بقلم : الدكتور محمد حميد السلمان
في ختام هذه الثلاثية التي درجنا على طرحها كل عام في شهري محرم وصفر عبر هذا المنبر الإلكتروني؛ نقف أمام أسئلة عديدة تدور على بعض الألسن اليوم، وأهمها: لماذا تجديد الحزن على الإمام الحسين بزيارة الأربعين في ذكرى مرور أربعين يوماً على استشهاد الإمام الحسين في العاشر من محرَّم الحرام لعام 61 هـ؟ ولماذا يتم حث الناس بعدد يصل إلى ملايين من البشر على شد الرحال من مختلف البلاد الإسلامية، إلى أرض كربلاء بالعراق تحديداً؟
ونحن نرى كل الزوار وهم يتوجهون إلى كربلاء بعاطفة جياشة، وولاء ملحوظ مشياً على الأقدام، ومعهم أطفالهم، وهناك كبار السن والشيوخ الطاعنين، من نساء ورجال، يزحفون من مدن مختلفة، بعضهم يحمل الرايات تعبيراً عن النُصرة لقضية الإمام الحسين. لدرجة أن بعضهم يمشي لما يزيد على 500 كيلومتر دون راحلة. والبعض منهم يبكي ويلطم على الصدور تعزية للنبي محمد صل الله عليه وآله في ذلك المسير، بمقتل سبطه الإمام الحسين بن علي كما يقوم أهالي المدن والقرى المحاذية لطريق الزائرين في العراق، بنصب الخيام بأحجامها، أو يفتحون بيوتهم لاستراحة الزوّار وإطعامهم وخدمتهم في المجالات المُتوافرة كافة، وهم يَعدُّون ذلك تقرباً إلى الله وتبركاً وثواباً.
هنا سنحاول فقط التداخل مع هذه القضية تاريخياً، وذاك الطرح المُعارض لهدف ما، أو المتسائل بحسن نية واستفهام، بحسب المساحة المُتاحة.
وننوه، بأننا لسنا بصدد كتابة بحث لعرض كافة المناقشات والرؤى التاريخية حول الزيارة وهل كانت في العشرين من صفر بعد استشهاد الامام الحسين بن علي عليهما السلام، وهل هي في صفر من عام 61هـ(680م)، أم في صفر السنة التالية لموقعة كربلاء، أي في عام 62هـ(681م). لأن هذا المبحث قد نُشرت فيه العديد من الدراسات العلمية، والرؤى والمناقشات والحوارات المتباينة والمرتبطة بمناسبة زيارة الأربعين على مدى الأعوام الماضية. بل ستكون مُداخلتنا وهذه القضية؛ اعتمادا على روايات وأحاديث شريفة وردت حول تلك الزيارة بإقامة الشعائر الحسينية في يوم الأربعين مع ذكرى رجوع الرأس الشريف للإمام الحسين بن علي من الشام إلى العراق، ودفنه في يوم العشرين من صفر كما جاء في الأثر.
ويُسمى هذا اليوم في العراق والخليج تحديداً ردود الراس (أي رجوع أو عودة الرؤوس إلى الأجساد في أرض الطف).
كما سنحاول التوقف لحظات، عند محطات مضيئة مرت خلالها زيارة الأربعين لمرقد الإمام الحسين عليه تاريخياً في العديد من الحقب والعصور في فترة ما بعد استشهاد الإمام الحسين وحتى العصر الحديث.
ويُمكن تتبع هذا الأمر جلياً، فيما يتوافر حالياً من معلومات متفرقة في بطون المصادر والمراجع المتعددة. سواء بافتراضات حصول زيارة الأربعين في بعض الأعوام والحُقب بين سطور تلك المعلومات. كما يُمكن البدء بالزيارة الأولي التي قام بها الصحابي الجليل جابر بن عبدالله الأنصاري، وتابعه عطية العوفي، أو إن كان أحد آخر معهما؛ لموقع قبر أبي عبدالله الحسين في العشرين من صفر بعد موقعة كربلاء مباشرة.
