خوش فكرة يعيد تشكيل الإعلام البحريني
بقلم : فاطمة الصفار
في هذه الحقبة التي يزدهر فيها إنشاء المحتوى وريادة الأعمال، برزت منطقة الخليج كمركز للتسويق عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وبفضل وجود مستويات عالية من استهلاك الوسائط الرقمية والمؤثرين البارزين (الانفلونسرز)، أصبح سوق الخليج جاذب للشركات التي تهتم بالوصول لجمهور عربي أوسع. وقد أدى الطلب المتزايد على المحتوى المُخصص إلى خلق مساحة إبداعية ومبتكرة، حيث يمكن لرجال الأعمال الشباب تحويل مقاطع الفيديو القصيرة عبر إنستجرام وتيك توك إلى إعلانات مؤثرة.
تم إطلاق بودكاست خوش فكرة خلال جائحة فيروس كورونا، وكان أول بودكاست في البحرين يناقش أفكار الأعمال التجارية وتحدياتها بطريقة بسيطة. قام المؤسسون المشاركون، بدر المديفع وعبد الله أحمدي ووسن يوسف، بتطوير محتوى تجاري تفاعلي وممتع على وسائل التواصل الاجتماعي، مُختتمين كل منشوراتهم بصورة فكاهية شهيرة لقطتهم. تراوحت الموضوعات من التضخم والديون وإدارة القروض إلى الحقائق المثيرة للاهتمام حول الشركات البحرينية المحلية.
تحدث معهد دول الخليج العربية في واشنطن مع بدر المديفع، الرئيس التنفيذي لشركة خوش فكرة الإعلامية، لمعرفة المزيد عن تجربته ودوافعه ورحلته مع خوش فكرة أثناء انتقالها من بودكاست أعمال إلى وكالة تسويق تقدم خدماتها للعملاء في البحرين والمملكة العربية السعودية وقطر.
معهد دول الخليج العربية في واشنطن: أخبرنا عنك وعن قصة خوش فكرة.
بدر: درست القانون مع تخصص أخر في الأعمال التجارية بجامعة برايتون في المملكة المتحدة. ولفترة طويلة، كان طموحي الرئيسي أن أصبح محاميًا تجاريًا في شركة متعددة الجنسيات في دول مجلس التعاون الخليجي. ولكن كان لدي أيضًا شغف بالأعمال التجارية. كنت دائمًا أبدأ مشاريع من ماركات الملابس إلى ألعاب الورق، وكل ما قد يخطر علي بالك.
لقد حصل النجاح الكبير عندما كنت في فريق يجري مقابلات مع أصحاب الأعمال الشباب البحرينيين للتعرف على قصصهم كجزء من تجربة اجتماعية سيتم تدوينها في كتاب. خلال هذه المقابلات، التقيت بالعديد من الشباب البحرينيين المتحمسين والطموحين من مختلف المجالات، وقمت بتوسيع شبكة علاقاتي. وكان من بينهم شخصان رائعان، وهما عبد الله ووسن. قررنا سوياً بدء بودكاست أعمال تجارية، وهو الأول من نوعه في البحرين في ذلك الوقت. كان البودكاست تجربة حديثة ومثيرة، وتم إطلاقه في خضم جائحة كورونا.
باعتبارنا مجموعة من طلاب الجامعة، بدأنا بودكاست خوش فكرة، الذي يعني “فكرة مذهلة” باللهجة العامية البحرينية، بداية كبودكاست يروي قصص رواد الأعمال البحرينيين والشخصيات الرائدة في مجال الأعمال التجارية. لقد أنشأنا محتوى تجاري لتسويق البودكاست، بشكل أساسي على إنستجرام، وفي النهاية اكتسب هذا المحتوى شهرة من خلال البودكاست الخاص بنا! أدركنا أن هذا المحتوى قد أثار اهتمام جمهورنا، لذا حولنا تركيزنا وجهودنا إلى العمل على تحسين جودته.
معهد دول الخليج العربية في واشنطن: ما هو نوع المحتوى الذي قمتم بإنتاجه؟ وكيف قادكم ذلك لفرص الأعمال الأخرى؟
بدر: ابتداء من حساب مدعوم بشكل واسع من الأصدقاء والعائلة، يصل محتوانا اليوم إلى أكثر من 50 مليون مشاهدة شهرياً، مع توفر أكثر من 500 ألف متابع على جميع المنصات. في البداية، قدمنا محتوى تجاري ومالي بطريقة ممتعة وجذابة، وكان مرفقاً بصورة فكاهية مشهورة لقطتنا في النهاية. بدأت منشوراتنا بالانتشار على نطاق واسع في البحرين، حيث أدى ذلك إلى متابعة العديد من وكالات التسويق “والانفلونسرز” والمهنيين لمحتوانا والتفاعل معه. لفتت قاعدة جمهورنا وتواصلنا الإعلامي اهتمام الشركات في البحرين كطريقة مبتكرة للترويج لمنتجاتها وخدماتها.
