DELMON POST LOGO

الدكتور عبد الحسين ميرزا وزير النفط الأسبق ينشر مذكراته في كتاب " مسيرتي " – 2-2

ميرزا اول مسؤول حكومي يشرح تفاصيل احداث 14 فبراير 2011 .. وتاثيرها على شركة بابكو

ميرزا بعد تقاعده : خاطرني شعور فخر باني خدمت بلادي في الشطر الأكبر من حياتي وآن الوقت للراحة مع العائلة

دشن الدكتور عبد الحسين ميرز الرئيس التنفيذي لشركة بابكو وزير النفط السابق وزير الطاقة السابق وزير الكهرباء والماء السابق ، وتسعة مناصب رئيسية تبوئها منذ عام 2000 حتى تقاعده في اخر تعديل وزاري ، كتاب سيرته الذاتية بعنوان " مسيرتي" مؤخرا .
يقول ميرزا ، على المجال الشخصي واصلت الدراسة وحصلت على شهادة الدكتوراه  بالإدارة " كيفية إدارة  التغيير" في بابكو عام 2003.وفي عام 2005 استدعاني العاهل وطلب مني تقرير حول أهمية اكتشافات نفطية بالبحرين لاسيما اننا بمحيط غني بالنفط ، بعد الدراسة اقترحت انشاء شركة قابضة للنفط والغاز ، بعدها تم تعييني وزير النفط  والغاز ، ورئيس الهيئة النفط والغاز، بعدها صاحبت ولي العهد لزيارة الدوحة التي على وشك التوقيع مع البحرين على لاستيراد الغاز القطري ، يرواد البحرين باننا اقتربنا من التوقيع لكن الدوحة ترجع الى المربع الأول واعلن وزير النفط القطري بان النفط المحجوز للبحرين قد تم التصرف فيه بسبب عدم التوافق.. ويبدو الاختلاف على السعر ، رغم ملك قطر لثالث مخزون عالمي من الغاز ، وأخيرا ردت قطر بلا ، واتجهنا الى ايران ، وتعثرت أيضا المفاوضات.
تم اعداد استراتيجية لزيادة النفط والغاز وزيادة إيرادات الدولة وسياسة المحافظة على الطاقة وترشيد استهلاكها ، وتويه مصادر الطاقة من خلال 14مشروع تم تقديمه للقيادة .