ونود أن نُشير إلى عدم وجود أية إحصائيات أو متابعات رقمية محددة، أو حتى شبه مقربة، في المصادر والمراجع لمثل هذه الزيارة والناس المشاركين بها، والطريقة التي تمت من خلالها مراسيم الزيارة في القرون السابقة للقرنين الرابع عشر والخامس عشر الهجريين (أو القرن العشرين الميلادي). أي أن تلك الزيارة الخاصة لم تأخذ زخمها وديمومتها وظهور إحصائيات متكررة حولها كما نشاهدها اليوم؛ إلا تقريباً في النصف الثاني من القرن العشرين الميلادي، وبشكل أكثر وضوحاً وتوثيقاً، في السنوات الأخيرة التي سبقت سقوط نظام الحكم السابق وما بعده في العراق، مطلع القرن الواحد والعشرين الحالي.
وليس لدينا توثيق تاريخي، للأسف، حول ثبات زيارة الأربعين بشكل عام في القرون والسنوات الغابرة، مع أنها حدثت بالرغم من كل الطغيان الأموي والعباسي طوال السنوات.
وتاريخياً، اقتضت الحكمة الإلهية على مر العصور، أن تتكرر زيارة الأربعين وتتواصل لآخر الزمان، لتبقى عنواناً شامخاً لأهم دروس كربلاء الحسين ، وهو درس الحرية والموقف الواعي من الظلم. وهنا ينبري السيد عبدالله الغريفي، في الرد على المعترضين الذين يطالبون بالسكوت عن رموز هذه الجريمة النكراء في التاريخ، بكلمات عميقة على شكل أسئلة، موضحاً حول ما إذا كان الوضع كذلك : "لماذا دوَّن القرآن الكريم الصراعات التي حدثت في التاريخ؟ ولماذا تحدث عن خط الأنبياء وخط الطواغيت؟ وعن المستضعفين والمستكبرين، وعن الصالحين والفاسقين، ولماذا تحدث القرآن عن المؤمنين والمنافقين، وعن أولياء الله وأولياء الشيطان؟".
• زيارة الأربعين تاريخياً وعقائدياً:
قال الإمام جعفر بن محمد، أبو عبدالله، الصادق: "زوروا الحسين ولا تجفوه، فإنه سيد شباب أهل الجنّة من الخلق وسيد الشهداء". وعن الإمام الباقر قال: "مروا شيعتنا بزيارة قبر الحسين ، فإن إتيانه مفترض على كل مؤمن يُقر للحسين عليه السلام بالإمامة من الله عز وجل". مثل هذه الأحاديث وغيرها بالعشرات في فضل زيارة الإمام الحسين وأهميتها للإنسان المؤمن في حياته، جاءت لتؤكد استحباب أن زيارة سيد الشهداء بشكل عام في كل الأوقات والمناسبات. ولم يتم فيها تحديد شهري محرم أو صفر، أو غيرهما. إلا أننا نرى بأن إصرار وتأكيد الشيعة على خصوصية زيارة الأربعين في العشرين لشهر صفر من كل عام التي جاءت بعد أربعين يوماً من استشهاده إنما تواصلت على مر العصور، بهذا الشكل، للتأكيد وإحياء دروس النهضة الحسينية، وتجديداً لاستمرارها وحيويتها في وجدان الإنسان المسلم. ولربما يسأل أحدهم: ولماذا الأربعين بالذات؟ والإجابة ببساطة، يبدو أن قضية الرقم أربعين، والذي تكرر في القرآن الكريم في مواضع عدة أيضاً، كما في قوله تعالى: وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ، وفي قوله: قال فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِين، وكذلك في قوله: وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ. إذن هذا الرقم له خصوصية وسراً لا يمكن اكتشاف مكنونه بتفكيرنا البشري البسيط، كما هي تلك الخصوصية التي تميزت بها زيارة الأربعين وبتركيز شديد في الوجدان الشعبي الشيعي الذي حافظ عليها طوال عصور التاريخ منذ حدوثها وحتى اليوم. ولربما جاءت خصوصية الأربعين، كما يذكر السيد المقرّم، لأن النواميس المطردة تتوجه للاعتناء بالفقيد بعد أربعين يوماً من وفاته وذلك بإسداء البِر إليه، وتأبينهُ، وتعداد مزاياه في مناسبات تُعقد، وذكريات تدون تخليداً لذكراه.
