بقلم: رضي الموسوي
أثناء الزيارات التي قمنا بها للسجناء المفرج عنهم بعفو ملكي، لاحظنا توشّحهم بالكوفية الفلسطينية تعبيرا عن دعمهم لفلسطين وشعبها ضد الإبادة الجماعية التي يتعرض لها هذا الشعب العظيم في قطاع غزة منذ أحَد عشر شهرًا وتوسعت لتشمل الضفة الغربية تلبية للسلوكيات الفاشية والنازية التي تتملك قادة الكيان وقطعان المستوطنين.
اصطف المفرج عنهم في مآتم وحسينيات المناطق التي ينتمون إليها، بغبطة توشّحوا برمز فلسطين الأشهر وعلامته البارزة..الكوفية المُقسمة بالأسود والأبيض إلى أشكال متوازية الاضلاع وغصن الزيتون في أطرافها، وقد أصبحت عالمية إثر انتفاض شباب الجامعات الأمريكية والأوروبية ضد حكومات بلدانهم الداعمة للكيان الغاصب، فاعتصموا في أروقة الجامعات ونظموا مسيرات ومظاهرات في الشوارع دعما لفلسطين ووقوفا ضد التطهير العرقي والإبادة الجماعية التي ترتكبها قوات الاحتلال الصهيوني منذ السابع من أكتوبر 2023، بينما لا يزال الشباب العربي متواضعا في حراكه المؤثر والداعم لفلسطين.
لم ينسَ الشباب البحريني فلسطين وشعبها، بمن فيهم أولئك الذين غيبتهم الزنازين المعتمة وراء القضبان سنوات طويلة. فرغم الألم الذي كان يعتصرهم في محابسهم، إلا أنهم أكدوا أصالة موقفهم المبدئي مع الحق الفلسطيني في المقاومة والتحرير وتشييد الدولة الفلسطينية على كامل التراب الوطني وعاصمتها القدس. هم يؤمنون أن الحرية لا تتجزأ. فمن يطالب بالحرية والعدالة والسلام في بلده لا يمكن له أن ينكرها على الفلسطيني الذي يواجه أعتى الترسانات العسكرية والأمنية ممثلة في الكيان وشريكته الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا ودول أوروبية تنكرت لدساتيرها وقوانينها والمعاهدات الدولية التي صاغتها هي لتقدم الدعم المطلق للنازيين الجدد.
اتّشح المفرج عنهم بالكوفية وهم يتنفسون هواء الحرية، لكن فرحتهم بالعفو والإفراج لم تنسهم إخوانهم الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال. لقد شاهدوا وسمعوا وقرأوا ما يفعله الجلاد الصهيوني بالمعتقل الفلسطيني من تعذيب حتى الموت دون أن يرفّ له جفن. علموا أن المعتقلين الفلسطينيين يتعرضون لشتى أصناف التعذيب الوحشية التي ابتكرتها أيادي الإجرام في التاريخ، من إطلاق الكلاب البوليسية المدربة لتنهش أجسادهم مرورًا بالضرب المبرح والحرمان من الطعام والشراب وقطع الكهرباء والماء عنهم..وحشية تعبر عن قمة الساديّة والانحطاط البشري إلى مستويات سحيقة من الدرَك الأسفل.. هؤلاء الجلادون وحوش بشرية، وليس الفلسطيني الذي نعته مسؤولو الكيان بهذه الأوصاف لتبرير إبادة أهل غزة والضفة الغربية.
قدم المفرج عنهم درسا لنا في المواقف الصادقة تجاه أنبل قضية عرفها التاريخ الحديث، القضية الفلسطينية. وهم بتوشحون الكوفية الفلسطينية، يوجهون إلى شعب البحرين، وخصوصا الشباب، رسالة واضحة للوقوف إلى جانب الحق "وإن قلّ سالكوه"، كما قال الإمام علي. فمن زرع وحفظ في قلبه قضية فلسطين ورفع شأنها وهو يعيش في ظروف السجن القاسية، كأنه يقول للذين خارج السجن: أنتم أيضا تقفون مع فلسطين وتتضامنون معها وتقاطعون بضائع الكيان وداعميه دون تردد، وعلى الجميع المضي في هذا الطريق.
تحية لكل هؤلاء وهم يعانقون الحرية، يدعون لزملائهم الذين ما زالوا في السجن بالخروج من العتمة ليشاركوهم الموقف النبيل، ويرفعون أيديهم بالدعاء إلى إخوانهم الفلسطينيين بالحرية وتحرير كل أسراهم، بعد أن تحولت سجون الاحتلال إلى مقابر جماعية يسقط فيها العشرات من الشهداء تحت ضربات السياط، وليرددوا جميعا: المجد للمقاومة، فالنصر قادم رغم كل المآسي والآلام القاسية، وليؤكدوا مجددا أن فلسطين هي البوصلة التي من تمسك بها لا يتيه عن الطريق القويم..ينشدوا جميعا نشيد الحرية الذي تجلَّى فيما غنته فرقة العاشقين الفلسطينية من شعر نجيب الريس، الذي كتبه أثناء وجوده في عشرينات القرن الماضي بسجن جزيرة أرواد السورية حين كانت تحت الاحتلال الفرنسي، وهنا مقطعان من القصيدة:
"يا ظلام السجن خيّمْ إننا نهوى الظلاما
ليس بعد اللـيلِ إلاّ فجرُ مجدٍ يتسـامى
**
يا رنينَ القيد زدني نغمةً تُشجي فؤادي
إنَّ في صوتكَ معنى للأسى والاضطهادِ".