DELMON POST LOGO

قراءة نقدية لقانون التنفيذ الجديد .. عيوب القانون الاستعانة بالقطاع الخاص من منفذين خاصين (2- 3)

بقلم : المحامي حسن اسماعيل

دون شك أن إجراءات تنفيذ الاحكام القضائية في ظل القانون القديم ونقصد به قانون المرافعات المدنية والتجارية رقم (12) الصادر عام 1971، فيما نص عليه في الباب الثامن المتعلق بالتنفيذ قد شابت بعض مواده عيوب ونواقص في النص وفي التطبيق وكانت بحاجة إلى تعديل يعزز من سرعة تنفيذ السندات التنفيذية ويضمن حماية حقيقة لحقوق المنفذ له، وقد تم الغاء هذا الباب بموجب قانون التنفيذ الجديد بأداة المرسوم بقانون في غيبة المجلسين تحت رقم (22) لسنة 2021، الصادر في 9 سبتمبر 2021، نشر في الجريدة الرسمية بتاريخ 16 سبتمبر 2021، وعرض على مجلس النواب الذي اقره في الجلسة العادية العشرين في دور الانعقاد الرابع من الفصل التشريعي الخامس المنعقدة بتاريخ 15فبراير 2022، وأحاله لمجلس الشورى الذي اقره، وبدأ تطبيقه وسريانه في 17 مارس 2022.

ثانياً: شركات المنفذ الخاص خصخصة

تحٌمل أطراف التنفيذ مصاريف إضافية (2)

كان تنفيذ السندات التنفيذية طبقا لإجراءات التنفيذ في قانون المرافعات المدنية والتجارية رقم (12) الصادر عام 1971، فيما نص عليه في الباب الثامن، الملغي. تنص على أن التنفيذ يتم تحت إشراف قاضي محكمة التنفيذ ورقابته (مادة 244)، ولقاضي التنفيذ التفويض باستعمال القوة الجبرية عند الاقتضاء والاستعانة برجال الشرطة إن لزم الأمر (مادة 256/6)، ويحصل التنفيذ بواسطة رجال الشرطة وبواسطة من يندبه قاضي التنفيذ لذلك من قسم التنفيذ، والجهات المنوط بها التنفيذ ملزمة بإجرائه بناء على طلب أو قرار من محكمة التنفيذ (مادة 274).

وكان قاض التنفيذ عملا بأحكام هذه المواد يندب ما عرف بمأموري التنفيذ لتنفيذ قرارات الحجز والاخلاء والطرد، وكان يفوض ويستعين بالشرطة باستعمال القوة الجبرية إن لزم الأمر، وكان مأموري التنفيذ يعملون كموظفين في قسم التنفيذ يخضعون لقانون الخدمة المدنية تدفع رواتبهم الدولة.

أما في قانون التنفيذ  الجديد فهو وأن نص في مادته (1) على أن التنفيذ يجري تحت إشراف قاض التنفيذ، وان له التفويض باستعمال القوة الجبرية عند الاقتضاء والاستعانة برجال الشرطة والأمر بكسر الأبواب وفض الأقفال بالقوة، كما هو الحال في إجراءات التنفيذ الملغية  غير أنه نص على أن من يعاون القاضي  في إجراءات التنفيذ عدد كاف من المنفذين الخاصين بدلا من مما كانت تنص عليه الاجراءات القديمة (بواسطة من يندبه قاضي التنفيذ لذلك من قسم التنفيذ)، و نص قانون التنفيذ في المادة (4) على أنه (يجوز للوزارة المعنية بشئون العدل إسناد بعض الأعمال المساندة لإجراءات التنفيذ إلى القطاع الخاص، وتعتبر تكلفتها مصروفات قضائية). وحسب المواد من (5 إلى 9) من القانون الجديد فأن هذه الوزارة هي التي تتولى الترخيص للمنفذين الخاصين والإشراف الإداري عليهم، فصدرت من وزير العدل عدة قرارات  تتعلق بتنظيم وعمل المنفذين الخاصين منها القرار رقم (4) لسنة 2022  بتحديد شروط وإجراءات منح وتجديد الترخيص للمنفذ الخاص ومدة الترخيص وتحديد الأعمال والإجراءات التي يجوز الترخيص بها وتنظيم عمل المرخص له وواجباته ومسئولياته، وحالات عدم صلاحيته وتنظيم التفتيش الإداري والفني على أعماله وما يجب الاحتفاظ به من سجلات، وإجراءات عرض الوساطة على أطراف الخصومة، وضوابط تقدير أتعابه وأجره، وتحديد إجراءات مساءلة المرخص له عما يقع منه من مخالفات أثناء أداء عمله.

