أقام مجلس محمد النايم الحايكي بتاريخ 5/7/2022م، محاضرة بعنوان: الأسباب الحقيقية لسقوط دولة الجبور - للدكتور/ محمد حميد السلمان، بحضور نخبة من الأكاديميين وجمهور المجلس المعتاد. وقد تناولت المحاضرة عدة جوانب تحت هذا العنوان جاءت على شكل إجابات سريعة لعدة أسئلة، بدأت بمقدمة تقول:
منطقة جنوب إيران المشهورة باسم (شيبكوه) أو بر فارس. وهي منطقة جبلية تفصل بينها هضاب وسهول تمثل أراضي زراعية خصبة صالحة للزراعة، كما أن هناك بعض السبخات في شرق المنطقة وغربها. وبها بعض الأفلاج تُستَغل في ري المحصولات الزراعية. هاجرت إليها عديد من قبائل وسط وشرق شبه الجزيرة العربية لعدة أسباب. كما هاجرت إليها بعض قبائل وعشائر الداخل الايراني لأسباب متعددة أيضاً، وامتزج الجميع وتزاوجوا لعقود طويلة. ومن هؤلاء آل حرم، وبني خالد النصوريين أو آل نصور الجبريين. و في رواية ليس لها توثيق مكتوب، يقول صاحب كتاب (صهوة الفارس في تاريخ عرب فارس): "لم أجد تاريخاً موثقاً لانتقالهم من الجزيرة العربية"، أو بالأصح من شرق الجزيرة العربية الى بر فارس. وهم بطن من بقايا الجبور كما يُذكر (وهنا مربط فرسنا)، كانوا يسكنون الأحساء ثم انتقلو الى بلدة الجعيمة أو (الجعيميه) شمال القطيف، ومنها انتقلوا عن طريق منطقة الزبارة، بقيادة خالد بن مهنا الجبري، إلى البر الشرقي للخليج. وسكنوا في منطقة "كلاتوه"، ثم منطقة "الكابندية"، وهناك توفي خالد بن مهنا الجبري، وتولى بعده منصور بن خالد، ثم ابنه ياسر بن منصور، الذي توفي عام 1719م ودفن في قرية "البمبرية" الفارسية، وحكم من بعده ابنه جبارة بن ياسر، كما يٌضيف صاحب (صهوة الفارس). ثم انقسموا إلى قسمين، أحدهما بقي في منطقة "الكابندية"، والآخر بزعامة بعض شيوخ بني خالد النصوريين؛ وسكنوا منطقة أو قرية "الطاهرية" في الساحل الشرقي للخليج، وكان زعيمهم الشيخ جبارة النصوري الهولي، وصفاً، الذي احتل البحرين، كما يُقال، بعد أن اخذها من سلطان مسقط ثويني بن سيف عام 1723. بالرغم من أن كُتب التاريخ العُماني تقول بأن سيف الثاني بن سلطان الثاني اليعربي، وليس ثويني كان في حقبة حكمه الأول بين عامي 1719-1724، صغيراً في السن ولم يتمكن من تولي زمام الأمور تماماً، فتولى الحكم محمد بن ناصر الغافري بين أعوام 1724-1728، وليس من اليعاربة كما هو معروف، وتم تصفيته قتلاً، فحكم بعده مرة أخرى، سيف الثاني بن سلطان الثاني اليعربي، بين أعوام 1728-1743م، حتى جاءت الدولة البوسعيدية بين عامي 1744، 1749م.
- فمن هم الجبور؟
بداية لابد أن نعود لهذه المعلومة المهمة: إن الساحل الشرقي لشبه الجزيرة العربية الممتد من جنوب العراق عند حدود البصرة جنوباً، وحتى حدود عُمان شملاً؛ كان يُعرف باسم (الخَط)، ويطلق عليه أحياناً " خَط عبد القيس والبحرين". بل إن ياقوت الحموي يذكر في معجمه المعروف، بأن (البحرين اسم جامع لكل البلاد على ساحل بحر الهند بين البصرة وعُمان، وقيل "هَجَر" قصبة البحرين).
