البابا في البحرين: جلب مياه الأخوة إلى صحراء التعايش البشري ,كلمتان للعاهل والبابا في زيارته الأولى للبحرين
العاهل : ((إعلان مملكة البحرين)) وثيقة تدعو لرفض التمييز الديني وتدين العنف والتحريض
البابا : الاحترام والتسامح والحرية الدينية مواضيع أساسية أقرها دستور البلاد فهي التزامات يجب ترجمتها باستمرار إلى عمل حتى تصبح الحرية الدينية كاملة ولا تقتصر على حرية العبادة
"أننا نسجل تقديرنا الكبير لدوركم المؤثر والمشهود له على صعيد تقريب الشعوب لإحياء حضارتنا الإنسانية التي نتحمل جميعاً مسئولية حمايتها وتنميتها، عبر ترسيخ قيم العدالة والمحبة والسماحة والاحترام المتبادل من أجل هدف نشر السلام في أرجاء العالم. ونضم صوتنا إلى صوت قداستكم، بأن "السلام" هو طريقنا الوحيد نحو الأمل بمستقبل آمن يسوده الوئام والاستقرار. " بهذه الكلمات بدأ عاهل البلاد الملك حمد بن عيسى ال خليفة كلمته وأضاف "
ويهمنا – قداستكم - بأن تتعرفوا خلال زيارتكم على أهم ما تتميز به بلادنا، بحسب ما توضحه شواهد اليوم، كأرض حاضنة للتعايش المشترك بين أتباع الديانات المختلفة، حيث يتمتع الجميع، وتحت حمايتنا، من بعد الله سبحانه، بحرية إقامة شعائرهم وبتأسيس دور عبادتهم، في أجواء تسودها الألفة والانسجام والاعتراف المتبادل، وهذا أمر تحافظ عليه البحرين دوماً من أجل استقرارها المجتمعي وتحضرها الإنساني، كحفاظها على إيمانها الثابت وعلى عاداتها وتقاليدها المورثة، وزيارتكم الميمونة لهي خير دليل على ما تمتاز به مملكتنا الحبيبة.
ولا يفوتنا أن نشير هنا، إلى أحد مبادرات بلادنا دعماً لجهود السلام العالمية، والمتمثلة في ((إعلان مملكة البحرين)) الذي دعمنا صدوره قبل عدة سنوات، كوثيقة تدعو لرفض التمييز الديني وتدين العنف والتحريض، لينضم هذا الإعلان إلى غيره من الوثائق الهامة التي تسعى لذات الهدف، من أجل تثبيت مواقفنا المشتركة نحو عالم يسوده التسامح ويناضل من أجل السلام، وينبذ ما يفرق وحدته ويهدد نهوضه الحضاري الذي يجب أن يبقى العنوان الأبرز والامتحان الأكبر لوحدتنا الإنسانية."
كما ألقى قداسة البابا فرنسيس بابا الفاتيكان كلمة قال فيها: "
أعرب عن تقديري للمؤتمرات الدولية ولفرص اللقاء التي تنظمها هذه البحرين وتعززها، خاصة مع التركيز على الاحترام والتسامح والحرية الدينية. هذه مواضيع أساسية، أقرها دستور البلاد، الذي ينص على أنه "يجب ألا يكون هناك تمييز على أساس الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو المعتقد" (المادة 18)، وأن "حرية الضمير مطلقة" وأن "الدولة تحافظ على عدم المساس بالعبادة" (المادة 22). وفوق كل شيء، فهي التزامات يجب ترجمتها باستمرار إلى عمل، حتى تصبح الحرية الدينية كاملة ولا تقتصر على حرية العبادة؛ وحتى يتم الاعتراف، لكل جماعة ولكل شخص، بكرامة متساوية، وفرص متكافئة؛ وحتى ولا يكون تمييز ولا تنتهك حقوق الإنسان الأساسية، بل يتم تعزيزها. أفكر قبل كل شيء في الحق على الحياة، وضرورة ضمانه دائما، حتى عند فرض العقوبات على البعض، حتى هؤلاء لا يمكن القضاء على حياتهم.
