DELMON POST LOGO

امين صالح باسرة الادباء والكتاب : رواية "المنسيون بين مائين" تجعل المؤلفة واحدة من أهم كتّاب الرواية العربية

قال الكاتب البحريني امين صالح ، في تقديمه الى رواية ليلى المطوع "المنسيون بين مائين "، باسرة الادباء والكتاب مساء امس ، ( بهذا النص الفاتن، تخلق المطوّع أسطورتها الخاصة، معلنةً بثقة أنها واحدة من أهم كتّاب الرواية العربية ) ، ما يعني بان بهذه الرواية وصل احد الروائيين البحرينيين مرتبة اهم كتاب الرواية العربية الكبار.

وأضاف ، لم أحسب، وأنا أقلب الصفحات الأولى من رواية ليلى المطوّع "المنسيون بين ماءيْن"، الصادرة عن دار رشم للنشر والتوزيع (2024 )، أنني سأقضي أياماً حافلة بالدهشة والمتعة والذهول، وأنا مأسور بهذا الكتاب، بصفحاته الـ 430، وهو الأسر الذي لا يشتهي المرء التحرّر منه.. تماماً كالحب، كالصداقة، كالكتابة.

لم أحسب ذلك لأن ليلى المطوّع كاتبة بحرينية تنتمي إلى الجيل الجديد من كتّاب الرواية الذين ما زالوا يتحسسون طريق الإبداع للوصول إلى موضع التميّز والفرادة. لقد سبق للكاتبة أن أصدرت روايتها الأولى والوحيدة "قلبي ليس للبيع" في العام 2012 ثم توقفت سنوات عن الكتابة.

وإزاء الكتابات الشابة، يتوقع المرء أن يقرأ عملاً عادياً أو جيداً، لكن أحياناً يأتي عمل شاب ويخرّب بقوة وفعالية مثل هذا التوقّع الأرعن. هذا ما حدث لي وأنا أحسب أنني سأقرأ عملاً عادياً لأتفاجأ بوقوعي في شرَك (وهو شرك جميل وفاتن) نصٍ قوي، ناضج، مدهش، سوف يأسرني أياماً وأنا انتقل من صفحة إلى أخرى، من شخصية إلى أخرى، من حدث إلى آخر، من صورة بديعة إلى أخرى لا تقل عنها فتنةً.

كيف نجحت ليلى المطوّع في فعل ذلك، في أن تجعل ساعات القراءة متخمةً بما هو آسر ومذهل، في انتزاعي من بلادة اليقين وقذفي في لجّ السؤال والغموض.

الكاتبة هنا تتقن ببراعة عملية التلاعب بالقارئ، ليس بالمفهوم السلبي، ولكن بالمعنى الدقيق للإثارة والتشويق. هي لا تسرد الحدث كحكاية تقليدية ذات بداية ووسط ونهاية، بل تلجأ إلى تقطيع الحدث وبعثرته، عبر مونتاج بارع، لكي يتولى القارئ بنفسه تركيب أجزاء الحكاية وتوصيلها، واستنباط المغزى والمعنى. وهي لا تعتمد البناء السردي التقليدي، وإنما تلجأ إلى التشظي والانتقالات المفاجئة، معتمدةً – كمراجع ومصادر - على كمٍّ هائل من الوثائق والكتب التاريخية والأساطير القديمة والحكايات والمعتقدات الشعبية والمقابلات المعاصرة والدراسات في علم البيئة والإنسان والميثولوجيا.

بين الوثائقي والسردي، الواقعي والتاريخي أو الأسطوري، اليومي والسحري، العادي والشعائري، العقلاني والغيبي، التقريري والغرائبي، المباشر والمتخيّل، تنقلنا الكاتبة، بمهارة وبراعة، من موضع إلى آخر، فتأخذنا إلى البعيد القديم ثم تعيدنا إلى الحاضر القريب، لتأخذنا ثانيةً.. هكذا ذهاباً وإياباً، وتدعنا نتأرجح بين الأزمنة، بين الماضي والحاضر، مأخوذين باللغة الجميلة والسلسة، بالصور النابضة الحيّة، بالسرد الشيّق، بالوصف الباهر، بالانتقالات الرشيقة، بالمخيّلة الخصبة، بالحساسية الشعرية العالية.

بفعل ذلك، الكاتبة لا تدع القارئ في وضع الاسترخاء والاطمئنان، والثقة بقدراته الخاصة في التقييم والتحليل والحكم، بل تربك مسلّماته وترجّ ما استقر عليه من فهم وإدراك، ليجد نفسه مرغماً على استجواب أفكاره ومفاهيمه وتصوراته بشأن رؤيته للتاريخ والماضي، ولعلاقة الإنسان ببيئته ومحيطه وعالمه، ولدور المعتقدات في تشكيل وعيه.