وكذلك معلومة أخرى مهمة: أن دولة أو مملكة الجبور، نشأت في القرن الخامس عشر الميلادي في نجد وأطرافها، وكونت لها كياناً سياسياً قوياً في واحة الأحساء والقطيف وجزر البحرين إلى جانب مناطق في الداخل العُماني ومناطق أخري في شبه الجزيرة العربية، وذلك بحسب ما ذكره القائد البرتغالي الشهير (أفونسو دي البوكيرك) في مذكراته.
وهناك خلاف في تحديد نسبة الجبور فعلياً لأي فرع من القبائل العربية المنتشرة بين بوادي نجد والعراق والأحساء وشمال عُمان. ولا نملك إلا نتفٍ قليلة ونادرة عن نسب بني جبر وردت في القليل جداً من المصادر التاريخية والشعر النبطي، مما كُتب عنهم أو عن بعض شخصياتهم. وللتقريب بين الآراء المتضاربة أحياناً ولإبعاد بعض الشكوك أحياناً أخري؛ يمكن القول بأن بطون بني عقيل، التي ينتسب إليها الجبور، عندما غادرت مواطنها الأصلية في نجد بفعل فترات القحط الشديدة والجوع؛ استقر بعضها في إقليم البحرين وخاصة في الأحساء قبل زمن القرامطة ومنهم بنو عامر.
كما أن هنا قضية أخري في موضوع نسب الجبور القبلي مازالت مثار نقاش بين المؤرخين، وهي صلة النسب التفصيلية بين العصافرة والجبور؟ وهل هناك نسب يربط الجبور مباشرة بنسل الشيخ عصفور بن راشد العامري العُقيلي - كما يذكر الباحث عبداللطيف ناصر الحميدان- أم لا ؟ ثم ما مدي قرابة مؤسس دولة الجبور، سيف، بجدهم الأكبر جبر أو جابر، وهل هو إبنه أو حفيده أو أحد أفراد عائلته فقط، وما موقع اسم جبر هذا ضمن سلسة نسب الأسرة؟ لدرجة أن البرتغاليين أطلقوا على هذا الكيان السياسي العربي القبلي اسم "بلاد إبن جبر أو دولة إبن جبر".
أسئلة عديدة ما زالت كثير من الآراء تحوم حول أجوبتها. فقط تصوروا، أن أقرب المصادر التي كتبت عن الجبور وجدهم الأول (جبر)، هو شمس الدين محمد بن عبدالرحمن السخاوي في كتابه الموسوم "الضوء اللامع لأهل القرن التاسع" طبعاً نقصد القرن 15 ميلادي، حين قال: ( أجود بن زامل العقيلي الجبري نسبة لجدٍ له يسمي جبر، ولذا يقال له ولطائفته بنو جبر، النجدي الأصل، المالكي، مولده بادية الحسا في رمضان سنة احدي وعشرين وثمانمائة (أكتوبر 1418 م). هذه المعلومة الوحيدة هي التي كانت معتمدة عن أصول الجبور. كما أستمر تناقل المعلومات ذاتها عن بداية حكام الجبور بأسماء زامل وسيف وأجود، في كتب المؤرخين القدامى الذين جاءوا بعد السخاوي، أمثال نور الدين علي بن عبد الله السمهودي في كتابه الموسوم "وفاء الوفا بأخبار دار المصطفي"، و" الدرر الفرائد المنظمة في أخبار الحج وطريق مكة المعظمة" لعبدالقادر بن محمد بن عبدالقادر بن محمد الأنصاري الجزيري الحنبلي (توفي عام 977هـ- 1569م)، وإن زادوا عليها بعض الأوصاف العامة لأمراء الجبور من مؤسسي ملكهم الذين أوصلوهم بعطاء أو يتفقون معهم في الاعتقاد المذهبي.
