DELMON POST LOGO

الوطني باسرة الادباء والكتاب : تأثر الأدب الأفغاني منذ نشأته تأثراً كبيراً بالأدب الفارسي 1-2

إنه مثلما تترك الجراح ندوباً غائرة فإن المعاناة تترك أدباً حقيقياً وملموساً

قدمت الكاتبة شيماء عيسى الوطني ورقة عمل حول " الادب الافغاني " بمختبر سرديات البحرين  مساء أمس بمقر الاسرة ، استخلصت فيه الى نقطتين هامتين الأولى أنه ما من شعب يعيش على بقعة ما من الكرة الأرضية إلا وله تراثه الأدبي وفلكلوره الذي يميزه بدائياً كان أو متطور ، والأخرى ، أن هذا الأدب يتأسس ويتطور بتأثير من المتغيرات السياسية والاقتصادية والثقافية التي يتعرض لها ذلك الشعب وهذا ما يمنحه خصوصيته ومميزاته ، وهكذا الادب الافغاني ، الذي جاء

من صميم التنوع العرقي واللغوي في هذه البلاد، لاسيما ان  أفغانستان تنقسم إلى 12 مجموعة عرقية تستخدم فيها لغتين رسميتين هما الباشتو والداري .

اتسم الأدب في أفغانستان منذ بداياته بالبراعة والعمق بسبب التعددية اللغوية والعرقية، على غرار الآداب الفارسية ثنائية اللغة ،وهذا ما دفع الكتاب الأفغان كما الكتاب الفرس إلى الكتابة بأكثر من لغة حتى أن بعض الكتاب الأفغان المعاصرين باتوا يكتبون نصوصهم باللغات التي يتقنونها كالإنجليزية والفرنسية بإتقان وتميز.

كما ساهمت التعددية العرقية أيضاً فى ظهور الأدب الشعبى والفلكلور المكتوب بالفارسية الدارية والأوزبكية والباشتو. حتى أن الأفغان شكلوا أدبًا شعبيًا كالأعمال الشعرية الملحمية أو ما يسمونه بكتب «الحرب الشعرية»، التى غالبًا ما يكون أبطالها مجهولي الهوية وذوي أصل شعبي متواضع. تعكس هذه الاعمال التنوع العرقى والتجربة الجماعية للتاريخ الأفغاني الحديث. كما أنها تعكس القيم والأعراف العرقية الأفغانية، بما فى ذلك الصراع بين المذهب السني والشيعي الذى ما يزال قائمًا إلى يومنا هذا ويمثل عنصرًا مهمًا من عناصر الهوية الأفغانية والتركيب اللغوي والثقافي للمجتمع.

وقد تأثر الأدب الأفغاني منذ نشأته تأثراً كبيراً بالأدب الفارسي، خاصة أعمال سعدي، حافظ، نظمي، عمر الخيام، صادق هدايت وغيرهم. ولطالما قادت المواقف والمعتقدات الاجتماعية السياسية الشعبية الأدب الأفغاني نحو التطرق إلى المزيد من المواضيع الحساسة والمحرمة.

ففي بلد مثل أفغانستان يعاني غالبية سكانه من الأمية لابد من أن تأخذ التقاليد الشفهية مكانة ومرتبة أولى ضمن الثقافة العامة وكان النصيب الأكبر للحكاية المتضمنة لمواضيع تمس الحياة الأفغانية اليومية وتنقل قيمها وعاداتها ومعتقداتها الدينية ، ولذلك كان الأدب والشعر الأفغاني معروفاً على نطاق واسع في جميع أنحاء آسيا الوسطى، وفي وقت ما كانت كابول وهرات مراكز هامة للفن والأدب حتى أن بعض الشعراء والفلاسفة الفرس قد استقروا في هرات كالفيلسوف الفارسي فخر الدين الرازي والشاعر الفارسي دجامي . -تتكون أفغانستان من ٣٤ ولاية وتقع هرات بالقرب من الحدود مع إيران -

أيضاً كان للثقافة المسرحية مكانتها في أفغانستان إذ أصبح المسرح ممارسة فنية مرتبطة بالحياة اليومية ويتم تقديمه في المهرجانات والشوارع والمدارس ويعود ذلك إلى فترة حكم الملك أمان الله خان الممتدة لعشر سنوات بدأت من العام 1919 م.

حيث كان المسرح يمثل وسيلة لتشجيع الناس على التطور وتجنب الإيمان بالخرافات ، واستعان أمان الله آنذاك بوزراء حكومته وبشخصيات ثقافية وسياسية من أمثال وزير الخارجية محمود ترزي ووزير المحكمة علي محمد وغيرهم ممن اسهموا في تطور المسرح سواء بالترجمة أو الكتابة أو أداء الأدوار المسرحية!