في هذا البلد كانت مساهمة أشخاص كثيرين من شعوب مختلفة هي التي سمحت بتنمية إنتاجية ملحوظة. كان هذا ممكنا بفضل الوافدين إلى البلد، وتفتخر مملكة البحرين فيها بأحد أعلى المعدلات في العالم: حوالي نصف السكان المقيمين هم من الأغراب ويعملون بشكل واضح لتنمية بلد يشعرون فيه أنه بيتهم، ولو أنهم تركوا وطنهم. ومع ذلك، لا يمكن أن ننسى أنه في عصرنا لا يزال هناك نقص كثير في العمل، وعمل لاإنساني كثير: هذا لا ينطوي فقط على مخاطر جسيمة من حيث عدم الاستقرار الاجتماعي، بل يمثل انتهاكا لكرامة الإنسان. في الواقع، العمل ليس ضروريا لكسب لقمة العيش فقط، بل هو حق لا غنى عنه لتطوير الذات بشكل كامل ولتكوين مجتمع على قياس الإنسان.
من هذا البلد، الجذاب لفرص العمل التي يوفرها، أود أن أذكر حالة الطوارئ في أزمة العمل العالمية: العمل، الثمين مثل الخبز، ينقص غالبا. وفي كثير من الأحيان، هو خبز مسموم، لأن فيه عبودية.
في كلتا الحالتين، لم يعد الإنسان هو المحور. الإنسان هو أصلا هدف العمل المقدس والذي لا تمس كرامته، فيحول إلى وسيلة لإنتاج المال. لذلك، يجب ضمان ظروف عمل أمنة ولائقة بالإنسان في كل مكان، لا تمنع بل تشجع الحياة الثقافية والروحية، وتعزز التماسك الاجتماعي، لصالح الحياة المشتركة وتنمية البلدان نفسها .
تفتخر البحرين بمكتسبات ثمينة في هذا المجال: أفكر، مثلا، في أول مدرسة للبنات في الخليج وإلغاء الرق. لتكن منارا لتعزيز الحقوق في كل المنطقة، وظروف عادلة وأفضل للعمال والنساء والشباب، وتضمن في الوقت نفسه الاحترام والاهتمام للذين يشعرون بأنهم على هامش المجتمع، مثل المهاجرين والمساجين: التنمية الحقيقية، البشرية والمتكاملة، تقاس قبل كل شيء بالاهتمام بهؤلاء.
أفكر في دعوة الإنسان، في كل إنسان على الأرض: بأن يجعل الحياة تزدهر. لكننا نشهد اليوم، وكل يوم المزيد، من الأفعال والتهديدات بالقتل. على وجه الخصوص، أفكر في واقع الحرب الوحشي الذي لا معنى له، والذي يزرع في كل مكان الدمار ويقضي على الأقل. في الحرب يظهر أسوأ جوانب الإنسان: الأنانية والعنف والأكاذيب. نعم، لأن الحرب، كل حرب، تمثل أيضا موت الحقيقة. لنرفض منطق السلاح ولنقلب المسار، ونحول الإنفاق العسكري الضخم إلى استثمارات لمحاربة الجوع ونقص الرعاية الصحية والتعليم. في قلبي يوجد ألم لحالات الصراع العديدة. أنظر إلى شبه الجزيرة العربية، وأود أن أحيي بلدانها بحرارة واحترام، أتوجه بتفكير خاص وصادق إلى اليمن، المعذب من حرب منسية، ومثل كل حرب، لا تؤدي إلى أي نصر، بل فقط إلى هزائم مريرة للجميع. وبشكل خاص، أحمل بصلاتي المدنيين والأطفال وكبار السن والمرضى وأناشد: لتسكت الأسلحة، ولنلتزم في كل مكان وبصدق من أجل السلام.
إعلان مملكة البحرين، في هذا الصدد، يعترف بأن المعتقد الديني هو "بركة للبشرية جمعاء" وأساس "للسلام في العالم". أنا هنا مؤمن ومسيحي وإنسان وحاج سلام، لأننا اليوم، أكثر من ذي قبل، مدعوون في كل مكان إلى أن نلتزم بجدية من أجل السلام.
أوجه كلمات فقرة في إعلان التسامح لنفسي، وأشارككم بها، وهي ما ننشده من الزيارة إلى مملكة البحرين. الفقرة الجميلة هي: "لنلتزم بالعمل من أجل عالم، يتحد فيه المؤمنون الصادقون في معتقدهم، لرفض ما يفرقنا وللتركيز على ما يوحدنا". ليكن كذلك ببركة الإله العلي القدير، شكراً . "