إلا أن الباحث الصديق، عبدالخالق الجنبي، أضاف إليها مؤخراً، بعض المعلومات والافتراضات العلمية حول أصول هؤلاء الجبور استقاها من عدة قصائد وأبيات شعر نبطي لشعراء وصفوا أو مدحوا بعض أمراء هذه المملكة وأصول عوائلهم. وبناءً عليه، يمكن القول بأن الجبور الذين ظهروا في أطراف نجد وسيطروا تدريجياً على الأحساء والقطيف في القرن الخامس عشر للميلاد، ينتسبون قبلياً إلى أحد بطون بني عقيل وهم بني عامر، أو قبيلة عامر بن صعصعة. أو تحديداً كما يُشير إلى ذلك الصديق الباحث عبدالخالق الجنبي، ينتسبون إلى عُقَيْل بن كَعْب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة الهوازنية المُضَريّة. وهذا مصداقاً لما قاله السخاوي، المعاصر للجبور، في ترجمته لأجود بن زامل الجبري في كتابه (الضوء اللامع)؛ أنه: "العُقَيْلي الجَبْريّ".
كما يؤكد الجنبي، بأن آل جبر، وفق النصوص التاريخية والشعرية التي استعان بها في بحثه الموسوم بـ الجدید في نسب بني جبر وبعض أخبارھم، والمنشور في أكتوبر عام 2020م، هم من: آل المضَاْء بن المُهيّأ بن بُريد ابن عبد الله بن زيد بن قيْس بنُ جُوْثَة بنِ طهْفَة بنِ حَزْنِ بنِ عُبَاْدَة بن عُقيل.
أما نسب مقرن الجبري حاكم جزر البحرين ومملكة الجبور بحدودها، وهو قتيل البرتغاليين، فهو: "مقرن بن زامل بن أجود بن زامل بن حسين أو (حصين العامري كما ذكر ابن ماجد)، بن ناصر الجبري".
- هل فعلاً حكم هؤلاء الجبور، شرق الجزيرة العربية وجزر البحرين وشمال عُمان؛ وكونوا مملكة بها في القرنين 15-16م؟
ربما نجد الاجابة بين هذه السطور: عندما ضعفت الدولة العُيونية في البحرين في القرن السابع الهجري، وقاتل حُكّامها بعضهم بعضاً؛ لجأ هؤلاء الحُكّام إلى بعض بطون وقبائل عُقيل النجدية والعراقية مستعينين بهم في حروبهم ضدّ بعضهم، فأغدقوا عليهم من خيرات إقليم البحرين وأمواله بسخاء وكرمٍ منقطع النظير ليكسبوا ودهم ووقوفهم معهم في حروبهم تلك، ولكنّ هذه البطون العُقيلية سرعان ما أدركت مدى ضعف هؤلاء الحكام واعتمادهم الكبير عليهم، فبدأت تخطط لإسقاطهم والاستيلاء على إقليم البحرين وخيراته لهم وحدهم.
هنا برز فخذ أوبطن من عُقيل، وهم بنو مالك القُرَيْشيُّون المُهَيَّئِيُّون العُباديُّون العُقيليُّون ممثلين في جروان وأولاده الذين سيُعرفون لاحقاً باسم (بني جروان)، أو (الجراونة)، والذين سيستمر حكمهم في الأحساء والقطيف، لقرنٍ ونيّف من الزمان بدءاً من عام 705 هـ، حتى حوالى عام 820 هـ. عندما تمكّن بنو عمهم وهم آل جبر المَضَائِيُوْن المُهَيَّئِيُّوْن العُباديون العُقيليون؛ من الإطاحة بحكم آخر أمراء الجراونة، وهو إبراهيم بن ناصر الجرواني، على يد سيف بن زامل، أخ أجود، وانتزع الحكم من الجرواني، وأعلن نفسه ملكاً على الأحساء، وساعده في الحكم أخواه هلال وأجود، كما ذكر السخاوي في ترجمة أجود بن زامل من كتابه (الضوء اللامع لأهل القرن التاسع الهجري). إلا أن سيف بن زامل تم تصفيته قتلاً، بيد القُديميين بزعامة قائدهم كُليب بن مانع. وبعد وفاة سيف تبوأ أقوي أخوته، وهو أجود بن زامل، سدة الحكم في المملكة.
