بقلم : محمد الانصاري
مضت 23 سنة منذ تولي صاحب الجلالة الملك المعظم مقاليد الحكم في 1999 ميلادية ، خمسة فصول تشريعية انقضت ونحن على أعتاب بداية الفصل التشريعي السادس ، كانت البحرين مختلفة تماماً عما هي عليه اليوم ، فقبل المشروع الإصلاحي لجلالة الملك كان البرلمان مطلباً يقود الداعين له للسجن ، اما الآن وبعد رسوخ التجربة البرلمانية ، فقد أصبح من الواضح للجميع بان البحرين رغم التحديات ماضية في إنضاج هذه التجربة ، وسوف لن تتراجع عن مسيرة الإصلاح التي توافق عليه الشعب واستقر في ضمير الامة.
بدأ الملك المعظم حفظه الله مشواره السياسي بتبيض السجون ، والعفو الشامل عن جميع المحكومين ، وخصوصاً في القضايا المرتبطة بالشأن السياسي ، كما أتيح للمبعدين والفارين خارج البلاد العودة لوطنهم ، وبناءً على تفاهمات مبدئية تم صياغة وثيقة سياسية إصلاحية سميت " ميثاق العمل الوطني " ، وقد أُجري استفتاء شعبي عام على نصها في 14 فبراير 2001 ميلادية ، وقد أسفرت النتائج عن موافقة 98.4 % من البحرينيين عليها ، يعد الكثيرين الميثاق ذروة التطور الديمقراطي في البحرين ، حيث وصفه الملك بأنه "فتح جديد في تاريخ البحرين" خاصة وأنه أكد على المبادئ السياسية والاقتصادية التي كانت من ضمن المطالب الشعبية ، ورسخت النهج الديمقراطي الانفتاحي للبحرين.
عادت الحياة السياسية للبحرين ، وصدر مرسوم اميري الغي بموجبة قانون امن الدولة ، كما وتم حل الأجهزة السابقة المرتبطة بذات القانون ، وعلى اثر ذلك قامت الحكومة بالاستغناء عن الضباط الإنجليز الذين كانوا يشرفون على تلك الأجهزة ، وفي سابقة سياسية اصدرت حركة احرار البحرين بياناً شكرت فيه الامير على الايفاء بوعده الذي قطعه على نفسه في 8 فبراير 2001 عندما اكد انه سوف يلغي قانون أمن الدولة ومحكمة أمن الدولة أمام الرموز الشعبية التي اجتمعت معه في ذلك اليوم ، وقد نشر بيان الشكر في صحيفة الوسط في في ارشيفها تحت عنوان ( البحرين: إلغاء قانون أمن الدولة ومحكمة أمن الدولة ).
توالت الإصلاحات السياسية بشكل سريع و متزايد، حيث تم السماح ولأول مرة لجميع الأطياف السياسية بالإعلان عن نفسها وبتأسيس جمعيات سياسية رسميه تمثلها، كما فتحت الأبواب لتأسيس النقابات العمالية بموجب المرسوم بقانون رقم ( 23 ) لسنة 2002 الذي اشاد به القاصي والداني ، وصدرت ايضاً رخصة باسم صحيفة الوسط آلتي رأس تحريرها الدكتور منصور الجمري وهو شخصية سياسية معروفة ، وقيادي في المعارضة المقيمة بلندن ، كما يعد أحد أقطاب حركة أحرار البحرين ، وابن زعيم المعارضة الشيعية الشيخ المرحوم عبد الامير الجمري.
استمرت التغيرات السياسية و الإصلاحات دون توقف ، ودخلت المعارضة مجلس النواب في عام 2006 ميلادية بعد ترددها اربعة أعوام ، وأصبح الشيخ علي سلمان رئيس أكبر كتلة برلمانية في المجلس ، وقد كانت كتلة فاعلة و مؤثرة ، كما سيطرت المعارضة الشيعية على المجالس البلدية ، وقد أسهمت تلك النتائج في هيمنتها أيضاً على غالبية النقابات والكيانات العمالية ، فضلاً عن تفريخها جمعيات سياسية وحقوقية وشبابية ونسوية وصناديق خيرية.
اصبح زعيم حركة أحرار البحرين الدكتور مجيد العلوي وزيراً للعمل والتنمية الاجتماعية ورئيساً لمجلس إدارة هيئة تنظيم سوق العمل ، ورئيس هيئة التأمينات الاجتماعية و نائب رئيس مجلس أمناء جامعة البحرين ، وللإنصاف كان وزيراً فاعلاً و مثابراً وناجح ، ولذلك فقد سمح له بسقف عالي من التحرك ، ثم عزز وجود المعارضة في الحكومة بتعيين الدكتور نزار البحارنة وزيراً للشؤون الخارجية ورئيساً لمجلس إدارة تمكين، كما بدأت وزارة الداخلية بتعيين الضباط من الطائفة الشيعية الكريمة بعد ان كان محرماً ذلك عليهم في الماضي القريب ،
ثمرت نضالات وتضحيات الشعب منذ خمسينيات القرن الماضي حصدتها المعارضة المحسوبة على تيار الوفاق ، التي سميت حينها بالكتلة الايمانية ، اما بقية التيارات رغم نضالاتها التاريخية لم ينبها الفوز باي مقعد من مقاعد مجلس النواب أو المجالس البلدية المنتخبة التي تعكس رأي العموم من الناس ، كما حصر على المقربين من تيار الوفاق ايضاً المراكز المعينة في مجلس الوزراء و مجالس ادارة العديد من الشركات و الهيئات ، لقد اصبح حضور المعارضة وازناً في كل مكان ، وقد ازداد حضورها أكثر في نوفمبر من عام 2010 عندما تم انتخاب النائب الأول لرئيس مجلس النواب من كتلة الوفاق ، كان ذلك فقط ثلاثة أشهر قبل أن تتجه الوفاق إلى دوار اللؤلؤة وتعارض النظام الذي كانت جزء متنامي فيه بشكل مختلف تماما ، وذلك في تناغم مستوحى من الأحداث التي حصلت في تونس ومصر.
هذه المجازفة لم تكن مدروسة، كما أنها شكلت صدمة كبيرة للحكومة التي كانت تسعى طوال عقد لكسب ود المعارضة و طي صفحة الماضي، وإدماجها في مؤسسات وأجهزة الدولة، هذا الموقف كشف مكامن الفكر العميق للشركاء، وأظهر جانباً دأبت المعارضة طوال عقود على نفيها، لقد خسرت المعارضة في 30 يوماً ما ضحى من أجله المناضلون لأكثر من ٥٠ سنةً.
ختاماً
أعتقد ان الوقت لم يفت، فجلالة الملك حفظه الله صاحب مشروع اصلاحي، والمكان في هذا الركب يتسع للجميع، و البحرين دار لم توصد بابها في وجه أحد، فكيف لو كانوا ابنائها ، كما ان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء حفظه الله سهل الوصول اليه ، وهو جريء و مقدام متى ما تبين له الحق ، كما ان الشعب بكل أطيافه ماضي ومستمر في مسيرة البناء والإصلاح الشامل ، و من لدية الرغبة أهلا وسهلاً ، أنتم اهل مكة وأنتم أعلم بشعابها ، وهذا قول محب للبلد و محب لجميع أبنائها.