والكاتبة لا تكتفي بهذا وإنما تمعن في إثارة القارئ وتحفيزه، واقتحام المواضع المستقره في وعيه وإدراكه بما يستفزّه ويحثّه على البحث والمساءلة والجدل، إذ كلما ظن أنه اكتفى ورأى ما يكفي ليستوعب، فاجأته بما هو أكثر إثارةً وغموضاً.

وأنت تقرأ، من الأفضل أن تؤجل البحث عن أجوبة لأسئلتك الوفيرة، وأن تكبح رغبتك المعتادة في فك شفرات النص والحفر في الرموز والمجازات،  حتى تنتهي من قراءة الكتاب كله. بين الصفحة والأخرى يمكنك أن تتوقف قليلاً وتتأمل في ما قرأت، ثم تواصل. لكن تجنّب إطلاق الأحكام السريعة، التي تعتقد أنها ذكية وحاسمة، بشأن ما تقرأه في كل صفحة. ثق بالكاتبة، ستكون دليلك الأمين. سرْ معها على مهل وبرويّة. من دونها تضيع. ستأخذك في رحلة طويلة إلى أقاليم لم ترها ولم تختبرها من قبل، وسوف تتمنى ألا تنتهي هذه الرحلة.

ستأخذك الرواية إلى عوالم بعيدة وأخرى قريبة عبْر ذاكرة المكان، ذاكرة الماء، ذاكرة النوارس، ذاكرة بشر يتأرجحون بين حاضر يتآكل وماضٍ يزداد غموضاً.

سوف ترتاد مناطق يحرص سكانها على قراءة البحر والريح والنجوم والنخيل، وسوف يطلبون منك أن تتبع الماء والشمس والطيور والأسماك.. حتى تصل ولا تضيع، حتى يكتشف الأشخاص ذواتهم، هوياتهم.

طوال الرحلة سيكون البحر حاضراً بكل تناقضاته وصوره المتباينة المتنوعة. بكل وداعته وجبروته، طيبته ووحشيته، كرمه وجشعه، حنانه وغدره.

وللماء، في الرواية، حضوره المتعدّد والكلّي.. وله قدسيته "لا تطأ الماء إلا بنيّة صافية". مياه عذبة ومياه مالحة.. يلتقيان لكن لا يختلطان.

وأنت تقرأ، تحس بالماء يحيط بك، يتحسسك، يغمر حواسك، يدخل فيك، من فمك وأنفك وأذنيك، لكنه لا يغرقك مثلما يفعل مع من يقطن النص. الماء في كل مكان. تسمع، وأنت تقرأ، خريره، انسيابه، ارتطامه الوديع بك.

لكن الماء يعاقب أيضاً. إنه يجلد من يرتكب إثماً أو خطيئة. يخطف، يخنق.

البحر لا أمان له. يلبس جلد الأرض ليخدع البشر ويبتلعهم، ثم يخلع الجلد.

أحياناً يتداخل الكائن والبحر، يتمازجان، يتحدان. وأحياناً يتحوّل الكائن إلى شبيه، أو إلى آخر. وقد يصبح مسخاً.

طوال الرواية نشهد الصراع العنيف بين عناصر تعايشت لآلاف السنين حتى وقع الشر وحدث الشقاق نتيجة جشع وجهل وقسوة قوى خارجية، دخيلة. صراع بين بحر يدافع عن وجوده بعد أن تمت محاصرته وتطويقه، ثم خنقه بالرمال عبْر الردم والدفن، حيث تسبّب ذلك في جفاف العيون والينابيع، وموت الشجر، وهجرة الطيور..

وأرض، يابسة، تريد التوسّع أكثر، لإقامة المشاريع العمرانية والطرق العامة، فتقرض البحر جزءاً جزءاً حتى تدفنه.

العنف ملمح بارز في الرواية...

يمارسه الإنسان في دفاعه عن نفسه وأهله وموطنه، وفي محاولته للإمتلاك ملبياً غريزة الجشع والشهوة والجوع والحاجة والسلطة. وتمارسه الطبيعة عندما تغضب وتهيج ويتلاعب بها الناس. وتمارسه الآلهة.

الرواية حافلة بالقرابين، الأضاحي، البشرية والحيوانية والنباتية.. وفي كل قربان عنف.. بصورة أو بأخرى.