- أجود بن زامل الجبري:
ليس بين أيدينا حالياً معلومات أخري عن حياة وأعمال سيف بن زامل ولا كيفية انتقال السلطة في دولة الجبور الناشئة من والده إليه ثم منه إلى يد شقيقه أجود، وذلك لندرة المصادر العربية التي كتبت عن الجبور في تلك الفترة المبكرة من حياة الدولة. لكن باعتمادنا على المؤرخ السمهودي مثلاً؛ فإن أجود بن زامل خلف أخاه في حكم الدولة، و استمر لحقبة طويلة نسبياً، لذلك كثُر الحديث عنه وعن أعماله. فقد وصفه السمهودي – مؤرخ المدينة المنورة وكان معاصراً له وبالتأكيد نهل من عطاياه- بأنه "رئيس أهل نجد، ورأسها، سلطان البحرين والقطيف، فريد الوصف والنعت، صلاحاً وأفضالاً وحُسن عقيدة، أبو الجود أجود بن زامل بن جبر".
كما قال عنه السخاوي " .. ولما مات سيف بن زامل، خلفه أخوه أجود واتسعت مملكته، بحيث ملك البحرين وعُمان! وكان رئيس نجد ذا أتباع يزيدون على الوصف مع فروسية، وقد تعددت في بدنه جراحات كثيرة، وله إلمام ببعض فروع المالكية، واعتناء بتحصيل كتبهم، أقام الجمعة والجماعات، وأكثر من الحج في أتباعٍ كثيرين يبلغون آلافاً مصاحباً للتصدق والبذل".
وقد كانت فترة أجود الجبري مليئة بالصراعات القريبة من مملكته سواء في هُرمز أو في عُمان الداخل باعتبار الساحل كان تحت سيطرة الهرامزة. ولذا لجأت إليه بعض تلك القوي المتصارعة لمساعدتها ضد أعدائها، فأرسل مثلاً قوة كبيرة إلى عُمان الداخل بقيادة ابنه سيف لمساندة الإمام عمر بن الخطاب بن محمد الخروصي الذي فقد ملكه عام 1487 في صراعه مع النباهنة. وقد نجحت قوات الجبور- كما يذكر ابن ماجد- في هزيمة الملك النبهاني سليمان بن نبهان وإنقاذ الإمام الأباضي ابن الخطاب الخروصي و تنصيبه إماما على عُمان مرة أخري بين 1487-1488، وكان ذلك في نظير أن يقدم الأئمة جزءاً من حاصلات مناطقهم الزراعية إلى الجبور سنوياً.
ومهما يكن الأمر في كل التشويش الذي رافق بداية حكم الجبور وأصولهم القبلية في شرق الجزيرة العربية والأحساء والقطيف والبحرين؛ فإن قبيلة بني عامر العُقيلية وشجاعة رجالها ومهارتهم التجارية، كما يبدو من الأحداث، قد حققت لهم احتكار قيادة طرق القوافل عبر شبه الجزيرة العربية، وبها استطاعوا تأسيس كيانهم في شرق شبه الجزيرة العربية، خصوصاً بين نجد والأحساء وشمال عُمان، وسيطروا على طرق التجارة داخل شبه الجزيرة العربية، كما تمكنوا من تحويل طرق تجارة الخيول العربية الأصيلة، بسهولة من شرق الجزيرة إلى جنوبها، عندما ضغطت عليهم هُرمز لمنعهم من تصدير الخيول النجدية إلى الهند، إثر سيطرتهم على جزر البحرين مع نهاية القرن الخامس عشر للميلاد، فلجئوا لطريق نجد - مرباط في ساحل إقليم ظفار العُماني بعيداً عن الهرامزة.
