وفاة قابوس اثناء جائحة كرونا يكشف ضعف البنية التحتية للسلطنة .. وآمال كبيرة يتطلع لها الشعب العماني من السلطان هيثم
في 10/1/2020 كانت وفاة السلطان قابوس ذلك الرجل الذي وإن كنت مختلفاً فكرياً مع طريقة إدارة الأمور في عهده، إلا أن الاستقرار الأمني والأمان الذي عاشه البلد تحت حكمه جعلنا نعتبره المظلة الجامعة للجميع.
وفي عهده شهدت السلطنة العديد من الإنجازات والمكتسبات التي كنت وما زلت أؤمن بضرورة المحافظة عليها، وعدم المساس بها تحت أي عذر كان، فحقها علينا المحافظة عليها، والبناء والاستمرار والسعي لتحقيق ما من شأنه تطويرها، وإنجاز ما ترمو إليه طموحاتنا لتصل عُمان إلى عُمان التي يريدها جميع المخلصين من أبنائها.
وبتولي السلطان هيثم بن طارق مقاليد الحكم في عمان، فإنه قد حُمّل تركة ثقيلة ليست بالهينة، وهو الآن أمام مسؤولية كبيرة وعبء ليس بالهين أمام الوطن والشعب. والكل يعتقد أنه سوف يحمل شعلة الإصلاح واجتثاث الفساد ويقود البلد بعزيمة وإصرار إلى الرقي والسؤدد، فقد انتظر الجميع وعوده بالمحاسبة والمساءلة والشفافية ومحاربة الفساد. وكانت إطلالة السلطان الجديد بمراسيمه والتغيير الوزاري الجديد تبشرهم بعهد جديد، ربما يزيح عنهم ثقل ملفات فساد تراكمية جعلت البلاد ترزح تحت وطأة ديون بلغت العشرين مليارا، وملفات عالقة تحتاج إلى اجتثاث وتصحيح.
كما أن التوقيت الذي أتى فيه السلطان هيثم كان يشكل تحدياً كبيراً له، فكان العالم في بدايات تلقي جائحة عظيمة، يضاف إلى ذلك أن أغلب الأحداث الطارئة التي حدثت في البلد من الأنواء المناخية وحتى ظهور فيروس كورونا، قد كشفت الكثير من الإخفاقات والترهل في كثير من مؤسسات الدولة المعنية بالتخطيط والتطوير ومتابعة مسار التنمية في كثير من الجوانب الحياتية والاقتصادية والمعيشية، التي يجب أن يكون فيها اكتفاء ذاتي، فاكتُشف بعد غلق منافذ الاستيراد والتصدير برا وبحرا، نتيجة للجائحة التي ألمت بالعالم، أننا نفتقر إلى أبسط احتياجاتنا من الخضار والفواكه التي يفترض وجودها محليا في مزارعنا وفي سوقنا المحلية، ناهيك عن الحاجات الأخرى كالحبوب وغيرها من المواد الاستهلاكية.
ومن هنا ونتيجة لما أفرزته الظروف الحالية من إخفاقات، يمكننا أن نلخص ما نريد ذكره من أوجه التصحيح البناء الذي قد يجول في خاطر كلٍّ منا للعمل مستقبلا لتفادي ما حدث، على النحو التالي:
1. الحد من عملية الجباية التي باتت شبه رسمية عند أي حدث طارئ، مثل كورونا الحالي وقبله الأنواء المناخية التي عصفت بعمان في الفترات الماضية، واستبدال صندوق الجباية بصندوق طوارئ يؤخذ من الدخل العام سنويا، ويُقتطع من الميزانية العامة للدولة.
2. تفعيل الموانئ العمانية تفعيلا حقيقيا بحكم موقعها الجغرافي والاستراتيجي، وتحويلها من مجرد موانئ ترانزيت للشحن والتفريغ إلى موانئ ذات بعد اقتصادي فاعل لرفد الدخل القومي، مثلها مثل الموانئ الخليجية (ميناء دبي نموذجا).