ودخل هذ الفن مرحلة متطورة مع إنشاء جامعة نانداري في عهد محمد ظاهر شاه عام 1933م.

ومن بين الفنانين والكتاب المسرحيين الذين ساهموا في إزدهار المسرح نذكر : عبدالرحيم جاليا، غلام عمر شاكر وأكرم نغاش وغيرهم .

ونستطيع القول أن المسرح في أفغانستان منذ تأسيسه وحتى يومنا هذا تميز بهيمنة الشخصيات الذكورية والغياب التام للنساء في المسرحيات التمثيلية ، وتعكس هذه الهيمنة صورة المجتمع الأفغاني التقليدي الذي يعزز من دور الرجال ويعمل على طمس هوية ودور المرأة ، وبالتالي لم يكن للمرأة الحق في اعتلاء خشبة المسرح ولعب دورها كما هي نظم الحياة الإجتماعية الأفغانية.

وكانت مسرحية " الوطن الأم " التي كتبها غلام حضرت كاشان أولى المسرحيات التي عرضت دور المرأة بعد أن قدمه أحد الشباب الأفغان !

على عكس المسرح يأتي الشعر، ففي أفغانستان لا تقتصر كتابة الشعر على الرجال فقط إذ يعد نظم الشعر لدى النساء أحد أبرز الوجوه للأدب الأفغاني على الرغم من اعتباره خطيئة لا تغتفر إلى جانب رغبتهن في التعليم أو اتخاذ القرار، وتعد الشاعرة نادية أنجومان من أبرز الشاعرات اللاتي شغلن الرأي العام الثقافي والوطني والدولي بعد مقتلها على يد زوجها!

عاشت الشاعرة طفولة صعبة حاولت فيها اتمام دراستها قبل أن تنقطع عنها بسبب حكم طالبان، وبعد أن تخرجت من جامعة هرات أصبحت واحدة من ممثلي الأدب الأفغاني المعاصر في الأوساط الأدبية في أفغانستان وإيران خاصةً بعد نشرها لديوانها " أزهار حمراء ساكنة " عام 2005 م ، إلى أن قُتلت على يد زوجها الذي أقدم على ضربها حتى فارقت الحياة وهي في الخامسة والعشرين من عمرها بسبب كتابتها للشعر الذي التزمت فيه بالدفاع عن قضايا المرأة من خلال كتابة نصوص شعرية متمردة.

أيضاً هناك نموذج آخر لشاعرة أفغانية تدعى ( ربيعة بلخي ) عاشت في القرن العاشر وتعد أشهر الشاعرات في أفغانستان حيث كتبت أشعار فارسية عاطفية بعد وقوعها في حب أحد العبيد. تم سجنها وقتلها من قبل شقيقها ويعتقد أنها كتبت قصيدتها الأخيرة بدمها على جدار الغرفة التي سُجنت فيها!

وبشكل عام يعبر شعر النساء الأفغانيات عن آمالهن ومخاوفهن وتطلعاتهن وهو صرخة يتحدين بها حياتهن التي لا يملكن زمامها بالمعنى الحرفي، يساعدهن ولو رمزياً على التحرر من كل القيود ويعبر عن الوطنية العميقة ويكشف عن الاستياء من النفاق الديني الموسوم بكراهية النساء ، كما يدفعهن لمواجهة المخاوف وتناسي الخطر المحدق بهن خاصةً وأن ناظمات هذا الشعر تظل اسماءهن مجهولة فيما عدا الشاعرة روزبة حيدري التي تعتبر اليوم من أبرز سفيرات الشعر الأفغاني المعاصر ولن نستغرب معرفتنا باسمها إذا ما علمنا أنها تعيش حالياً في الولايات المتحدة الأمريكية .

تاريخياً تميل الشاعرات الأفغانيات إلى كتابة ( اللانداي ) وهو نوع من الشعر الشعبي المنظوم والمغنى أحياناً، ويكتب عادةً باللغة البشتونية وفق قواعد خاصة من الوزن الشعري والقافية.

وتعني كلمة اللانداي القصير أو الموجز ولذلك فإنه يأتي على شكل سطرين شعريين فقط ، يحتوي السطر الأول على 9 مقاطع صوتية بينما يحتوي السطر الثاني على 13 مقطع صوتي.

