DELMON POST LOGO

الطريق الى تفعيل العمل السياسي في البحرين - 3

بقلم محمد حسن العرادي

كثيرون لا يعرفون بأن أغلب الجمعيات السياسية في البحرين قد تم تأسيسها في العام 2002 قبل إصدار قانون الجمعيات السياسية في العام 2005 ، وكثيرون لا يعلمون بأن هذه الجمعيات تم تأسيسها وفق قانون الجمعيات الأهلية رقم 21 لسنة 1989 الذي حكم ونظم عمل المؤسسات الأهلية على مدى عقود من الزمن،

وفي سبيل تسهيل التحول الديمقراطي ووضع اللبنات المناسبة للإنفتاح السياسي ومن أجل تسهيل عملية الإنفتاح السياسي، صدر المرسوم بقانون رقم (14) لسنة 2002 بشأن مباشرة الحقوق السياسية الذي نظم العمل السياسي داخل هذه الجمعيات وخارجها قبل أن يصدر قانون رقم ( 26) لسنة 2005 بشأن الجمعيات السياسية والذي طلب من هذه الجمعيات توفيق أوضاعها مع القانون الجديد.

وقد أقر مجلس الشورى ومجلس النواب هذا القانون الذي أعاد تنظيم العمل داخل إطار الجمعيات السياسية والتي أخذت وضعاً ومكانة خاصة في المجتمع البحريني بعد مضي ثلاثة أدوار نيابية من الفصل التشريعي الأول لمجلسي النواب والشورى في الفترة 2002- 2006،

وسوف نُفرد هذا المقال والمقالات التي تليه لمطالعة قانون الجمعيات السياسية، وأهم النصوص القانونية التي حكمت العمل السياسي وضبطت إيقاعه، قبل أن يتم تعديل بعض مواد القانون رقم (14) الخاص بمباشرة الحقوق السياسية، والذي جاءت بعض تعديلاته لتنتقص من الحقوق المقرة في قانون الجمعيات موضوع المقال.

صدر القانون رقم (26) لسنة 2005

بشأن الجمعيات السياسية في 29 مادة نستعرض أهمها من وجهة نظرنا ونلقي الضوء على فهمنا لها كالتالي:

نصت المادة (1) على أن " للمواطنين - رجالاً ونساءً - حق تكوين الجمعيات السياسية، ولكل منهم الحق في الإنضمام لأي منها، وذلك طبقاً لأحكام هذا القانون".

وهنا نلاحظ بأن هذه المادة لا تشر إلى إمكانية تعليق حق المواطنين في الإنتماء للجمعيات السياسية بحكم قضائي ولم تربطه بفترة زمنية، بل جعلته حقاً مطلقاً مفتوحاً ومتاحاً لجميع المواطنين بدون أي حدود.

أما المادة (2) فقد جاءت لتضع تعريفاً واضحاً للجمعيات السياسية ووضعت الخطوات المطلوبة لتأسيسها فنصت على أن:

" يُقصد بالجمعية السياسية كل جماعة منظمة، تؤسس طبقاً لأحكام هذا القانون، وتقوم على مبادئ وأهداف مشتركة، وتعمل بصورة علنية بوسائل سياسية ديمقراطية مشروعة، بقصد المشاركة في الحياة السياسية، لتحقيق برامج محددة تتعلق بالشئون السياسية والإقتصادية والإجتماعية لمملكة البحرين.

ولا تُعتبر جمعية سياسية كل جمعية أو جماعة تقوم على محض أغراض دينية أو علمية أو إجتماعية أو ثقافية أو رياضية أو مهنية"

ونلاحظ هنا بأن نص هذه المادة قد حددت بشكل واضح أن هذه الجمعيات تؤسس بحكم القانون بشكل علني لممارسة العمل السياسي، وبأنها مجبرة على تحديد أهدافها والإبتعاد عن التخصص في مجالات العمل الدينية، الاجتماعية، العلمية، الثقافية او الرياضية بشكل محض،

وتتيح هذه المادة للجمعيات السياسية ممارسة النشاط في كل هذه المجالات بشكل جزئي وليس بشكل محض متخصص في واحد من هذه المجالات، ولكنها لا تجبر المنتمين إلى الجمعيات السياسية أو او الممتمين اليها بالامتناع عن الإنضمام أو الإنضواء تحت أي جمعية أهلية متخصصة في أي من هذه المجالات، كما يتم تفسير بعض مواد نصوص قانون مباشرة الحقوق السياسية بصورة قسرية متعسفة ليحرم المنتمين للجمعيات السياسية من حق العمل الأهلي والإقتصادي والثقافي والاجتماعي والرياضي.

