بقلم : محمد الانصاري
كنت تلميذاً في ثمانينات القرن الماضي بمرحلتي الابتدائية و الاعدادية في مدرسة السلمانية الواقعة جنوب المنامة القديمة ، حينها كانت المدرسة خليطاً من الأعراق و المذاهب و الأصول والجنسيات ، لكن كان الجميع متحابين و منسجمين ومتجانسين ، الحقيقة إننا لم نكن نهتم بهذه الفوارق ولم نكن نعرها أيةَ إهتمام ، حيث أنها كانت بالنسبة لنا لا تحمل معنىً ولا قيمة ، وهي حتى اليوم تافهة عندي كما عند زملائي وأقراني الذين عشت وتربيت ونشأت بينهم ومعهم ، فحينها كانت قيمنا و مبادئنا نقية صافية أصيلة تحترم الإنسان لذاته ، و من شب على شئ شاب عليه.
ولدت في المنامة وتعلمت وترعرعت فيها ، ففي المنامة تتناغم كل الألوان ، حيث لا تفرقة بين سني وشيعي ، ولا مشاكل بين المسلمين والمسيحيين واليهود والهندوس والبهائيين وغيرهم ، يصلي الناس في جامع الفاروق رضي الله عنه و عندما تزدحم المواقف يوقفون سياراتهم في مواقف المستشفى الإرسالية التابعة للكنيسة وسط ترحيب بهم ، ثم يشربون الشاي في استراحة مقبرة الشيعة بعد جلسة حميمة يتجاذبون فيها أطراف الحديث ، و في المنامة جميع أهلها وسكانها بمختلف أديانهم ومذاهبهم يشاركون في موسم عاشوراء بكل احترام و حرية ومحبة ومن دون مشاكل.
العديد من الكنائس بنية في المنامة بالقرب من بعضها منذ عشرات السنين ، ورغم أنها في أوروبا متحاربة و يحدث بينها مواجهات الا انها في البحرين متعاونه و متسامحة ومتعايشة دون أزمات ، كما يقع المعبد اليهودي في قلب المنامة بالقرب من سوق النجارين ويحيط به العديد من المساجد والبيوت والمحلات والكل يعيش بسلام ، وعندما قام بعض المتطرفين من الهندوس في الهند بهدم مسجد بابري عام ١٩٩٢ ميلادية ، لم يرد اي احد منا بتصرف عكسي تجاه معبد الهندوس الذي يقع في سوق المنامة بل كانوا يعيشون بيننا بأمان ، لم يكن ذلك تصنعاً او تكلفاً في المعاملة بل كانت تصرفات فطرية نشأنا و تعودنا عليها.
التزاوج بين اهل المنامة في تلك الفترة ونسبياً حتى الآن كان يتجاوز المذاهب والأعراق و الطبقات الاجتماعية ، حيث لم يكن المذهب أو اللون أو أصل و بلد اي طرف عائقاً اذا كان الشخص محموداً الخلق و السيرة وقادراً على الزواج ، كما لم يكن التعصب والتشدد الفكري والديني حاضراً في عقل ووجدان المجتمع سواءً عموم الناس أو حتى رجال الدين ، و لم يكن التوجه و التخندق السياسي من سمات العامة فقد كان الناس كلهم ينتمون للمجتمع وليس للحزب ، وفي تلك الأيام كان الجميع متمسكاً بالعادات والأصول والمبادئ دون تطرف ولا مبالغة ، الصغير يحترم الكبير ، والثري يساعد الفقير ، ويكاد المكان يخلو من الجريمة.
بسبب مجاورتنا للسوق تعلم معظم اهل المنامة لغات وثقافات الشعوب ، فالى جانب اللغة العربية يتحدث المناميون الأردية والفارسية والإنجليزية ، حيث تعود الجميع على التعامل مع مختلف الزوار الذين يرتادون السوق ، و على السواح القادمين بقصد شراء حاجياتهم من الدكاكين في ازقة وحواري المنامة ، لقد كنا في بيتنا متعودين على استقبال الضيوف بشكل يومي ، حيث كان من عادات جدي رحمة الله عليه أن يصر على دعوة من يلقاه في الطريق وهو عائد من محله على الغداء والاستراحة لحين اعادة فتح السوق بعد صلاة العصر.
اما المرأة فقد كانت محترمة وذات مقام ومكانة في مجتمعي ، فمنذ طفولتي كنت أشاهد جدي يحترم جدتي ، و يشاورها باستمرار ، ولا اذكر يوماً انه قال لها كلمة قط تجرحها ، وهكذا كانوا جيراننا سواءً البحرينيين أو حتى الوافدين الذين كانوا أقلية وتطبعوا بطباع اهل الدار ، وأتذكر إن فتيات المنامة كن يسابقن رجالها في التعليم وميادين الأدب والثقافة ، كما كان للنساء منذ سنين طويلة مجالسهن ، فقد كانت جاراتنا الخالة عايشة و يمه فاطمة والمعلمة خاتون وأخريات كُثر لديهن مجالس دائمة ، وهؤلاء النسوة كنَّ يحظين بإحترام رجال ونساء الحارة.
ختاماً
١- عادات اهل البحرين كلها الطيبة و الكرم و الحفاوة ، وهذه هي سمات أهل أوال الطيبين عبر التاريخ.
٢- التطرف والتعصب والتشدد ليس من عاداتنا وهي وأهلها دخلاء علينا.
٣- جميع اهل البحرين فخورين بانتمائهم لبلدهم ومع ذلك يحترمون كل الملل والنحل الأخرى و ويعيشون بتسامح من الجميع.