3. إعادة النظر في آلية الثروة الزراعية التي أثبتت عدم فعاليتها في سد حاجة السوق الاستهلاكية المحلية من الخضار والفواكه وغيرها، إذ إن المتوفر في السوق المحلية جميعه مستورد من البصل إلى الليمون. وعندما أُغلقت الحدود والمنافذ البحرية والبرية أصبحت السوق المحلية شبه خالية، وبدأت الصيحات والنداءات تناشد بأن على الجميع أن يزرع الخضار لسد حاجة بيته، في الوقت الذي كان من الضرورة بمكان فيه أن تكون هناك خطط وبرامج تنموية وتسهيلات تقدمها وزارة الزراعة للمزارعين كي نسد حاجة البلد ذاتيا، ونرفد الدخل القومي للبلاد، لكن كل ذلك كان مغيبا أو لم يحسب حسابه في الـ 50 عاما الماضية، حتى كشفت عنه الظروف الحالية.
4. تطوير قطاع الثروة الحيوانية، وجعل هذه الثروة منتجة بدلا من أن تكون مستهلكة. وذلك بدعم مربي هذه الثروة وتسهيل وإيجاد منافذ لتسويق منتجات حيواناتهم، لتكون رافداً للدخل العام وتحقيق الاكتفاء الذاتي للسوق المحلية.
5. تطوير آليات الاقتصاد الحر، وفسح المجال أمام المستثمر الجاد، وتقليص القيود على المستثمرين حتى لا يجدوا ذريعة في طرق وجهات أخرى ربما لديها فرص الاستثمار أكثر حرية ويسر وسلاسة في التعاطي، وليس فيها قيود تكبل فرص الاستثمار الخارجي الذي سوف يضيف إلى عائد الدخل العام ويتيح فرص العمل للمورد البشري العماني، ويكون رافدا قويا من روافد الاقتصاد وإنعاش العملية التجارية والصناعية في السوق المحلية.
كما أن السلطان هيثم وحكومته الجديدة أقدموا على بعض القرارات لتسهم في علاج شيء من الإشكاليات المتراكمة.
وكان منها قرار تشكيل مجالس إدارات للشركات الحكومية. ويأتي هذا التشكيل الذي مزج في شخصيات أعضائه بين التخصصات المختلفة والخبرات التراكمية الطويلة؛ التي تمكّنهم من النهوض بالعملية الاستثمارية للشركات التي عُيّنوا على رأس مجالس إدارتها؛ ليقدموا جل ما لديهم من رؤى استراتيجية كل في مجال الشركة التي عُين على رأس مجلس إدارتها. وهذا يعتبر تكليفا للخروج بالعملية الاستثمارية من إطارها النمطي التقليدي الذي درجت عليه الإدارات الحكومية السابقة، إلى عملية استثمار حقيقي وفاعل تظهر نتائجه على المستقبل المنظور.
ومن هنا، فإنَّنا ندعو الإعلام العماني لتغيير خطابه القادم ليتواكب مع الخطط التغييرية الطموحة التي تستهدف احتياجات وتطلعات عموم الجماهير التي تتطلع إلى الاستقرار النفسي، من خلال إيجاد حلول لما يمس عيشه الكريم وصحته وأمنه، وإيجاد عمل لأبنائه الباحثين عن عمل، فتسليط الأضواء على النخب المثقفة والفاعلة التي تتحدث دوما عن هموم الناس في مختلف الوسائط الإعلامية والاجتماعية أمر يجب الإشارة إليه، لأننا بحاجة ماسة إلى أن يفعّل تطلعات هذا الشعب في أي فعل تغييري يمس حاجته.
ولكننا نرى قنواتنا الإعلامية تأتي فقط بالمتقاعدين من الحرس القديم الذين درجوا على التحدث بلسان السلطة لا بلسان الناس. لهذا لم يتفهم الشعب قانون الضرائب ورفع الدعم عن الكهرباء والماء، والتقاعد المبكر الذي طال غالبية الموظفين وأكثرهم من ذوي الدخل المحدود. وقد سكت الجميع ليس رضا بما حصل، ولكن على أمل أن الأمور سوف تتحسن تدريجيا على مستوى الخدمات العامة والإصلاحات، حتى تضاهي دول الجوار الخليجي وتصبح ملموسة لدى الناس.
