DELMON POST LOGO

نعمان الموسوي في ندوة مركز جدحفص : الترجمة هي نقل نتاج لغوي من لغة لأخرى.. لا استبدالا آليا لكلمات بكلمات

الترجمة هي فن وعلم وحسّ أدبي، فهي نقل للحضارة والثقافة والفكر واللغة

عرف الدكتور نعمان الموسوي أستاذ التقويم التربوي والنفسي بجامعة البحرين ، الترجمة بانها عملية تفسير لمعنى النص المقدّم باللغة الأصلية (لغة المصدر) وبناء نص مكافئ له بلغة الهدف. وقد كانت عملية الترجمة في البدء يدوية ثم ما لبثت، بفضل الحاسوب وأدوات التكنولوجيا المتقدمة، أن أصبحت فعلاً آليا (الترجمة المدعومة بالحاسوب).

قال الموسوي في ندوة نظمها مركز تمكين شباب جدحفص مساء بعنوان "  الترجمة بين الروسية والعربية: صعوبات وإشكاليات وقضايا معاصرة " ، ان  الترجمة تهدف إلى صياغة علاقة التناظر بين النص الأصلي والنص الجديد بحيث يحمل كل منهما، بالنتيجة، تفسيراُ واحداً، مع أخذ الخصوصيات الثقافية للغتيّن بالاعتبار. وتتأثر الترجمة بعامل السياق، والبناء النحوي للغتيّن، وتقاليد الكلام المكتوب والمنطوق، وغيرها.  

والترجمة هي نقل نتاج لغوي من لغةٍ إلى أخرى، وهي ليست استبدالاً لكلماتٍ بل هي فن وعلم وحسّ أدبي، فهي نقل للحضارة والثقافة والفكر واللغة. ولمّا كانت اللغة هي ترجمان الإنسان عن نفسه أو عن الكون أو عن الآخر، فإن نقل النص إلى لغة أخرى هو ترجمة الترجمة (الترجمان هو مفسِّر للِّسان، ومن هنا الترجمة بمعنى التوضيح والتفسير والتبيين).

ويتأتّى الإبداع في الترجمة من التوافق بين معنوية الأدب (الجمع بين المعنى والفهم) ولفظية الترجمة، ولتحقيق ذلك، ينبغي على المترجم التركيز على روح وجوهر النص الأصلي، وفهم الاختلافات الثقافية التي يكون لها تأثير كبير في فهم معاني الألفاظ بشكلٍ صحيح.

وقدم الموسوي نبذة تاريخية عن الترجمة الأدبية من الروسية إلى العربية خلال العقدين الأخيرين من القرن الحالي ، فظهرت عشرات العناوين الحديثة، إلى جانب إعادة دور النشر طبع العناوين الكلاسيكية بلا رقابة على المحتوى المختصر أو المبتور أحيانا، أو الذي ترجم من لغة وسيطة.وقد شهدت الترجمة الأدبية رواجا كبيرا في حقبة الاشتراكية، حيث لعب الاتحاد السوفياتي دور الناقل الأمين للأعمال الكلاسيكية الروسية من الحقبتين القيصريتين: الذهبية والفضية، إلى أن وصلتنا، ولا يزال الطلب عليها مرتفعا نسبيا من القارئ.

مشكلات الترجمة:

يصادف المترجم، في عملية الترجمة، العديد من المشكلات، ويمكن حصرها فيما يلي:

1- مشكلات تتعلق بالنص: كأن يكون النص غير مكتمل (غير نهائي)، أو مكتوب بخط غير واضح (كما في المخطوطات التاريخية القديمة)، أو يكون مليئاً بالأخطاء الإملائية والنحوية، الخ. وهناك نصوص ينبغي ترجمتها بحذر شديد خشية الوقوع في المحظور، كالنصوص الدينية المرتبطة بالمذهب، والنصوص القانونية والسياسية، والنصوص ذات العلاقة بالعادات والتقاليد.