وفي المادة (3) وضع المُشرع مسئوليات جسيمة على الجمعيات السياسية وألزمها بالمشاركة في تحقيق النقد السياسي والاجتماعي، الأمر الذي يُلزمها بتقديم إسهامات متميزة وربما قراءة مختلفة، بل ومغايرة عن السائد بين مؤسسات المجتمع، حيث على الجمعيات السياسية تقديم الأفكار والمبادئ التي تؤمن بها وتراها الوسيلة المناسبة لتطوير العمل السياسي في المجتمع، وقد نصت المادة (3) على ذلك بوضوح فجاء فيها:  

"تُسهم الجمعيات السياسية التي تُؤسس طبقاً لأحكام هذا القانون في تحقيق التقدم السياسي والاجتماعي والاقتصادي في المملكة".

"وتعمل باعتبارها تنظيمات وطنية شعبية ديمقراطية على تنظيم المواطنين وتمثيلهم وتعميق الثقافة والممارسة السياسية في إطار من الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي والديمقراطية وذلك كله على الوجه المبين بالدستور وميثاق العمل الوطني"

ولم تتوقف المادة (3) عند مطالبة الجمعيات السياسية بالمساهمة في التقدم السياسي والاجتماعي والاقتصادي، بل أضافت لمسئوليات تلك الجمعيات السياسية (تنظيم المواطنين وتمثيلهم وتعميق الثقافة والممارسة السياسية في إطار من الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي والديمقراطية)، وهنا يتضح المجال الواسع الذي فتحته واتاحته للجمعيات السياسية بعيداً عن التضييق الذي فرضته التعديلات التي أدخلها مجلس النواب على قانون مباشرة الحقوق السياسية في الفصل التشريعي الرابع للبرلمان.

لكن المادة (4) حددت الإشتراطات والمعايير المطلوبة لتأسيس الجمعيات السياسية في  تسع نقاط واضحة لا تلتقي أبداً مع التعديلات التي أجريت على قانون مباشرة الحقوق السياسية والتي ضيقت على المواطنين وسلبتهم حقوق أساسية ودستورية، وقد إشترطت هذه المادة  لتأسيس أي جمعية سياسية أو إستمرارها ما يلي:

1- أن يكون للجمعية نظام أساسي مكتوب موقع عليه من المؤسسين.

2- ألا يقل عدد المؤسسين لأية جمعية عن خمسين عضواً.

3- ألا تتعارض مبادئ الجمعية وأهدافها وبرامجها وسياساتها وأساليبها مع:

‌أ- مبادئ الشريعة الإسلامية باعتبارها مصدراً رئيسياً للتشريع.

‌ب- الثوابت الوطنية التي يقوم عليها نظام الحكم في مملكة البحرين.

4- ألا تقوم الجمعية على أساس طبقي أو طائفي أو فئوي أو جغرافي أو مهني،  أو على أساس التفرقة بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة.

5- ألا تهدف الجمعية إلى إقامة أية تشكيلات عسكرية أو شبه عسكرية أو تأخذ طابع التدريبات العنيفة التي تهدف إلى الإعداد القتالي، أو التحريض على عداوة عرقية أو قومية أو دينية.

6- ألا تكون الجمعية فرعاً لجمعية سياسية أو حزب سياسي أو أي تنظيم سياسي آخر في الخارج.

7- ألا ترتبط الجمعية أو تتعاون مع أية أحزاب أو تنظيمات أو جماعات أو أفراد أو قوى سياسية تقوم على معاداة أو مناهضة المبادئ أو القواعد أو الأحكام المنصوص عليها في الدستور أو المنصوص عليها في البند ( 3) من هذه المادة.

8- أن يكون مقر الجمعية وفروعها داخل مملكة البحرين ، وأن تمارس نشاطها في أراضي المملكة.

9- أن تعلن الجمعية مبادءها وأهدافها وبرامجها ووسائلها وهياكلها التنظيمية ومصادر تمويلها.

وكما هو واضح فإن الجمعيات السياسية التي تم حلها بأحكام قضائية لم تخالف هذه الشروط التسعة، وبإفتراض الإختلاف في التفسير حول مدى التزام الجمعيات المحكوم بحلها قضائياً بأي من هذه النقاط، فان المطلوب هو تقديمها للقضاء والزامها بالعودة عن أي مخالفة، لكن ذلك لم يحدث ولم يتم تناوله في الإعلام او وسائل التواصل الاجتماعي، كما أن الجهات المسئولة لم ترصد لأي من هذه الجمعيات احتجاجاً أو خروجاً على أي من هذه الشروط، وهنا نعود للتساؤل اذا لماذا تم حل هذه الجمعيات؟.

