DELMON POST LOGO

فيلم الخلاص من ولاية شاوشانك .. The Shawshank Redemption

بقلم :عبدالله جناحي-البحرين

-حين يصبح السجن بيتك الأبدي.

-حين يصبح الزمن في السجن بطيئاً فتخلق الابداع.

-حين تصبح الموسيقى في السجن نافذة للحرية والأمل.

-حين يودعون بفرح شديد، رفيقاً تم الإفراج عنه، ولكنهم يتمنون بقاءه معهم بدل حريته، هذا الإحساس الإنساني المتناقض!.

هذه هي الومضات الكبرى، وغيرها من الومضات، في سياق هذا الفيلم.

الومضة: سجين عاش في هذا السجن لمدة ٥٠ عاماً، دخل فيه شاباً يافعاً وخرج منه عجوزاً. وحين سمع بقرار الإفراج عنه انهار من الصدمة وبكى كالطفل، رافضاً الحرية. كان يرى في هذا السجن بيته وملاذه وراحته وحلمه وأمله وأهله ورفاقه، أما خارج السجن فهو ذكرى وطن انمحي من عقله ووجدانه. ولم يستطع العيش خارج سجنه فانتحر. هل يا ترى زمن السجن الطويل ونسج العلاقات مع المؤبدين، يخلق هذا الإحساس لدى السجين؟.

لنرى الومضة الثانية لسجين آخر هو نقيض هذا اليائس والمدجن: مصرفي مدان بقتل زوجته وعشيقها، ويحكم عليه بالمؤبد في سجن ولاية شاوشانك. (يقوم بدور هذا السجين تيم روبين) ويصادق زميله في السجن المعروف بمهرب الممنوعات للسجناء (يقوم بدور هذا السجين مورغن فريمان).

الومضة/المشهد الأروع حين يحصل هذا المصرفي في مكتبة السجن على اسطوانة لمقطوعة موسيقية لموزارت. (أوبرا زواج فيغارو، بصوت مغنية الأوبرا اليونانية ماريا كالاس). فينتشي فرحاً، ودون أي تفكير بالعقوبات، يدخل استوديو السجن، ويبثها بصوت مرتفع، حيث توقف جميع السجناء عن العمل، وكذلك السجانون، وحتى المرضى قاموا ليفتحوا نوافذ غرفهم في المشفى الملاصق بالسجن، ويستمعوا لهذه المقطوعة الموسيقية.

هنا حوار داخلي لزميله وهو في باحة السجن يستمع لهذه المقطوعة:

-لقد كانت جميلة للغاية، لا يمكن التعبير عن مشاعري بالكلمات، حيث ينفطر قلبك وأنت تستمع لها، كأنها أحلام رمادية لم يتجرأ أحد على خوضها، كأنها كعصفور جميل حط في قفصنا القديم وذَوَّب حيطانه. وللوهلة الأولى،، كل رجل في السجن شعر بالحرية.

وكان عقاب السجين المصرفي من جراء مخالفته هو وضعه في السجن الانفرادي (الحفرة). وبعد خروجه من الحفرة، يدور حوار جميل بينه ومع زملائه في مطعم السجن، فلنستمع لتعليقه:

-هل يستحق تمردك ودخولك غرفة الاستوديو لتسمعنا هذه الإسطوانة عقوبتك أسبوعان في الحفرة؟

-لقد كان أسهل وقت أمضيته على الإطلاق وأنا في هذا السجن.

-لا يوجد وقت سهل في الحفرة، أسبوع فيها يعني كأنه عام.

-لكنني كنت هناك برفقة موزارت، كان معي في دماغي وقلبي، هذا هو جمال الموسيقى. هذا السجان الذي حبسني في الحفرة، ومن معه لا يستطيعون حرمانك منها، في السجن للموسيقى لها كل المعاني، تحتاجها كي لا تنسى أن هناك أماكن في العالم ليست مصنوعة من صخر، هناك شيء في الأعماق لا يمكن للسجان الوصول إليه، لا يمكنهم الإمساك به، هذا ملكك الخاص في السجن، إنها تخلق الأمل.

