بقلم: رضي الموسوي
أمام هول المذبحة التي ارتكبتها قوات الاحتلال الصهيوني، بمشاركة مباشرة من الولايات المتحدة الامريكية، في مخيم النصيرات ومحيطه بقطاع غزة يوم أمس السبت، 8 يونيو/حزيران الجاري والتي راح ضحيتها أكثر من 220 شهيدا أغلبهم من الاطفال والنساء، فضلا عن ما يربو على 400 جريح ومصاب، وقد احتاج الكيان لهذا الحجم من القتل والتوحش لإستعادة 4 من مستوطنيه..أمام هذا الدم الفلسطيني المتدفق وتوحش الصهاينة، ألا يحق لنا السؤال عن جدوى وفعالية الإدانات بمستوياتها الباردة والشديدة اللهجة والبيانات الفارغة الصادرة عن أغلب أركان النظام الرسمي العربي، المطالبة "بوقف إطلاق النار" فيما حرب الإبادة الجماعية تنفذ على قدم وساق بشراكة امريكية كاملة قي التخطيط والتنفيذ والعتاد؟!.
لم تحرك قيامة غزة والدم المسفوك والأجساد المقطعة إربا أي فعل رسمي عربي مجد يوقف هذه المذبحة المستمرة التي تدخل شهرها التاسع، في وقت أشادت بها الإدارة الأمريكية بكل وقاحة وصلافة، بل دعت لإرتكابها بإعتراف أحد مسؤوليها الذي حرض على استعادة الاسرى الصهاينة بالمفاوضات أو بأي وسيلة أخرى، ضاربا عرض الحائط ومزدريا بكل ما يسمى بـ"الوساطات" العربية التي تحاول تقديم صورة وردية لتحركاتها. تحركات لم تفضي إلى شيء سوى تقطيع الوقت الذي تحتاجه تل أبيب لإستمرار المجازر.
لم تنف المقاومة أن الكيان تمكن من استعادة أربعة أسرى، بل أضاف الملثم أبو الكوفية، أبو عبيدة، أن بعض الأسرى قتلوا أثناء جولة المعارك التي حصلت أثناء استعادة الصهاينة، وكأنه يؤكد أن الأسرى الباقين لدى المقاومة قد يلقون حتفهم على أيدي قوات الاحتلال الذي يدعي أنه جاء "لتحريرهم". أما الرئيس الامريكي جو بايدن فقد أعلن عن غبطته الكبيره وفرحه بـ"تحرير" الصهاينة، ولم يذكر شيئا عن مئات الفلسطينيين الذين قتلوا وجرحوا للقيام بهذه العملية المعروفة نتائجها سلفا، حيث بلغ توحش النازيين الجدد ضد فلسطينيي غزة أوجه.
كيف يمكن للإدارة الامريكية ان تكون وسيطا وضامنا لاتفاق هدنة أو وقف اطلاق النار وهي التي تشارك في المذبحة بكل الوسائل المتاحة لديها؟
وكيف يمكن الإطمئنان بأن الميناء البحري العائم الذي شيدته قوات المارينز الامريكية تحت يافطة مساعدة الشعب الفلسطيني وتقديم الغذاء والوقود والادوية له، وهو، الميناء، قد أستخدم في العملية التي تم التخطيط لها منذ اليوم الأول لإعلان بناءه وليس للمساعدات الانسانية؟. القول أن "المتلحف بالامريكان عريان" هو قول ينطبق تماما على ما يجري الآن في غزة من مشاركة مباشرة في العدوان من قبل الولايات المتحدة الامريكية، بينما تضع نفسها ضامنا لاتفاق وقف اطلاق النار، وهي التي مزقت تعهدها في 1982 بمنع أي ضرر يمس المدنيين الفلسطينيين سكان مخيمي صبرا وشاتيلا ثم لحست تعهدها ولم ينبس مبعوثها في ذلك الوقت فيليب حبيب ببنت شفه.