ويؤيد هذا الرأي ما ورد عن أبي ذر الغفاري وابن عباس عن النبي محمد صل الله عليه وآله، أنه قال:"أن الأرض لتبكي على المؤمن أربعين صباحاً". وما ورد عن زرارة عن أبي عبدالله الصادق في بعض ما قاله:" أن السماء بكت على الحسين أربعين صباحاً بالدم، والأرض بكت عليه أربعين صباحا بالسواد، والشمس بكت عليه أربعين صباحا بالكسوف والحُمرة، والملائكة بكت عليه أربعين صباحا".
كما إن زيارة الأربعين، لم تبدأ مع تشييد أول قبة صغيرة من الآجر والجص على قبر الإمام الحسين ، في العامين 65هـ(684م) أو 68هـ(687م)، كما تذكر أحداث التاريخ، على يد المختار بن أبي عبيدة الثقفي عندما حكم الكوفة. إنما سَجلت نفسها كزيارة معتبرة لها شعائر خاصة، منذ وطئت أقدام الصحابي جابر بن عبدالله الأنصاري وخادمه عطية العوفي أرض كربلاء. وفي وضع الركون إلى الإيمان بالجانب الغيبي في هذا الأمر؛ يًمكن الاطمئنان بأن ذلك حدث أيضا عند عودة ركب آل البيت بعد أربعين يوما بالضبط إلى كربلاء، مع وجود الصاحبي جابر الأنصاري هناك، إذ سريعا ما انضم إليه الركب الحسيني في زيارة ملفتة ومؤثرة جداً للقبر الشريف سجلتها كتب التاريخ، فغدت تلك الزيارة جماعية منذ ذاك الوقت.
وبذلك، غدا يوم العشرين من صفر، مشهودا معروفاً، فتتوافد مئات الآلاف من الزائرين على كربلاء لزيارة الإمام الحسينوإقامة الشعائر، وتجديد هذه الذكرى المؤلمة. ومن هنا، بدأت كربلاء تنمو كقرية صغيرة ثم مدينة عظيمة، وتغدو محط وملفى القلوب من كل أصقاع العالم منذ ذلك التاريخ. وذلك نتيجة لدم الحسين الطاهر على تربتها، ووجود قبر الإمام الحسين وأهل بيته وأصحابه الذين استشهدوا دونه في تلك الواقعة التي خلدها التاريخ والنفوس المؤمنة بهذه القضية.
• تطور الزيارة تاريخياً:
ليست هناك إحصائيات متواترة متسلسلة لزوار الأربعين على مر التاريخ، كما أسلفنا، لظروف عديدة. وبناءً عليه، لا يمكن للباحث أن يتقصى كل زيارات الأربعين لكربلاء، أو الحائر الحسيني كما كان يُطلق عليه سابقاً؛ أو للمشهدين الحسيني والعباسي المقدسين بها، لأنها واقعاً لم تُذكر بالتحديد ضمن الزيارات المعتادة في كل وقت ومناسبة منذ القرون الغابرة، ولاسيما بدءاً من القرن الخامس الهجري. بعكس الحال في تتبع الوضع تاريخياً، لتعمير وبناء المرقد الحسيني الشريف، أو كربلاء بشكل عام فهي أكثر وضوحاً وتحديداً، وازدياد مكانة المرقد الحسيني الشريف وعظمته في نفوس المسلمين شيعة، وسنة.
لكن يُمكن ملاحظة التالي تاريخياً في هذا الصدد:
1- زيارة جابر الأنصاري وأهل البيت العام 61هـ(680م)، وعودة الرأس الشريف مع بقية الرؤوس إلى كربلاء ودفنها مع الأجساد على يد الإمام زين العابدين .
2- فترة تشييد القبة العام 65هـ(684م) أو 68هـ(687م)، في عهد المختار الثقفي حتى نهاية دولته.
