DELMON POST LOGO

أغنية وبداية وعي وشغف

بقلم : ياسر رجب

في بدايات عقد الثمانينيات من القرن الماضي ، كانت إحدى قريباتي مسافرة إلى القاهرة مع زوجها. وبعد ساعات من توديعهما، تفاجأنا بعودتهما، حيث علمنا بأنه تم منعهم من السفر لأسباب غير واضحة.

حينها كان عمري 14 عاما، أتذكر بأنها ذكرت لي لاحقًا أنه قبل أيام من موعد سفرهما، كانت مع زوجها في جولة بالسيارة، وإذا به يرمي في البحر بعض الكاسيتات السمعية، وكانت تلك الكاسيتات عبارة عن أغاني للفنان اللبناني مرسيل خليفة. وكما بدا، فإن أغانيه كانت تعتبر من الممنوعات في تلك المرحلة.

أثارتني هذه الحادثة كثيرًا، وكنت حينها أول مرة أسمع عن مرسيل خليفة ، فبدأ فضولي يدفعني للحصول على تسجيلاته وأغانيه،  وبهذا بدأ وعيي السياسي يتشكل، وبدأت أقرأ كل ما يمكنني الحصول عليه من كتب وصحف عن القضية الفلسطينية وعن لبنان وجنوبه، وهما محور مواضيع أغانيه.

وفي 6 حزيران / يونيو 1982، اجتاح الجيش الصهيوني لبنان واحتل أجزاء كبيرة من أراضيه حتى وصل إلى العاصمة بيروت. وتبعها انسحاب الفصائل الفلسطينية من لبنان، ومن ثم ارتكب الصهاينة وأعوانهم مذبحة صبرا وشاتيلا الفظيعة ، تلاها الاتفاق المشؤوم للسلام مع الصهاينة، واغتيال بشير الجميل في 14 سبتمبر 1982، ومن ثم إسقاط الاتفاق المذل في 17 مايو / أيار 1983. مما زاد من شغفي لمتابعة ما يجري هناك، حتى وصلت إلى النقطة التي شعرت فيها أنني لبناني الانتماء.

ومن أول الأغاني التي استمعتها وأحببتها، أغنية "يا علي، نحن أهل الجنوب". والمثير للسخرية هو أنني كنت أعتقد بأن المقصود في الأغنية هو الإمام علي (ع)، خصوصًا وأن كلمات الأغنية تتناسب مع الصفات التي اختزنت في عقلنا الباطن ونحن صغار عن الإمام علي وقصصه ومواقفه البطولية ، بالإضافة إلى أن كلمات الأغنية تتحدث عن جنوب لبنان وأهله، وكان الاعتقاد السائد حينها أن غالبية أهل الجنوب من الطائفة الشيعية، وهو ما ربط في ذهني بينهم وبين صلتهم الوثيقة بالإمام علي. وكان مطلع الأغنية:

“يا علي

يا علي.. يا علي.... يا علي

نحن أهل الجنوب

حفاة المدن نروي سيرتك

على أصفى البرك والأودية

إن حطام أبنائنا وأسلحتهم

يغطي السفوح

ونحن نرى ذلك بصمت

بصمت... بصمت”

بعد سنوات لاحقة، عرفت بأن القصيدة المغناة هي من شعر ابن الجنوب الشاعر اللبناني عباس بيضون، وكانت مهداة للمناضل اليساري علي توفيق شعيب.