DELMON POST LOGO

رواية " رصاصـة الماكاروف.. "وما تبقّى من فصول الحكاية لعلي الكثيري حول تغير مكان مدارس الثورة - 6

يواصل الكاتب العماني علي الكثيري سيرته منذ دخوله مدارس الثورة حتى تخرجه منها (1971-1980) ، هذه المرة يشرح كيف تكلفت الجبهة سفره مع منا ضلين مصابين الى القاهرة ثم الى الهند  للعلاج ، ودراسة مرحلة الاعدادي في المكلا.

عند عودتي للمدارس  من ليبيا ( وبعد زيارة الاهل بالداخل ) وجدت جميع الطلاب لا يزالون يعيشون ويستقرون في المزارع. ولكنني لم انتظر طويلاً، فبعد زيارتي للأهل والاطمئنان عليهم، إذ كان وصول والدي وأسرته إلى الغيضة قادمين من حوف، بعد تلك الزيارة لهم قررت السفر والانتقال إلى عدن، فوجدت مجموعة من المناضلين سيذهبون من الغيضة إلى قشن التي انتقلَتْ الرحلات إليها، إذ كانت الأكثر أماناً بسبب موقعها في الطرف الغربي من المهرة، وأقلتنا سيارة الجبهة من مكتب الغيضة.

وحين وصولنا مساء إلى قشن، نزلنا ضيوفاً على أحد المواطنين المهرة، فأخبرنا بقصة مفادها أنه قبل وصولنا بأسبوع حطت طائرة استطلاع في قشن على الساحل، وتقاطر عليها الأطفال الذين كانوا يلعبون على الشاطئ، وهناك خرج من الطائرة رجل سألهم عن موقع صلالة، وكانت هناك منطقة تدعى صلالة في ضواحي قشن دله الأطفال عليها. وهناك تمَّ القبض عليه واتضح أنه إيراني أتى من السلطنة، وحُجز إلى اليوم التالي. وعند وصول الطائرة المدنية التي ستقل الركاب من قشن، تم إبلاغ كابتنها بالطائرة والطيار الإيراني المحجوز، فقام كابتن الطائرة المدنية اليمنية بقيادة طائرة الاستطلاع الإيرانية وبمعيته الطيار الإيراني إلى عدن حيث سلمه للسلطات هو وطائرته. وقد عاد الطيار المدني بعد ذلك وهو يقود طائرته المدنية المتوقفة في قشن ويقل ركابها المنتظرين.

حتى العام 1976، وبينما لم تتحسن حالتي المرضية، قررت قيادة الجبهة أن أسافر ومجموعة من المناضلين الذين يعانون من أمراض مختلفة وبعضهم يعانون من إصابات الحرب في ظفار. وقد سافرنا إلى القاهرة، وكنا نحمل الجوازات اليمنية. واستقبَلَنا أفراد من السفارة اليمنية، إذ لم تكن هناك ممثلية للثورة في مصر، ولهذا فإن السفارة اليمنية هي من يرعى أمورنا في السكن ويحدّد مواعيدنا مع المستشفيات كل منا حسب مرضه.

ولما كانت الحكومة الليبية قد تكفلت بجميع مصروفات العلاج والإقامة والسكن لجميع مرضى الثورة عبر السفارة اليمنية، وذلك بأن يتم اختيار أفضل المستشفيات والعيادات في القاهرة. وبما أن ميزانية العلاج مفتوحة، فإن السفارة اليمنية كانت تبعث بقوائم المرضى وأماكن تلقّي علاجهم، وتقوم بعدها السفارة الليبية بمتابعة المستشفيات وسير المعالجة ودفع ما يترتب على ذلك من تكاليف. وقد كان علاجي أنا في المستشفى الأنجلو-أمريكي بالجيزة قرب برج القاهرة، فبقيت منوما بالمستشفى الأنجلو-أمريكي هذا لمدة ما يقارب الشهر. وقد عالجني الأطباء بمهدئات ومسكنات، لم أستفد منها شيئا سوى أنها جعلتني بين السكر واليقظة، وخرجت بعدها إلى الشقة في حي باب اللوق ورفضت تعاطى هذه الأدوية التي لم أستطع أن أفيق منها إلا قليلا.

