدة الضعف للذكر قاعدة مطردة .
وفي الحلقة المقبلة موقف الشيخ الحداد من الحجاب والزواج والطلاق .