DELMON POST LOGO

الطريق الى تفعيل الحياة السياسية في البحرين - 7

بقلم محمد حسن العرادي

في هذا المقال سنركز  على قراءة ما تبقى من  المواد الحاسمة في
قانون الجمعيات السياسية رقم 29 لسنة 2005  وسننطلق من مطالعة المادة رقم 22 التي تمنح الدولة الفرصة التامة لاتخاذ إجراءات حل  الجمعيات السياسية في ظروف معينة وتحت ضوابط واشتراطات واضحة ليس من بينها - الكيدية السياسية - فهي تنص على" يجوز لوزير العدل إذا خالفت الجمعية أحكام الدستور أو هذا القانون أو أي قانون آخر أن يطلب من المحكمة الكبرى المدنية بناء على دعوى يقيمها، الحكم بإيقاف نشاط الجمعية لمدة لا تزيد على ثلاثة أشهر تقوم خلالها بإزالة أسباب المخالفة"
وهنا يجب علينا الإنتباه الى ان وجود القانون الذي يسمح بالحل لايبرر إستخدام هذا الحق دون  اللجوء الى الخيارات الأقل ضرراً وتأثيراً، ومن بين ذلك إعادة تدوير الزوايا والبحث عن حلول بديلة وتوافقية ترضي جميع الأطراف، كما أن القانون  يدفع الى إعتبار الحل آخر الحلول الممكنة بعد إستنفاذ كافة الفرص لايجاد مخارج، ودون شك فإن حل (الجمعيات السياسية الثلاث) وإن إستوفى الخطوات القانونية المنصوص عليها، الا إن هذا الحكم داخله شبهة وجود استهداف سياسي ومكارثية يثبته عدم اللجوء إلى اطلاق حوارات مرنة بهدف إيجاد حلول بديلة خلال الفترة المحددة في المادة بثلاثة اشهر لتعديل الأوضاع، كما أن الأحكام الصادرة بحل الجمعيات السياسية المعنية كونها (كيانات اعتبارية) لا يسمح ولا يبرر ملاحقة ومطاردة النشطاء السياسيين المشتركين في هذه الجمعيات، وحرمانهم  من حقوقهم الدستورية حتى ولو كان ذلك عن طريق إجراء التعديلات القانونية المتعسفة على قانون مباشرة الحقوق السياسية والقانون رقم 21 لسنة 1989 الخاص بالجمعيات الأهلية والأندية والمراكز الشبابية.
في المادة السابقة نجد أن المشرع يؤكد على أن الحل يتم في حال وجود مخالفات دستورية أو قانونية لكنه يمهلها مدة ثلاثة أشهر لازالة المخالفات، وهذه المهلة تقتضي إجراء حوارات ونقاشات جادة ومساعي ومحاولات حقيقية لتعديل أوضاع وتصحيح مخالفات الجمعيات السياسية المختلف بشأنها وإيجاد حلول بديلة مناسبة، لكننا لم نسمع بإجراء هذه الحوارات والمحاولات بقدر ما سمعنا عن تتابع الضغوط والتواترات لتقطيع الوقت وصولاً الى تنفيذ قرارات الحل.
ودون شك فان التسامح والإباحة هي الأصل السائد في دستور مملكة البحرين الذي يراعي توفير أكبر قدر ومساحة من الحريات العامة، ويحرص على تعزيز جميع الحقوق والممارسات، ورغم أن القوانين في العادة توضع لتفسير أحكام الدستور وايجاد آليات تنفيذية لها، إلا أن هذه القوانين لا يجور بأن تتعارض مع روح القانون وهدفه الأسمى الذي هو تعزيز المنظومة الدستورية وخاصة الجوانب الحقوقية والإجتماعية والسياسية للمواطنين والإبتعاد عن التصيد والتضييق عليهم.