كما غدا الجبور في القرن الخامس عشر الميلادي؛ يسيطرون على أفضل مصائد اللؤلؤ في الخليج. فإلى جانب أهميتها كسوق تجاري مركزي في الخليج؛ استمدت جزر البحرين أهميتها الاقتصادية أيضًا من تصدير سلعتين محليتين هما: التمور الممتازة، التي تمثل الثروة الرئيسة للجزيرة، واللؤلؤ، والذي يتم صيده بكميات كبيرة في مياهها.
28,200 أشرفي هُرمزي عائدات صيد اللؤلؤ من البحرين والقطيف
كانت أكثر من عائدات عائد صيد اللؤلؤ في جزيرة قيس التي بلغت عام 1500م فقط 6,000 أشرفي ذهبي.
وبذلك تمكن الجبور من التحكم في اقتصاديات جزر وإقليم البحرين، ومن تلك السيطرة الاقتصادية وتدوير الثروات بين أيديهم؛ أصبحوا يهيمنون سياسياً على المنطقة الغربية من الخليج لمدة تزيد على مائة وخمسين عاماً، حتى وصول البرتغاليين إلى مياه الخليج وبدء صراعهم ضد هذه الدولة العربية.
وهنا نورد ملاحظة ترتكز أساساً على رأي أن الجبور من بني عامر وهم بدورهم من بني عُقيل، فمن المعروف أن سلطة العقيليين كانت متجذرة في نظام القبيلة ولذا فإن قوتهم العسكرية أيضاً كانت تتشكل من نسيج النظام القبلي العسكري. ومع ذلك كان لديهم مقاتلين مرتزقة وقوات مساندة من الحاضرة وليس البدو فقط، ذلك لأن العقيلين بصفتهم البدوية لم يكونوا مناسبين للخدمة العسكرية بكافة أشكالها، ولأنهم إقطاعيون بطبعهم أيضاً، ولذلك كانوا يتقيدون بالقواعد المعتمدة آنذاك من وجود قصر للحكومة، ودار للإمارة وشبه نظام للوزارة بدا أكثر وضوحاً عند العقيليين في العراق في منطقة ما بين النهرين ونصيبين والموصل من العقيليين في شرق الجزيرة العربية.
وقد تكررت هذه العبارة، التي أرجو أن تقفوا عندها ملياً للتحليل والنقاش،: إذ وردت عند الحديث عن زامل الجبري، وهذا ضمن اشكاليات البحث، إذ يُعتقد بأنه ربما سيف بن زامل أو أخوه أجود بن زامل، فهو ملك الأحساء والقطيف (ومعه جنود عظيمة من البادية والحاضرة) عام 1447م، كما وردت بعد حوالى عشر سنوات مرة أخري في عام 1448، كما يشير عبدالله بن محمد البسام في كتابه "تحفة المشتاق في أخبار نجد والحجاز والعراق"، إلى ذلك بقوله: "ظهر إلى نجد زامل بن جبر العقيلي العامري من الأحساء ومعه جنود كثيرة من البادية والحاضرة، وقصد الدواسر في واديهم، وكانوا أكثروا الغارات على بوادي الأحساء فأوغروا صدره، فدهمهم في منازلهم...". إلا أن الغارات البدوية على تخوم المملكة الجبرية استمرت بين أعوام 1451-1461.
وتصمت المصادر عن حركة الجبور بعد غزوات زامل حيناً من الدهر بلغت حوالي عشرين عاماً. عموماً، كبي لا نطيل الحديث، ففي عام 1506 تخلى أجود عن السلطة لصالح ابنه محمد، وهنا بدأ الوهن يدب في جسد المملكة الجبرية وبدء الصراع الداخلي بين أبناء البيت الجبري. وكان من الواضح أن محمد بن أجود حصل على لقب ملك البحرين بين عامي 1506 و1507. ثم تولى السلطة في مملكة الجبور، مقرن بن زامل بن أجود الجبري خلفًا لأخيه محمد، رغم أننا لا نملك تاريخ محدد لاستلامه السلطة في هذه المملكة العربية. فربما كان ذلك في الربع الأول من القرن السادس عشر، إذ أشار ابن آياس، وهو مؤرخ مصري معاصر، إلى أن مقرن "أمير عربي من بني جبر يملك من البحرين إلى حدود هُرمز".