2- مشكلات تتعلق ببعض المفردات اللغوية: ففي بعض اللغات توجد مفردات لغوية لا يوجد لها نظير أو مرادف لغوي في اللغات الأخرى، مثل الكلمة الروسية (Почемучка)، وتعني (شخصاً يكثر من طرح السؤال عن السبب على الآخرين). وهناك في المقابل مفردات لا تتغير ترجمتها من ثقافةٍ لأخرى مثل كلمتا (ماما) و (بابا)، فهما في معظم اللغات تعنيان الأم والأب. وهناك مفردات تحتاج مساحة كبيرةً في القاموس لعرض معانيها، مثل مفردة (go) أو (come). وثمة مفردات يصعب تصوّرها في أذهان أبناء الثقافات الأخرى، كالكلمة الروسية (Хлеб) أيّ الخبز، فالحديث هنا يدور عن الخبز عامة، وليس عن قرص خبز يختلف حجمه بحسب البلد المعني، ومن الأسهل هنا الإشارة إلى الخبز الفرنسي مثلاً. كما يصعب ترجمة كلمة (Privacy) أيّ (الخصوصيّة) إلى الروسية، وذلك بسبب عدم وجود مرادف لها في التقاليد الثقافية الروسية.

3- مشكلات تتعلق بدرجة الترابط المنطقي للنص: فإذا افترضنا مثلاً أن أحداث القصة المكتوبة باللغة العربية تدور في لبنان، فإنه حينما يتم ترجمة هذا العمل الأدبي إلى الإنجليزية، فإن السؤال (هل تتحدث العربية؟) يكون خارج السياق المنطقي، لأن العربية هي اللغة الأم هناك، ولذا يصعب ترجمة السؤال إلى الإنجليزية (اللغة الهدف)، ما لم يأخذ المترجم السياق بالحسبان.

4- مشكلات تتعلق بطريقة الترجمة: فهل يختار المترجم النقل الحرفي (الدقيق) للنص أم يفضِّل نقل روح النص والأجواء التي كُتب فيها؟ إن هذين السؤاليّن يحددان مدى جودة الترجمة واقترابها من النص الأصلي، ودرجة حرية الباحث في مدّ مساحة الترجمة أم قصرها على المساحة الورقية المحددّة له مسبقاً. وهناك ايضاً مشكلة ترتبط بدور المترجم، فإذا كان المؤلِّف مثلاً قد كتب القصة بلغة المصدر (الروسية)، والمترجم يقرؤها باللغة المستهدفة (العربية)، فمن يضمن أنه يقرؤها بصورةٍ صحيحةٍ تماماً (دون تغييرٍ أو تحريفٍ في المعنى)؟ ناهيك أن الثناء والتقدير سيكون من نصيب المؤلِّف وليس المترجم الذي تحمّل العبء الأكبر في نقل النص إلى العربية.

5- مشكلات تتعلق بالتواصل الثقافي: فالترجمة في عصر العولمة تشكِّل جسراً منيعاً للتواصل والتلاقح بين اللغات والثقافات والحضارات، وهي بمثابة عملية مقاربة لغوية تعتمد على القاسم المشترك بين ثقافتيّن، ولا يمكن نقل مرتكزات الجمال في العمل الأدبي المترجم إلاّ بقدر ما تسمح به الخلفية الثقافية المشتركة بين اللغتيّن، فمثلاً يوجد " عيد الشكر " (Thanksgivings) في الثقافة الغربية ولا يوجد في الثقافة العربية، وفي المقابل، فإن " عيد الفطر " (Eid Fitr) يوجد في الثقافة العربية ولا يوجد في الثقافة الغربية، مما يؤدِّي إلى عدم قابلية ترجمة المصطلح.

6- مشكلات تتعلق بالعولمة: فالعولمة تسعى إلى توحيد الثقافات واللغات في ثقافةٍ واحدةٍ مرتبطة بأدوات الهيمنة التكنولوجية والإعلامية، وبناء لغة واحدة، على اعتبار أن العالم أصبح قريةً صغيرةً، وقد يفضي ذلك إلى إلغاء الهوية ومن ثم إلى تقليص دور الترجمة بشكلٍ كبيرٍ.

ترجمة الشعر: صعوبات وإشكاليات

تجدر الإشارة هنا إلى خصوصية ترجمة الشعر، حيث يرتبط ذلك بخصائص اللغة الشعرية: الإيقاع والأبعاد والمقاطع والتفاعلات المتبادلة بين الأصوات المتحركة والساكنة، ففي حالة ترجمة المنتج الشعري لا يتم فقط نقل المحتوى، بل المحتوى والشكل، أي الجانب الهيكلي والإيقاعي واللحني والتركيبي للنص الشعري الأصلي، باعتبار أن الترجمة ليست فقط أسلوبا للتعرف على المُنتجات الإبداعية للأفراد، بل ووسيلة للتواصل الناجح بين الثقافات والشعوب.