إن القاعده الذهبية التي يجب أن تتبع في مثل هذه الحالات هي أن لامنع ولا حرمان ولا عقوبات إلا بقانون أو بأحكام فردية محددة المدة تصدر بحق أشخاص طبيعين معينين يحدد فيها نوع الجرم المرتكب أو المخالفة الواقعة، وفي هذه الأحكام يجب تحديد نوع العقوبة ومدتها والغرامات البديلة عنها والإجراءات المتاحة لابطالها أو إلغائها او إستبدالها او العودة عنها، وعليه فإن تعميم أحكام العزل السياسي على جميع أعضاء الجمعيات المنحلة يشوبه الكثير من العوار القانوني وفيه من الشبهات الدستورية التي تستدعي مراجعته الكثير، خاصة وأن حل  هذه الجمعيات التي تمتلك شخصيات إعتبارية واضحة ومحددة قد أبطل الإنتماء اليها، وبالتالي لايجوز محاكمة أشخاص بتهمة الإنتماء إلى جمعيات لم تعد قائمة أو موجودة وليس لها ممثل أو وجود قانوني، الأمر الذي يبطل أية مفاعيل بأثر رجعي بإعتبار أن الأعضاء كانوا منتمين لهذه الكيانات عندما كانت قائمة وفق وضع قانوني سليم، ومع انتهاء هذا الوضع تنتهي عضويات المنتمين لها.  
وفي موقع آخر تنص المادة 22 على:
"ويحظر على أعضاء الجمعية القائمين على إدارتها وموظفيها مواصلة نشاطها أو التصرف في أموالها خلال مدة الإيقاف ، كما يحظر على أي شخص أن يشترك في نشاط الجمعية بعد نشر الحكم الصادر بالإيقاف"
ونلاحظ هنا ان المادة (22) تركز على وقف نشاط الأعضاء بإسم الجمعية نهائياً وليس حرمانهم من ممارسة الحقوق المدنية والسياسية الأخرى التي كفلها الدستور لهم ولجميع المواطنين البحرينيين، كما يجب علينا ملاحظة أن ليس هناك شرطٌ أو نص قانوني أو تقاليد وأعراف دستورية وسوابق دولية تفرق بين حق الإنتخاب والترشح للمواطنين في اي بلد في العالم، سوى معيار السن فقط الذي يحدد 20 سنة لحق الانتخاب كما يحدد 30 سنة لسن الترشح، فيما يوحد بين كافة الاشتراطات بين الحقين لجميع المواطنين، ذلك أن حق الترشح وحق الإنتخاب والتصويت هي حقوق دستورية أصيلة مترابطة ولا يمكن الفصل بينها أبدا إلا بأحكام شخصية واضحة ومبينة تحدد الشخص الممنوع من ممارسة أي من هذه الحقوق بموجب حكمٍ باتٍ من المحكمة يستوفي جميع الشروط وأهمها حق التقاضي الشخصي العادل والتمتع بحق اختيار محام للدفاع في ظروف طبيعية.  
أما المادة رقم (23) من هذا القانون فهي تنص على " يجوز لوزير العدل أن يطلب من المحكمة الكبرى المدنية الحكم بحل الجمعية وتصفية أموالها وتحديد الجهة التي تؤول إليها هذه الأموال ، وذلك إذا ارتكبت مخالفة جسيمة لأحكام دستور المملكة أو هذا القانون أو أي قانون آخر من قوانينها ، أو إذا لم تقم الجمعية خلال الفترة المحددة في الحكم الصادر بإيقاف نشاطها وفقاً للمادة السابقة بإزالة أسباب المخالفة التي صدر الحكم استناداً إليها"
ومرة أخرى نجد أن المشرع قد وضع إشتراطات تسترعي أهمية البحث عن حلول بديلة تدفع باتجاه إيجاد مخارج تزيل المخالفات الجسيمة خلال فترة محددة وهو ما يستدعي إجراء حوارات مباشرة أو غير مباشرة عبر وسطاء وربما محكمين (مقبولين من الطرفين) يبحثون عن تسويات مناسبة للمخالفات وليس تصفيات سياسية لهذه الجمعيات المتهمة بإرتكاب المخالفات، ونلاحظ هنا ان هذه الجمعيات يمثلها رئيسها وقيادتها المنتخبة، وليس جميع أعضائها والمنتسبين إليها، الذين فوضوا القرار لهذا الرئيس والقيادة المنتخبة وفق القواعد القانونية والنظم الأساسية لهذه الجمعيات، التي خولتهم تمثيل وإدارة الجمعية، فاذا تم حل الجمعية لأي سبب كان سقط التفويض الممنوح من أعضاء الجمعيات العمومية لقيادتها، وبالتالي لا تصح العقوبة ولا تنسحب على الأعضاء الذين سقط حق تمثيلهم لانتفاء وجود الجمعية بحكم المحكمة.
