DELMON POST LOGO

إسماعيل في جمعية المنبر : مرسوم إبطال العضوية الأخير تحوم حوله شبهة دستورية

قراءة نقدية لمرسوم حالات سقوط وبطلان العضوية وحق الجهات الرسمية في طلب إبطال العضوية

" تثبت كل الشواهد منذ صدور دستور 2002 خلافا للأسس والمبادئ التي نص عليها ميثاق العمل الوطني، وخلال التجربة البرلمانية في فصولها التشريعية المتعاقبة مدى تدخل وتغول وهيمنة السلطة التنفيذية على وفي أعمال السلطة التشريعية، فأصبح العمل البرلماني مقيداً لاحول له ولا قوة  في ظل التشريعات المتعاقبة التي قيدت صلاحياته في الرقابة والتشريع وفي ظل المراسيم بقوانين التي تصدرها السلطة التنفيذية ما بين أدوار الانعقاد أو ما بين الفصول التشريعية، التي هي استثناء من الأصل، فاضحت هذه المراسيم بقوانين هي الأصل في العملية التشريعية، ولو حصرنا عدد المراسيم بقوانين التي اقترحتها السلطة التنفيذية، لوجدناها تفوق تلك القوانين التي اقترحها وصدرت عن المجلسين طوال الفصول التشريعية." هذا ما بدأ به المحامي حسن إسماعيل ورقته في ندوة المنبر التقدمي عن المرسوم بقانون رقم 28 لسنة 2002.

وأضاف ، قد نال هذا التغول من قبل السلطة التنفيذية من مبدأ الفصل بين السلطات الثلاث مع تعاونها وفق أحكام الدستور، وان الشعب مصدر السلطات الذي نص عليه ميثاق العمل الوطني والدستور، فأصبحت نظرية الفصل بين السلطات مع تعاونها التي تشير إليها النصوص الدستورية يكذبها الواقع السياسي في البحرين، فتحولت السلطة التنفيذية بما أصدرته من مراسيم بقوانين إلى سلطة تشريعية على غير ما يقتضيه هذا المبدأ.

ولعل قيام السلطة التنفيذية مؤخراً وفي غيبة انعقاد المجلسين بإصدار المرسوم بقانون رقم (7) لسنة 2024 بتعديل المادة (28) من المرسوم بقانون رقم (15) لسنة 2002 بشأن مجلسي الشورى والنواب والمتعلقة بأحكام اسقاط العضوية من مجلس النواب، مثال بارز ومعاصر يثبت مدى تدخل السلطة التنفيذية في وعلى إعمال السلطة التشريعية، يعزز صحة ما ذهبنا إليه وهو وما يدعونا لقراءة ومناقشة هذا المرسوم بقانون والاحكام المترتبة على إصداره، في المحاور التالية:

1. حالات سقوط وبطلان العضوية وحق الجهات الرسمية في طلب إبطال العضوية التي نص عليها المرسوم بقانون، بالمقارنة مع ما نص عليه الدستور وأصل النص المعدل.

2. في مدى توافر شرط الضرورة في المرسوم بقانون موضوع الندوة وعدم رجعية أثاره على الماضي.

3. المرسوم بقانون محل الندوة والتجنيس.

أولاً: حالات سقوط وبطلان العضوية وحق الجهات الرسمية في طلب إبطال العضوية التي نص عليها المرسوم بقانون

نصت المادة (28) من قانون المجلسين محل التعديل الذي نص المرسوم بقانون في الأصل على حالات سقوط وبطلان عضوية عضو مجلس النواب فيما يلي:

1. تسقط العضوية إذا فقد أحد شروط العضوية أو إذا فقد الثقة والاعتبار أو أخل بواجبات العضوية.

1- وتبطل العضوية إذا تبين أن العضو كان فاقداً لشروط العضوية عند الانتخاب.

2. وحصر الجهة التي تصدر قرار إسقاط أو بطلان العضوية هي مجلس النواب وجوبا بأغلبية ثلثي أعضاء المجلس، ويكون التصويت في هذه الحالة بالمناداة على الأعضاء بأسمائهم.

