" ليس الهدف من هذه الندوة هو طرح حلول للمشكلة " التنازع المذهبي والهوية الجامعة " بل لمعرفة المزيد من المعلومات لايجاد الحل ، الهدف هو خلق آلية تفكير ، وطرح المزيد ن المعلومات والأفكار وتصحيح بعض المسائل والمسارات كمدخل لجعل التفكير افضل جدية وادق للجوهر. " .. بهذه الكلمات بدأ المفكر السعودي الدكتور توفيق ال سيف ندوته التي كانت بعنوان " بين التنازع المذهبي والهوية الجامعة " في مجلس بن رجب ببني جمرة مساء امس بحضور جماهير كثيف من الجنسين .
قال ان التنازع المذهبي والهوية الجامعة موضوع تعانية العديد من البلدان ومن هنا نطرح بعض الأمور التي تمهد لتفادي هذا النزاع او الحد منه ان امكن عبر هذه الندوة ونطرح بعض المقدمات.
أولا : التنازل والتسامح والغفران وعدم البحث عن الانتقام هي أولى لبنات تفادي هذا التنازع ، لان ذلك سوف ينهي المشكلة او الحد منها على الاقل . الناس في تنازع دائم ، اقتصادي ، سياسي ، مذهبي ، طائفي ، معقول وغير معقول ، لذا وجب التنازل بعيدا عن التراث العربي التاريخي الذي يحرض على الانتقام في الشعر والنثر والادب والروايات لانه يخلق دائرة من النزاعات والعنف واستمرارها.
ثانيا : ضرورة التعايش مع الاخر ، مهما كان جنسه ولونه ودينه ومذهبه ، ففي كل بلد هناك ناس مختلفين بين الكرد والعرب ، بين السنة والشيعة بين الشيعة والشيعة وبين السنة والسنة .. الخ ، ومن المؤكد كل من هؤلاء يعمد في تفسير الخلاف على الدين ولكن الدين ليس السبب الحقيقي .. الخلاف بين الناس مع بعضها بعيدا عن الدين ويتخذونه أدوات وأساليب للانتصار به .
الرب يأمر بالاحسان ، بين مسلم وكافر ، فما بالك بين مسلم واخر ،والبديل هو الوطنية الجامعة ، الوحدة الوطنية وهي المظلة للجميع.
من المستحيل جعل الناس كلها شريحة واحدة ، والاية تقول: (وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ) هود 118، ولان الوحدة الوطنية الجامعة هي التي تضم أصناف مختلفين .. ويجب ان نتقبل بهذا الاختلاف .
يقول الأمام علي : "الحق أوسع الأشياء في التواصف، وأضيقها في التناصف" ، ما يعني اذا أعطيت لنفسك الحق بما تؤمن به ، واعتبرت الاخذ بذلك حق لك .. اذا من الضروري اعتبار ذلك الحق للاخر أيضا .
اذن الحق والواجب معنيين مرتبطين ، اعتماد ثقافة الحقوق والواجبات ، والقبول بالتنازل من اجل خلق الهوية الجامعة ، القبول بالتنوع (وصاحبهما في الدنيا معروفا ) ، قال تعالى : ( وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون لقمان ( 15 ) .
ما يعني بان الحلول تاتي اذا عرف الانسان التعايش مع المختلف معه ، التعايش بالاخلاق والقانون وحسن التربية .
" الوطن " مصطلح جديد على الثقافية العربية ، كان مفهومه القرية او المنطقة وليس الوطن الجامع .. الوطن بالمصطح الحديث هو الرابطة مع اخرين يعيشون في نفس المنطقة في نفس الوطن معك ، يجمعك تراث مشترك ومرجعية مشتركة وتاريخ متخيل وعلاقة قانونية والتي ترتبط بها الحقوق والواجبات.
لا يمكن أن يتعايش أناس مختلفون من دون توافق على المصالح المشتركة والحقوق المتقابلة، التي أوجبت اجتماعهم، واتفاقٍ موازٍ على طريقة لعلاج خلافاتهم، لتلافي الانشقاق والتنازع. هذا ببساطة هو جوهر «الإجماع الوطني». . الاجماع هوان تعالج وان تتفهم وضعك القانوني في بلدك وما لك وما عليك .. بالتالي ، «المواطنة» مفهوم يصف علاقة قانونية ذات طبيعة خاصة، تجمع الفرد إلى الدولة في جانب، وتجمعه إلى بقية سكان البلاد، في جانب آخر. يتولَّد عن هذه العلاقة وضعية قانونية للفرد، يتميَّز بها عن سائر الأشخاص الذين لا يحملون جنسية البلد.
ثالثا : الاختلاف ... الاختلاف اذا ما حدث له آليات لحله من خلال الدستور ، المحكمة ، مجلس النواب ، القانون وهناك حلول أخرى يتم تطويرها من عبر الاجماع الوطني الذي يقود الى الوحدة الوطنية والديمقراطية.
ان الحل يتم خلقه من خلال الناس فيما بينهم دون تدخل الدين البتة ، وعدم استخدام الايات والاحاديث واقوال الائمة والمعصومين وتدخل المسائل الدينية في هذا الخلاف ، والفقه يؤيد هذه المقولة ( ليس في مجال لشرحه الان ).
الدين عبارة عن قسمين العبادات والمعاملات ، والعبادات هي علاقة الشخص بربه ( بين شخصين فقط الله والانسان ) تعتمد على الايثار ... غير ذلك يعتمد على المعاملات وهو مكان نقاشنا.
فكرة الوحدة الوطنية تاتي ضمن المعاملات وليس لعلاقة الدين بها ، بل بالتوافق بين الناس .( وهو ما يغنينا عن الاعتماد على رجال الدين او القران او السنة او الامام او غيره ) .
رابعا : الاتفاق والاختلاف بين الناس يعتمد على السياسة لا الدين ، والبعض يستخدم التاريخ والتراث والايات والدين كأدوات لتوظيف الدين في السياسة وهي مسائل دنيوية لا دينية .
ومعالجة التأزيم ليس بالتاريخ او بالدين بل يؤدي الى تأزيم الهوية ويخلق المشاكل بدل معالجتها .
خامسا : حل التنازع الداخلي ، بدراسة تلك الحالات ووضع الحلول الناجعة وضرب ال سيف مثال عندما اغتال حارس انديرا غاندي المنتمي الى طائفة السيك عام 1984 رئيسة الوزراء الذي يحرسها، البعض قال امنعوا السيك من العمل في السلك العسكري / الأمني ، فيما اتجه حزب المؤتمر الى عكس ذلك التوجه تماما ، درس أسباب ( المشكلة ) وهو استياء السيك من سياسات الحزب ( بسبب اقتحام الامن المعبد الذهبي ضد المتحصنين فيه ) ووضع الحلول وزاد من عمل السيك في الشرطة والجيش ، بل اصبح بعد سنوات رئيس وزراء الهند من السيك ( وهم يمثلون 2 % من سكان الهند ) !!.. بخلاف جارتها باكستان التي تعاني من مشاكل شبيهة دون حل ، والمثل الاخر في ايرلند كيف تم حل المشكل المستمر مئتي عام .
علينا ان نثق بان الدين ليس سبب النزاعات ، الناس هم المشكل ، عدم الايمان بالتنوع واعتبار الحق واحد في جميع الأوقات وكل الأماكن ، الايمان بان كل شخص في البلد بغض النظر عن مذهبه ودينه مساوي لنا في بلدنا .