لامية الحبيب (إِبْحْارٌ فِي سَيْرُورَةِ الْعُمْرِ وَمَحَطَاتِه) سيرة شاعر الأولى في تاريخ الشعر البحريني عدد ابيات القصيدة 210 بيت لسيرة الشاعر المرتبطة بتاريخ البحرين الاجتماعي والسياسي .. وجمال القول دشن الشاعر ميرزا عمران الحبيب ديوانه الأخير " لامية الحبيب" مساء امس مركز جدحفص الثقافي بحضور عدد من الشعراء والادباء والمهتمين ،،، وتعتبر اللامية هي الأولى من نوعها في نظم الشعر في البحرين حيث تتكون من 210 بيت ، تسر حياة الشاعر بأسلوب ادبي راقي في كل المحطات . يقول الشاعر في مقدمة ديوانه ، فِكْرَةُ كِتَابَةِ سِيرَتِي الذَّاتِيَّةِ رَاوَدَتْنِي مُنْذُ فَتْرَةٍ طَوِيلَة ، وَلَكِنِّي كُنْتُ أَتَرَدَّدُ فِي الْإِقْدَامِ عَلَيْهَا ؛ لِصُعُوبَتِهَا مِنْ نَاحِيَة ، وَلِكَوْنِهَا تَنْطَوِي عَلَى مَا يُظَنُّ أَنّهُ تَفْخِيمٌ لِلذَّاتِ وَإِعْلَائِهَا مِنْ نَاحِيَةٍ أُخْرَى..وَلَكنَّ هَذَا الْهَاجِسَ قَدْ تَوَارَى أَمَامَ اعْتِقَادِي بِأَنَّ كِتَابَةَ هَذِهِ السِّيرَةِ بِصُورَةٍ حَقِيقِيَّةٍ لَا رُتُوشَ فِيهَا وَلَا تَجْمِيلٍ ، وَاخْتِيَارِ مَحَطَّاتٍ مُهِمَّةٍ وَفَاعِلَةٍ مِنْ حَيَاةِ الْكَاتِبِ أَوِ الْأَدِيبِ ، تُقَدِّمُ زَادًا مِنَ الْخِبْرَاتِ وَالْمَوَاقِفِ تُفُيدُ الْمُتَلَقِّي ، وَتُثْري حَيَاتِه ، وَرَبَّمَا تَعْصِمُ ذَاتَهُ مِنْ تِكْرَارِ الْأَخْطَاءِ وَالْمَوَاقِفِ الْحَرِجَةِ الَّتِي قَدْ يَكُونُ الْكَاتِبُ وَقَعَ فِيهَا . بَيْدَ أَنَّ الظُّرُوفَ وَالْمُسْتَجِدَاتِ الَّتِي تَحْدُثُ بِاسْتِمْرَار ، كَانَتْ تَقِفُ بِوَجْهِ كُلِّ مُحَاوَلَةٍ أَقُومُ بِهَا لِتَنْفِيذِ هَذِهِ الْفِكْرَة . حَتَّى تَهَيَّأَتْ لِيَ الْفُرْصَةُ عِنْدَمَا تَقَاعَدْتُ عَنِ الْعَمَلِ فِي عَامِ 2004م ، وَعُدْتُ لِمُمَارَسَةِ شَغَفِي بِكِتَابَةِ الشِّعْرِ بِصُورَةِ نَشِطَة ، وَقُمْتُ بِإصْدَارِ دِيوَانَيْنِ مِنَ الشِّعْرِ ، فَوَجَدْتُ الْفُرْصَةَ سَانِحَةً لِإِحْيَاءِ فِكْرَةِ كِتَابَةِ سِيرَتِي ، وَتَنْفِيذِهَا . إِلَّا أَنَّ أُسْلُوبَ كِتَابَةِ هذه السيرة وَطَرِيقَتِهَا قَدْ تَغَيَّرَا ؛ فَقَدْ أَغْرَانِي نَظْمُ الشِّعْرِ وَسَبْكِهِ بِأَنْ أَصُوغَ سِيرَتِي صِيَاغَةً شِعْرِيَّةً ؛ ظَنًّا مِنِّي أنَّ الْأَمْرَ سَوْفَ يَكُونُ مَيْسُورَا .. غَيْرَ أَنَّ تَوَقُعَاتِي لَمْ تَكُنْ فِي مَحَلِّهَا ، وَبِخَاصَةٍ إِذَا شَمِلَتْ هَذِهِ السِّيرَةُ كُلَّ مَحَطَاتِ حَيَاتِي أَوْ الِأَهَمِّ مِنْهَا عَلَى مَدَى عُمُرِي مُنْذُ وِلَادَتِي وَحَتَّى الْيَوْم ، وَهِيَ وَهِيَ كَثِيرةٌ ومتشعبة ومهمة من وجهة نظري ، وَلَكِنَّني أَصْرَرْتُ عليها ، وَقَبِلْتُ التَّحَدِّي . وَبِقَبُولِي هَذِهِ الْفِكْرَةِ رُغْمَ صُعُوبَتِهَا ،،، كَمَا أَنَّ اللُّجُوءَ لِلْخَيَالِ الشِّعْرِي وَالتَّصْوِيرِالْبَيَانِي وَهُوَ لُبُّ الشِّعْرِ وَعِمَادُهُ كَانَ يَصطدم اسْتِخْدَامُهُ أَحْيَانًا بِأَهَمِيَّةِ عَرْضِ الْحَقِيقَةِ أَوِ الْحَادِثَةِ وَالْمَوْقِفِ بِشَيْءٍ مِنَ الْوُضُوحِ وَالْمُبَاشَرَةِ غَيْرَ أَنِّي حَاوَلْتُ قَدْرَ مَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَلِجَ إِلَى التَّصْوِيرِ كُلَّمَا كَانَ مَيْسُورًا وَمُمْكِنَا . وَبِخُصُوصِ الْحَقَائِقِ وَالْمَوَاقِفِ وَالْأَحْدَاثِ الَّتِي وَرَدَتْ فِي سِيَاقِ هَذِهِ اللَّامِيَّةِ فَقَدْ ذَكَرْتُهُا كَمَا هِيَ دُونَ أَنْ أَعْمَدَ إِلَى التَّجْمِيلِ حَتَّى تِلْكَ الَّتِي يَعْرِضُ عَنْ ذِكْرِهَا الْكَثِير ، مِنْ فَشَلٍ وَإِخْفَاقٍ وَغَيرِه .. لِتَكُونَ هَذِهِ السِّيرَةُ نُسْخَةً حَقيقِيَّةٍ مِنْ حَيَاتِي وَمَحَطَّاتِهَا. وَالْمَأْمُولُ أَنْ أَكُونَ قَدْ وُفِّقْتُ في محاولتي ، وبلغت المراد منها فِي تَوْثِيقِ مَجْرَياَتِ حَيَاتِي بِالشِّعْر . من جانبه قال رَئِيس قِسْمِ اللُّغَاتِ وَالْعُلُومِ الْإِنْسَانِيَّةِ "سَابِقًا" بِإِدَارَةِ الْمَنَاهِجِ فِي وَزَارَةِ التَّرْبِيَةِ وَالتَّعْلِيم احمد علي المرزوق في مدخل تحليلي الى " لامية الحبيب " ، ، مَدْخَل تَحْلِيلِي إِلَى قَصِيدَةِ "لَامِيَّةِ الْحَبِيب" بقَلَمِ الْأُسْتَاذ : أَحْمَد عَلِي الْمَرْزُوق رَئِيس قِسْمِ اللُّغَاتِ وَالْعُلُومِ الْإِنْسَانِيَّةِ "سَابِقًا" بِإِدَارَةِ الْمَنَاهِجِ فِي وَزَارَةِ التَّرْبِيَةِ وَالتَّعْلِيم "إِنَّ كِتَابَةَ السِّيرَةِ فَنٌّ عُرِفَ مُنْذُ الْقِدَم ؛ كَأَنْ يَكْتُبَ أَدِيبٌ أَوْ مُؤَرِّخٌ عَنْ سِيرَةِ أَحَدِ الْعُظَمَاءِ أَوْ ذَوِي الشَّأْنِ ، يُلْقِي فِيهَا الضَّوْءُ عَلَى حَيَاتِهِ وَإِسْهَامَاتِهِ وَالْعَوَامِلِ الْمُؤَثِّرَةِ فِي شَخْصِيَتِه . ثُمَّ انْبَثَقَ عَنْهَا فَنُّ السِّيرَةِ الذَّاتِيَّة ؛ وَهُوَ أَنْ يَكْتُبَ الشَّخْصُ عَنْ نَفْسِهِ ، وَيَعْرِضَ سِيرَةَ حَيَاتِهِ وَمَا أَنْجَزَ وَقَدَّمَ فِي عُمُرِه ، أَمَّا كِتَابَةُ السِّيرَةِ شِعْرًا فَهَذَا أَمْرٌ آخَر ؛ فَإنَّهُ بِالْإِضَافَةِ إِلَى عَامِلِ الشِّعْرِ فَهُنَاكَ عَامِلُ النَّظْمِ وَمَا يَفْرِضُهُ مِنْ قُيُود . وَبِحَسَبِ عِلْمِي فَإِنَّ الْأُسْتَاذَ مِيرْزَا هُوَ مِنَ الْقَلَائِلِ الَّذِينَ اخْتَارُوا الشِّعرَ وَالنَّظْمِ وَسِيلَةً لِتَدْوِينِ سِيرَتِهِ الذَّاتِيَّة وَلَا شَكَّ أَنَّ تِلْكَ مِيزَةٌ تُحْسَبَ لَهُ ، وَتَدُلُّ عَلَى قُدْرَةٍ شَاعِرِيَّةٍ فَائِقَة ، وَتَمَكُّنٍ مِنْ أَدَوَاتٍ هِي : لُغَةُ الشِّعْرِ الْمِطْوَاعَةِ ، وَالْقُدْرَةُ عَلَى سَبْكِ الْعِبَارَةِ ، وَاخْتِيَارِ اللَّفْظِ ، وَرَسْمِ الصُّورَةِ دُونَ الْوُقُوعِ فِي الْابْتِذَالِ ، وَالْجُنُوحِ إِلَى الْخَيَالِ الَّذِي تَنْدَثِرُ فِيهِ الْحَقَائِقُ وَالْأَحْدَاث . الصِّدْقُ فِي "لَامِيّةِ الْحَبِيب" : لَمْ يَتَجَمَّلْ صَاحُبُنَا فِي لَامِيَّتِه ؛ بَلْ سَرَدَ حَيَاتَهُ كَمَا هِيَ وَكَمَا عَاشَهَا ، بِحُلْوِهَا وَمُرِّهَا ، وَلَمْ يَخْجَلْ مِنْ ذِكْرِ الْمَحَطَاتِ الصَّعْبَةِ فِي حَيَاتِه ، وَلَمْ يَتَجَاهَلْهَا وَنَذْكُرُ عَلَى سَبِيلِ الْمِثَال : # حَالَةَ الْفَقْرِ وَالْعَوْزِ الَّتِي عَاشَهَا ، وَالْقَلِيلِ مِنَ الطَّعَامِ الَّذِي لَا يَكَادُ يُقِيمُ أَوَدَه وَلَكِنَّهُ كَانَ يَأْكُلُهُ رَاضِيًا وَحَامِدَا . تَجْرِبَةَ الْحُبِّ الَّتِي عَاشَهَا مَعَ إِحْدَى زَمِيلَاتِهِ فِي الْأُرْدُنِ أَيَامَ دِرَاسَتِهِ الْجَامِعِيَّةِ وَالَّتِي كَانَتْ تَجْرِبَةً نَظِيفَةً قَائِمَةً عَلَى الْاحْتِرَام .. فَهُوَ لَمْ يُنْكِرْهَذِهِ التَّجْرِبَةِ أَوْ يُخْفِهَا عَلَى الرُّغْمِ مِنْ نَظْرَةِ الْمُجْتَمَعِ الْمُحَافِظِ لِمِثْلِ هَذِهِ التَّجَارِب . تَجْرِبَةَ الزِّوَاجِ مِنْ جَاَرَتِهِ وَالَّتِي انْتَهَتْ بِالْانْفِصَال ،وَالَّتِي أَثْبَتَ فِيهَا أَنَّهُ ذُو نَفْسٍ رَفِيعَةٍ تَسْمُو عَلَى الْأَلَم ؛ فَلَمْ يَذْكُرْ هَذِهِ التَّجْرِبَةَ إِلَا بِالْخَيْر ، وَأَنَّهَا أَهْدَتْ لَهُ وَلَدَيْهِ وَابْنَتَهُ الَّذِينَ هُمْ سَعَادَتُهُ َوأَمَلُه .. فَبِالرُّغْمِ مِنْ فَشَلِ هَذِهِ التَّجْرِبَةِ إِلَّا أَنَّهُ عَدَّهَا نَاجِحَةً بِوُجُودِ الْأَبْنَاء . تلك نماذج فقط مِنَ الصِّدْقِ فِي تَجْرِبةِ أَبِي مَحْمُود ، وَهُنَاكَ غَيْرُهَا أَعْرَضْنَا عَنْهَا خَشْيَةَ الْإِطَالَة . الْقَرْيَةُ الْبَحْرَيْنِيَّة : تَنَاوَلَ صَاحُبُنَا نَشْأَتَهُ فِي "جِدْحَفْصَ" وَهِيَ إِحْدَى الْقُرَى الْبَحْرَيْنِيَّة . وَلَعَلَ التَّطَوُّرَ وَالْمَدَنِيَّةَ قَدْ أَسْهَمَا فِي انْدِثَارِ مَا تَمْتَازُ بِهِ الْقَرْيَةُ الْبَحْرَيْنِيَّةُ مِنْ خُصُوصِيَّة ، لِذلِكَ يُعُيدُنَا الْأُسْتَاذُ مِيرْزَا إِلَى ذَلِكَ الزَّمَانُ الَّذِي تَمْتَازُ بِهِ قُرَى الْبَحْرَيْنِ بِمَزَارِعِ النَّخِيلِ والأَشْجَارِوَعُيُونِ الْمَاءِ الَّتِي هِيَ مَرْتَعٌ لِأَطْفَالِ الْقَرْيَةِ وَمَنْظِرِ النِّسْوَةِ وَهُنَّ يَغْرِفْنَ مِنَ الْآبَارِ وَالْعُيُون ، وَيَحْمِلْنَ الْمَاءَ فِي الْأَوْعِيَةِ عَلَى أَكْتَافِهِنَّ وَرُؤُوسِهِنَّ ..إِنَّهُ تَصْوِيرٌ لِزَمَانٍ انْدَثَرَ الْيَوْمَ ، وَلِكِنَّهُ مَايَزَالُ يَعِيشُ في ذَاكِرَةِ وَوِجْدَانِ مَنْ هُمْ فِي سِنِّنَا ، حَيْثُ بَسَاطَةُ الْحَيَاةِ وَكِفَاحِ النَّاسِ رِجَالًا وَنِسَاءً مِنْ أَجْلِ الْعَيْشِ الْكَرِيم . وَمَا يَسُودُ الْمُجْتَمَعِ مِنْ قِيَمٍ رَفِيعَةٍ وَاحْتِرَامٍ وَغَضَّ النَّظَرِ عَنِ الْمُحَرَّمَاتِ وَالتَّرَفُّعِ عَنْ هَتْكِ الْعَوْرَاتِ وَبِخَاصَةٍ لِهَؤُلَاءِ النِّسْوَةِ فِي عُيُونِ الْمَاءِ وَالْمَزَارِعِ وَفِي طَرِيقِهِنَّ لِمَنَازِلِهِنَّ وَأَيَادِيهُنَ مُحَمَّلَاتٌ بِأَوَانِي الْمَاء . بَعْضُ الْأَحْدَاثُ التَّارِيخِيَّة : لَا شَكَّ أَنَّ حَيَاةَ كُلِّ إِنْسَانٍ تَمُرُّ بِأَحْدَاثٍ سَجَلَهَا التَّارِيخ ، وَقَدْ تَكُونُ هَذِهِ الْأَحْدَاثُ مَحَلِيَّةً