وأصبح المواطن العماني يتفاجأ كل يوم بقوانين جديدة تبدد الآمال والأحلام والطموحات، فلم يكن ذلك ما ينتظره العمانيون، بعد صبر وعناء ردحا من الزمن، فوق ما سبق من قوانين أثقلت جميعها على كاهله، فأتى قانون الإسكان الجديد، ليقسم ما تبقى من كاهل الصبر، إذ زاد السخط والتذمر وطالا كل وسائل التواصل الاجتماعي، وجميع من كتب ليس له قصد إلا أن يبقى هذا الوطن مصان المكتسبات ومستقرا وآمنا وموحدا. وعندما يقول المواطن: «أنا لست بخير» في ظل هذه الظروف، وعندما يشاهد دول الخليج المجاورة تتنافس في تكريم مواطنيها بتقديم المكرمات والإعفاءات من القروض البنكية لمواطنيها، والكثير من الخدمات التي تفوق عمان بكثير، وأبناء عمان يقبعون تحت وطأة القروض الشخصية والقروض السكنية والقروض التمويلية لشركات ومصارف تمتلكها شركات نافذين بالبلد؛ تعود لها قرارات التأجيل التي يطالب بها المقترضون لتخيف العبء عنهم في هذه الأزمة الخانقة، وهم بين مطرقة التسريح وسندان التقاعد، وما يتبقى لهم من الراتب لا يكاد يسد رمق عطش أبنائه والغلاء الذي طال كل شيء تحت مبرر الجائحة والضرائب.
وإذا زاد الوضع عما هو عليه من سوء ربما يدخل في نفق مظلم لا تحمد عقباه، وهذا ما لا يتمناه أي مواطن غيور على وطنه وشعبه؛ فالجميع لا يتمنى إلا أن يبقى هذا الوطن آمنا مستقرا وموحدا ومصانا، وأن يضع كل مواطن نصب عينيه الحفاظ على مكتسباته وما تحقق عليه من إنجازات رغم بطء عجلة تحركها. لكن ما نراه من تضارب في القرارات على اختلافها والجهات المعنية بها لا يبعث على الاطمئنان أبدا، فوق ما يعانيه المواطن من تأثيرات الجائحة وعمليات التقاعد التي طالت غالبية محدودي الدخل، وزيادة الضرائب واستغلال المؤسسات التجارية والاقتصادية لكل ذلك لجني الأرباح من دخل المواطن البسيط. وإن ما نسمع من صرخات تذمر وغضب وسخط في الأوساط الشعبية العامة ينم عن عدم رضا لم تشهده بلادنا الآمنة المستقرة منذ سنوات!! إن ذلك ليبعث على الخوف والقلق مما سوف يسفر عنه إذا استمر الوضع على هذه الحال، فالرؤية الضبابية وعدم الشفافية والوضوح، والقرارات المتسارعة التي تحد من تفاؤل المواطن وخوفه الدائم من المستقبل الذي يهدد أمنه واستقرار عيشه، قد تكون عواقبه وخيمة على الوطن والمجتمع عامة.
وما نشاهده ونقرؤه في وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة هذه الأيام، إن دل على شيء إنما يدل على أن هناك قرارات غير محسوبة النتائج أدت إلى ما نراه من ردّات أفعال سلبية ونقد على مختلف الأوجه، ومن مختلف فئات المجتمع على اختلاف ثقافتهم ومراكزهم الاجتماعية، لذا من أجل الحفاظ على الوطن وشعبه واستقراره ووحدته ومكتسباته، يجب إعادة النظر فيما سبق من قرارات أدت إلى عدم رضا الناس عن الأداء العام للحكومة، وما أسفر عنها من قرارات لم تكن مدروسة في نظر المواطن الذي يرى أن الكثير منها قد أضرَّ بحياته واستقراره النفسي والاجتماعي، لأن استقرار حياة هذا المواطن ورفاهيته هو السبيل إلى إرساء الأمن والأمان في هذه البلاد التي نحب.
ومن القضايا التي بدأت تطفو على السطح خلال هذه المرحلة الحرجة مسألة حرية الرأي بين المسموح والمحظور، فبما أن حرية الرأي والتعبير تعد ركنا أساسيا من منظومة حقوق الإنسان، فإنها تعتبر جزءا من حقوقه المدنية والسياسية والاجتماعية، فكلما جعلنا من عملية إبداء الرأي عملية فاعلة، فإن ذلك يعمل على تصويب الاتجاهات الخاطئة لدى الحكومة، في إطار تفعيل السلوك الديمقراطي وخلق شراكة مجتمعية حقيقية بين عموم أفراد المجتمع في إطار منظمات المجتمع المدني الفاعل، وبالتالي فإنَّ عدم تقييد حرية الرأي للناس في التعبير عن حقوقهم وآرائهم في مختلف القضايا التي تهمهم، يشكل ضرورة ملحة لضمان استقرار المجتمع ووحدته، مما يعزز من وحدة الدولة واستقرارها الأمني والاقتصادي والسياسي.