إن الشعر هو فن يستخدم اللغة استخداما خاصا، فن يحمل اللغة على ما لا يمكن أن تقوله أبدا بالطريقة العادية. وبالتالي فإن أسلوب الترجمة يقوم على الانزياح أو المجاوزة، ويقصد بذلك تصرّف مستعمل اللغة في هياكل دلالاتها أو أشكال تراكيبها بما يخرج عن المألوف. ويدخل في إطاره كل تغيير يحدثه المتكلِّم والشاعر على نحوٍ يظهر في البنية الأساسية للغة (أو اصطلاح التخاطب، من مجازٍ عقليٍ ومرسلٍ واستعارة وكناية، ومن حذف وتأخير وتقديم وتضمينٍ، ومن عدم اتساق، حيث الربط بين افكار ليس بينها في الظاهر رباط منطقي). فالمعنى الذي يقوله المتكلِّم هو مسألة لا تتعلّق بالقواعد، بل تتعلق بالقصد.

الترجمة الآلية (الإلكترونية) مقابل الترجمة اليدوية (البشرية)

تُعرَف الترجمة اليدوية بأنها ترجمة يقوم بموجبها شخص بترجمة النص بكل تفاصيله، مستعينا بالقواميس والمراجع المختصّة التي تسهل من مهمته في عملية الترجمة.

أما الترجمة الإلكترونية (الآلية) فهي خدمة يقدمها موقع جوجل، حيث يتيح للشخص ترجمة نص ما أو كلمة ما من لغة إلى لغة أخرى بكل يسر وسهولة، فهي إذن ترجمة فورية لنص من اللغة المصدر إلى اللغة المستهدفة باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي. ويمكن الاستفادة من الترجمة الآلية في زيادة المحتوى العربي المعروض على الإنترنت.

وتتميز ترجمة جوجل بأنها تترجم لأكثر من 70 لغة عالمية، الأمر الذي يتيح للشخص الحصول على ترجمة لوثائق وأوراق بلغات مختلفة، وتعد هذه الترجمة مناسبة للأشخاص الذين يبحثون عن معنى النص دون التدقيق في تفاصيله، وفي صحة ترجمة كل كلمة وردت فيه.

صعوبات الترجمة الإلكترونية وعيوبها:

1- الأخطاء الكثيرة التي تقع في الترجمة نتيجة اعتماد البرنامج الإلكتروني على نظام وخوارزمية قابلة للخطأ.

2- محدودية عدد المفردات باللهجات العامية العربية في الموسوعة الإلكترونية.

3- عدم قدرة البرنامج على ترجمة الجمل الطويلة المتشابكة بدون أخطاء

4- عدم الدقة في ترجمة المصطلحات الدينية

5- ترتبط دقة الترجمة بالبيئة الثقافية التي تم كتابة النص فيها، فبالرغم تطور مجال الذكاء الاصطناعي، فإن الآلة لا تستطيع التمييز بين النكتة والسباب في نص ذو خلفية ثقافية معينة. ومن هنا تبرز الحاجة إلى مراجعة النص بعد ترجمته آليا، وتحريره من قبل مترجمين محترفين، للتأكد من صحته ودقته وملاءمته للسياق الثقافي والمحلي والمعرفي للنص الأصلي.

إشكاليات الترجمة من الروسية إلى العربية

ينبغي التمييز بين ترجمة النصوص الرسمية والعلمية والتقنية، وهذا النشاط أقرب إلى إعادة السرد أو التكرار (ويتطلب ارتباطا وثيقا بالنص المُترجم)، وترجمة النصوص الأدبية والفنية والصحفية، وهذا النشاط يتيح حرية نسبية للمترجم. ففي حالة ترجمة النصوص الأدبية كالقصص والروايات، يقوم المترجم بعملية تحويل المحتوى الحقائقي والاتصالي المُترجم بحسب المستويات الهرمية للفهم مع الإخراج اللاحق للنص إلى اللغة الطبيعية المترجم إليها. ويتطلب ذلك ليس فقط إعادة إنتاج معنى النص الأدبي الأصلي، بل يستلزم أيضا إيصال روح الكاتب ومزاجه ورسالته للقارئ، بحيث يعبّر النص المُترجم عن الذات الإبداعية المتفردة للمترجم نفسه.