ولما كنت في الشقة، حاولت مراجعة أطباء مخ وأعصاب آخرين في عيادات خاصة بحسب إشارة بعض العارفين، ولكن يبدو أن العلاج في مصر واحد لمثل هذا الصرع،  ولما أكملت مدة ما يقارب الشهرين ولم أستفد من علاج المصريين شيئاً يذكر قررت العودة، وكانت وجهة عودتنا من أي بلد نسافر إليه في تلك الغربة هي عدن.

وقد تجهزت ومعي مجموعة من الرفاق للسفر، وبقيت مجموعة أخرى لم تستكمل علاجها بعد. وفي الصباح الباكر حملنا أمتعتنا واستقللنا سيارة أجرة إلى المطار، فوجدنا داخل المطار سالم عبد الله برهام باعمر الذي عرفتُ لاحقا أنه يعمل في سفارة السلطنة في القاهرة، بعد أن كان مناضلا سابقا، وهو يعرف جميع الذين كانوا في الثورة، وقد سلم علينا وخابرنا بأسمائنا. وبدا من أسئلته أن لديه كل المعلومات عن المجاميع التي تصل إلى القاهرة للعلاج وتغادر منها إلى عدن. وكنت آخر مرة رأيته فيها عندما أشرف على انتقال المدرسة من حوف إلى الغيضة وبقي معنا في المدرسة، وغادرنا قبل أن تنتقل المدارس إلى المكان الجديد الذي استقرت فيها المدرسة لاحقا. ولم أكن أعرف إلى أين غادر ولا متى سلّم نفسه لحكومة السلطنة حتى التقينا في مطار القاهرة.

دخلنا قاعة المغادرين استعدادا لدخول الطائرة والإقلاع، وعندما نودي لمغادرة القاعة والتوجه للبوابة التي تصلنا بالناقل المؤدي للطائرة، حملنا حقائبنا وتوجهنا إلى البوابة وكان الناقل حينها حافلة تحمل المسافرين إلى عند سلم الطائرة. هناك صعدنا إلى الطائرة وأخذنا مقاعدنا. وبعد أن تأكد طاقم الطائرة من أن جميع الركاب أخذوا مقاعدهم، أعلن عن الإقلاع وأصدر تعليمات السلامة المعتادة في جميع رحلات الطيران المدني. لا أذكر كم ساعة قطعناها في الطيران من القاهرة إلى عدن، لكن المهم في الأمر أننا وصلنا بسلام، وأعلن الطيار الهبوط التدريجي إلى مطار عدن حتى وضعت الطائرة عجلاتها على أرض المطار.

حين توقفت الطائرة توقفا كليا حملنا حقائبنا اليدوية وتوجهنا إلى سلم الطائرة وإلى الحافلة التي ستقلُّنا إلى قاعة القادمين لمطار عدن. وهناك أجرينا إجراءات القدوم واستقلَّ كلٌّ منّا سيارة أجرة إلى منطقة سكناه. وأثناء عودتي ورفاقي إلى عدن بقيت لمدة أسبوع أنهيت فيه بعض إجراءات العودة. ولمّا كان الوقت صيفا، عرفت أن معسكر مدارس الثورة الصيفي أصبح في غيل باوزير بمحافظة حضرموت، وبعد أن أنهيت الإجراءات استرحت لمدة أسبوع في عدن.

حجزت بعدها إلى المكلا حيث مطار الريان، وكان قد نما إلى علمي أثناء وجودي في عدن بعد عودتي من القاهرة، أن والدي وعائلته موجودين في المكلا، فاستقللت سيارة أجرة من مطار الريان إلى مدينة المكلا حيث مكتب الجبهة وسكن عوائل المناضلين الموجودين هناك بما فيهم والدي وأسرته.

وعند وصولي حملت حقائب سفري من سيارة الأجرة، ووجدت أحد الرفاق في فناء البيت الذي يتكون من دور أرضي ودور أول وملحق في الأعلى، وبه ما يزيد على عشرين غرفة بالإضافة إلى مكتب ممثل الجبهة في المكلا وسكن عائلته. وقد سألت الرفيق الذي وجدته بالخارج عن سكن والدي وعائلته، فدلَّني على المدخل، وكانوا يسكنون في الدور الأرضي.

توجّهت إلى مدخل البناية الذي أوصلني إلى غرفة والدي وأسرته، فاستُقبلتُ بالحفاوة والترحاب اللذين لم يقلا عمّا سبق من الوالد والخالة والأولاد الثلاثة الصغار. سلمت عليهم وتعانقنا بالقبل والأحضان، وبعد السلام والعناق جلسنا نأخذ علوم بعضنا بعضا. ولما كان الوقت مساء بين العصر والمغرب، خرج الوالد ولا أعرف إلى أين، ولكن الحدس أنه ذهب ليبحث عن ذبيحة كعادته عندما آتي لزيارتهم. ولكن في المكلا ربما الوضع أصعب، فالمدينة قلَّ ما تجد فيها غنما للذبح، ولكن أبا علي لم يمكث وقتا حتى أتى والذبيحة قد ذُبحت وقُصقصت وصارت جاهزة للطهي، ووضع اللحم أمام خالتي وقال جهزي العشاء، وقالت له تم، السلامة في راسك أبا علي وعلي ابننا يستاهل العشاء، ولكنني كنت قلقة أن لا تجد ذبيحة في هذه المدينة التي لا نعرف فيها أحداً. فقال لها المجتهد يجد له الله مخرجا، المهم قامت بتجهيز قدر اللحم وقدر آخر للرز كالعادة.

وكان الموقد هذه المرة عبارة عن شولة، والشولة هي موقد نار يُعبَّأ بالغاز ويُستخدَم لطهي الطعام، وبه ضغاط تضغط عليه حتى تصل النار إلى حيث يوضع القدر. وقد أحضرت شولتين كبيرتين تستطيعان حمل القدور. وبعد الانتهاء من تجهيز العشاء، وبما أن لا مجال لعزيمة ودعوة ناس في بيت عام، ليس فيها إلا لكل عائلة غرفة، فقد استعاضت خالتي بدلا من دعوة الناس، أن توزع العشاء على الغرف المجاورة، بحيث كل غرفة تحضر صينيتها ويغرف لها الرز واللحم بما يكفي أفرادها ويزيد. وأخبرتهم بأن تحضر كل عائلة الصينية التي يغرفون فيها الغداء، ليُغرَف لهم فيها العشاء من الوليمة التي أُقيمت على شرفي. والصينية هي صحن كبير يُغرَف فيه الطعام الذي تتناوله العائلة معاً، وتلتمُّ حوله سواء لوجبة الغداء أو العشاء، وبعد العشاء سهرنا معا حتى داهمنا النوم.

وما إن قمنا في الصباح حتى وجدنا الإفطار جاهزا، فنحن في المدينة الآن حيث الإفطار مختلف، فهناك الخبز والبيض والجبن والزبدة والمربى والعسل، فتناولنا الإفطار، وبعدها جلسنا وأخبرتني بالموجودين في المكلا من العوائل. وقالت هنا مكتب لممثل الجبهة في المكلا، وقد كنت أعرف المكلا من قبل فقد مررت بها في أكثر من جولة في العام الماضي، عندما تركت الدراسة نتيجة لظرفي الصحي وقبل أن أسافر إلى القاهرة. ومكثت في المكلا أسبوعا عند الأهل، وبعدها ذهبت إلى حيث المعسكر الصيفي لطلاب المدرسة في غيل باوزير، ولما كنت غير مرتبط رسميا بمعسكر الطلاب الصيفي، كنت متجولا بين مكان الطلاب في غيل باوزير والأهل في المكلا، حتى عاد الطلاب إلى الغيضة بعد انتهاء العطلة الصيفية، وذلك لبدء السنة الدراسية الجديدة 1976/1977.

وبينما الأهل في المكلا عدت إلى عدن لاستكمال البحث والمراجعة لعلاجي من الصرع، إذ لم أجد علاجا له في رحلتي السابقة، وبعد أن حجز لي مكتب الجبهة في المكلا تذكرة العودة إلى عدن، وأمدَّني بمصروفات السفر وصرفياتي الشهرية المخصصة للمناضلين المتنقلين بين عدن والمكلا، وبعد أن ودعت الأهل في المكلا، أقلَّتني سيارة المكتب إلى مطار الريان لأستقل الطائرة المتجهة إلى عدن. وكان مسافرو الرحلات الداخلية لا يخضعون للتفتيش. استقللت سيارة الأجرة لأصل إلى معسكر جمال، وبتُّ ليلتي في معسكر جمال حيث الكثير من المناضلين وعائلاتهم، وكنت أعرف الكثير منهم.

