جريا على عادته في سبر اغوار الابعاد الثقافية والحضارية والجيوسياسية ، وفيما يسمى الانثروبولوجيا ، كانت اوارق المنتدى الثامن اولا، قصة مدينتين – الكويت والاحمدي للاستاذ احمد الديين ، وثانيا، الفضاءات العامة في مسقط او كيف تشكل الفرد في الريف المتمدن ؟ للباحث العماني علي الرواحي ، ثالثا ، نمط الانتاج الكولونيالي للباحث هشام عقيل .. بدأ المنتدى بكلمة للامين العام للمنبر التقدمي الاستاذ المحامي عادل المتروك ، في مسيرة ثمان عقود من التحولات والتطورات الاقتصادية باكتشاف النفط والتحولات التي رافقته او تغيرت بسببه ، فلم تكن المدن الخليجية ما قبل ذلك او بعد ذلك بعقود قد استكملت الحداثة اقتصاديا و اجتماعيا وسياسيا ، في ما مدن الشمال ظهرت وتميزت بالحداثة منذ اكثر من قرن من الزمان ، واصبحت لها ملامحها وتلاوينها مثل بغداد او البصرة او الشام وبيروت والقدس والقاهرة والاسكندرية .. الخ اصبحت محل جذب والهام معيشي وفكري وسياسي باستكمال الدولة الحديثة، والتي بدورها استلهمت حياة المدن والدولة الاوربية ، رغم التاريخ الحضاري والفكري للحضارات السابقة في المنطقة السومرية – البابلية – الفارسية ودلمون وتايلوس – الرومانية وحضارة الثقافة الاسلامية في بغداد والشام وقاهرة المعز ،وتداخل الثقافات ومدارس مدن الفكر ( مدرسة البصرة – مدرسة الكوفة ).
والمدن لها هوياتها بانماط مختلفة تغني بها شعراء وكتاب واكاديمين ، وعودة الى مدن الخليج الحديثة تظهر في جوانبها مدن نمط الانتاج والنفط وانتشر تاثيرها نحو المدن الام ، في عوالي في البحرين والاحمدي في الكويت والظهران في السعودية لم تكن كباقي المدن في المنامة – المحرق الكويت – الرياض ..الخ لكن عوالي والاحمدي مدن الحداثة على نمط غربي ، خلقت خلقا وتكونت تكوينا بتدفق النفط . وعوالي منذ منتصف الثلاثينات ، حدد الاعلان الحكومي واعلان المستشار 28 ابريل 1938 باطلاق مسمى عوالي بدلا من الجبل او بابكو ، والاحمدي في الاربعينات وكما سماها اهل الكويت مدينة الخير على اسم الحاكم احمد الجابر الصباح . مدن النمط الاوربي اندية ومستشفيات ومساكن مكيفة وحدائق وكل في حداثة المدن .. هذه مدن النفط . لكن النفط رغم تغييره لكافة نواحي الحياة العامة وكنمط للانتاج لم تكن له تقاليده ومراسمه وطقوسه مثل نمط الانتاج في الزراعة والبحر ، لها مواسم حصادها واغاني الحصاد اغاني واهازيج البحر وانشودات مواسم القطف والثمار والآلاء البحار ،
هذه احياء ذاكرة المدن المرتبطة بحداثة دول الخليج عاشتهاالاجيال وشهدت عليها اعمار من المعاصرين فهي ليست تاريخا غابرا ولا روايات جيل بعد جيل بل روايات معاصرة تعاصرت وشهدها ربما الكثير من الحاضرين من مواليد الثلاثينات والاربعينات ، ولازالت احاديث واماني وآمال الرواد الذين تلونت حياتهم وانعجنت قواهم على مدى ثمانية او سبعة عقود . وشكلت ابحاث ودراسات المفكر الكبير الاستاذ الدكتور جمال حمدان منذ مطلع الخمسينات المرتكز الفكري والجيوسياسي في علم الانثروبولوجيا ، جمال حمدان الذي اسس فكر الجغرافيا في المنطقة من الجغرافية التقليدية الى جغرافيا بشرية وجيوسياسية ، اشهرها شخصية مصر – دراسة في عبقرية المكان .. كانت كتبه ملهمة لنا منذ مطلع شبابنا في الستينات .
مدن الخليج وان احتفظت بجزء من هويتها لكنها في المشهد الكلي اصبحت مدن بابل !!! بديمغرافيا السكان المتناثرة والمتناقضة !!! في جوانبها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية،واصبح نمط الانتاج بغير النفط غريبا غربة عميقة وحزينة ، في المهن والارزاق والتجارات فقدت الاصالة وفقدت بعدها امن وامان عواقب الازمان !!!.
مدن الانهار لها تقاليدها ، ومدن البحار لها رومانسيتها ، ومدن كانت عامرة بتماثيل روادها وشعرائها ، ومناضليها ، اقحمت اقحاما بتماثيل حكامها !!!!.
في حضور بهي وزاهي من المفكرين والادباء والكتاب والسياسيين والمثقفين ، وطبعا دائما الاستاذ احمد الديين هو فاكهة المنتدى السنوية حيث كانت فوزية مطر اول المتداخلين وبعدها عبد النبي العكري ومريم الرويعي وعبيدلي عبيدلي وعلي فخرو وعباس هلال .
في حضور بهي وزاهي في صباح ايار النوار يتفتح الفل ونحصد نحن الغبار !! مترافقا للظاهرة الجميلة معرض الكتب القديمة والمستعملة التي هي الاخرى شكلت ملامح فكرية لهذا الجيل المعاصر للمراحل الانتقالية لحداثة المدن – جيل اعتصر اعتصارا لكنه مكتنز بالعمل والامل.