فأجاز القانون والقرار الوزاري المذكور في المادة (10) التي تم تعديلها مؤخراً بموجب قرار صدر مؤخرا في 26 مارس 2024 رقم (30) لسنة 2024 الترخيص للمنفذ الخاص فيما عدا طلبات التنفيذ على الأموال التي لا يجوز الحجز أو التنفيذ عليها وفقاً للمادة (15) من القانون، للمنفذ الخاص القيام بالأعمال والإجراءات الآتية، مباشرة الإجراءات اللازمة للحجز على المنقولات وبيعها، مباشرة الإجراءات اللازمة للتحضير لبيع العقارات والسيارات والأسهم والسندات، مباشرة الإجراءات اللازمة للتنفيذ العيني.

غير أن السؤال الذي يطرح نفسه ما الذي دعا المشرع في قانون التنفيذ الجديد فيما أجازه للمنفذ الخاص للقيام بالإجراءات التنفيذية المذكورة؟ وهل من ضرورة للنص عليه؟

أولاً: الحقيقة أن من أبرز الأهداف التي دعت المشرع لإصدار هذا  قانون التنفيذ الجديد هو خصخصة تنفيذ الاحكام القضائية والسندات التنفيذية، وهو التوجه العام للدولة التي يأتي ضمن المفهوم الاقتصادي لما يسمي النيوليبرالية التي تتبني سياسة اقتصادية تقلل من دور الدولة وتزيد من دور القطاع الخاص قدر المستطاع، وتسعى لتحويل السيطرة على الاقتصاد من الحكومة إلى القطاع الخاص بحجة أن ذلك يزيد من كفاءة الحكومة ويحسن الحالة الاقتصادية للبلد، ويخفف من أعباء الموازنة العامة، فأحكام قانون الضمان الصحي هو خصخصة للصحة العامة، وقرار مجلس الوزراء بإنشاء شركة الكهرباء والماء القابظة هو خصخصة لقطاع هام، وللأسف تمتد هذه الخصخصة إلى تنفيذ الاحكام القضائية والسندات التنفيذية وقد كشفت المذكرة الايضاحية المرافق للقانون عن هذه الخصخصة حين أشارت إلى أن هذا النظام القانوني ( قانون التنفيذ الجديد) سيساهم في حماية الأطراف من خلال عدد من الاحكام منها (الاستعانة بالقطاع الخاص من منفذين خاصين ومأموري تنفيذ، وكذلك خصخصة الخدمات المساندة للتنفيذ).

ثانياً: لست هنا معنيا ببيان عيوب وفوائد الخصخصة ومدى تأثيرها على المواطنين إذ يحتاج لها من هو متخصص فيها ولكن يمكن أشير بشأن خصخصة تنفيذ السندات التنفيذية حسب قانون التنفيذ الجديد بالاستعانة بالقطاع الخاص من منفذين خاصين إلى ما يلي:

بحثت في معظم تشريعات الدول العربية المتعلقة بإجراءات التنفيذ، فلم أجد فيها نصا يحيل او يجيز لشركات خاصة وحدها تنفيذ الإجراءات التنفيذية، إذ ظلت الدولة في هذه الدول هي التي ترعى وتكفل تنفيذ هذه السندات، فجاء قانون التنفيذ الجديد في البحرين شادا بتخلي الدولة عن هذه الرعاية بتحويلها إلى القطاع الخاص واستبعاد مأموري التنفيذ.