احداث 2011

احداث 14 فبراير 2011 لم تبدأ من هذه السنة ،بل الارهاصات التي سبقتها ، كنت مع صديق لمشاهدة احدى الأفلام في مجمع الدانة ، في عصر 10 مارس 2006 ، بعد الخروج من المبني سمعنا صراخ وصخب لعدد من المتظاهرين بمناسبة انعقاد سباق الفورميلا واحد ، وفجأة اجتاح المتظاهرون مجمع الدانة وكانوا يهتفون بهتافات تندد بالحكومة ، وتطالب ببحرنة الوظائف وحدث اشتباك بينهم  والشرطة ، وظلت تلك الاحداث تشتد وتفتر لعدد من السنوات ولكن في الأربعة الأشهر الأخير من عام 2010 بدأت حركة احتجاجات في تونس والكثير منا اعتقد انه احتجاج وغضب لكنه انتهى الى تخلي الرئيس التونسي زين الدين بن علي عن السلطة ، ولكن بعد أيام انتقلت الشرارة الى مصر فبدأت في 25 يناير 2011 حركات احتجاج تعاطمت حتى شملت المدن والقرى متخذين من ميدان التحرير مقرا للاعتصام ، وتسارعت الاحداث حتى تنازل الرئيس محمد حسني مبارك عن الحكم في 21 فبراير 2011.. والسؤال من التالي ؟
وكنا نسمع دعاوي للتجمع في دوار مجلس التعاون الخليجي الواقع في قلب المنامة ، البعض هول الموضوع من هذه الدعوات ، وكان موعد التجمع الاثنين 14 فبراير ، وهو يوم ميثاق العمل الوطني ، وهو احد اهم روافع المشروع الإصلاحي للملك ، وهو اليوم الذي تشرفت باستلام وسام البحرين من الدرجة الأولى من الملك ، في نفس اليوم هناك تظاهرات في كرزكان والنويدرات وتوفى احدهم برصاص شرطي اطلقه بالخطأ ، بعدها خرجت تظاهرات بعدد اكبر اثناء دفن الشاب ، وتوفى شخص اخر ، ولم تكن الأمور تحتاج الى اكثر من ذلك حتى تبدأ في التصاعد والتطور.
في نفس المساء خرج عاهل البلاد على التلفاز مكلفا نائب رئيس الوزراء جواد العريض بتشكيل لجنة تحقيق فيما حدث واعلن وزير الداخلية توقيف رجلي الشرطة المتهمين في هذين الحادثين حتى تنتهي لجنة التحقيق من اعمالها .
تتالت الاحداث وباتت مقلقة ، خرج ولي العهد على التلفاز مع سوسن الشاعر وإبراهيم بشمي  ، اعلن بان البحرين ليست طائفية،وان الحوار هو ما يجب ان يسود ، واعرب عن اسفه عما حدث خلال الفترة الماضية ، وقال لغة العقل يجب ان تتغلب وتعلو وان الهدوء هو اول مطلب حتى يتمكن الجميع من تجاوز الازمة .
في 26 فبراير من نفس العام استدعاني رئيس الوزراء واخبرني عن تعييني وزيرا للطاقة مسؤولا عن قطاعي النفط والغاز والكهرباء والماء ، لاسيما ان الكهرباء دخلت البحرين عام 1930 قبل النفط .
هذا الفرح لم يقلل من قلقي من تمدد حجم الاحداث وتسارع وتيرتها ونزولها الى عمق الشريان الاقتصادي للبلاد ( المرفأ المالي) وكان الديوان الملكي قد اعلن عن الجمعة حداد رسمي حيث فقدت المملكة عدد من أبنائها وتعاطفا مع مصاب اهاليهم ، وكان الامل ان نخرج متماسكين بالوحدة والوطن ، وفي نفس اليوم تم تعيين الدكتور مجيد العلوي وزير للاسكان والدكتور نزار البحارنة وزيرا للصحة وجميل حميدان وزيرا للعمل وكمال احمد وزير لشؤون مجلس الوزراء .. كان همي الأول عدم انقطاع الكهرباء واستمرارها.
لم تمر الا أيام حتى تجمع حوالي 300 الف شخص في ساحة مركز الفاتح الإسلامي في الثاني من مارس يعلنون مساندتهم للحكم والحكومة فصار واضحا ان هناك فريقا في الدوار واخر في الفاتح ولكل توجهاته ،وربما تقاطع بعض منها مع مطالب الذين كانوا في الدوار ، لكن اختلفت السبل في التعبير عنها وطرق المطالبة بها اذ خرج في اليوم الذي يليه عدد هايل في مسيرة استعراضية من المعتصمين في الدوار وكل يزايد بالعدد.!!.
اثنائها كلفني الملك في الثالث من مارس 2011 ، باستقبال رئيس شركة اوكسدنتال السيد راي إيراني ، والتقينا بالملك لمناقشة المشاريع النفطية المستقبلية التي تشارك فيها الشركة.
في السادس من مارس 2011 ، توجهت الى قصر القضيبية لاجتماع مجلس الوزراء لكننا بدأنا نسمع بعض المتظاهرين وصولا الى بوابة القصر وتجمهروا امامها ، مما أحال بقية الوزراء الوصول الى القصر، الساعة 12.30 غادورا المتظاهرين ، ورجع الوزراء وعقدنا اجتماع مجلس الوزراء .