والفرق بين سقوط العضوية وبطلان العضوية بأن سقوط العضوية يكون في مرحلة لاحقة على انتخاب عضو مجلس النواب أي بعد أن يصبح عضوا فيه إذا فقد أحد شروط العضوية أو إذا فقد الثقة والاعتبار أو أخل بواجبات العضوية وهذا يعني ان مفهوم الاسقاط يتحدد بوجود سبب طارئ، سواء كان هذا السبب موجوداً منذ الترشح ولم يتم اكتشافه الا بعد أن أصبح عضو مجلس النواب عضواً فيه أو لسبب حدث بعد اكتساب العضوية،

أما بطلان العضوية يتعلق بسبب سابق على الحصول على العضوية في مجلس النواب إذا تبين أن العضو كان فاقداً لشروط العضوية عند الانتخاب، حتى وان تم اكتشافه بعد أن أصبح عضو في مجلس النواب وهذا يعني إن ابطال العضوية يستلزم فحص وتدقيق في مرحلة الترشيح ومدى توافر شروط العضوية يوم الاقتراع.

وطبقا لأصل المادة (28) من قانون المجلسين قبل تعديلها فأن قرار إسقاط العضوية أو بطلانها وجوبا يصدر من مجلس النواب وحده بأغلبية ثلثي أعضاء المجلس، ويكون التصويت في هذه الحالة بالمناداة على الأعضاء بأسمائهم.

غير أن التعديل الذي أجرته السلطة التنفيذية مؤخرا وفي غيبة انعقاد المجلسين بتعديل المادة (28) من المرسوم بقانون رقم (15) لسنة 2002 بشأن مجلسي الشورى والنواب، قد استبدله كما يلي:

"تسقط العضوية عن عضو مجلس النواب إذا فقد الثقة والاعتبار أو إذا أخل بواجبات العضوية.

ويجب أن يصدر قرار إسقاط العضوية بأغلبية ثلثي أعضاء المجلس، ويكون التصويت في هذه الحالة بالمناداة على الأعضاء بأسمائهم.

وتبطل العضوية إذا تبين أن العضو كان فاقداً لشرط من شروطها عند الانتخاب أو أثناء عضويته بالمجلس. وللجهات الرسمية – في أي وقت – أن تطلب من محكمة التمييز الحكم بإبطال العضوية في هذه الحالات. ويترتب على حكم المحكمة بإبطال العضوية إسقاط العضوية عن العضو من تاريخ صدوره، ولا أثر له على ما قام به العضو من أعمال داخل المجلس في الفترة السابقة أو ما حصل عليه من حقوق.)

ويتضح من هذا التعديل ما يلي:

• في الفقرتين الأولى والثانية حدد اسقاط العضوية في حالتين إذا فقد عضو مجلس النواب الثقة أو الاعتبار أو أخل بواجبات العضوية، دون النص على حالة إذا فقد أحد شروط العضوية كما هو في النص الأصلي، وأوجب صدور قرار بإسقاط العضوية في هاتين الحالتين بأغلبية ثلثي أعضاء المجلس كما هو في أصل النص.

• الفقرة الثالثة من هذا التعديل حددت حالة إبطال العضوية في إذا تبين أن العضو كان فاقداً لشرط من شروطها عند الانتخاب أو أثناء عضويته بالمجلس، وذلك على خلاف النص الأصلي الذي حددها عند الانتخاب دون أثناء عضويته بالمجلس، غير انه يفهم من هذه الفقرة أن لمجلس النواب أن يقرر بطلان العضوية في هذه الحالة لكنها لا تنص على أن هذا القرار يصدر من هذا المجلس بأغلبية ثلثي أعضاءه كما هو الحال في حالتي إسقاط العضوية.

