بقلم : محمد الانصاري
آدب الشعوب وفنونها وأشعارها و أناشيدها و أهازيجها هي التي تصنع ثقافاتهم ، وهي التي تنمي فيهم المشاعر و الوعي والأحاسيس ، وهي ايضاً التي تعلّم الاجيال الأولويات، وتزرع فيهم القيم ، و يمكن لنفس الأداة أن تكون مفسدةٌ مطلقة، فتجعلهم تافهين و جبناء ومن دون مكانة ولا قدر بين الأمم .
لقد كان العرب في الماضي يفخرون بكرمهم و شجاعتهم وبلاغتهم حتى صارت من عاداتهم وشمائلهم ، ويتغزلون في الديار فيزرعون حبها في نفوس أبنائهم ، و يتسابقون بالخيل والرماية حتى غدوا فرسان ، فكانت أشعارهم ملاحم من الإباء و الشهامة و المجد ، اما اليوم فقد حصرت معاني الشعر والأدب في علاقة ضيقة ومحدودة قليلة العفة بين رجل وامرأة، وقد حشرت الفنون في إبراز مفاتن اجساد النساء، و الابتذال في تقصير ثيابهن ، فتحولت أولويات الامة من مكانتها ورفعتها إلى شهوتها.
ولو قارنا مثلاً بين الأفلام العربية و الأمريكية و الإنجليزية و التركية خلال العقود الخمسة الماضية، سوف نجد أن الموضوع الوحيد في الأفلام العربية يقتصر على فتاة جميلة فاتنة وشاب يقع في حبها ويضاف في كل فلم بعض البهارات الأخرى، في حين ان الأمريكان والإنجليز والأتراك والهنود و غيرهم ينتجون مواضيع محورها القيم و المبادئ والتحديات و المكانة العلمية و غيرها إلى جانب أفلام أخرى للاستهلاك ترسل لنا ، ولهذا السبب فإن المنظومة الثقافية لتلك المجتمعات مختلفة عن منظومتنا تماماً.
لقد أضعنا مكانتنا عندما طمسنا الوعي في شعرائنا و أدبائنا وفنانينا ، و قد تخلفنا عندما سمحنا للقرود ان يكتبوا الشعر ، و ينتجوا الأفلام، و يديروا التعليم ، و يؤلّفوا الكتب ، و كانت الطامة الكبرى عندما قررنا ان نكرمهم ونجعل منهم قدوات للأجيال، و أن تكون أعمالهم مصدراً ننهل منه الأفكار و الهوية ، حتى أصبح الأركوز عَلماً ورمزاً ، و المتعرية مُلهمة و شعار ، وقلة الأدب شعراً ونثراً.
لقد بلغت بنا الوقاحة ان نستبدل أمثالنا الرائعة بأمثال تعلم الناس الجبن و الخنوع و التفاهة فماذا نريد ان نزرع في الناس عندما نقول لهم " صير جبان وعيش لأمك زمان " ؟! ، و الأمثلة كثيرة ، وماذا نريد ان نوصل للناس عندما ننشر في الصحف خبر يظهر إن مستوى دخل إحدى الفشونيستات اكثر من ١٠٠ الف دينار في الشهر اي ما يزيد عن مدخول ٥٠ طبيب.
ففي الوقت الذي إنشغلت وسائل الإعلام العالمية بأخبار الابتكارات والتكنولوجيا كانت وسائل الإعلام عندنا مهتمة بمستجدات القبض على مذيعة تافهة في قضية ماسه بالأخلاق، وأخبار قتل فتاة ثانية من قبل أهلها في دولة أخرى بسبب نشرها محتويات غير مناسبة على التيك توك ، وتأكيد خبر فنانة ثالثة تفتخر بعدد مرات زواجها العلني والعرفي التي لا تستطيع عدها لكثرتها ، يا أمةً ضحكت من جهلها الامم ، هل هذه أولوياتكم؟! و هل هذا ما تريدون ؟! انكم أصبحتم " ترند " في التفاهة والجهل و قلة الأدب.
ختاماً
١- لابد من البدء في زرع قيم العدل والشجاعة والشرف و الكرم والكرامة إذا أردنا أن نحيي امجاد الامة .
٢- عندما تختفي توافه الأمور من كلمات الأشعار ولوحات الفنانين و سيناريوهات برامج السينما والتلفزيون، عندها فقط نعرف اننا بدأنا نسير على الخط الصحيح.
٣- التغيير ليس فقط مسئولية الحكومات بل هي مسئولية الجميع ومنهم أولياء الأمور في بيوتهم ، والمعلم في فصله، و رجل الدين في المسجد ، و التجار في السوق ، اما الفنانين و الشعراء و الأدباء فأعمالهم تصل كل مكان وتأثيرهم هو الأكبر.