وَقَدْ تَكُونُ عَالَمِيَّة : فَالْحَرْبُ الْعَالَمِيَّةُ الثَّانِيَةُ لَمْ يُدْرِكْهَا صَاحُبُنَا ، وَلَمْ يَعَشْ أَحْدَاثَهَا ، وَلَكِنَّهُ أَدْرَكَ آثَارَهَا وَحَيَاةَ الشَّظَفِ الَّتِي عَاشَهَا النَّاسُ بَعْدَ انْتِهَائِهَا ، ثُمَّ انْكِشَافِ هَذِهِ الْآثَارِ ، وَبْدْءِ الْانْتِعَاشِ وَحَيَاةِ الدِّعَةِ وَالسَّلَام .. وَفِي ظِلِّهَا كَانَتْ وِلَادَتُهُ .. فَكَأَنَّهُ يُرِيدُ الْقَوْلَ بِأَنَّ وِلَادَتَهُ كَانَتْ بِشَارَةِ خَيْرٍ وَسَلَام ، وَهِيَ الْتِفَاتَةٌ ذَكِيةٌ مِنْهُ فِيهَا شَيْءٌ مِنَ الْفَخْرِ وَلَكِنَّهُ فَخْرٌ بَعِيدٌ عَنِ التَّعَالِي وَالْغُرُور . ثُمَّ يَتَطَرَّقَ إِلَى أَحْدَاثِ النَّكْسَةِ سَنَةَ 1976م ، وَالْحَرْبُ بَيْنَ الْعَرَبِ وَإِسْرَائِيلَ وَمَا تَلَاهَا مِنْ مَآسٍ عِنْدَمَا كَانَ فِي الْأُرْدُنِ يُكْمِلُ تَعْلِيمَهُ الْجَامِعِي، ثُمَّ اشْتِعَالِ الْمَعَارِكِ بَيْنَ الْجَيْشِ الْأُرْدُنِي وَالْفَصَائِلِ الْفَلَسْطِينِيَّةِ وَهُوَ فِي عَمَّانَ قَلْبِ الْمَعَارِكِ يَعِيشُ لَحَظَاتِهَا الْمُرْعِبَة ، وَحَيَاتُهُ مُعَرَّضَةٌ لِأَخْطَارِ مُحْدِقَةٍ رُبَّمَا انْتَهَتْ بِطَلْقَةٍ طَائِشَةٍ عَلَى الرُّغْمِ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ طَرَفًا فِي هَذِهِ الْحَرْبِ ، بَلْ هُوَ طَالِبُ عِلْمٍ وعَابِرُ سَبِيل . لِذَلِكَ تَجِدُهُ وَهُوَ يَصِفُ تِلْكَ الْحَرْبِ لَا يَنْحَازُ إِلَى طَرَفٍ دُونَ آخَر ، وَإنَّمَا يَصِفُ الْوَضْعَ الْمُحِيطَ بِهِ فَقَط . الْجَانِبُ الْفَنِي فِي لَامِيَّةِ الْحَبِيب : لَا شَكَّ أَنَّ اخْتِيَارَ الشِّعْرِ وَسِيلَةً لِلْكِتَابَةِ فِي السِّيرَةِ الذَّاتِيَّةِ يُعْتَبَرُ عَمَلًا شَاقًا لَيْسَ بِإِمْكَانِ أَيِّ شَخْصٍ اسْتِخْدَامَه . وَلَكِنَّ صَاحِبَنَا نَجَحَ فِي هَذَا الْاخْتِبَار، وَاسْتطَاعَ التَّعْبِيرَ عَنْ تَجْرِبَتِهِ بِقُوَّة ، سَاعَدَهُ عَلَى ذَلِكَ امْتِلَاكُهُ نَاصِيةَ الُّلغَةِ وَتَطْوِيعَهَا لِهَذَا السَّرْدِ التَّارِيخِي .. وَهَذَا النَّفَسُ الشِّعْرِي الْعَمِيقُ الَّذِي تَنَاوَلَ حَيَاتَهُ مُنْذُ وِلَادَتِهِ إِلَى الْيَوْمِ ، وَاخْتِيَارُ الْقَصِيدَةِ الْعَمُودِيَّةِ ذَاتَ القَافِيَةِ الْوَاحِدَةِ وَالْبَحْرِالْوَاحِدِ ، وَهَذَا التَّصْوِيرُعَلَى قِلَّتِهِ ، جَمِيعُهُ يُنْبِيءُ عَنْ قُدْرَةٍ فَذَّةٍ وَظَّفَهَا لِأِنْتَاجِ هَذَا الْعَمَلِ الْفَنِّي . إِلَّا أَنَّ الشِّعْرَ وَضَوَابِطَهُ وَقُيُودَهُ تُعَدُّ عَوَامِلَ تَحُدُّ مِنْ انْطِلَاقِ الْأَدِيبِ فِي تَقْدِيمِ وَصْفٍ أَشْمَلَ ، وَالْوُقُوفِ عِنْدَ بَعْضِ الْمَحَطَاتِ وَقَفَاتٍ عَجْلَى ؛ لِأَنَّ الْهَدَفَ هُوَ سَرْدُ الْأَحَدَاثِ وَهُوَ الْغَالِبُ فِي الْعَمَل . كَمَا أَنَّ السَّرْدُ التَّارِيخِي لِلْأَحْدَاثِ ، وَالتَّرْكِيزَ فِيهِ هُوَ مَا يُفَسِّرُ قِلَّةَ الْخَيَالِ وَالتَّصْوِير . وَلَا شَكَّ أَنَّ الْحَقَائِقَ لَا تَتَطَلَّبُ خَيَالًا . وَبَعْدُ : فَإنَّ "لَامِيَّةَ الْحَبِيبِ" تَبْقَى تَجْرِبَةً َرائِدَة ، قَدَّمَتْ حَيَاةَ صَاحِبِهَا لِلْقَارِيءِ دُونَ تَكَلُّفٍ وَدُونَ مُبَالَغَةٍ أَوْ تَجَمُّل ، وَلَعَلَّهَا تَفْتَحُ الْبَابَ لِآخَرِينَ لِلْحَذْوِ حَذْوَهَا. وفيما يلي بعض ابيات اللامية : مَعَ الْمَسَاءِ بُعَيدَ السَّعْيِ وَالْعَمَلِ .. أَخْلُو لِكُتْبِيَ فِي شَوْقٍ وَأَعْتَزِلُ أَسُوحُ مُرْتَوِيًا مِنْ زُخْمِ غُلَّتِهَا .. فَيُصْبِحُ الْذِّهْنُ رَيَّانًا وَيَنْصَقِلُ وَمِنْ غَزِيرِ جَنَاهَا يَنْتَشِي وَلَهِي .. بِهَا وَأَرْشِفُ مَا تَحْوِي وَأَخْتَزِلُ وَالشِّعْرُ وَالْمُتَنَبِّي سُلْوتِي بِهِمَا .. وَمِنْ بَدِيعِهِمَا أَشْدُو وَأَمْتَثِلُ وَفِي رِحَابِهِمَا نَسْغُ الْقَرِيضِ نَمَا .. وَصِرْتُ أَنْظِمُ شِعْرًا جُلُّهُ غَزَلُ وَهَزَّنِي وَأَنَا لَمَّا أَزَلْ حَدَثًا .. وَقَائِعٌ فِي سَمَاءِالْعُرْبِ تَشْتَعِلُ دُمُ الْعُرُوبَةِ يَسْرِي فِي مَفَاصِلِهَا .. وَصَفْوَةٌ مِنْ بَنِي الْأَحْرَارِ تُعْتَقَلُ ويختتم الشاعر لامتيته بالابيات التالية : هَا قَدْ بَلَغْتُ بِإبْحَاري نِهَايَتَهُ .. أَجْلُو وِأَرْصْدُ أَقْدَارِي وَأَنْتَهِلُ أَقْفُو مَرَابِضَ آمَالِي وَأَتْبَعُهَا .. شَوْقًا وَأَلْثِمُ ذِكْرَاهَا وَأَكْتَحِلُ مُلَمْلِمًا مَا تَرَامَى مِنْ دَوَارِسِهَا.. مِمَّا يُسِرُّ وَمِمَّا طَعْمُهُ حَظَلُ