وبالعودة إلى نصوص كتاب "تحفة المشتاق" لأبن البسام لانجده يذكر أي شيء عن غزو البرتغاليين للبحرين في حوادث عام 1520، حتى أنه قال عن تلك السنة، لم نظفر لها بحوادث!!. ولم يسجل في حوادث عام 1521 حين غزا البرتغاليون جزر البحرين وسيطروا عليها نهائياً على يد (انتونيو كوريا)، سوي وفاة أحد علماء الدين فقط!!. والأغرب أنه بقي يُكرر حتى عام 1522 عبارة " غزا أجود بن زامل من الأحساء بجنود كثيرة من الحاضرة والبادية.."، مع أن أجود كان قد توفي قبل هذا التاريخ بسنوات، وليس من المعقول أن يغزو وعمره 108 سنوات حينها!!. وهذا دليل على ضعف ما كُتب عن مملكة الجبور بعد فترة التأسيس الأولي، وأن هذه الكتابات منقولة حرفياً من الآخرين ومكررة بالعبارات ذاتها، ولا تُعطينا معلومات تفيدنا في مزيد من التحليل والنقاش، فمعظمها كما نري تتمحور في كلمات غزا وعاد فقط، وتستمر على نفس المنوال حتى بعد وفاة الحاكم.
هزيمة الجبور.
كان مقرن الجبري من أبرز سلاطين مملكة الجبور، لكن بعد توليه السلطة ربما عن طريق العنف وإظهار هيبة الحاكم، حدثت خلافات دموية بين مقرن وخاله صالح بن سيف بن زامل الذي طمع بالمملكة الغنية وهي بيد مقرن فهجم عليه هو وعسكره ذات يوم وهو خارج لصلاة الجمعة لا سلاح معه ولكن مقرن تغلب عليه وفلت من محاولة الاغتيال المباغتة. وفي خضم تلك الأحداث وما كاد مقرن ينتهي من القضاء على بؤر التوتر والخلافات بينه وبين عائلته حتى وصل الغزو البرتغالي للمياه الشرقية لحدود الخليج عام 1507م، وبدأ بضرب سواحل عُمان الجنوبية والتي كانت تشكل خط الدفاع الأول لمملكة هُرمز الخليجية. كما وقف بكل صلابة ضد هجوم الهرامزة بقيادة خواجه عطاء على جزر البحرين عام 1511 تقريباً، ونجح في صده مما زاد من شهرته ومكانته في الخليج. وتتفق المراجع البرتغالية والعربية على السواء في أن البحرين والقطيف كانتا خاضعتين فعلاً للجبور عندما دخل البرتغاليون الخليج لأول مرة عام 1507.
وهنا لابد من إيراد تقرير تاريخي يثبت بأن عملية غزو البحرين في صيف عام 1521 تمت في عهد الملك البرتغالي (إمانويل الأول) وفي فترة حكم (دياجو لوبيز دي سكويرا) حاكم عام الهند، وبوجود (Garcia Coutinho - جاركيا كوتينهو) قائد قلعة هرمز، وبقيادة مباشرة من ابن أخيه المدعو António Correia) -أنطونيو كوريا)، وتم بدء العملية العسكرية الكبرى ضد جزر البحرين وسلطة الجبور بها في 15 يونيه من عام 1521 أي بعد مضي أربعة عشر عاماً فقط من دخول البرتغاليين إلى الخليج والسيطرة على هرمز .
وللأسف ينقصنا مصدر محلي خليجي أو عربي أو حتى إسلامي يتحدث عن حجم وإمكانيات قوة الجبور التي دخلت المعركة الحاسمة ضد العدو البرتغالي عام 1521، ولهذا يلجأ الكتّاب المعاصرون عادة للمصادر والوثائق البرتغالية التي تبالغ في تقدير شأن قوة العرب والمسلمين الذين يحاربونها وتقلل من شأن قوتها لتظهر بمظهر الشجاعة والإقدام واقتناص النصر السهل والسريع برعاية الرب ضد الكفرة المسلمين كما كان يعتقد في العصور الوسطي ومطلع الحديثة في أوروبا.