وفي 11 مارس وكان يصادف يوم جمعة توجه اعداد من المتظاهرين بعضهم لبسوا اكفان ( استعداد للموت ) الى منطقة  الرفاع مشيا على الاقدام ، وعدد من أهالي الرفاع خرجوا ليقفوا إزاء هذه المسيرة التي لا يدرون الى اين تريد الوصول ، الا ان قوات الامن التي تحلت بضبط النفس والعمل المهني استطاعت الحيلولة دون حدوث التحام بين الطرفين ، وفي المنامة حيث الاعتصام كان يكبر ويتمدد يوميا ويتجاوز حدود الدوار ، بل قاموا بقطع الطرق وعطلوا حركة السير ، وبجامعة البحرين، حصلت اشتباكات بين الطلبة فيما بينهم ، وفي اليوم التالي 14 مارس 2011 ، وكان من المفترض عقد اجتماعات تنسيقية بين وزراتي الكهرباء والإسكان ، اغلق المتظاهرون الشوارع وتعذر على الناس الوصول الى أعمالهم  ، لكن في نفس الليلة بدأت طلائع قوات درع الجزيرة تفد الى البحرين عبر جسر الملك فهد للتمركز في بعض النقاط والمواقع الاستراتيجية في إشارة الى تضامن المجلس مع دولة عضو فيه.
في هذه الفترة تواردت اخبار نقص في عدد من محطات الوقود نظرا لصعوبة وصول صهاريج النفط الى عدد من المناطق بسبب اغلاق الشوارع والاعتداء على عدد من سائقي الصهاريج بسبب الفوضى ، لذا طلبت من سيارات الشرطة مرافقة الصهاريج حماية للسائقين وتامينا للوقود في جميع المحطات.
صبيحة الأربعاء 16 مارس 2011 انتهت رسميا " احداث الدوار" اذ قامت قوى الامن بفض الاعتصام ، في هذا اليوم زرت مصفاة النفط واجتمعت بالرئيس التنفيذي فيصل المحروس وجميع المدراء بشكرهم على مواصلة العمل ، حيث تغيب كثيرا من الموظفين بسبب اغلاق الطرق والكثير منهم يعيشون في مناطق متوترة فكانوا يخافون غضب المتظاهرين اذا علموا انهم يذهبون الى العمل بخلاف الدعوات القائلة بالاضراب وشل الحركة تماما، الا ان بعض اخر كان مساندا للمظاهرين ، لكننا بصفتنا شركة امامنا استحقاق لا يمكننا التلكؤ فيه ، ولا يمكننا التباطؤ عن تلبيته ، فنحن نستقبل كمية كبيرة من النفط السعودي لتكريره ، كما نكرر النفط المستخرج من حقل البحرين ، ولدينا التزامات عالمية ، فليس امامنا الا العمل بكل طاقتنا وبمن حضر وفي القت نفسه النظر الى حقيقة امر من غاب عن العمل وباي عذر .
طلبت من إدارة بابكو تفعيل خطة الطوارئ حتى لاتتوقف العمليات في المصفاة وحقل البحرين وفي ذلك الوقت كانت جميع الجهات الحكومية والشركات تعاني تغيب الموظفين لاسباب متعددة.
هذه الازمة التي استمرت شهرا بالتمام والكمال، أسوأ ما فيها ارتفاع الحس الطائفي بين قطاعات من المواطنين وترامت الأطراف الاهلية هذه التهمة وتبادل أناس تهما مثل التخوين والعمالة ، واصبح للازمة ذيول رغم فض الدوار ، وهدم النصب ، وتحويل الدوار الى تقاطع والقاء القبض على المؤججين والمتسببن في حدوث هذه الفوضى العظيمة.
القت الازمة على الاقتصاد والفنادق خصوصا ،وطلبوا أصحاب الفنادق الغاء فواتير الكهرباء ، الامر الذي رفض.
بقيى الهجوم على شركة بابكو ورئيسها التنفيذي بعد الازمة رغم براءة الإدارة من أي تقصير( واثبت ذلك ديوان الرقابة المالية ) ، الا ان احدى الجرائد المحلية واصلت الحملة ضدها ، واتهمته بالخيانة والسماح للموظفين الذهاب الى الدوار وينحاز الى طائفته مع ان اغلب المدراء والقيادات في بابكو كانوا من اهل السنة .
ومع ذلك قام تلفزيون البحرين في برنامجه الذي يذيعه عند التاسعة والنصف باجراء مقابلة بانتقاء فيصل المحروس وإبراهيم طالب واحد أعضاء مجلس النواب وكان واضحا من طريقة المذيعة ان الأسئلة معدة سلفا منحازة ضد إدارة الشركة والمحروس خصوصا، مما اضطرني طلب المداخلة والدفاع عن شخصه.
ولم يقتنع عدد من النواب بما انتهت اليه اللجنة الحكومية ولا ما خلص اليها ديوان الرقابة المالية فطلبوا شركة بابكو للتحقيق البرلماني في 11 ابريل 2011 ، وقد قدم النواب 59 سؤال واعدت الشركة الاجابات ، استغرق الاجتماع اربع ساعات بدأت الشركة بسرد الإجراءات التي اتخذتها في فصل 190 موظفا لان الاضراب في المنشأت الحساسة ممنوع حسب القانون ، الا ان اللجنة البرلمانية لم تكتفي بفصل 190 موظفا وطلبوا بفصل اعداد كبيرة من الموظفين لانهم من طائفة قد تتعاطف مع المتظاهرين او المضربين عن العمل حسب ادعاء بعض أعضاء اللجنة .