3- فترة الخليفة المأمون العباسي 193 هـ(809م)، حيث أُعيد موضع القبر الشريف وأقيم الحائر الحسيني.
4- زمن المنتصر بالله العباسي ابن المتوكل، العام 247هـ، (861م) الذي أمر ببناء وعمارة المرقد والمباني حوله.
5- في عهد الدولة البويهية قام عضد الدولة (فنا خسرو بن ركن الدولة بن بويه الديلمي)، بعمارة وتجديد مشهدي النجف وكربلاء العام 369هـ(979م) وأكرم سكان كربلاء، ومجاوري الحرم، والزوار.
6- بعد بناء سور الحائر العام 407هـ، (1016م)، على يد وزير سلطان الدولة البويهي ابن سهلان الرامهرمزي بعد أن شبت فيه النار واحترقت القبة؛ ساعد ذلك على استقرار الزيارة أكثر لتوافر بعض الأمان حول البقعة المباركة. وأصبح هذا السور حصنا حصينا لكربلاء والمشهد المقدس يقيه من غزوات الأعداء.
7- وعادت وزادت زيارة الأربعين، افتراضاً ضمن بقية الزيارات، في عهد البويهيين، حين ازدهرت كربلاء في عهدهم ازدهارا ملحوظاً، وزاد الزوار بها في كل المناسبات، ما عدا فترة الفتنة 422-442هـ. ففي العام 529هـ(1134م)، وبالذات في محرم وصفر، زاد عدد الزوار في كربلاء، كما تذكر كتب التاريخ ونحسب أن زيارة الأربعين من ضمنها. حيث يذكر الجوزي بأنه "مضي في هذه الأيام إلى زيارة علي ومشهد الحسين عليهما السلام، خلق لا يحصون"، وأضاف جملة لطيفة جداً بقوله "وظهر التشيع"، كدليل على كثرة الزوار.
8- وكذلك أُعيد تعمير سور كربلاء في أيام (الجلائريين السلاجقة) في القرنين السابع والثامن الهجريين لحماية الزوار والساكنين بها.
9- يُذكر بأنه كانت هناك وفود زائرة عام 442هـ(1050م)، لكربلاء، رافقها وفد من طائفتي الشيعة والسنة من أهالي بغداد. حيث قام هؤلاء الزوار من خارج العراق كما يبدو بتوزيع الأموال والدراهم على الفقراء والمساكين بجوار قبر الامام الحسين.
10- ازدادت الزيارات في عهد الناصر لدين الله العباسي، لأنه كان محباً لأهل البيت بخلاف أسلافه. لذا عادت في عهده الحرية للزيارة، وقام بوضع صندوقاً من الخشب على قبر الإمام الحسين في عام 620هـ(1223م).
11- أما في العهد الصفوي عام 914هـ(1508م)؛ فقد شهدت كربلاء توسعاً وزيادة في عدد الزوار، ومنهم ربما زوار الأربعين. وكذلك إبان عهد الشاه عباس الكبير الأول الصفوي عام 1038هـ(1638م)، وقد تقدم الزوار وهو يدخل المرقد الشريف مهرولاً.
12- بداية العهد العثماني، والسلطان سليمان القانوني عام 942هـ،(1535م)، حظيت كربلاء باهتمام واسع، بعمرانِها وتشجيع زيارتها والسكن بها. وخصوصاً بعد أن أمر بحفر "نهر السليمانية" نسبة إليه، ويُسمى اليوم بنهر الحسينية وذلك لإرواء كل كربلاء. وحدث ذلك أيضاً في عهد السلطان مراد الرابع العثماني 1049هـ(1639م).
13- ومنذ عشرينيات القرن العشرين وحتى القرن الحالي، زادت ونُظمت الزيارة وتطورت بشكل ملحوظ ومسجل أحيانا نتيجة لتحسن المواصلات والخدمات، وبروز الدور الديني الطليعي، والاجتماعي، والاقتصادي، لمدينة كربلاء بسبب وجود المرقدين الشريفين بها.