ولضمان كل ما سبق، فإن على السلطة التنفيذية أن تبين ماهية الحقوق التي تكفلها للمجتمع ومنظماته المدنية، وما هو الإطار المسموح به في التعبير عن الرأي، وماهي الأطر القانونية التي تضمن حق التعبير عن الرأي، وماهي الإجراءات التي تحمي من يعبر عن رأيه أن لا يتعرض للمساءلة القانونية أو إلى مصادرة رأيه.
ولأن حرية الرأي كلمة مطاطة وفيها مساحة كبرى للتجلي والشطط، فقد يستغلها الكاتب في أن يستخدم قلمه وروحه المحملة بالشجن للتعبير عما يجول في مخيلة أفكاره من تعابير، في إطار ما يراه من ظواهر سلبية واجبة التغيير أو إخفاقات في أداء واجب لمسؤول معين. وقد تصل بالكاتب مثل هكذا انتقادات أو رؤى إلى المحظور أو المسكوت عنه، مما يعرّضه للمساءلة القانونية، وهو ككاتب يعتبر أن الأمر يندرج ضمن إطار حرية الرأي التي يكفلها النظام لكل فرد، ولم يكن يحسب حسابا للمآلات القانونية. ومن هنا، وحتى يتضح اللبس ويعرف الجميع ما له وما عليه فيما يخص التعبير عن الرأي وحريته، تبرز الحاجة إلى أطر أو تعديلات قانونية واضحة، توازن بين ماهية الحرية المسموحة للتعبير عن الرأي، وما هو محظور ويعاقب عليه القانون، حتى يكون الكاتب على مقربة معرفية تجنبه الشطط والوقوع في الممنوع.
وأصبحنا كذلك نرى أن الكتّاب فيما يتعلق بالشأن العام أصبحوا منقسمين بين التنظير والتطبيل، لهذا كتبنا وكتبوا ولم نكن لنكتب أو يكتبوا لو لم نكن نريد الحفاظ على الوطن والمنجز والمكتسب الذي يعود بالنفع على هذا البلد وشعبه الأبي المخلص، الذي مسه الضرر بجميع فئاته، ووصل الضرر والمعاناة إلى كل بيت في هذا الوطن منذ جائحة كورنا وما تلاها من قرارات وقوانين متلاحقة لم تكن في نظر الناس مدروسة.
الحفاظ على هذا الوطن ومكتسباته وأمنه واستقراره، هذا العنوان يضعه كل مواطن عماني نصب عينيه. وعندما يتحدث عن إخفاق معين أو ينتقد تصرفا أو قرارا غير مدروس، إنما يريد أن يبقى هذا المنجز والمكتسب قائما ومصانا، وأن يعيش المواطن العماني في بلده مكرما معززا غير مهان، وأن لا يُستغَلَّ أو يُذلَّ حتى يضطر إلى العصيان أو الدعوة إلى الهجرة، ولكنه وبينما ينتظر تصحيح المسار العام لكثير من القرارات والأوامر لتتواكب وتطلعاته، وتخفف من احتقانه وتذمره وسخطه جراء عدم تحقيق ما يصبوا إليه من آمال وأحلام لم تكن بالمستحيلة لو وجدت من يصغي لها ويعمل على تحقيقها. لكن سرعان ما يخفت أو يختفي تماما كل بصيص نور يراه في الأفق ويعقد الكثير من آماله عليه.
عليه وجب الانتباه إلى هكذا نسيج وتعايشه الاجتماعي وتماسكه الديني في أي قرارات يمكن أن تتخذ، وأن يكون في عين اللجنة العليا والحكومة ككل مصلحة هذا الوطن أولا، وأن يتجنب الجميع في قراراته ما قد ينعكس سلبا على الوطن والمواطن، وما قد لا نحمد عقباه أو نتائجه فيما لو لم يُعمَل لأي قرار حسابه والتداعيات السلبية التي قد تنتج عنه في المستقبل.
تلك هي بعض رؤاي وآرائي حول الوضع الراهن في السلطنة، وهو ما قد يدخل فيما يسمى «التاريخ المعاصر والمعاش»، لذلك رأيت إضافتها وإلحاقها بموضوع السيرة.