بقلم : علي صالح
حسنا فعل عشرة من اعضاء مجلس النواب عندما تقدموا بسؤال او استفسار من الحكومة يطلبون فيه منها ايضاح خططها تجاه التداعيات الاقتصادية للحرب على اوكرانيا ، وهي التداعيات التي تنعكس سلبا وايجابا على البحرين .
فمنذ وقت مبكر اي قبل ان تبدأ هذه الحرب بثلاثة اسابيع تقريبا بدأت دول العالم تتأثر بتلك التداعيات ومنها دول عربية وخليجية وتعلن ترتيباتها للتعامل مع ما تفرزه التطورات من ارباح وخسائر على مداخيل ومصروفات الدول وعلى تأثيرها على المواطنين فيها .
اما البحرين فقد بقيت صامتة وكأن الامر لا يعنيها ، ومؤخرا عندما تم نكشها بتوجيه سؤال نيابي الى وزارة التجارة والصناعة والسياحة ردت هذه الوزارة قائلة : ان الزيادة التي تجدونها في الاسعارهذه الايام ليس سببها الوحيد هو القيمة المضافة وانما هناك زيادة تتجاوز 600% في تكاليف شحن السلع ، وان عمليات الشحن هذه وزيادة الاسعار من بلد المنشأ يؤثران على زيادة الاسعار في الاسواق .
وقبل ان تسئل الوزارة المذكورة مرة اخرى تملصت من المسؤولية ومن علاقتها بتداعيات ما يجري قائلة : ان البحرين تعتمد على اقتصاد حر مبني على العرض والطلب وان المستهلك وحده هو من يحكم ويقرر ما يريده من احتياجات وما يراه من اسعار مناسبة .
وزارة التجارة استدركت قائلة ان انخفاض الاسعار مرة اخرى هو امر مرتبط بالشحن وان الوزارة ليس لها يد فيه لانه مرتبط بشركات عالميه ، لافتة ان ارتفاع الاسعار موجود في كل دول العالم ..!
هذا المنطق الاعوج والذي تردده الحكومة ممثلة في وزارة التجارة وغيرها واعني به حرية الاقتصاد القائم على العرض والطلب ينفع في دولة انتاج وليس استهلاك مدعوم بتضخم مستورد بنسبة 98% وفي دولة توفر لمواطنيها الحماية الاجتماعية والاقتصادية بنسبة تتجاوز الاسعار .
فعندما ترتفع اسعار الشحن بنسبة 600% فهذا يعني بالضرورة ارتفاع اسعار المستهلك بنسبة اكبر منها وهو ما يقتضي الوقوف الى جانب المواطن صاحب الدخل المحدود والمتوسط وانتشاله من الغرق في وحل الاسعار ومن ثم العجز عن الوقوف على قدميه وليس النظر اليه باعتباره الطوفة الهبيطة التي تقفز من فوقها الاسعار يمينا وشمالا .
فالاقتصاد الحر والدولة التي لا تتدخل في الاسعار يكون فقط عندما تكون تلك الدولة تعتمد على ما تصنع وما تزرع وما تحيك وتلبس وما تصدر من منتوجات صناعية وزراعية ، لا دولة تستورد كل ما تحتاجه من الخارج ومعه مضاعفات تقلبات الاسعار والتضخم .
دولة يعيش مواطنوها سنوات طويلة ومعهم اعضاء مجالسهم النيابية يجادلون الحكومة ويرجونها التكرم عليهم برفع الحماية الاجتماعية الى مستوى العيش الكريم دون جدوى والحكومة تتهرب من دورة نيابية الى اخرى ، وفي كل دورة يشعر المواطن انه كان ولا زال طوفة هبيطة تقفز الحكومة عليها لتدعي تارة انها تقدم له الدعم الشامل بمئات الملايين من الدنانير وعندما يتصفح ميزانية الدولة يكتشف ان جميع مجالات هذا الدعم الشامل والمباشر موجودة في المصروفات المتكررة !.
وتارة بايهامه انها تقدم له دعما في الميزانية العامة لمشترياته من منتجات النفط والغاز المحلية ، وما ان يفرك عينيه ويفتحها حتى يجد اولا ان المليارات من دنانير ذلك الدعم تقلصت الى العشرات ثم ما لبثت ان ظهرت في زيادة لاسعار البنزين بنسبة 100 % والحال كذلك مع الكهرباء والماء ومع الاسكان وحتى مع ايرادات المرور التي تضخمت عبر السنوات ثم اختفت من ميزانية الدولة .