وحيث أن اللغة الروسية، واللغة العربية، تتميّزان بالتنوّع النحوي وثراء القاموس اللغوي وتنوّع أشكال وطرق الإبداع اللغوي، فإن المترجم يجب أن يكون مُلما بالجوانب اللسانية للغتيّن مثل النحو، والمفردات، والأساليب، وقادرا على المقارنة بينهما واستخدامهما لأقصى حدّ ممكن.

غير أن التباينات الأكثر أهمية لا تظهر في المستوى اللساني بل على مستوى النشاط العملي قبل اللفظي، والذي يشتغل عليه المترجم أثناء قراءة العمل الأدبي قبل ترجمته، حيث يتم تفكيك العلاقات بين الجمل والكلمات قبل القيام بالترجمة، أي قبل توظيف المفاهيم اللفظية. وقد حذرت الباحثة الروسية دالينينا من أن يتحول التعامل الحر للمترجم مع النص الأصلي أحيانا إلى تعسّف دلالي وأسلوبي، وذلك مثلا حينما يفرض المترجم فهمه الخاص للنص على القارئ.

إن تكييف النص الأدبي الأصلي من الروسية إلى العربية لا يتطلب فقط إعادة الصياغة ومعالجة الأخطاء الدلالية، بل ويتطلب أيضا نقل النص وفق معايير الأسلوب الأدبي الرصين باللغة العربية. وضمن هذا السياق، طالب الأكاديمي إغناتي كراتشكوفسكي بضرورة رؤية خصائص التسميات في اللغة العربية (الكلمات، الأساليب، الخ) للحفاظ على دلالات معاني الكلمة العربية عند ترجمة النصوص الأدبية إلى العربية والعكس (مثال: يتم ترجمة كلمة (изба)؛ أي عزبة، بكلمة بيت أو مسكن، وهذا خطأ شائع لدى المترجمين)، والعمل على نقل المعنى الأصلي للنص وروحه، وهو ما تم التركيز عليه في النصف الثاني من القرن العشرين.

إن اللغة تبرز في العمل الأدبي كوحدة فنية – لفظية، وبفضل هذه البنية اللفظية الفنية فإن العمل الأدبي مطالب بخلق إدراك حسي للواقع، ومساعدة القارئ على الإحساس الملموس بظواهر الواقع، وبجميع ارتباطاته وعلائقه. فاللغة المترجمة، بصفتها شكلا متحولا للنص، موجودة بالفعل في النص فقط بوصفها عملا أدبيا مكتملا، أما دلالات الكلمة (المفردة) فتؤكد على أصل العمل الأدبي بصفته نتيجة للعمل الإبداعي للمُترجِم.

صعوبات الترجمة الثقافية من العربية إلى الروسية:

انطلاقاً من تجربتي في ترجمة ملخّصات الأبحاث ذات الصبغة الثقافية من العربية إلى الروسية، يمكنني القول بأن هذه المهمة تطرح تحديات كبيرة أمام المترجم للأسباب التالية:

1- الفروق بين اللغتيّن العربية والروسية: إن اللغة العربية تنتمي إلى اللغات السامية، وعدد أصواتها (27) صوتا، وتكتب من اليمين إلى اليسار. أما اللغة الروسية فتنتمي إلى اللغات الهندو- أوروبية (السلافية)، وهي السادسة في العالم انتشارا، وتتكوّن من (33) حرفاً (عشرة حروف صوتية، وعشرين حرف ساكن، وحرف نصف صوتي، وحرفان غير صوتييّن)، وتكتب من اليسار إلى اليمين، وتتضمّن (6) حالات لتصريف الجملة (الإسمية، والإضافة، والمقصود، والمفعول، والأداة، والمجرور).

ويوجد اختلاف بين الحروف المطبعية والحروف المكتوبة باليد، ويمكن أن تقع النبرة في الكلمة على أيّ حرف أو مقطع من المقاطع بينما النبرة ثابتة في اللغة العربية. واللغة الروسية لغة صوتيّة (عند قراءة الكلمة، يُلفظ كل حرف فيها)، غير أنها تتميّز بحرية واسعة في ترتيب الكلمات في الجملة. وبينما يتحدث العرب في كل بلدٍ عربيٍ بلهجتهم الخاصة دون مراعاة النحو، يتحدّث الروس في كل مكان باللغة الروسية الفصيحة، مع مراعاة القواعد النحوية الصحيحة.