• ولعل أبرز ما يعيب هذا التعديل هو ما نصت عليه هذه الفقرة الثالثة من نص التعديل التي أعطت الجهات الرسمية الحق في أي وقت أن تطلب من محكمة التمييز الحكم بإبطال العضوية إذا تبين أن العضو كان فاقداً لشرط من شروطها عند الانتخاب أو أثناء عضويته بالمجلس. ويترتب على حكم المحكمة بإبطال العضوية إسقاط العضوية عن العضو من تاريخ صدوره، ولا أثر له على ما قام به العضو من أعمال داخل المجلس في الفترة السابقة أو ما حصل عليه من حقوق.

ولكن السؤال المركزي في موضوع الندوة هل جاء التعديل الذي أجراه المشرع العادي على المادة (28) من قانون المجلسين منسجماً ومتفقاً مع حكم المادة (99) من الدستور؟

نصت المادة (99) من الدستور على ما يلي:

(إذا ظهرت حالة من حالات عدم الأهلية لأي عضو من أعضاء مجلسي الشورى والنواب أثناء عضويته تسقط عضويته، ويصبح محله شاغراً بقرار يصدر بأغلبية ثلثي أعضاء المجلس الذي هو عضو فيه.

كما يجوز إسقاط عضوية أحد أعضاء مجلس الشورى أو مجلس النواب إذا فقد الثقة والاعتبار أو أخل بواجبات عضويته. ويجب أن يصدر قرار إسقاط العضوية بأغلبية ثلثي أعضاء المجلس الذي هو عضو فيه، ويرفع القرار إذا كان صادراً عن مجلس الشورى إلى الملك لإقراره).

ويتضح من النص الدستوري إن حالات اسقاط العضوية لأي عضو من أعضاء المجلسين أثناء عضويته تكون في:

• حالات عدم الاهلية، أي الاهلية القانونية العامة وإذا كان من المقرر في الفقه والقانون أن الأهلية القانونية تمثل صلاحية الفرد أو الكيان القانوني لممارسة الحقوق وتحمل الالتزامات والقيام بالتصرفات القانونية، فأن المشرع الدستوري لم يشأ أن يقصرها على حالة معينة بذاتها بدليل أنه نص على (حالات عدم الاهلية) وهي تشمل بالضرورة الأهلية الانتخابية أي شروط العضوية التي نص عليها الدستور في المادة (57) بشان مجلس النواب والمادة (11) وقانون المجلسين، والمشرع حين استخدم عدم الاهلية أراد بذلك أن تشمل عوارض الاهلية التي قد تلحق العضو مثل الجنون أو موانع الاهلية الحكم بعقوبة جنائية أو الغبية أو الفقد.

• الحالة الثانية إذا فقد الثقة والاعتبار أو أخل بواجبات عضويته

• يتضح من هذا النص الدستوري (المادة 99) أن الذي يطلب ويقرر سقوط وإسقاط العضوية هو وحده مجلس النواب بقرار منه بأغلبية ثلثي أعضاءه، ولم يقرر المشرع الدستوري لأي جهة أخرى بما فيها الجهات الرسمية حق التقدم بطلب إبطال العضوية

وتؤكد المذكرة التفسيرية للدستور ما ذهبنا إليه حين فسرت المادة (99) من الدستور سالفة البيان جاء فيها (أضيفت هذه المادة لتنظم حالات إسقاط العضوية عن عضو مجلس الشورى أو مجلس النواب. وقد فرقت المادة بين حالات إسقاط العضوية لفقد أحد شروطها التي نص عليها الدستور أو قانون مجلسي الشورى والنواب، وحالات إسقاط العضوية كجزاء على فقد الثقة والاعتبار أو الإخلال بواجبات العضوية. وضمانا لسلامة استخدام هذا الحق، اشترطت المادة أن يصدر قرار إسقاط العضوية بأغلبية ثلثي أعضاء المجلس الذي ينتمي إليه العضو. ولما كان تعيين أعضاء مجلس الشورى يتم بأمر ملكي، أصبح من الضروري رفع القرار الصادر عن مجلس الشورى بإسقاط العضوية عن أحد أعضائه إلى الملك لإقراره، وهو ما نصت عليه هذه المادة)

