DELMON POST LOGO

التعليم.. التعليم.. ثم التعليم

بقلم :عبدالنبي الشعلة

أصبح التعليم عالي الجودة والمستوى عصب حياة الأمم والعمود الفقري لتطور ونمو بل ولبقاء الشعوب والدول، وكان الله في عون المسؤولين والقائمين على شؤون التعليم في البحرين ودول مجلس التعاون بل وفي كل دول العالم، فهم مضطلعون بمهمة كانت ومازالت وستبقى من أهم وأخطر وأقدس المهام؛ فعلى عاتقهم تقع اليوم مسؤولية إنتاج مخرجات متعلمة مسلحة بالمعارف والمهارات اللازمة، وليس فقط قادرة على الإيفاء بمتطلبات سوق العمل، والتعامل والتفاعل مع الظروف والمعطيات والتحديات التي أفرزتها الثورة الصناعية الرابعة وهيمنة العقل الاصطناعي، ولكن على هذه المخرجات أيضا الاستعداد للعمل على تطوير ما هو قائم من أنظمة وتقنيات جديدة إلى جانب المساهمة في صوغ وصناعة ما هو قادم في خضم تيارات علمية ورقمية سوف تؤدي حتما إلى تطوير وتغيير أنظمة الإنتاج والإدارة بأكملها، وفي وقت تزداد وتتضاعف فيه حدة السباق والمنافسة على كل المحاور؛ إن الثورة الرابعة أصبحت حقيقة ماثلة خلقت واقعا جديدا ومفاهيم جديدة وحديثة مثل الاقتصاد الرقمي والحروب الرقمية والمعرفة الرقمية والسلطة الرقمية.

وهنا يبرز سؤال مهم وهو: هل ستتوافر لدى المسؤولين والقائمين على شؤون التعليم في منطقتنا الظروف والمعطيات وكل الإمكانات والكوادر والأدوات المطلوبة التي ستمكنهم من مواجهة كل هذه التحديات والمتطلبات؟

إن النظام التعليمي الذي ورثه هؤلاء المسؤولون في منطقتنا يعاني من بعض أوجه القصور والضعف أمام موجات وتيارات التطور الهائلة التي يشهدها هذا القطاع. وعلى الرغم من كل الجهود الجادة والمخلصة التي بذلتها دول المنطقة، وما نتج عنها من تطور وتحسن ملحوظين في كمية ونوعية ومستوى مخرجات التعليم إلا أن نظامنا التعليمي ما يزال في حاجة ماسة إلى مزيد من الدعم والاهتمام والمعالجة، حتى يتمكن من اللحاق بالمستويات الأفضل.

فحسب التقرير الأخير الذي أصدره البنك الدولي في شهر مايو الماضي، فإن دول مجلس التعاون قد شهدت تحسنا كبيرا في نواتج أو مخرجات التعلم، إلا أنه ما يزال ثمة مجال أمام هذه الدول لمواصلة تحسينها للخروج من قائمة الدول الأدنى في المعايير الدولية.

ويؤكد التقرير أن “انعدام جودة التعليم سبب رئيس في الحد من تنمية رأس المال البشري في المنطقة، وتقييد قدرة دول المجلس على المنافسة على المستوى العالمي مع أفضل البلدان أداء. وفي المتوسط، من المتوقع أن يحصل الأطفال في دول المجلس على 12.7 سنة من التعليم بحلول سن 18 عاما. لكن عند النظر في التعلم الفعلي في المدارس، تنخفض سنوات الدراسة المتوقعة إلى 8.6 سنوات، ما يشير إلى أن دول المجلس تفقد في المتوسط 4.1 سنوات من التعلم بسبب تدني جودة التعليم. وعلاوة على ذلك، ووفقا لمؤشر البنك الدولي لرأس المال البشري، من المتوقع ألا يحقق الطفل المولود اليوم في دول المجلس سوى 62 % من كامل إنتاجيته المحتملة، ويرجع ذلك أساسا إلى تدني جودة التعليم”.

