بقلم : عبد النبي الشعلة
مضت فترة قصيرة لكنها كافية لتقدير وتقييم حجم الإشادة والترحيب والثناء الذي لقيه الأمر الملكي الصادر قبل أيام عن صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظّم، حفظه الله ورعاه، الخاص بإنشاء “جائزة الملك حمد للتعايش السلمي” التي تمنح للأشخاص والمنظمات الذين قدموا إنجازات وإسهامات في مجال حوار الحضارات والتعايش. ومن بين أهداف الجائزة كما جاء في الأمر الملكي “تشجيع الأشخاص والمنظمات على جهودهم الرائدة في مجال حوار الحضارات والتعايش، وتكريم ودعم الأعمال الجليلة الرامية إلى تعزيز قيم التعايش السلمي والتضامن العالمي في سبيل تحقيق العيش المشترك والتنوع الإنساني، ونبذ التطرف والعنف والكراهية والحفاظ على المكتسبات الإنسانية، من خلال التأثير بشكل إيجابي على المجتمعات التي يعملون بها”.
وتأتي هذه الخطوة المباركة ضمن سلسلة متواصلة من الرؤى والمشاريع والمبادرات التي تبناها وأطلقها صاحب الجلالة الملك المعظم، حفظه الله ورعاه، منذ توليه سدة الحكم وقيادة الأمة في العام 1999؛ والتي دعمها وساندها صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، حفظه الله، والهادفة إلى تعزيز اللحمة الوطنية والأخوة الإنسانية والسلام والتعايش بين مختلف الأمم والشعوب والمعتقدات، ومن أبرز هذه المبادرات إنشاء مركز الملك حمد العالمي للتعايش السلمي، وكرسي الملك حمد للتعايش السلمي والحوار بين الأديان، واستحداث وسام الملك حمد للتعايش السلمي، وغيرها من المبادرات التي ترتكز على موروث تاريخي وسجل ناصع حافل بالإيمان بقيم التعددية والتعايش والتسامح واحترام معتقدات ومقدسات الآخرين؛ ذلك السجل الذي سطره الآباء والأجداد من آل خليفة الكرام، الذين انتشر وتضاعف في عهدهم عدد المساجد والمآتم والحسينيات في البحرين، كما تم في عهدهم أيضًا، تأسيس أول كنيسة للمسيحيين وأول معبد لليهود وأول معبد للهندوس وغيرها من دور العبادة ليس على مستوى البحرين فقط ولكن على مستوى المنطقة بأسرها.
واستنادًا إلى هذا الموروث ظلت البحرين حريصة وملتزمة بترسيخ مبادئ وقيم وثقافة التعددية والتسامح الديني والوحدة الوطنية والتعايش السلمي بين جميع المعتقدات والأطياف في المجتمع، وفي الوقت نفسه تجريم التحريض على الكراهية والطائفية والعنف والإرهاب بمختلف أنواعه، وأصدرت العديد من التشريعات والأنظمة والقرارات التي من شأنها حماية وتعزيز هذه المبادئ والقيم، على الرغم من التيارات المناهضة الهادفة إلى إجهاض هذه الجهود والتوجهات.
ولم يتخلف باقي قادة دول مجلس التعاون وغيرهم من القادة العرب عن هذا التوجه، ويبرز من بينهم صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة الذي جسد التزام دولة الإمارات بقيم التسامح والتعايش واحترام جميع الأديان والمعتقدات من خلال تبنيه لعدد من المبادرات الرائدة، منها إصدار قانون اتحادي بشأن مكافحة التمييز والكراهية، وإنشاء “وزارة التسامح والتعايش”، التي تهدف بدورها إلى تعزيز قيم التسامح المشترك، وبناء ثقافة شمولية تحترم التنوع والاختلاف، إضافة إلى التوعية في مواجهة التطرف الديني. واعتمدت دولة الإمارات البرنامج الوطني للتسامح، وتم تأسيس “المعهد الدولي للتسامح”، ومركز “هداية” لمكافحة التطرف والعنف، ومركز “صواب”.
وافتتح في العام الماضي في أبو ظبي مجمع “بيت العائلة الإبراهيمية” ليكون رمزًا فريدًا للتفاهم المتبادَل والتعايش والسلام بين أبناء مختلف الديانات، وتجسيدًا للقيَم المشتركة بين اليهودية والمسيحية والإسلام بشكل خاص، ويستلهم بيت العائلة الإبراهيمية رؤيته من توقيع “وثيقة الأخوة الإنسانية من أجل السلام العالمي والعيش المشترك” التي وقعت في فبراير من العام 2019م. بين قداسة البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، وفضيلة الإمام الأكبر، الأستاذ الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر.
لقد دأب المتطرفون، ودعاة الفتن والعنف والإرهاب وسفك الدماء، وكراهية وتكفير الآخرين على التصرف والتحدث باسم الإسلام؛ وعملوا على اختطافه، والسعي إلى تشويه صورته الحقيقية الناصعة، والانحراف بقيمه الأصيلة السامية؛ فجاءت حملة التصدي لهم من الأرض آلتي انبثقت منها في شبه الجزيرة العربية الدعوة الإسلامية النقية الطاهرة السمحاء، فمن هذه الأرض الطيبة وفي عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، حفظه الله ورعاه، وبدعم وإسناد من نجله وولي عهده الأمين رئيس مجلس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان آل سعود وفقه الله فقد تم التصدي لتيارات وأوكار الانغلاق والتخلف والفتن والتطرف والإرهاب، وانطلاق انتفاضة أو حركة تصحيحية تمكنت في فترة قياسية من استعادة الإسلام وإعادته إلى مساره الصحيح وروحه الحقيقية، كما تم اتخاذ خطوات واسعة وجادة لبناء مجتمع قائم على قيم الاعتدال والوسطية والانفتاح وعلى أسس العدل والإخاء لجميع من يعيش في ربوعه.
ويقف وراء جهود ومبادرات ملوك وقادة وأمراء الدول العربية الخليجية كل عربي وكل مسلم واع غيور على دينه ومعتقده ووطنه، وفي الدول العربية الخليجية فإننا جميعًا نقف مع قادتنا ونؤيد ونبارك ونشيد بمواقفهم ومبادراتهم، ونشد من أزرهم ونتمنى لهم دوام النجاح والسداد والتوفيق.