DELMON POST LOGO

أحمد الشملان..أيها الأخضر الباقي في القلب

بقلم: عبدالله مطيويع

بعد رحيل الأخ الحبيب أحمد بن عيسى الشملان، أصابتني كآبة شديدة لم أشفى منها حتى لحقه عبدالمنعم الشيراوي بصورة مفاجئة ومحزنة وشديدة الألم. ثم لحقهم الأخ علي الشيراوي رفيق السجون والعضو الأنشط في اللجنة التأسيسية لعمال البحرين ونقيب مسرح أوال.

لقد أصابني الوجوم، فتعطلت قدرتي على الإمساك بالقلم ولم اتمكن من كتابة أي شيء، وحتى الأماكن التي عهدتها في المحرق وحواريها ودواعيسها والشوارع التي سارت فيها تظاهرات انتفاضة مارس 1965 لم أعد قادرا على السير فيها  وكأن جاثوما قد قبض على صدري.

هذه الشوارع كنت أسير فيها برفقة أحبة وعلى الأخص أحمد الشملان، الذي كنت أقطع معه طريق منزل عائلته في أم الحصم، أو صوب عين حرته التي كنا نصلها معا مشيا على الاقدام ذهابا وإيابا، يوم تعرفت عليه أواخر 1964، حين عاد من الكويت، لينخرط في حركة القوميين العرب، وكان كادرا متقدما فيها رغم صغر سنه بالنسبة للكوادر القيادية من الاخوة الكويتيين كالدكتور احمد الخطيب، وعبدالله النيباري وسامي المنيس ووحمد غانم الرميحي وخالد الوسمي وآخرين.

عندما اندلعت انتفاضة مارس المجيدة عملنا سويا ليل نهار، ولم يفرق بيننا إلا حين شن جهاز الاستخبارات حملة الاعتقالات، وقمع المظاهرات الامر الذي أدى إلى سقوط ستة شهداء، إثنان من المحرق وهما عبدالله نجم بونودة وعبدالله سعيد الغانم، ومن المنامة فيصل القصاب، ومن النويدرات عبدالنبي محمد سرحان وعبدالله مرهون سرحان ومن الديه جاسم خليل الصفار، ومئات المصابين بالرصاص الانشطاري (الشوزن)، الذي ظل بعضه في أجسادهم لأنه التصق بالعضل والعظم.

في مارس من كل عام تعودتُ أن أطوف الشوارع والحواري، وأستحضر ما تيسر من ذاكرة عن تلك الأيام التي شكلت منعطفا مصيريا للمستقبل، كما شكّل مسار حياتي ولا يزال، وسيظل.. وفي ذكرى رحيل أحمد عيسى الشملان التي تصادف الثالث والعشرين من يونيو، وجدت نفسي أبحر في ذكريات عمرها أكثر من نصف قرن أجوب الفرجان والأزقة لأصل شاطئ بسيتين ولا أبقى فيه غير لحظة نفسٍ استنشق فيه يود البحر لأشد رحالي إلى بحر الحالة وأنظر في الطرف المقابل حيث تغفو المنامة على شاطئها الذي ابتعد.

بين الكتب، وجدت ديوان الأخضر الباقي للراحل أحمد الشملان، وقرأت قصيدته الأولى "لقاء":

إلى هنا ونفترق

أنت في قاع الأمل

وأنا في شفة اليأس

ولا بأس

لو نقرع الكأس

فنحترق!

..

آن لنا أن نحترق

أو نفترق!

من أنت أيها الجاثم في صوتي

تعيد لي الحروف مرايا تنكسر!

كلما حاورت

لكي أحاور.

عدت في صوتي تئن

لكي تئن!

إذن!

أبعد غاباتي عن الصدى

وشلالي عن الرماد

وأمتطي صهوة رعدي

كي أبدد غيمتي

وتستعيد شظاياك صدى

..

إلى هنا ونفترق!

من يخلق الماء      ليس كمن غرق