ثمة شخوص تظهر وتختفي، بعد أن تترك أثراً غائراً في متن النص، وفي وعي القارئ وذاكرته. إذ حتى في غيابها تظل حاضرة. ولكل شخصية سماتها المتميزة، أبعادها الخاصة، همومها، طموحها، أسرارها:

ناديا هي الشخصية المحورية، المعاصرة، التي تمسك بكل الخيوط، بالشخوص والأحداث. إنها تشهد حوادث عديدة مبهمة ولا تفسير لها. وهي تسعى إلى الكشف عن غموض الظواهر الغريبة التي تحدث من حولها. تبحث في أوراق جدها، وجدتها التي كانت متيّمة بالنخيل والينابيع، ودافعت بشراسه عن حق البحر في الوجود. ناديا ممسوسة بفكرة من سيكتب سيرة الماء. يوماً ما تنفجر فجأة العيون والينابيع في الجزيرة، ويختفي الأطفال، ومن بينهم ابنتها.

سليمة الحبلى، الثكلى بعد تقديم ابنتها الصغيرة، الوحيدة، قرباناً لنبع ماء آخذ في الزوال، وبعد مقتل زوجها بوحشية على يد الوالي. إنها تلاحق شخصاً معيّناً من أشراف أهل الجزيرة وأشجعهم وأشعرهم، هو طرفة بن العبد. من أجل أن يرى جنينها النور ولا يموت مثل بقية أولادها، يتوجب عليها أن تنتظر مقتل طرفه، فتقفز على جسده المحتضر يميناً ويساراً حتى تتبارك بآخر أنفاسه. وهذا ما يحدث بالفعل، لكن الوالي يأمر بقتلها فتهرب، ولكي تنجو عليها أن تتبع الماء.

إيا ناصر، البذرة الطالعة من رحم ما يعتبره المعبد خطيئة، فيحكمون على أبيه بالموت غرقاً، وتنتحر أمه حزناً. رضع إيا من ثدي امرأة مسكونة بالأرواح وتعيش مثل البهيمة. يكبر ويبرع في نقش الأختام. يرسله المعبد مع آخرين في بعثة للدراسة. أثناء الرحلة يقتل تلميذاً، وصديقه يتحوّل إلى وحش بحري. عندما يختارون حبيبته لتكون قرباناً، يحاول انقاذها فيعصي بذلك تعاليم المعبد.

في حكاية أخرى، نجد مراهقاً يعشق امرأة ليكتشف أنها مجرد نبع يتجسد في هيئة امرأة جميلة تختطف الرجال والأطفال. هي تبادله العشق وتريد امتلاكه. عندما توشك على ابتلاعه، يتخلص منها. يتزوج ابنة عمه. هي تتمكن من اختطاف ابنه. ينتقم منها بدفن العين، بخنقها. غير أنها تنطلق من أسرها وتأخذه معها إلى باطن الأرض، في عناق طويل وأبدي.

يعقوب، الطويل والقوي، يكرّس نفسه للآلهة. يعمل في الدير خادماً للرب. طموحه أن يتقدّس ويسير على الماء. يعشق امرأة وهبت نفسها للدير، فقد جاءت إلى هنا لتكفّر عن ذنبها، إذ أغرقت أبناءها الصغار في البحر نذراً له. هي تبادل يعقوب العشق. تحبل منه. وعندما يحين المخاض لا تجد القابلة في الرحم غير الماء. فيما يعومان ليلاً، يغافله البحر ويغرقها. يغضب يعقوب ويمارس شعائر طرد البحر. عقاباً له على فعلته، يدفنونه في الرمل لكي يغرقه البحر.

درويش، البارع في نقش أبيات الشعر والآيات على الحجر والأجساد والجدران وشواهد القبور. لا يشعر بالإنتماء إلى المكان والناس. يسمونه عاشق أو عابد الحجر. في النهاية يذهب صاغراً إلى البحر ليبتلعه.

ومع مهنا ننتقل إلى فترة الغوص. هو ابن غواص. ينتزعه النوخذة وهو صغير من أمه ليسدّد ديون أبيه، الذي تسبب النوخذة في موته. يكبر مهنا ويصير غواصاً. في هذا الفصل، تكشف الكاتبة عن معرفة غزيرة وعميقة بعالم البحر، في مستوييه السطحي والعمقي. في الواقع، نلمس هذه المعرفة العميقة في كل فصول الكتاب.

نلاحظ أن أغلب الشخوص تتأرجح بين البراءة والخطيئة، الخوف والجسارة، العفة والشبق، الوداعة والعنف، المقدّس والمدنّس، الولادة والموت.