-ولكن الأمل بالنسبة لنا هنا أمر خطير، يمكن أن يجعل من الرجل مخبولاً، لا نحتاج للأمل داخل هذا السجن، ومن الأفضل أن تتعود على هذه الفكرة.

-تقصد كما فعل بروكس - السجين الذي كان محبوساً لمدة ٥٠ عاماً وانتحر بعد خروجه- أنا نقيض ذلك.

وبعد هروبه من السجن، تذكر زميله مهرب الممنوعات حياته معه في السجن، وحاور نفسه:

-أشعر أحياناً بالحزن لفقدانه، ولكن عليّ أن أُذكِر نفسي أن بعض الطيور ليس مقدراً لها أن تسجن بسبب لمعان ريشها الذي يبهر، وعندما تطير جزء منك يعرف أنه من الخطيئة احتجازها، لكن مع هذا تشعر بالفراغ بعد رحيلهم وتفتقدهم كثيراً.

هذا هو إحساس رفاق السجن حين يودعون رفيقهم لحظة الإفراج عنه، يتمنون وجوده معهم في السجن بدل حريته، هو إحساس متناقض ولكن إنساني نابع من الحب الذي نما بينهم.

الومضة الصوفية: أحاطت بالفيلم تفسيرات تقول أنه يرتكز على التصوف المسيحي. فتُقدم شخصية آندي المصرفي، كشخصية مسيحية شبيهة بالمسيح، حيث وصفه رفيقه مهرب الممنوعات "مورغان" في بداية الفيلم بأنه يمتلك هالة تحيطه وتحميه من سجن شاوشانك. كما يمكن النظر إلى المشهد الذي قام فيه آندي والعديد من السجناء بتلطيخ سطح السجن على أنه كتجسيد "للعشاء الأخير"، حيث يحتسي آندي البيرة (النبيذ) للإثني عشر سجينًا (تلاميذ المسيح) كما وصفهم فريمان بأنهم «أسياد الخليقة كافة» مستحضرًا بركات المسيح. مع أن تعليق المخرج دارابونت "بأن هذا لم يكن مقصده ونيته، لكنه أراد أن يجد الناس معناهم الخاص في الفيلم". وهناك تفسير يشير إلى أن اكتشاف تسجيل موتسارت لأوبرا زواج فيغارو في السيناريو وأثرها على السجناء بقيامهم ونهوض المرضى منهم أسرتهم؛ بأنه أقرب إلى العثور على "الكأس المقدسة" التي تعيد الحياة وتشفى المرضى. اقتبس مأمور السجن نورتون في بداية الفيلم من يسوع المسيح ليصف نفسه لآندي قائلاً: «أنا نور العالم»، معلناً أنه منقذ آندي، لكن هذا الوصف يمكن أن يشير أيضًا إلى لأسطورة لوسيفر، حامل النور. فنورتون في الفيلم لم يفرض القوانين والقواعد العامة للقانون وإنما إختار أن يفرض قواعده وعقوباته التي يراها مناسبة فيما يحاكي سلوك الشيطان. كما قورن المأمور برئيس الولايات المتحدة السابق ريتشارد نيكسون، إذ يبدو مظهر نورتون وخطاباته العامة على أنها تماثل نيكسون. وبالمثل، يقدم نورتون صورة لرجل مقدس، يتحدث بهدوء إلى الجماهير الذليلة بينما يدير عمليات احتيال فاسدة، والتهرب من الضرائب وغسيل الأموال، تماماً مثل تلك التي جعلت نيكسون سيئ السمعة. -مصدر هذه الومضة من الويكابيديا.