لكن الصورة ولله الحمد ليست قاتمة، والفرص ما تزال سانحة وماثلة أمامنا لمواصلة جهودنا للارتقاء بمستوى منظومتنا التعليمية وجودتها والبناء فوق ما حققناه من منجزات في فترات قياسية على الرغم من حداثة تجربتنا مع الأنظمة التعليمية الحديثة مقارنة بالدول الأكثر تقدما منا، ولندع الأرقام تتحدث معنا عن هذه المنجزات؛ إن من أبرز منجزاتنا وربما من أهمها التصدي لأمية المرأة الخليجية ونجاحنا في محاصرتها، وتمكننا من تقليص الفجوة في التعليم بين الجنسين، وتحقيق المساواة بينهما؛ فأرقام المركز الإحصائي لدول مجلس التعاون للعام 2022 تؤكد أن إجمالي طلبة “التعليم العام” في دول المجلس بلغ 9.5 مليون طالب، 50 % منهم أناث، بل إن الكفة مالت إلى جانب المرأة فيما يتعلق بالتدريس؛ حيث بلغ عدد مدرسي التعليم العام 832.7 ألف، منهم 60.4 % إناث.

ونجحنا في جعل منطقتنا بيئة خصبة لجذب واستقطاب مؤسسات التعليم العالي الدولية البارزة، فأصبح ثلث الجامعات الدولية المرموقة موجودة في الخليج في صور مختلفة، من بينها الشراكات مع المؤسسات التعليمية الخليجية.

ونجحنا في استنهاض جهود ومساهمات القطاع الخاص في التعليم؛ فأصبح للقطاع الخاص في دول المجلس دور محوري في توسيع وتطوير التعليم وتوفير مرافقه، ففي قطاع التعليم العام بلغ عدد المؤسسات التعليمية التابعة للقطاع الخاص 11.4 ألف مؤسسة يشكلون ما نسبته 26.4 % من المجموع الكلي البالغ 43.1 ألف مؤسسة، وهذه المؤسسات تنمو بنسبة معدلها السنوي 2.1 %.

أما بالنسبة لـ “التعليم العالي” في دول المجلس، فإن عدد الطلبة المنخرطين فيه بلغ 2.2 مليون طالب في العام 2022، نسبة الإناث منهم 53.1 %، ونسبة المسجلين منهم في مؤسسات القطاع الحكومي بلغت 76.2 %، وفي مؤسسات القطاع الخاص 17.6 %، والنسبة الباقية 6.2 % مبتعثون للخارج.

وفيما يتعلق بالمبتعثين للخارج لتلقي التعليم العالي في الجامعات المرموقة في مختلف دول العالم المتقدم في العقود القليلة الماضية؛ فقد وفرنا فرصا هائلة لمثل هذه البعثات نتج عنها مئات الآلاف من خريجي هذه الجامعات أكملوا دراستهم وعادوا مسلحين بأعلى مراتب التعليم للانضمام إلى صفوف العاملين على رفعة أوطانهم.

وقد بلغ عدد مؤسسات التعليم العالي في العام 2022 في دول المجلس 309 مؤسسات، تنمو بمعدل سنوي نسبته 4.6 %، من هذا المجموع 34 % منها مؤسسات حكومية، والنسبة الأكبر 66 % مؤسسات تابعة للقطاع الخاص، كما أن عدد المنتسبين إلى هيئات التدريس في التعليم العالي في دول المجلس بلغ في العام نفسه 115.6 ألف 40.7 % منهم مدرسات.

إنها قصة نجاح لا يمكن لأحد نكرانها أو تجاهلها، لكنها لا تنفي الحاجة الملحة إلى مزيد ومزيد من العزيمة والجهد والمال لتحقيق التطوير اللازم للأنظمة والمناهج والتوجهات التعليمية في منطقتنا ضمن استراتيجية تعليمية خليجية مشتركة منسجمة مع الواقع التقني والرقمي، تأخذ في الاعتبار من بين أمور عديدة أخرى ضرورة تحديد نوعية المخرجات التي نحتاجها مستقبلا، وضرورة مضاعفة الاستثمار في البنية التحتية التعليمية، وتعزيز التعاون الأكاديمي والبحثي بين الأطراف والمؤسسات المعنية في دول المجلس، وضرورة توفير الجاهزية لإدماج الذكاء الاصطناعي وتوظيفه في العملية التعليمية، وغيرها من المتطلبات.