ويستمر نص المادة 23 في الشرح فيقول " ولا يجوز للجمعية التي صدر حكم بوقف نشاطها ممارسة أي نشاط وفقاً لأحكام الفقرة الأخيرة من المادة السابقة خلال نظر طلب الحل" وهذا يؤكد ماذهبنا إليه بأن الرابط الذي يلزم الأعضاء العاديين بالجمعيات المحكوم بحلها قد انتهى والغي وبالتالي تبطل جميع الأمور المترتبه عليه وأولها حق العمل والتصرف والتحدث بإسم الجمعيات المحكوم بحلها، فكيف اذاً يصح محاكمتهم والحكم بمنعهم من ممارسة حقوقهم الدستورية الأصيلة التي عادت اليهم كاملة غير منقوصة باعتبارهم لم يعودوا ينتمون إلى أي جمعية سياسية قائمة بعد أن حلت الجمعية التي إنتموا اليها.
أما بقية مواد هذا القانون فجميعها تحذر من التصرف باسم الجمعيات المنحلة وتهدد بالغرامات والسجن لأي عضو يقوم بأي فعل عملي أو مالي أو اعلامي أو سياسي بإسم الجمعية المنحلة، منذ صدور الحكم بالحل ونشره في الجريدة الرسمية، وعليه فان هذا العضو أيا كانت مدة إنتمائه للجمعية المنحلة، أصبح غير ذي صفة ولا يحق له الاتيان بأي عمل خوله إياه الإنتماء لهذه الجمعية التي حكم بحلها، ومن باب أولى ان المنع يعني انه فقد حق التمثيل وبالتالي كيف تنفذ العقوبات على من لم يعد ممثلا لهذا الكيان المنحل والمتفي وجوده بحكمٍ نافذ ومنشور في الجريدة الرسمية.
اننا نطالب باعادة النظر في كل ما ترتب على تفسير هذا القانون من تعسف واقع بحق المواطنين الذين كانوا فبانوا، كانوا منتمين إلى كيان قائم وعندما الغي هذا الكيان فقدوا عضويتهم وانتمائهم له، ولم يعودوا مخولين حق التصرف باسمه أو تحمل أعباء أحكام ضد كيان إعتباري تم شطبه بشكل نهائي، والأمر هذا شبيه إلى حدٍ كبيرٍ لحالة المواطنين المساهمين في اي شركة تجارية تم حلها طوعاً أو بحكم صادرٍ من المحكمة المختصة، والذين لم يعد يصح لهم التحرك باسم الشركة المنحلة كما لا يتحملون أية تبعات خارج حدود رأسمالهم المشاركين به في تلك الشركة، لكن ذلك لا يعني منعهم من تأسيس شركات أخرى أو الإشتراك في أسهم شركات أخرى تتمتع بشخصيتها القانونية والاعتبارية الصحيحة .
وإلى مقال آخر نبحث فيه عن حلول ومخارج لهذا الإشكال القانوني المهم والمؤثر في الحياة العامة في البحرين.