تنتهي الرواية برؤيا غريبة، مخيفة، إذ يتحوّل سكان الجزر إلى بحر.. بالأحرى، إلى موجة واحدة عالية تلتهم كل شيء.

   

وفي تعقيبها على ورقة الكاتب امين صالح وفي حوار نظمه فوزي الشروقي ، قالت المؤلفة ليلى المطوع ، انا لم اختر الشكل الروائي او العمل بهذه الطريقة ، انها الأسطورة التي تنبع من الماء

تحدي للنفس ، كنت أحاول اكتب عمل مغاير  عن الرواية السابقة ( قلبي ليس للبيع ) رغم الاقبال الكبير عليها وتم إعادة طباعتها ست مرات .

الرواية الأولي واقعية  بينما العمل الجديد به خيال ، عمل لا نسمع فيه الا صوتنا ، ولغة الماء ، البحر هو رفيق الطفولة ، انه ثأر قديم قد اغرقت فيه وسرق حذائي ، والنورس الذي رفض مبارحة  الشاطئ الذي دفن ، والحيي بيه التي نرميها يوم الأضحى بالبحر.

انا سافرت الى بحر اخر ، والتحاور لثلاث شخصيات في الرواية الأسطورة ، الواقعية ، والمبتكرة ، وخلق أسماء واستعادة أسماء تاريخية مثل أينا ناصر ، وسليمة التي لا يعيش لها أولاد ، وطرفة بن  العبد شاعر البحرين الكبير.

كما شملت الرواية شخصيات حقيقية تم تكريمهم ، منهم مهنا الدوسري ، حسن جناحي وخالي الغواص الذي علمني  السباحة بالبحر ، امي التي استقيت الخيال منها ، من  حكاياتها الليلية وخصوصا التي عن البحر.

تضيف ، زهرة الخلود ( المائين ) ، لا سر الخلود .. وجميع تلك الاحداث متخيلة لا حقيقية ولا تاريخية .فشت الجارم تلك الجزيرة التي اختفت ثم ظهرت مرة أخرى .

كان اهل البحرين من مؤسسات رسمية او شخصيات ساعدوني في استقاء المعلومات خصوصا الدكتور سلمان المحاري عن فترة دلمون ، ومدير المتحف والصيادون  .

فيما يتعلق بالقراء والاختلاف بين الروايتين قالت بان القراء يتطورون وينمون ، والفرق الزمنى بين الروايتين طويل ، كما اني لا  افكر بالقارئ اثناء الكتابة ، اكتشف صوتي ونفسي .. العمل الأول كان محبوب من قبل القراء لانها رواية واقعية .

تقول ، كنت في ورشة البوكر ( جائزة عالمية بنسختها العربية ) وقدمت رواية أخرى ، وشجعوني على نشرها ، لكني ركنت تلك الرواية لاعرض الرواية هذه .

دار النشر ( رشن ) السعودية بها كوادر مساعدة للنشر بل فريق متكامل ( تسويق وتحرير ودعاية ونشر )، هناك صالح الحماد ، الذي قرأ العمل وعرض على اللجنة ووافقت عليه ، وتم تعيين المحرر محمد عيد الذي ابدى بعض الملاحظات واحمد الشوري الذي ساهم أيضا في نصوص الرواية .

هناك ذاكرة جمعية تربطنا بالبحر، أذكر أنّى فى طفولتى كنت لا أخرج فى الليل خوفًا من «بو درياه»، وهو جنّيّ مخلّد  في الذاكرة. ولأنّنا فى أرض الخلود، فالخلود له أكثر من شكل، وها هو «بو درياه» مخلّد فى الحكايات، وهو جنّيّ طويل يتنكّر ويغنّى بصوت نسائيّ ليخدع البحّارة، وفى أوقاتٍ يصرخ مستنجدًا فيهرع الرجال لإنقاذ مَنْ ظنّوا أنّها امرأة بائسة، فيتشبّث بأحدهم ويغرقه.  

واختتمت بالقول ، حرصت، فى الرواية، على بناء هيكل روائى خاصّ بها، فوضعت هوامش بين الفصول تتناول سيرة الماءين: المالح والعذب؛ البحرين. ثمّ حين تتبّعت سيرة اليابسة وجدت أن هناك يابسةً منحنا إيّاها البحر بكرم، ويابسة اغتصبناها نحن ، قبل كتابة الرواية قرأت عدة كتب عن التاريخ والاثار واعتقد ان رواية واحدة لا تكفي للكتابةعن البحر