مثال على ذلك قانون المرافعات الكويتي إذ ظل المشرع الكويتي متمسكاً بمأموري التنفيذ في مباشرة إجراءات التنفيذ دون أن ينص على تحويلها إلى القطاع الخاص فنص في المادة (189) الفقرة الثالثة على أن (ويباشر اجراءات التنفيذ وإعلاناتها عدد من مأموري التنفيذ ومندوبي الاعلان ويلحق بالإدارة عدد كاف من الموظفين، كما يندب بها عدد من رجال الشرطة للمعاونة عند اتخاذ اجراءات التنفيذ واعلاناتها).

كذلك الحال في نظام التنفيذ في المملكة العربية السعودية رغم ما تمتاز به من ثقل اقتصادي فأن المشرع لم ينص في هذا النظام على تحويل إجراءات التنفيذ إلى القطاع الخاص واكد على أهمية وجود مأموري التنفيذ فنص في المادة الثانية على (... يختص قاضي التنفيذ بسلطة التنفيذ الجبري والإشراف عليه، ويعاونه في ذلك من يكفي من مأموري التنفيذ، وتتبع أمامه الأحكام الواردة في نظام المرافعات الشرعية ما لم ينص هذا النظام على خلاف ذلك).

ويلاحظ أنه على الرغم أن قانون الإجراءات المدنية الاماراتي قد نص على أن ما يعاون قاض التنفيذ الشركات والمكاتب الخاصة التي يصدر بها قرار من وزير العدل لكنه لم يلغي النص على من يعاونه بعدد كافٍ من القائمين بالتنفيذ ومأموري التنفيذ، فجاء النص على أنه (يجري التنفيذ تحت إشراف قاضي التنفيذ …..ويعاونه في ذلك عدد كافٍ من القائمين بالتنفيذ ومأموري التنفيذ، أو الشركات والمكاتب الخاصة التي يصدر بها قرار من وزير العدل أو رئيس الجهة القضائية المحلية ولهم بعد مراعاة التشريعات المالية ذات الصلة أن يُحددوا الرسوم المستحقة عن أعمال التنفيذ الموكلة للشركات والمكاتب الخاصة) )المادة (206)، البند (1).

إن من أبرز عيوب ما استحدثه المشرع البحريني بخصخصة تنفيذ السندات التنفيذية حسب قانون التنفيذ الجديد بالاستعانة بالقطاع الخاص من منفذين خاصين، هي تحميل الأطراف الدائن والمدين على حد سواء مصاريف إضافية سماها أجر واتعاب تدفع لشركة المنفذ الخاص فوق المصاريف القضائية التي تدفع أثناء رفع الدعوى وعند تنفيذ الاحكام القضائية أو السندات التنفيذية الأخرى، بل نص القانون في المادة (41) على أن المصروفات القضائية المتعلقة بالتحصيل والحفظ والإصلاح والبيع والتوزيع تُستوفى قبل أي حق آخر.

نصل بالبناء على ما تقدم أنه إذا كان لابد من استحداث نظام المنفذ الخاص، فأنه ما كان للمشرع أن يلغي استعانة القاضي بمأموري التنفيذ في تنفيذ السندات التنفيذية بمأموري التنفيذ وكان عليه بدلا من ذلك أن يجعله اختيارياً ويعلج القصور في إجراءات التنفيذ التي نص عليها قانون المرافعات الملغاة وذلك بالنص على أنه (تختص محاكم التنفيذ بتنفيذ السندات التنفيذية، ويجري التنفيذ تحت إشراف قاض التنفيذ ويعاونه في إجراءات التنفيذ عدد كاف من مأموري التنفيذ أومن المنفذين الخاصين بناء على طلب المنفذ له.

ويختص قاضي التنفيذ بإصدار القرارات والأوامر المتعلقة بالتنفيذ ما لم ينص القانون على خلاف ذلك.

ولقاضي التنفيذ التفويض باستعمال القوة الجبرية عند الاقتضاء والاستعانة برجال الشرطة والأمر بكسر الأبواب وفض الأقفال بالقوة).

.. يتبع