هل سجل بعض الرحالة زيارة الأربعين؟
للأسف لم يُسجل لنا بعض الرحالة الذين زاروا كربلاء أو الحائر الحسيني طوال التاريخ؛ أي شيء عن مناسبة زيارة الأربعين، لا من حيث عدد الزوار، أو أية أحداث عنها، أو حتى مجرد ذكر لها. ولربما غالباً لم يكونوا متواجدين في رحلاتهم خلال شهر صفر، أو أن هذه الزيارة لم تكن بهذا المظهر المميز الذي نشاهده بها اليوم. ففي المدة بين القرن السابع والقرن الثامن الهجريين، زار كربلاء عدد من الرحالة مثل: الرحالة أبو الحسن الهروي عام 611هـ. وكذلك ما ذكره الطنجي، ابن بطوطة، الذي زار مدينة كربلاء عام 1326هـ، أو الرحالة (كارستن نيبور)، وقد زار كربلاء في ديسمبر عام 1765. وكذلك العالم الجغرافي الإنگليزي جون أشر (John Ussher) عام 1864. والمنشي البغدادي، زار كربلاء وكتب عنها ضمن كتابه "رحلة المنشئ البغدادي" عام 1822. بينما ذكر الرحالة البرتغالي (بيدرو تيشيرا) شيء عن كربلاء في شهر جمادى الأولى عام 1013هـ (سبتمبر 1604م).
كما أن أحد الفرنسيين زار مطلع القرن العشرين كربلاء عام 1326هـ(1909م)، وذكر معلومات قيمة عن الزوار في شهر محرم فقط، دون الإشارة لشهر صفر ولزيارة الأربعين. ولعلها لم تكن ملحوظة آنذاك أو بذاك الزخم والتنظيم كما هي اليوم بالطبع. جاء ذلك في المجلة الفرنسية المسماة (الالسترسيوان) الصادرة في باريس بمقالة تحت عنوان "الكعبة الثانية"، نقلاً عن ذلك الرحالة الفرنسي لها. حيث كتب عن أن زوار كربلاء يكثرون في الشهر المحرم، إذ تأتي إليها من كل صوب القوافل مئات مئات، وهو شهر الصلوات والأدعية والتوبة في العام. كما زارها عام 1328هـ(1911م)، الرحالة الهندي محمد هارون الزنكي ﭘوري، وأصدر كتاب رحلته عام 1329هـ(1912م)، يصف فيه زيارات الحسين(ع).
إلا أن الملفت للنظر في وصف كافة أنواع زيارات المرقد الشريف؛ أن زيارة الأربعين تحديداً، لم يتم ذكرها، بالرغم من أهميتها. فما هو السر عند أولئك الرحالة وغيرهم، في نكران وإهمال، ولو الإشارة إلى زيارة الأربعين؟ وهل كانت ما تزال مستمرة ومشهورة جداً عند الناس حينها؟ وهل التقية تكون فقط حين ذكر زيارة الأربعين فيُقال عنها: "لها زيارات مخصوصة"؟
ولن نتطرق هنا لإحصائيات زيارة الأربعين في التاريخ المعاصر، بالرغم من كثرتها وتدوينها، لأنها غدت معروفة سلفاً للجميع. إلا أنه يُمكن القول، أن كافة زيارات الإمام الحسين، مهمة ولها موقع في العقيدة والوجدان الشيعي المسلم؛ بينما غدت زيارة الأربعين، وخصوصاً في العصر الحاضر؛ عملاً تطبيقياً في النفوس، كثورة أبي الأحرار يوم كربلاء. وهي لشديدة الإثارة ولها من الدلالات عدة وجوه في تحويل الموقف الروحي، والعاطفي، والفكري، إلى مسلك وحركة ايجابية وليست بكائية فقط، في حياتنا اليومية من أجل أن تبقى جذوة الحرية على طريق الولاء لعترة الرسول الطاهرة، محمد صل الله عليه وآله، خفاقةً في فضاء الروح، وبين حروف الفكر، وفلسفة العقل، ما بقي الزمان.
" من أحب أن يكون مسكنه الجنّة، ومأواه الجنّة، فلا يدع زيارة المظلوم، صاحب كربلاء" الإمام الصادق (ع)