وفي صباح اليوم التالي ذهبت إلى مكتب الجبهة في المعلا، مستقلاً سيارة الأجرة، وعند وصولي إلى المكتب وجدت بعض القيادة وممثل الجبهة في عدن سعيد مسعود مريخ بيت سعيد أبي باسم، وطاقم مكتب الممثلية.. سلمت على الجميع وأخذوا أخباري، وسألني أحدهم من أين أتيت؟ قلت: من المكلا، وقال: لماذا لم تعد مع الطلاب إلى المدرسة؟ أجبته: لا أستطيع مواصلة الدراسة وأنا على حالة الصرع التي لم تفارقني، ولم أجد لها علاجا لا هنا ولا في مصر غير الحبوب المسكنة التي لا أقوى على تناولها بشكل دائم.

هنا قام أحد الرفاق في القيادة وهو عبد الحافظ جمعان المشيخي وناداني جانبا إلى أحد المكاتب. وقال لي سوف أعرض عليك عرضا يبقيك بالقرب من عدن والمستشفيات فيما لو طرأ لك طارئ، فتواصل دراستك، فأنت متأخر كثيرا عن دراستك، والطلاب الذين معك أصبحوا في الثانوية وأنت لم تزل في الإعدادية، ونتيجة لظروفك الصحية، سوف نجعلك تستكمل دراستك الإعدادية في أبين القريبة من عدن، حيث تدرس مجموعة من طلاب الثورة في المرحلة الثانوية.

وقد قبلت عرض الدراسة في أبين، وفور قبولي بالعرض قال: جميل أن تقبل فهذا أمر يتعلق بمستقبلك. وخرجنا بعدها من المكتب ونادى الرفيق ممثل الجبهة في عدن، وقال له: خاطبوا الجهات المعنية في التربية والتعليم لإلحاق علي بإعدادية أبين للسنة الدراسية الحالية التي ستبدأ هذه الأيام، وفور حصولكم على الموافقة لتقييده في المدرسة والسكن في سكن المدرسة الداخلي، جهزوا له ما يحتاج من قرطاسيات وملبس بالزي الرسمي للمدرسة، وملابس يلبسها خارج الدوام الرسمي للمدرسة، وجهزوا له صرفيات شهرية تصل له شهريا وتعينه على الاستقرار والاستمرار في الدراسة دون الحاجة لأحد، وتوصله سيارة إلى أبين ومندوب من المكتب يتأكد من وصوله للمدرسة ونوعية سكنها الداخلي، ولا يعود إلا وقد تحقق من سلامة وجاهزية مدرسته وسكنه، ثم يأخذه إلى طلابنا في ثانوية أبين ليتعرف على موقعهم ليزورهم ويزوروه وقت فراغهم، ويكونوا على بينة من وجوده في إعدادية أبين، وسوف نخاطبكم بكل هذه التعليمات بخطاب رسمي من قيادة الثورة.

وقد تم كل ذلك وقُيِّدت في المدرسة، ودرست فعلا في الثاني الإعدادي، وواصلت رغم معاناتي من الصرع ولكنني تأقلمت مع الحالة بالرغم من النوبات التي تنتابني بين الحين والآخر حتى أنهيت الثاني الإعدادي في أبين.

وبينما كنت أدرس في أبين وأصبحت على مشارف انتهاء العام الدراسي، كان الوالد وعائلته قد وصلوا إلى عدن، وسكنوا في بناية باهارون. وتزامن ذلك مع بداية العطلة الصيفية لعام 1977م، وفي هذه الأثناء توافرت منحة علاجية للهند، وبينما كان الوالد موجوداً في عدن وسمع أن هناك منحة علاجية إلى الهند، تحدث مع القيادة عن حالتي المرضية والنوبات التي تنتابني بين الفينة والأخرى. وقد تجاوبت معه القيادة، وعملوا على تجهيز عملية سفري مع المجموعة التي قُرر لها السفر للعلاج في الهند. وكانت المجموعة مكونة من عوائل ومناضلين منهم: سالم علي بخيت شعنوت الكثيري بر عجوز وعائلته، وسهيل عيرون الشحري (بعل شورت) وعائلته، وعائلة زيد الغساني، والشيخ عبد العزيز الجحفلي أبو عارف، وكانت سفرتنا هذه إلى مدينة بومباي الهندية.