مما تقدم يمكن القول ما يلي:

1- لما كان من المقرر والمستقر في الفقه والقانون الدستوري هو عدم جواز أن يصدر قانون بالمخالفة لإحكام الدستور، وان على الدولة أن تخضع بجميع سلطاتها لمبدأ سيادة الدستور أصلاً مقرراً وحكماً لازماً لكل نظام ديمقراطي سليم، فإنه يكون لزاماً على كل سلطة عامة أيا كان شأنها وأيا كانت وظيفتها وطبيعة الاختصاصات المسندة إليها، النزول عند قواعد الدستور ومبادئه والتزام حدوده وقيوده، فإن هي خالفتها أو تجاوزتها شاب عملها عيب مخالفة الدستور، فأن تعديل المادة (28) من المرسوم بقانون رقم (15) لسنة 2002 بشأن مجلسي الشورى والنواب على نحو يعطى الجهات الرسمية الحق في أي وقت أن تطلب من محكمة التمييز الحكم بإبطال العضوية إذا تبين أن العضو كان فاقداً لشرط من شروطها عند الانتخاب أو أثناء عضويته بالمجلس. ويترتب على حكم المحكمة بإبطال العضوية إسقاط العضوية عن العضو من تاريخ صدوره، تحوم حوله شبهة دستورية واعتدى وتغول وعدل في حكم المادة (99) من الدستور التي حصرت طلب إقرار اسقاط وعضوية عضو مجلس النواب في المجلس وحده دون أن تنص هذه المادة الدستورية على حق الجهات الرسمية التقدم بمثل هذا الطلب.

2- في ندوة للأستاذ الباحث القانوني خالد إبراهيم هجرس في مجلس الدوي في 13 يوليو الشهر الماضي حول (قواعد إبطال العضوية النيابية وسابقة حكم التمييز) كان يرى أن النص السابق كان مشوشاً ومنتقدا حين جعل الابطال والاسقاط في يد المجلس والمعروف في فقه الإجراءات أن الابطال يكون قضائيا فكيف يمكن لسلطة غير قضائية الحكم بالإبطال، ومن وجه نظره بان التعديل بموجب المرسوم بقانون في هذه الجزئية قد اجاد وهي جزئية يعتقد إنها موفقه لأنه فصل بين ألية الاسقاط والابطال).

بمعنى أن اسقاط العضوية في حالتي فقد الثقة والاعتبار والاخلال بواجبات العضوية جعله في يد مجلس النواب، وان الابطال في حالة فقد شروط العضوية جعله بيد الجهات الرسمية.

ومع اتفاقنا مع ما ذهب إليه الأستاذ خالد في هذه الجزئية، غير أنه لم يلاحظ  إن كان هناك بالفعل تشوشا في اصل نص المادة (28) من قانون المجلسين قبل التعديل لإنها أعطت المجلس وحده إسقاط وابطال العضوية، في حين يتعين أن يكون الابطال من جهة قضائية، فأن هذا التشوش مصدره واساسة النص الدستوري المادة (99) وتفسير المذكرة التفسيرية لهذه المادة التي أعطت جميع حالات اسقاط العضوية بما فيها فقد شروط العضوية لمجلس النواب بأغلبية الثلثين، وكان يتعين معالجة المشكلة في النص الدستوري وليس من خلال تعديل نص المادة (28) من قانون المجلسين، كما انه لم يشر في مداخلته إلى أن المشرع العادي حين عدل المادة المذكورة قد تجاوز النص الدستوري حين قرر حق الجهات الرسمية في التقدم بطلب إبطال العضوية، ولا يصح القول هنا أن نص المادة (99) من الدستور لم تنص على حالة الابطال وبالتالي يجوز للمشرع العادي صلاحية تنظيم عمل واختصاصات مجلس النواب، ذلك أن الدستور وان لم يكن قد نص على مفردة بطلان العضوية فانه نص على اسقاطها في حالة فقد شروط العضوية، وشروط العضوية لا تتعلق إلا بالبطلان.