بقلم : محمد الانصاري
ينظر مجتمعنا للأطفال المشاركين في النزاعات السياسية على أنهم أبطال ومناضلون، ويتغافل الناس عمداً أو جهلاً حجّم الانتهاكات التي يتعرض لها هؤلاء الأطفال وصغار السن، مما يجعلهم لو نجوا بحياتهم بشراً غير طبيعيين يعانون من أضرار جسدية ونفسية وسلوكية كبيرة.
إن مجتمعاتنا العربية وأيضاً بعض الدول الأفريقية ساهمت بشكل كبير في توسيع أشكال انتهاكات حقوق الأطفال وصغار السن ، ومن أبرز تلك الممارسات إقحام هذه الفئة في النزاعات السياسية المحلية والإقليمية والدولية ، بمبررات واهية من بينها أن هؤلاء الاطفال الأبطال يضحون من أجل الديمقراطية والحرية والكرامة والمساواة في المجتمع، في حين أن أطفال قيادات العمل الحزبي والسياسي في تلك الدول يتمتعون بطفولتهم ويدرسون في أفضل المدارس في الداخل وفي أوروبا.
أقرت الاتفاقيات الدولية عدم جواز استخدام الأطفال وصغار السن في الأعمال ذات الطابع السياسي ، حيث جرت العادة استخدام هؤلاء وتجنيدهم من قبل الجماعات التي تزج بهم في الحروب أو النشاطات السياسية ، وهذا الاستخدام يمكن رصده بوضوح في الشرق الأوسط وبعض دول أفريقيا ، حيث يتعرض كل يوم الآلاف من الأطفال لمختلف أشكال الانتهاكات ويذهبون ضحية الصراعات السياسية.
والمشكلة الأكبر لدينا عدم وعي الكثير من الآباء لحجم المخاطر الكامنة في إقحام الأطفال وصغار السن في النزاعات السياسية على حياتهم ، فضلاً على تاثيراتها المؤكدة على صحتهم البدنية والنفسية ، إلى جانب الآثار السلبية المحتملة على هويتهم وشعورهم بالانتماء للمجتمع والعائلة والبلد ، ومن أبرز المخاطر والأضرار التي يمكن أن تلمسها نتيجة لذلك :
١- القتل أو العجز نتيجة للإصابات : يتعرض الأطفال وصغار السن في النزاعات السياسية كل يوم لخطر الإصابة والقتل بشكل كبير نتيجة للقتال والاشتباكات والمواجهات العنيفة ، ويمكننا أن نرجع لإحصائيات ضحايا النزاعات في منطقتنا لنتأكد أن نسبة كبيرة من القتلى والمصابين كانت اعمار لا تتجاوز ٢٠ سنة ، وقد نشرت الأمم المتحدة ( اليونيسيف ) تقريراً حول الإنتهاكات المحققة التي وقعت في عام ٢٠٢٠ حيث وصل عددها الإجماليّ إلى ٢٦٤٢٥ انتهاكًا ضد الأطفال الموجودين في حالات نزاع في مختلف أنحاء العالم، وما خفي أعظم ، علماً بان معظم حالات الصراع هذه في منطقتنا تحديداً.
٢- الاضرار والآثار النفسية: يعاني الأطفال الذين يشهدون أو يشاركون في النزاعات السياسية من أضرار نفسية جسيمة تمتد لسنوات طويلة ، مثل الصدمة النفسية، الاكتئاب، واضطراب ما بعد الصدمة ، جراء ما يواجهونه من ضغوط نفسية خوفاً على حياتهم ومصيرهم ومصير عائلاتهم ، أو حتى بسبب المناظر المخيفة التي تحدث أمامهم بسبب وجودهم في مواقع خطرة .
٣- انقطاع التعليم والتخلف عن المجتمع : يؤدي إقحام الأطفال في النزاعات السياسية إلى انشغال الأطفال عن التعليم ثمّ انقطاعهم ، واستحالة لحاقهم بأقرانهم بعد سنوات النزاع ، ما يتسبب على المدى البعيد الى تعرضهم للتهميش والفقر.
٤- التعرض لانتهاكات جسدية خطيرة : يختلط الأطفال المقتحمين عالم النزاعات السياسية مع من يكبرهم سناً في ظروف غير طبيعية ، ما يجعلهم يتعرضون إلى أنتهاكات كبيرة لحقوقهم، مثل الاستعباد، والاستغلال الجنسي، واستخدامهم كجنود أطفال.
٥- فقدان الهوية والانتماء: بسبب إقحام الأطفال في النزاعات السياسية، يفقد هؤلاء هويتهم وانتمائهم لبلدهم و مجتمعهم بل وحتى للدائرة الصغيرة التي ينحدرون منها، كما تنشأ خصومات عميقة بينهم وبين مختلف الأطراف في بلدانهم ومنطقتهم، وبالتالي يتغير هويه الطفل و شخصيته بالكامل.
ختاماً :-
١- يجب التوقف فوراً عن إشراك الأطفال وصغار السن في اي نشاط سياسي مهما كان الغرض من هذه العملية، حفاظاً عليهم و على سلامتهم ومستقبلهم.
٢- يجب البدء في إتخاذ اجراءات قانونية ضد الأفراد والجماعات التي تساهم وتشجع الأطفال على المشاركة في الأنشطة والفعاليات والأعمال السياسية.
٣- ما فائدة مجتمع ينشأ فيه اجيال من الأطفال و الشباب تعرضوا لكم من الانتهاكات ، أو شاركوا في نزاعات قد ترقى لجرائم ، وكيف سيكون حالهم في مجتمعهم وبين عوائلهم.