ولذا فعند الحديث عن قوة الجيش البرتغالي وحلفائه الهرامزة تذكر المصادر البرتغالية أن أسطول (كوريا) تكون من سبع سفن برتغالية حربية بمدافعها وطاقمها العسكري المكون من حوالي 400 جندي برتغالي يدعمهم 3000 مقاتل هرمزي ورماة سهام من العرب كذلك، ويحملهم 200 قارب شراعي بقيادة وزير هرمز شرف الدين الفالي. وقد بدأت الحملة العسكرية البرتغالية- الهرمزية ضد البحرين في يونيه عام 1521.
لننظر الى جيش مقرن في مواجهة البرتغاليين والهرامزة، مكون من أكثر من أحد عشر ألف مقاتل ((11,000 مزودين بمختلف الأسلحة التقليدية، إضافة إلى ثلاثمائة فارس عربي بخيولهم، وأربعمائة من رماة السهام من الفرس، وعشرين تركياً من حملة البنادق يطلق عليهم (التفنكَجية)، ولا نعلم إن كان مقاتلي الجبور من أهالي البحرين ذاتها، أم أن مقرن جندهم من بدو الجزيرة العربية وأخلاط أخري، خاصة ونحن نتحدث دائماً عن أن مقاتلي الجبور منذ عهد أجود؛ كانوا خليط من الحضر والبادية.
ولابد من الإشارة هنا إلى أن قادة جيش مقرن كانوا مدربين على القتال في البر ولكنهم لم تكن لديهم أدني خبرة في قتال جيش أوروبي بحري مدرب جيداً ومزود بكافة الأسلحة النارية الثقيلة في ذاك العصر.
الانهيار السريع لجيش بهذا العدد الضخم جاء بمجرد إصابة السلطان مقرن ووفاته بعد أيام من نزول القوات البرتغالية إلى أرض البحرين، ومن ثم انسحاب الشيخ حميد إلى القطيف.
تُعدُّ معركة البحرين واحتلالها على يد البرتغاليين عام 1521، أطول معارك البرتغاليين في الخليج وساحل عُمان منذ عام 1507 حيث استمرت لأيام متتالية. وعدَّ البرتغاليون هزيمة مقرن والقضاء عليه نهائياً، نصراً كبيراً استحق صاحبه (أنتونيو كوريا) التكريم والإجلال وتأليف القصص والحكايات الأسطورية عنه مما جعله أشبه بالقديسين.
أسباب تقليدية لهزيمة الجبور العسكرية:
- الدور الذي قامت به المدفعية البرتغالية
- تفوق البحرية البرتغالية بعدد السفن واتفاقهم مع ملك هرمز
- غياب السلطان مقرن في موسم الحج (926هـ/1520) لتوجيه الضربة الأولى ضد البحرين واختبار قدرتها الدفاعية
- عدم خبرة جنود مقرن وكبار قادته ـ رغم شجاعتهم ـ بأية حروب سابقة ضد الأوروبيين التي تختلف عن الحروب القبلية بالطبع وتعتمد على أسس الحرب الحديثة آنذاك
- جرح السلطان مقرن وخروجه من ميدان المعركة مبكراً
- عدم وجود العمق البشري لقوة الجبور في البحرين كي تلجأ إليه وقت الحاجة لإضافة قوات ومدد جديد للصمود والمواصلة كما كان يحدث في معارك الأحساء ونجد الداخلية.
إذن ماهي الأسباب الحقيقية لسقوط مملكة الجبور؟ وهل كان البرتغاليين والهرامزة هم السبب في ذلك في العقد الثالث من القرن 16 م؟.
