بقلم : محمد الانصاري
في منتصف تسعينات القرن الماضي تم تعيين الدكتور محمد بن جاسم الغتم رئيساً لجامعة البحرين ، مع تعيين أبا جاسم دخلت الجامعة عهداً جديداً من التعاون مع القطاع الخاص ، حيث لم يمر أسبوع واحد من دون أن تقوم إحدى الشركات بتقديم دعم مالي سخي لبرامج وخطط الجامعة.
هذا الدعم غير المحدود خفت شيئاً فشيئاً حتى نضب وانقطع تماماً ، رغم ان حجم الجامعة وعدد طلبتها تضاعف ٥ مرات ، فبعد ان كان عدد الطلاب ٦ آلاف اصبح عددهم حوالي ٣٠ الف ، كما وكليات الجامعة إزدادت و كبرت من ٥ كليات الى ٩ كليات ، والأقسام تفرعت و تنوعت ، لكن بالمقابل اضمحل التعاون وخفُت وهج الشراكة بين القطاع الخاص والجامعة ، الى ان اصبح مقتصراً على لقاءات شكلية في اجتماعات لجان أرباب العمل ، وبرامج تدريب الطلبة في مادة التدريب العملي الإلزامية.
القطاع الخاص بلا شك مقصر جداً في دعم حركة التدريب والتعليم بشكل عام ، و في دعم جامعة البحرين أكبر واهم جامعة وطنية بشكل خاص ، هذا التقصير لم يشمل فقط العزوف والإمساك عن الدعم المادي الذي كان يقدمة التجار ، بل تجاوز ذلك بكثير ليشمل تقليص التعاون في الجوانب العلمية والفنية والمعنوية ، حيث اصبحت الشركات بخيلة في الدعم المادي رغم أنها تصرف الملايين في الدعاية والاعلان ، كما أصبحت بعد أن كانت تعتمد على جامعة البحرين في أبحاثها الابتكارية والتطويرية ، تتجه للخارج رغم أفضلية الجامعة وإمكانياتها ، فضلاً عن مصداقيتها و منهجيتها العلمية المشهود لها.
قد يكون لطلاق البينونة الصغرى الذي جرى من قبل القطاع الخاص وتحديداً البنوك والشركات الكبرى لجامعة البحرين أسباب عديدة ، لكن مهما تكون الأسباب التي لو أردنا عدها لن نتوقف حتى الغد ، إلا إنه على المستوى الاستراتيجي هذا الانفصال غير موفق ومضر لكلا الجانبين بنسب متفاوتة ، لكن الخسارة الأكبر للمجتمع و الطلاب ، وللبحث العلمي ، ولمدى انسجام ملائمة الخريجين من جامعة البحرين مع إحتياجات القطاع الخاص.
لم تكن الشراكة التي امتدت لعقود من الزمن ذو إتجاه واحد ، حيث إن الجامعة كانت تستلم الهبات من القطاع الخاص ، حالها حال كل الجامعات في أوروبا وامريكا التي تقوم بالدرجة الاولى على هبات المتبرعين الذي يهتمون بالبحث و العلم و التعليم ، لتعطي المزيد من التواصل مع السوق ، و لتطور البحث العلمي ، و لتقوم بتصميم برامج أكثر انسجاماً مع إحتياجات المانحين ، من ناحية ملائمة خريجيها ، أو بهدف تأسيس ودفع الأفكار البحثية والعلمية في المجتمع و بين الناس ، فمهما ساهم التجار في جامعة البحرين لن يوفوا ربع أو مُد مساهمة جامعة البحرين في إثراء وتنمية المجتمع منذ تأسيسها عام ١٩٨٦ ميلادية.
ختاماً:
١- لا بد من تشريع يلزم البنوك والتجار والشركات الكبيرة بالمساهمة في التدريب والتعليم ، هذه المساهمة يجب ان تكون مادية وبقدر معروف و معنوية وفنية بآليات متفق عليها.
٢- كل دول العالم المتطورة لديها التزام من المانحين بالتمويل ، بعض الجامعات تأسست من تمويل القطاع الخاص ، وجميع هذه الجامعات تنشأ لأهداف علمية وليس لأهداف ربحية.
٣- اذا كانت بعض الشركات يتجاوز أرباحها عشرات الملايين ، وهذه الأرباح مصدرها جيوب الناس ، وهي مستمرة بفضل الله اولاً ثم بفضل العقول الوطنية التي تخرجت من مدارس وجامعات البحرين ، فكيف لا تقوم تلك الشركات برد الجميل.
٤- طبعاً هذا لا يعني عدم تقديم الدعم للجامعات الأخرى ، فهي أيضاً تساهم وتخرج ابنائنا وبناتنا بأحسن ما لديها من إمكانيات ، وهي جميعها جامعات متميزة و تحمل قيم ومبادىء عالية.
٥- لا توجد كلمة مناسبة للتعريف عن هذا التقصير من قبل رجال الأعمال و رؤساء الشركات والبنوك تجاه الجامعة الوطنية التي درس وتخرج معظمهم منها سوى عقوق لأهم مركز بحثي وتعليمي في البلاد.