ليس غريبا ممارسة النظام الرسمي العربي فرجة فاجعة على المذابح اليومية في غزة واكتفاءه ببيانات لا قيمة لها على أرض الواقع. فالإدارة الأمريكية والكيان الصهيوني لا ينظران لمثل هذه البيانات بأي جدية ولا يعطيانها أي إعتبار، بل أنهم يستهزءان بها ويضعونها خلف ظهورهم أو يرسلوها إلى أقرب سلة، وكأن بيان أو موقف لم يصدر.
الغريب هو أن تستمر الإهانات إلى الحدود القصوى وللدرجة التي تشكل حرجا لأقطاب اتفاقيات التطبيع. فأغلب السفراء العرب في الكيان يسرحون ويمرحون في شوارع تل أبيب، بينما يختبئ السفراء الصهاينة في أوكار التجسس في العواصم العربية بعد أن كانوا يدخلون على الوزراء والمسؤولين دون اسئذان. لم يتم حتى استدعاء سفراء التطبيع وسؤالهم عما يجري في الواقع لرفع العتب ليس إلا، حتى لا نقول التفكير في إلغاء الاتفاقيات مع الكيان وطرد السفراء الصهاينة من العواصم العربية!!. ولا يمكن تفسير الموقف الرسمي العربي بعدم الاقدام على خطوات عملية لفتح المعابر إلا من زاوية واحدة هي أن هذا النظام بلغ من الوهن أشده ولم يعد قادرا على اتخاذ مواقف تحفظ ماء الوجه.
إذن ما العمل أمام هول الفظائع التي يرتكبها الاحتلال بحق أهلنا في غزة وقد "وصل الدم حتى الركب" كما يقال؟
المطلوب الآن إغلاق السفارات العربية في الكيان وإلغاء اتفاقيات التطبيع إن أرادت الأنظمة العربية المطبعة العودة لشعوبها التي تنادي كل يوم بمطلب واضح هو إلغاء هذه الاتفاقيات المذلة التي أوصلتنا إلى هذه المحرقة، حيث استثمرها العدو للتغطية على جرائمه البشعة. ولتفادي الأنظمة العربية المطبعة أي حرج مع الإدارة الأمريكية "الصديقة"، فلتذهب إلى تنظيم استفتاءات شعبية نزيهة لها أصولها إزاء هذه الاتفاقيات. فالشعوب العربية برمتها تقف مع فلسطين وشعبها، وترى في هذه الاتفاقيات اختراقات صهيونية تشكل خطرا على الاستقرار الاجتماعي والسلم الاهلي والأمن الاجتماعي على الدول المطبعة، التي توهمت أنها ستكون على قمة جبل يعصمها من الطوفان عندما تعقد اتفاقات تطبيع مع عدو غادر.
إن قيامة غزة لا تنتهي إلا بوقف العدوان، ولذلك طريق واضح هو المقاومة ودعم الجبهات المساندة التي تأكد فعاليتها، كما هو فعل المقاطعة التي أوجعت الشركات والكيانات الصهيونية والمتصهينة وتلك التي تتعامل معه.
في مذبحة النصيرات ومحيطة تعرى الجميع أكثر من أي وقت مضى. تعرت فاشية الاحتلال ونازيته أكثر، وتعرت الادارة الادارة الامريكية التي غطت على مذبحته وقدمت كل الدعم اللازم وشاركت في تشظي الأجساد الطرية للأطفال والنساء، وتعرت الأنظمة المختبة خلف أصابعها محاولة تغطية شمس الحقيقة بغربال، وتبين أن حجم الدعم والتضامن لا زال دون المستوى المطلوب. في النصيرات سُجلت ملاحم البطولة والفداء رغم الآلام والأجساد المتشظية التي لم تجد من يسعفها بسبب تدمير الاحتلال كل شيء فانتشلتها السواعد السمراء من تحت الانقاظ ونقلت على الأكتاف. لكن المقاومة الباسلة تخوض معركة الوجود والصمود نيابة عن الأمة العربية والإسلامية وتقدم قرابين الشهداء في غزة والضفة وفي جبهات المساندة أيضا. فمتى يستيقظ العرب؟!