لابد أن نؤمن أولاً بمقولة أن للدول أعمار كما للأشخاص أعمار، تزيد أو تنقص، وتمر بثلاثة أجيال كما قال المؤرخ الاجتماعي المشهور أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن خلدون، هي: الخشونة والبسالة في المجد، والترف والانكسار وضعف العصبية، والترف والعجز عن المدافعة وانقراض الدولة. ومنشأ الدولة هو المجتمع، فهل نشأت مملكة الجبور بدعم المجتمع الأهلي؟ أم كانت نتاج صراعات سياسية وعسكرية ومطامع محضة؟ عموماً، نحن نعلم بأن قيام أي دولة وانهيارها له أسباب متداخلة سياسية واجتماعية وأخلاقية واقتصادية. وأن البداوة لديها اشكال في إقامة دولة وحكم سياسي، كما يشرح أهل الاختصاص. كما أن من العوامل التي تساعد في قيام الحضارة والعمران؛ الانتقال من طور البداوة إلى طور الحضارة. فهل حدث هذا لمملكة الجبور حتى تستمر؟ ويضيف، ابن خلدون، إن الكسب والإنتاج والعمران لا يتحقق إلا بالعمل، والظلم مؤذن بخراب العمران. كما يُضيف: البداوة تورث الغلظة والوحشية باستحكام عوائد التوحش وأسبابه في أهلها، فهل كان الجبور كذلك؟ والاستبداد بالملك وحصول الترف، هل كان هذا من أسباب انهيار مملكة الجبور؟
للأسف لا نملك أي معلومة أو حتى فرضية بكيفية العلاقة التي كانت سائدة بين حكام الجبور والشعوب التي حكموها، ومعظمها بدوية في نجد وشرق الجزيرة العربية وجنوبها، والقليل منها حضري. ولذلك لم نعثر على أي محاورة مثلاً بين أي حاكم أو مسؤول في جزر البحرين وبين الناس عامة خصوصاً طبقة الفلاحين التي كانت تعيش حول القلعة في قرى "كرانة أو كرباباد"، أو حتى البلاد القديم وغيرها. كما لا نجد ولا حكاية أو حتى مثل شعبي بيننا اليوم، يمُت لحقبة الجبور ما خلا بعض التسميات هنا وهناك لا نجد لها رابط موثوق بتاريخ الجبور في البحرين.
- المحور الأخير: نتركه للنقاش، كيف انتقل الجبور من غرب الخليج إلى شرقه ولماذا هذا التباين في الانتقال من الغرب إلى الشرق، وما اسبابه؟ ولماذا هناك جبور عُمان باسم الجبريين والهلالين، وفي العراق جبور؛ إلا البحرين ليس بها أي وجود لأسر أو بيوتات جبرية اليوم؟؟
فقط أضع بعض النقاط بين أيديكم للنقاش، بعد سقوط مملكة الجبور في غرب الخليج وانتقال بعض أفراد من زعماء الجبور أو بقاياهم الى شرق الخليج.
فالأمير براك بن غرير آل حميد، مؤسس الدولة الخالدية في شرق الجزيرة العربية، دون تفاصيل حالياً؛ وقعت في عهده معركتين فاصلتين إحداهما هي (حرابة)، تقريباً عام 1082هـ (1671م)، مع حلفاء الماضي من آل حميد، الذين ساعدوا براك في الاستيلاء على منطقة الأحساء من العثمانيين. والثانية، مع حليفه الآخر، وهو مهنا بن خالد الجبري. وكانت نتيجتها هزيمة الجبري وخروجه بقومه مروراً بالزبارة ومنها إلى الساحل الشرقي من الخليج وأنشأوا إمارة هناك أُطلق عليها "إمارة النصور" الخالدية الجبرية. وسموا كذلك نسبة الى جد يجمعهم هو ناصر الجبري الخالدي. وهؤلاء، كما يُعتقد، يعود نسبهم إلى مهنا بن ناصر بن ناصر بن قطن بن علي بن هلال بن زامل بن حصين بن ناصر بن جبر بن نبهان الخالدي.
أما جبور عُمان، فنسبهم يعود إلى هلال بن زامل بن حصين بن ناصر بن جبر بن نبهان الخالدي.