لكن السؤال الأهم هنا هو عن نوعية الجريمة التي تم على أساسها منع المواطنين الذين كانوا ينتمون لأي من الجمعيات المنحلة من حقوقهم الدستورية وخاصة حق الترشح للإنتخابات النيابية أو البلدية أو المشاركة في أي من أنشطة المجتمع المدني والأهلي.

وحين تطالع المادة (5) فإنك تكتشف بأن من حق المواطنين الانضمام الحر لأي من الجمعيات السياسية التي تم تأسيسها وفق هذا القانون دون إعتبار ذلك جريمة يعاقب عليها القانون، كما ستكتشف بأن كافة نصوص القانون لا تُحمل أعضاء الجمعيات السياسية أي مسئوليات تحرمهم من حقوقهم الدستورية في حال تم حل الجمعيات التي ينتمون إليها،

ومما جاء في المادة (5) ما يلي :

"يشترط في العضو المؤسس، أو العضو الذي ينضم إلى الجمعية بعد إعلان تأسيسها ، الشروط الآتية:

1- أن يكون بحرينياً ، متمتعاً بكافة حقوقه المدنية والسياسية.

2- أن يكون قد بلغ من العمر إحدى وعشرين سنة ميلادية كاملة وقت التقدم بطلب التأسيس أو يوم الانضمام إلى الجمعية.

3- أن يكون مقيماً في المملكة عادة.

4- ألا يكون عضواً في أية جمعية سياسية بحرينية أخرى أو أي تنظيم سياسي غير بحريني.

5- ألا يكون من المنتسبين إلى قوة دفاع البحرين أو الحرس الوطني أو أجهزة الأمن التابعة للدولة ، وألا يكون من رجال القضاء أو النيابة العامة أو من أعضاء السلك الدبلوماسي أو القنصلي"

ولاتدع هذه المادة اي مجال للشك حول حق المواطنين في الانتماء للجمعيات التي يرونها ملبية لطموحاتهم، ومتفقة مع مبادئهم،

و بكل وضوح تحدد هذه المادة الفئات الممنوعة من الانتماء للجمعيات السياسية من خلال المسئوليات التي يتولونها وهم المنتسبين إلى أي من الفئات التالية:

1- قوة دفاع البحرين

2- الحرس الوطني

3- أجهزة الأمن

4- رجال القضاء

5- النيابة العامة

6- السلك الدبلوماسي

7- السلك القنصلي

من هنا نقول بأن جميع المواطنين خارج هذه الفئات السبع يحق لهم ممارسة العمل السياسي ضمن أطر الجمعيات السياسية وفق الاشتراطات التي حددتها بنود هذا القانون، ولا يحق حجب هذه الحقوق في حال إلغاء أو حل أي من الجمعيات السياسية، لأن الحقوق الدستورية والسياسية للمواطنين سابقة لانضمامهم لهذه الجمعيات، أي أن حقهم ليس مرتبطاً بتأسيس هذه الجمعيات، وكما هو ليس مرتبطاً بالتأسيس فحتماً ليس مرتبطاً بالحل والإلغاء.

وعليه فان ذلك يشير إلى أهمية إعادة النظر في التفسير الذي حُرم بموجبه آلاف المواطنين من حق الترشح للإنتخابات العامة (النيابية والبلدية) والخاصة المرتبطة بالجمعيات الأهلية والأندية والمراكز الشبابية. لذا فإن من أهم النقاط المطلوب مراجعتها لتفعيل العمل السياسي هو التراجع عن هذا التعميم الواسع على عدد كبير من المواطنين الذين التحقوا بالجمعيات التي حكم بحلها، حين كانت قائمة وتعمل وفق القانون، وحين تم حلها لم يعد لها وجود قانوني، ما يعني عودة الحقوق الدستورية لكل مواطن حسب فئته والنصوص الدستورية كما كانت قبل التحاقه بهذه الجمعيات، وفقاً للقاعدة القضائية أن الجريمة فردية والعقاب فردي وأن لا عقوبة إلا بنص حكم فردي مباشر .  

في المقال القادم نستكمل إستعراض مواد قانون تأسيس الجمعيات السياسية فانتظرونا