2- يتوافر النص الثقافي على دلالات (تضمينات) ثقافية ومعاني كثيرة، كما أنه يصوِّر المشاعر والخبرات الشخصية للكاتب، ولذا يتوجّب على المترجم نقل هذه المعاني الخفية من اللغة العربية إلى الروسية حتى يصل إلى تفسيرٍ مناسبٍ يعكس جوهر النص وروحه الحقيقية.

3- يصعب على المترجم محاكاة شكل وأسلوب النص ونقله إلى اللغة الروسية بسبب شيوع الجمل المركّبة والعبارات الاصطلاحية فيه.

4- يتميّز النص الثقافي عامة بأنه بمثابة مرآة تعكس مدى ثراء التجربة الشخصية للباحث في المجال الثقافي الذي يحظى باهتمامه. ومع أن ملخّص الدراسة يجب أن يحتوي على الأفكار الأساسية المتضمنة فيها، إلاّ أنه ما يلبث أن يتحوّل إلى بحث مصغّر تتخلّله الجمل الطويلة الملتوية التي تتطلب من المترجم أن يجتهد في تفكيكها بهدف استنطاق مضمونها الحقيقي.

التصرّف في الترجمة (Managing in Translation):

يواجه المترجم أحياناً نصّاُ ثقافياً أو أدبياً جدلياً يصعب ترجمته إلى اللغة الهدف، نظراً للطابع المعقّد للتراكيب اللغوية الموجودة فيه، وصعوبة نقلها إلى اللغة المستهدفة، الأمر الذي يجعله مضطراً للتصرّف في ترجمة النص، وذلك عن طريق تطويعه بهدف إنتاج ترجمة مناسبة (مقبولة) يستطيع المتلقِّي استيعابها ضمن ثقافته. ويتخذ التصرّف شكليّن أساسيّين، وهما:

1- التصرّف الداخلي: ويُقصد به تطويع للنص المُترجَم بمستوياته المختلفة: الصوتية، والصرفيّة، والتركيبية، والمعجمية، والاصطلاحية، والتداولية، والنصيّة، والثقافية، بهدف الخروج بترجمةٍ سلسةٍ وفصيحةٍ ومحايدةٍ تحافظ على معنى النص الأصلي، وتسهِّل مهمة المتلقِّي معاً.

2- التصرّف الخارجي: وهو التدخّل الأيديولوجي للمترجم أو للجهة الموكل إليها الترجمة سعياً وراء تحقيق مآرب لا يعكسها محتوى النص الأصلي، ويجري التلاعب بالنصّ الجدلي على المستوى المعجمي والتركيبي والخطابي والثقافي بهدف توظيف الموقف لخدمة أهداف الكاتب.

الخلاصة:

إن الترجمة هي عملية تفسير لمعنى النص المقدّم باللغة الأصلية (لغة المصدر) وبناء نص مكافئ له بلغة الهدف. وتهدف الترجمة إلى صياغة علاقة التناظر بين النص الأصلي والنص الجديد بحيث يحمل كل منهما، بالنتيجة، تفسيراُ واحدا، مع أخذ الخصوصيات الثقافية للغتيّن بالاعتبار.

إن الترجمة هي نقل نتاج لغوي من لغة إلى أخرى، وهي ليست استبدالا آليا لكلمات بكلمات أخرى، بل هي فن وعلم وحسّ أدبي، فهي نقل للحضارة والثقافة والفكر واللغة، وعموما فإن الترجمة هي مرآة تعكس مدى ثراء التجربة الشخصية للمترجم، ومدى إلمامه باللغات.

ويتطلب ترجمة النصوص الأدبية ليس فقط إعادة إنتاج معنى النص الأدبي الأصلي، بل يستلزم أيضا إيصال روح الكاتب ومزاجه ورسالته للقارئ، بحيث يعبّر النص المُترجم عن الذات الإبداعية المتفردة للمترجم نفسه. وهناك مجموعة من الصعوبات والإشكاليات المرتبطة بالترجمة الثقافية من العربية إلى الروسية، وأهمها الفروق بين اللغتيّن العربية والروسية، كما أن النص الثقافي يتوافر على دلالات (تضمينات) ثقافية ومعاني كثيرة، ويصعب على المترجم محاكاة شكل وأسلوب النص ونقله إلى اللغة الروسية بسبب شيوع الجمل المركّبة والعبارات الاصطلاحية فيه.