ترتجل الفتيات اللانداي حين يجتمعن لجلب الماء من النبع أو حين يرقصن في احتفال أو زفاف، ويختلف عن الشعر الداري الفارسي فهو لا يمجد الحب الصوفي ولا يكرس أبياته للمديح الإلهي بل يحمل نقداً لاذعاً للمجتمع الذكوري.

وقد اشتهرت منه أبيات جمعها الشاعر الأفغاني سيد بهاء الدين مجروح ونشرت في مجموعة شعرية تم ترجمتها إلي الإنجليزية والفرنسية والعربية .

بالانتقال إلى الأدب الأفغاني المعاصر سنجد أن انطلاقته الفعلية كانت عام 1978 م كردة فعل على تدهور الأوضاع المعيشية، وتم التغاضي آنذاك عن كل النتاجات الأدبية لأنها لم تغادر الأراضي الأفغانية بسبب الاجتياح السوفيتي الذي بدأ بتاريخ 24  ديسمبر 1979م .

ولكن حينها بدأ الحديث عن ( أدب المنفى ) بعد مغادرة بعض الكتاب والفنانين إثر الاجتياح إلى باكستان وإيران والبعض منهم إلى أوروبا وأمريكا. ويمكننا القول أن نشأة الأدب الأفغاني المعاصر تعود إلى عوامل تاريخية وثقافية وسياسية مع الهجرات القسرية للأدباء والمفكرين، وقد تضافرت تلك الظروف ليتشكل الوجه الحقيقي للأدب الأفغاني المعاصر كردة فعل تجاه الأنظمة السياسية والأعراف المجتمعية السائدة .

ويعتبر الأدب الأفغاني المعاصر من الحقول الأدبية المميزة لخروجه من رحم الأزمة والمعاناة، وقد تطورت أساليبه بشكل سريع مع ظهور أسماء جديدة من الأدباء الذين باتوا يكتبون عن أزمة الهوية والأرض والمنفى مازجين ما بين الأدب القديم والجديد في محاولة لفرض الذات وإثبات وجودها.

الأدب الأفغاني اليوم صرخة تكشف معاناة هذ المجتمع عن طريق الكتابات الشعرية والسردية، ومعالجة لإشكالية الإنسان بشكل عام والمرأة بشكل خاص في مجتمع يسوده الجهل والتطرف الديني والأعراف القبلية، مجتمع يجرد المرأة من إنسانيتها ويجعلها " سقط متاع ".

وإذا ما كانت كتابات السيرة الذاتية فى أفغانستان قد برزت بشكل لافت للنظر لأكثر من ثلاثة عقود، فذلك لأن الشعور بالنقص والهوية الوجودية شكلا جوهر الكتابة، حيث سعى الأدب الافغاني المعاصر إلى ربط الكتابة بالحالة النفسية للذات الكاتبة من خلال إعادة سرد الأحداث التى مر بها الكاتب.  

في بداياته كان الأدب الأفغاني أدب مقاومة ثم تحول الى أدب اجتماعي ثوري يدافع عن القضايا الاجتماعية ويفضح أنواع العنف التي تمارسها حركة طالبان على الشعب الأفغاني، وعلى النساء خصوصاً. فالأدب الأفغاني لا يقل مكانة عن الآداب العالمية، بل يتميز عنها بطابعه الشعري الصوفي، اضافة الى أن القضايا الأفغانية تشكل مادة جديدة بالنسبة للقارئ العالمي الذي بدأ يكتشف اليوم أن لأفغانستان أدباً عالمياً منسوجاً من المعاناة اليومية وآلام الحرب المستمرة والتعصب الديني والعرقي.

ولذلك فالأدب الأفغاني المعاصر أكثر اهتمامًا بالقضايا الحالية مثل الحرب والصراعات الدينية والانقسام العرقى و اللغوي والجسد ولغة الكتابة. يتعامل مع الأسئلة الوجودية التى تؤثر على الفرد الافغانى بأكمله ويجعلها محور اهتمامه.

إن التغيرات التاريخية والسياسية المختلفة هى الأساس والمصدر الرئيسى لهذا الأدب. فالمواضيع مثل الوضع السياسي، مسألة المرأة، جحيم الحرب، التعصب الدينى والعرقي، وكذلك المنفى ورمزية «الأنا»، تشكل الوجه الحقيقى للكتابة الأفغانية. يروى الكتاب الأفغان من خلال تجاربهم الخاصة، من خلال جروحهم وذكرياتهم الموشومة عمق المعاناة الوجودية.

ويعتبر سيد بهاء الدين مجروح ، خالد حسيني، عتيق رحيمي، زرياب ونادية هاشمي وغيرهم، أبرز الوجوه الأدبية الأفغانية التى كرست كتاباتها لانتقاد الوضع فى أفغانستان، وهكذا يحتل المجتمع الأفغاني ومعاناته مكانًا أساسيًا فى الأدب.

وكما نعلم أن بعض البلدان تتعرض لمحن وقضايا لها من الخصوصية ما يضفي على النصوص الأدبية لتلك البلدان الكثير من الواقعية والتميز.

ولنا في النصوص الأدبية التي افرزتها الحرب الأهلية في لبنان أو ما كتب عن القضية الفلسطينية والواقع العراقي خير شاهد على أن تلك الأحداث قد أسهمت في أن يكون لكل بلد أدبه الخاص الذي يميزه .

ومما لا شك فيه أن لأفغانستان خصوصيتها التي تميزها عن بقية البلدان من ناحية العادات والتقاليد والأعراف المجتمعية وحتى الطبيعة الجغرافية، بالإضافة إلى ظروفها السياسية وتعرضها لحروب متنوعة امتدت عبر عقود من الزمان؛ مما ترك أثراً مغايراً ومختلفاً على النصوص الأدبية الأفغانية سواء كانت شعريةً أو نثرية وأصبح من الممكن أن يُطلق عليها اليوم مسمى " الأدب الأفغاني ".

الرواية الأفغانية

الرواية الأفغانية تتناول حكايات تمس المجتمع الأفغاني ، تنقل قيمه ومعتقداته؛ وتنتمي للأدب الواقعي وتحديداً " الواقعية النقدية " حيث الاهتمام بقضايا المجتمع، تصويرها وتحليلها ونقل قضايا الواقع والطبائع الإنسانية ، ولعل أبرز تلك القضايا،  قضية "اضطهاد المرأة "، التي احتلت حيزاً كبيراً من الروايات الأفغانية.

وإذا ما أردنا الحديث عن المرأة الأفغانية في الرواية فلا مناص لنا من تناول واقع المرأة هناك ؛ فالمرأة الأفغانية في الرواية هي ذاتها في الحياة الواقعية !

فعبر عقود من الزمان عاشت المرأة الأفغانية تحت ظل أعراف مجتمعية ظالمة، وتطرف ديني يلغي لا حقوقها وحسب وإنما يلغي وجودها تماماً، ورغم ما يعرف عن النساء الأفغانيات من أنهن أكثر نساء العالم ذكاءً وقوةً وأن صمودهن لا ينكسر؛ إلا أن حياتهن حافلة بشتى أنواع الاضطهاد والكبت والظلم الذي يصل إلى حد القتل.  

فحين اصبحت أفغانستان تحت قبضة طالبان طبقت فتاوى سلبت الأفغانيات حياتهن ومستقبلهن وجردتهن من الكرامة والهوية .

فقد قامت طالبان وبشكل منهجي بإرهاب النساء بقوة العصا حرفياً. سلبوا منهن حريتهن فى الحركة والعمل، وحقهن فى التعليم وفى ارتداء المجوهرات والضحك فى الأماكن العامة وإظهار وجوههن وأصبح " التشادور "السماوي اللون، ذو البرقع المخرم رمزاً للمرأة الأفغانية، وأصبحت الفتيات في أفغانستان مستهدفات ويتعمد إقصائهن بشكلٍ منهجي من جميع جوانب الحياة العامة ويتعرضن للتمييز في مزاولة الحياة السياسية أو مزاولة المهن كالطب والمحاماة وحتى التدريس ومحرومات من الالتحاق بالمدارس وممنوعات من استخدام الحدائق وصالات الألعاب الرياضية أو الحمامات العامة .

يفرض الحجاب هناك بشكل إلزامي وتمنع النساء من السفر دون محرم ولا يستثنى من تلك القوانين المجحفة حتى النساء المسنات أو ذوات الإعاقة .

وكانت نتيجة كل ذلك عجز المرأة الأفغانية عن كسب رزقها أو حصولها على التعليم والرعاية الصحية أو حتى الهروب من حالات العنف الأسري المنتشرة في البلاد.

ومؤخراً انتشرت قصة امرأة أفغانية في العشرين من عمرها تدعى رضا غول تعرضت لجدع أنفها من قبل زوجها بسبب اعتراضها على خطبته لابنة اختها التي لا يتعدى عمرها السابعة لتكون له زوجة ثانية فما كان من الزوج الغاضب إلا أن أخرج مطواة وجدع بها أنف الزوجة ثم هرب!

.. يتبع