الومضة التالية: في السجن الوقت يمضي ببطء شديد، لذا يكون العقل والتفكير والتخطيط طويل المدى حاضراً. كل سجين يهتم بما يحبه ويهواه، ويبدأ بهدوء وببطء رهيب في تنفيذ ما في خياله. فمن ينحت التماثيل، ومن يصنع من الأعواد الصغيرة قصراً، ومن يرسم. ولكن هذا السجين خطط لشيء آخر لنفسه، ونَفَّذَ أشياء أخرى في العلن ليوَّهم مأمور السجن والسجانون بأنه قد تروّض واستسلم للواقع. فمن جهة كان يراسل مسؤولي السجون في الولاية ويطالبهم بتوفير ميزانية لتأسيس مكتبة في السجن إلى أن نجح وحقق حلمه بعد نضال استمر عشر سنوات لتصبح أضخم مكتبة في الولاية. ومن جهة ثانية كان وببطء شديد جداً ينحت في الحجر الصلد  ليصنع بيادق الشطرنج. ومن جهة ثالثة كان يساعد مأمور السجن والضباط في التهرب من دفع الضرائب عبر طرق مصرفية ذكية لغسيل أموالهم. ولكن في السر وببطء غريب غامض كان يصنع طريقاً لحريته. كيف؟ أترك الجواب للقارئ، حتى تبقى اللذة والمتعة والإعجاب لحظات مشاهدة الفيلم.

معلومات عن الفيلم:

فيلم درامي أمريكي صدر عام 1994 كتبه وأخرجه فرانك دارابونت، استنادًا إلى رواية قصيرة تُدعى "ريتا هيوارث والخلاص من شوشانك"، لستيفن كينج صدرت عام 1982.

كيف يتمكن الإعلام والدعاية من إنجاح الفيلم جماهيرياً، بعد أن كان فاشلاً؟!:-المصدر السابق-

اشترى المخرج دارابونت حقوق تحويل رواية ستيفن كينغ إلى فيلم في عام 1987، لكن البت في المشروع والعمل على إنتاجه لم يبدأ إلا بعد خمس سنوات من ذلك. بعد أسبوعين من تقديم السيناريو إلى مؤسسة كاسل روك، حصل دارابونت على ميزانية قدرها 25 مليون دولار لإنتاج فيلم "الخلاص من شاوشانك". حاز الفيلم على استحسان النقاد، لا سيما لقصته وأداء بطليه روبنز وفريمان، بيد أنه كان خيبة أمل في شباك التذاكر، حيث كسب 16 مليون دولار فقط خلال عرضه الأول. ووردت العديد من الأسباب تحاول تفسير فشل الفيلم في حصد الإعجاب الجماهيري في ذلك الوقت، بما في ذلك وجود منافسة من أفلام كانت معروضة في نفس الفترة مثل "خيال رخيص" و"فورست عامب". كما أن أفلام السجون أصبحت لا تحظى بشعبية عند الجمهور، وافتقار الفيلم إلى العنصر النسائي، وحتى العنوان، الذي كان يعتبر مربكًا للجمهور. ولكن أمام الفشل الجماهيري للفيلم، استمر في تلقي العديد من ترشيحات الجوائز، بما في ذلك سبعة ترشيحات لجوائز الأوسكار. لذلك بدأت دور السينما في إعادة عرضه، بالإضافة إلى شراء الفيلم عالمياً، مما أدى إلى زيادة إجمالي شباك التذاكر للفيلم إلى 58.3 مليون دولار. حيث شُحنت أكثر من 320،000 شريط فيديو للفيلم عبر جميع أنحاء الولايات المتحدة، وبفضل حصول الفيلم على العديد من ترشيحات الجوائز، والتوصيات الشفهية والتحليلات المكتوبة، والترويج بمشاهدته، أصبح واحداً من أكثر الأفلام المستأجرة لعام 1995. كما اشترت شركة تيرنرللبث حقوق بث الفيلم من شركة الإنتاج كاسل روك، وعُرض بانتظام على شبكة تورنر التلفزيونية ابتداءً من عام 1997، مما زاد من شعبيته. يعتبره الكثيرون الآن من أعظم أفلام التسعينيات، فبعد عقود من صدوره، لا يزال الفيلم يذاع بانتظام، ويحظى بشعبية في العديد من البلدان، حيث استشهد به الجمهور والمشاهير كمصدر للإلهام، ووصف الفيلم بأنه المفضل في استطلاعات مختلفة. وقد قررت مكتبة الكونغرس الاحتفاظ بالفيلم ضمن سجل أفضل الأفلام (التاريخية والجمالية).