قامنا بشرح تبعات فصل عدد كبير من الموظفين منمختلف الاعمال لان التعاطف ليست تهمة في حد ذاته ، كما ان الفصل سوف يخل بعمل المصفاة التي تعمل 24 ساعة ، لكن مع الأسف لدى اللجنة أسماء بالذين يحلون محلهم في حال اقيلوا ، الشركة رفضت لان تلك الاعمال تحتاج الى تدريب لمدة سنوات ، تبين بعد ذلك ان اللجنة استقت معلومات من ناس له مأرب شخصية وكيدية.
الغريب في الامر بان اللجنة قالت ان معظم موظفي بابكو من الشيعة ، فردت الشركة بان متوسط خدمة موظفي بابكو تتراوح بين 30-35 سنة ، من الخدمة ، أي انهم قد تم توظيفهم من قبل الإدارة الأجنبية التي لا تعنيهم الفروق المذهبية ولا الدينية ولا أي اعتبار اخر غير جودة العمل.
لم تنتهي اللجنة البرلمانية من التحقيق لان هناك نية مبيتة لا لمعرفة الحق ، بل ان لجنة التحقيق البرلمانية برفقة تلفيون البحرين زاروا المكتب الرئيسي في المصفاة ، وقاموا باستجواب الموظفين والموظفات ، الذي عبروا عن قلقهم البالغ بعد انتهاء هذه المداهمة ، وشعروا بانهم متهمين ،بل ووجهت لهم أسئلة استفزازية مثل هل ذهبتم الى الدوار ؟ هل ذهب احد من اهلكم الى الدوار ؟ وعندما حاول المستشار القانوني محمود سلامة من إيقاف الفريق التصوير باعتباره غير قانوني ، قاموا بدفعه ونعته بالفاظ نابية قبل ان ينسحبوا.تم اعداد تقرير الى رئيس مجلس النواب ووزير الاعلام عن الحادث.
ولم يتم الاكتفاء اللجنة بذلك ، في مايو 2011 كنت امام البرلمان لاستعراض ما توصلت اليه اللجنة ، واثناء النقاش طرحت أسئلة كثيرة من أعضاء مجلس النواب اجبت عنها ، مما يأسف ان الكثير من الأسئلة كانت مبنية على اشاعات وكلا يتردد بين الناس ، واسهمت منصات التواصل الاجتماعي في نقله وترويجه واخذه بعض النواب انها مسلمات.
من جملة الأسئلة ، ادعى احد النواب بان الانقطاع الكامل للكهرباء في 23 أغسطس من عام 2004 كان متعمدا من قبل شركة بابكو بغرض تهريب أسلحة من الخارج الى البحرين ، على الرغم ان بابكو غير مرتبطة بالشبكة الحكومية للكهرباء !! وليس لها علاقة بالنقطاع الكهرباء والتحقيق التي أجرته الحكومة حينها لم يسفر ابدا عن أي علاقة بابكو بالكهرباء .
وقال ميرزا ، لقد شرحت للنواب بان عمليات الشركة لم تتوقف ابدا، وان عمليات انتاج النفط  او امدادا المشتقات النفطية لم تتوقف ، سواء البنزين او كيروسين الطائرات او امدادات الغاز ، ولم تحدث أي انقطاع بالتيار الكهربائي .. ومن تغيب بدون عذر مقبول من الشركة تمت محاسبته.
يختتم ميرزا كلامه بالقول بان البحرين مرت بالعديد من القلاقل الأمنية ، لكن هذه الازمة الأقوى والاطول وشرخت المجتمع طائفيا ، وبفضل حكمة القيادة مرت الازمة ورست سفينة البحرين الى بر الأمان ، والتقى الملك في 31 مايو برؤساء الصحف ودعا الى حوار وطني استجابت له القوى السياسية ومؤسسات المجتمع المدني ، وامر بتشكيل لجنة دولية محايدة لتقصي الحقائق برئاسة محمود بسيوني ، وانتهت اعمال اللجنة بعد بضعة اشهر وقام رئيسها في 23 نوفمبر 2011 بتلاوة التقرير النهائي امام عاهل البلاد ، وقد لقيت النتائج رضا وقبول جميع الأطراف لانها عالجت أمور كثيرة صعبة وتم تشكيل لجنة متابعة تنفيذ التوصيات برئاسة علي صالح الصالح ،وفي 27 يناير 2012 تجلت حكمة القيادة الرشيدة حينما قررت ارجاع جميع المفصولين في جميع الوزارات الذي تم فصلهم خلال الاحداث.

الخاتمة

اختتم ميرزا كتابه بالقول ، التغيير سنة الحاية اذ لا شيئ يدوم ، بعد ان استطعت مع فريق العمل في هيئة الطاقة المستدامة إرساء قواعد وترسيخ مبدأ استدامة الطاقة ، وحققنا الأهداف الوطنية للطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة قبل اربع سنوات من موعدها ، جاء موعد مغادرة عملي في هذا القطاع ، وأبلغت في نفس اليوم بان مرسوما ملكيا سيصدر مساء يوم 18 يناير 2022  يشير الى انه بدءا من الأول من فبراير 2022 سيتم الحاق مهام هيئة الطاقة المستدامة الى وزارة شؤون الكهرباء والماء وهذا يعني ان اتقاعد من العمل بعد 60 عاما من العمل المتواصل 40 في بابكو و20 سنة وزيرا في اكثر مقعد في الحكومة ... خاطرني شعور فخر باني خدمت بلادي في الشطر الأكبر من حياتي وآن الوقت للراحة مع العائلة.
اهداء نسخة من الكتاب الى عاهل البلاد