من هم الموريسكيون الذين استهدفتهم وهجرتهم أوروبا ؟
بقلم : محمد الانصاري
سقطت الأندلس في عام ١٤٩١ ميلادية وسقط معها النظام السياسي والحكومة المسلمة المركزية التي كانت تدير الدولة ، وكان هذا الانهيار كافياً لأوروبا كي تبسط نفوذها في تلك البقعة ، لكن لم تكتفي أوروبا ببسط النفوذ السياسي ، بل أجبرت المسلمين واليهود على التحول للدين المسيحي ، وقامت بتهجير من لم يقبل تغيير دينه ، رغم ان المسلمين في تلك الأراضي كانوا من الأندلسيين الأصليين.
استمرت أوروبا ولقرون في سياسة تهجير غير المسيحيين ، وكان أكبر تلك العمليات استهداف " الموريسكيين "، و هم إسبانيون أصليون تم نفيهم في عام ١٦٠٩ ميلادية إلى شمال أفريقيا وتركيا ومناطق أخرى ، وقد اجبر من بقي منهم على اعتناق المسيحية ، فيما اختلف المؤرخون حول أعداد المهجرين ، وقد كانت اقل التقديرات تجاوزت ٣٢٠ الف إنسان ، وقامت بمصادرة أموالهم وبيوتهم واراضيهم و كل ما يملكون.
لقد شرعنت أوروبا عمليات التهجير على أسس دينية ، فقد اصدر الملك فيليب الثالث مرسوم نفي المسلمين من اسبانيا في أبريل ١٦٠٩ ميلادية ، ومن بعد ذلك بدأت محاكم التفتيش سيئة السيط في ارتكاب جرائمها التاريخية ضد المسلمين وحتى اليهود ، وقد كان الهدف من تلك المحاكم في المقام الأول ضمان اجبار المسلمين واليهود على تغيير دينهم و معاقبتهم إذا مارسوا عقائدهم الأصلية . ولتنفيذ ذلك صدرت مراسيم عديدة في فترات سابقة عن تاريخ التهجير تمهد لجرائم قتل المسلمين وطردهم من إسبانيا في عام ١٤٩٢ ميلادية و في عام ١٥٠٢ ميلادية ،
لا يعني سقوط الدولة في الأندلس لعوام الناس سوى تغيير حزب او نظام سياسي حاكم ، وهذا ما جرى عندما سقطت الدولة العثمانية فقد بقي اسماء المواطنين و ألقاب عوائلهم واختياراتهم الشخصية دون مساس ، كما لم يتم إجبار احد على اعتناق دين آخر ، وبقى كل إنسان على دينه وقناعته ، اما ما جرى في أوروبا وخصوصاً في إسبانيا شيء فضيع ، فقد خيرت أوروبا مواطنيها بين امرين وهما : اما اعتناق المسيحية وتحديداً الكاثوليكية، او القتل والطرد ومصادرة الأموال والممتلكات ، كما اجبرت الناس على تغيير اسمائهم وألقابهم و فرضت عليهم شرب الخمر واكل لحم الخنزير كي تبقيهم احياء.
لم تتغير العقلية الأوروبية الان كثيراً عما كانت عليه ، حيث لاتزال بعض الأحزاب المتطرفة تتاجر في الدين ، وعلى سبيل المثال يظهر ذلك بشكل لا لبس فيه في الاتفاقية التي أبرمت في عام ٢٠١٣ ميلادية بين حكومة ماريانو راخوي وهو رئيس وزراء اسبانيا في ذلك الوقت من جانب ، ورئيس المؤتمر الأسقفي بحضور الأمين العام لحزب الاتحاد الديمقراطي الكاطالاني من جانب آخر ، هذه الاتفاقية تهدف لتسهيل إجراءات منح الجنسية الاسبانية للمسلمين الراغبين في تغيير ديانتهم إلى المسيحية الكاثوليكية تحديداً.
ولا ننكر ان حكومة الإسبانيا قامت ببعض الإصلاحات مؤخراً ، من ضمنها تعديل القوانين التي تشترط ان تكون مسيحياً كي تكون إسبانياً ، ما سمح للعديد من الموريسكيين بالكشف عن تمسكهم بدينهم الذين يؤمنون به وهو الدين الإسلامي رغم مرور كل تلك القرون ، لكن لاتزال اسبانيا مترددة في الاعتذار لهم عن ما قامت به من جرائم طرد و تهجير وقتل و مصادرة ممتلكاتهم واراضيهم.