ومما يدل على المواطن طوفة هبيطه كما يقول اهل البحرين الاولون ان الحكومة بدلا من ان ترفع مخصصات الضمان الاجتماعي وعلاوة الغلاء وعلاوة المتقاعدين وغيرها من ادوات الحماية الاجتماعية الى ما هو اعلى من اسعار المستهلك ، بل ان تضع حدا ادنى للدخل وان ترفع الرواتب في القطاعين العام والخاص تزامنا مع زيادة اسعار المستهلك وهو ما يحدث بصورة دورية في اغلبية دول العالم التي تراعي احتياجات مواطنيها .
بدلا من ذلك كله فقد قامت الحكومة بتجميد علاوة الغلاء و مخصصات الضمان الاجتماعي واستولت على علاوة المتقاعدين الزهيدة ، وتناست عن زيادة رواتب موظفي القطاعين العام والخاص لسنوات ومدت يدها واخذت ملايين الدنانير من حسابات صناديق الاجيال وبدل التعطل و المتقاعدين .
ولان المواطن طوفه هبيطه فقد اختارت الحكومة ان تخصه بضريبة القيمة المضافة بدلا من جميع انواع الضرائب المتعارف عليها في العالم والتي يفترض ان تفرض على الاغنياء مثل ضرائب الشركات والثروات والدخل وغيرها من الضرائب التي تدر عشرات المليارات من الدنانير على ميزانية الدولة ، بدلا من ذلك عملت على مضاعفة ضريبة القيمة المضافة ليصل دخل الحكومة منها الى اكثر من 400 مليون دينار سنويا في حين ان علاوة المتقاعدين التي قضمتها الحكومة لا تكلف الا 17 مليون دينار .
التحيز الى جانب الاغنياء كشفه تقرير صدر مؤخرا عن لجنة الامم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي اسيا ( الاسكوا ) ذكر ان عدد المليونيرات في المنطقة العربية ارتفع ونمت ثرواتهم بمتوسط قدره 2o% منذ 2019 مقابل تراجع النصف الافقر من السكان بمقدار الثلث .
واوضح تقرير اسكوا انه نتيجة لهذه التطورات صارت ستة من البلدان العشرين التي تسجل اعلى مستويات في الامساواة عالميا من البلدان العربية وهي البحرين وبعدها اسماء اربع دول خليجية( لا اريد ان اذكرها) في حين لم تكن هذه القائمة في السابق تضم سوى بلدين ، فكيف تصدرت البحرين دول اصحاب المليارات في العالم العربي وماهي المصالح المتبادلة بينهم وبين الحكومة الموقرة ؟
وبالتزامن مع تقرير الاسكوا هذا اصدر مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية ( حكومي) تقريرا حول التقدم المحرز في تنفيذ اهداف التنمية المستدامة بمملكة البحرين اشار الى بلوغ نسبة السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر الدولي ( 1.9 دولار يوميا ) صفرا اي عدم وجود فقراء ولا فقر في البحرين ، علما ان كل دولة في العالم لها خط فقر خاص بها وان خط الفقر في البحرين مرتبط بمتوسط دخل الاسرة والمبني على دراسة تتهرب الحكومة من اجرائها لانها ستغير جذريا منظومة الحماية الاجتماعية وتلزمها بوضع حد ادنى للاجور .
وفي هذا الصدد فان المواطنين شبعوا من تطمينات الحكومة ( ممثلة في وزارة التجارة ) من توفر المواد الغذائية والاستهلاكية ففي الاسواق مع اشتداد حرب اوكرانيا وقرب حلول شهر رمضان المبارك ، فالمهم ليس توفر السلع وانما اسعارها، وهي اسعار كان المواطن يعاني منها منذ ان توقفت الوزارة عن نشر تطورات اسعار المستهلك واجهضت قانون حماية المستهلك قبل ان يبدأ تطبيقه وضيقت على جمعية حماية المستهلك حتى لحقت بزميلاتها من مؤسسات المجتمع المدني ، ومنذ ان ضاعفت الحكومة القيمة المضافة .
وبالتالي فان المواطن لايريد ان يبقى هو دائما الطوفه الهبيطة يتحمل كل الاعباء والزيادات ، وانه على الحكومة ان تتحلى ولو مرة واحدة بالشفافية والمصداقية وتكشف امام الشعب وامام مجلس النواب مبلغ استفادتها من ارتفاع اسعار النفط وزيادة دخل الدولة اكثر من ثلاثة اضعاف وتحول ميزانيتها من عجز الى فائض وتوقف حاجتها الى الاستدانة ومن ثم تبادر الى اقتطاع جزءا من الفائض وتضخه لمضاعفة مخصصات الحماية الاجتماعية وبالتالي تشعر المواطن انه لم يعد طوفه هبيطه وانما شريكا في الثروة وفي الكرامة الانسانية .