وكانت جميع نفقات العلاج ومصروفات السكن والإعاشة على حساب الثورة. وكانت عملية التنسيق الرسمي موكلة إلى قنصلية اليمن الديموقراطي. وقد سافرنا واستمر علاجي مدة شهرين، تلقيت خلالهما العلاج حتى شفيت من الصرع نهائياً. وبينما كنت أجهز نفسي للعودة إذا بوالدي وعائلته يصلون من عدن إلى مومباي، وكانت العائلة مكونة من الأب وزوجته وأولاده الأربعة، وبقيت معهم حتى يكملوا علاج أخي سالم الذي كان شبه أعمى منذ الولادة ولم يزل رضيعاً، ولكنه للأسف لم يستفد كثيراً من العلاج.

وبينما كان الجميع لم يزل يتابع العلاج، إذا بعناصر من القنصلية العمانية التابعة للحكومة العمانية من الذين يعرفون عناصر الثورة جيدا، ولهم علاقات اجتماعية مع الكثيرين يقومون بعمليات تواصل معنا، فقد انتدبتهم حكومة السلطنة مؤقتا لاستطلاع أمر أعضاء الجبهة وعوائلهم الذين يتلقون العلاج في الهند على حساب الثورة، وإقناعهم بالعودة إلى الوطن، فقابلوا العديد من المناضلين والعوائل في حملة الإقناع التي بُعثوا من أجلها، وفعلا استطاعوا إقناع الكثير من الموجودين، وتخليص معاملاتهم للعودة إلى أرض الوطن؛ إذ رجعت تقريبا أغلب العوائل، وكان أبي وعائلته من ضمن الذين اقتنعوا بالعودة للوطن.

وأخبرني الوالد بأنهم سيعودون إلى ظفار وسألني إذا ما كنت سأوافق للعودة معهم. لكنني تعللت بالعودة إلى اليمن لمواصلة الدراسة، وبعد أن جُهِّزت أوراق سفرهم إلى عمان غادر الوالد وعائلته بعد أن قضى فترة تقارب خمس سنوات في اليمن متنقلاً وعائلته من حوف إلى الغيضة إلى المكلا وأخيراً عدن، قبل أن يسافروا إلى الهند في رحلة العلاج المذكورة آنفاً، والعودة إلى عُمان في حين رفضت أنا العودة معهم.

وبقيت بعد سفرهم في بومباي أعود بعض المرضى المنومين في مستشفيات بومباي، فقد غادر الجميع، ولم يبقَ أحد ليعودهم أو يرى احتياجاتهم. ورأيت من الواجب أن أبقى حتى يخرجوا من المستشفيات. وبعد أن اطمأننت على أوضاعهم، عدت إلى عدن ونزلت في بناية باهارون في خور مكسر. وفي اليوم التالي ذهبت إلى مكتب الجبهة بالمعلا، وقابلت ممثل الجبهة هناك وهو يعرف أنني أتيت من الهند، وسألني عن الناس، فأخبرته بما جرى وكنت أعرف أن كل المعلومات قد بلغتهم من القنصلية اليمنية التي تتابع سير علاج مناضلي الثورة في بومباي، وقال لي: لا عليك، ماذا عنك وعلاجك؟ قلت الحمد لله أنا بخير وقد تعافيت تماما.

وسألني ماذا عن دراستك هل تريد مواصلة الدراسة في أبين أم ستعود للغيضة؟ قلت: سوف أعود إلى الغيضة وأواصل الدراسة هناك. قال: إذن خذ وقتك في عدن واسترح من عناء السفر، ومتى ما أردت العودة تخبرنا وسنحجز لك إلى الغيضة ونمدك بخطاب لإدارة المدرسة لتتعامل معك كمناضل بمصروفاتك وكيانك، ونكاتب مكتب الجبهة في الغيضة ليسلمك السلاح المخصص للمناضلين وهو عبارة عن مسدس ماكاروف وبندقية كلاشنكوف. وقد كانت مصروفات المناضل المقيم في عدن تقارب 500 شلنج، في حين كان المقيم في الغيضة يتسلم 200 شلنج، على اعتبار كونها منطقة بعيدة ولا تحتاج لكثير من المصاريف.