ومن خلال ذلك رأينا فرصة مواتية لتحقيق مكاسب مادية من هذه المنصة لتوفير إنشاء محتوى للشركات، وتطوير وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة وأن جمهورنا أصبح يشكل قيمة لدى العديد من المعلنين. بدأنا في تلقي عروض للتعاون مع الشركات الصغيرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ثم تلقينا، ببطء، صفقات ترويجية ساعدتنا في التحول إلى وكالة إعلامية. حاليًا تقدم وكالتنا خدمات صناعة المحتوى ومقاطع الفيديو الإعلانية، ونقوم بإدارة حسابات وسائل التواصل الاجتماعي للبنوك ومراكز التسوق والمطاعم والمقاهي والشركات الناشئة في البحرين. توسع عملنا إلى قطر ومؤخرًا إلى الرياض.
لقد حولنا هذه المبادرة الصغيرة لتثقيف الشباب حول الأعمال التجارية إلى ما أصبح الآن شركة تعمل في ثلاث مدن مختلفة، ويعمل بها فريق من حوالي 44 شابًا من البحرين. أنا أقوم بإدارة العمليات – نعم، وهذا مختلف تماماً عن القانون التجاري! لكنني بحق ممتن لخوش فكرة (المذهلة) التي خطرت على بالي قبل بضع سنوات كطالب، ولتواجدي هنا لأروي قصتي.
معهد دول الخليج العربية في واشنطن: من كان جمهورك المستهدف عندما بدأت؟
بدر: بصراحة، في البداية، لم نكن على قدر متطور بما يتعلق باستهداف الجمهور المستهدف. كنا نريد أن نفيد أشخاصًا مثلنا كانوا يبحثون عن محتوى قيم حول الأعمال التجارية، حيث كانت لدينا تطلعاتنا الخاصة لبدء عمل تجاري، ولكننا لم نتمكن من العثور على أي محتوى مُخصص أو محلي ليكون مصدر إلهام لنا.
معهد دول الخليج العربية في واشنطن: كيف جذبت النصائح والمحتوي التى كتبها طلاب لطلبة آخرين اهتمام الشركات؟
بدر: لقد لفتت معلوماتنا عن الشركات اهتمام “الأنفلونسرز” ووكالات التسويق والمهنيين الذين دعموا محتوانا من خلال إعادة النشر والمشاركة. لقد بحثنا عن طرق لتحقيق الربح من منصتنا، مع التركيز على ميزتنا التنافسية، حيث قمنا بإنشاء محتوى قصير وواسع الانتشار في سوق مزدهر بمحتوى الوسائط الافتراضية، الذي تحركه تفضيلات المستهلكين. لقد اخترنا خدمة بي تو بي (business-to-business)، التي تهدف للترويج والخدمات المتعلقة بالعلامات التجارية.
كان النجاح الكبير الذي أظهر لنا أننا على الطريق الصحيح هو عندما تواصل معنا رامز، وهو أحد عملائنا الأوائل، مُبدياً اهتمامه بمحتوانا. وتبعه العديد من العملاء الآخرين. بدأنا في ترسيخ مصداقيتنا في السوق، وبدأنا في طرح استراتيجيات إدارة وسائل التواصل الاجتماعي على الشركات، وإنشاء محتوى جديد للإعلان عنها على منصات التواصل الاجتماعي الخاصة بنا. لدينا هدف ثابت في إنشاء محتوى ممتع حتى مع رؤيتنا لتطور العلامة التجارية. عندما بدأنا كان تركيزنا على البودكاست، ولكنه أصبح حالياً أكبر من ذلك.
معهد دول الخليج العربية في واشنطن: هل واجهتكم تحديات كبيرة مع تطور خوش فكرة إلى وكالة إعلامية تجارية؟
بدر: أستطيع أن أفكر في تحديين رئيسيين. الأول كان اتخاذ هذه الخطوة الجريئة والالتزام الكامل بالرؤية. إن البدء كطالب في القيام بعمل جانبي يختلف تمامًا عن القبول بأن تكون هذه هي حياتي ومهنتي. ليس لدي خطة بديلة. كانت هذه هي الخطوة الكبيرة التي يتعين على كل مؤسس شركة ناشئة اتخاذها في مرحلة ما. لا تُبنى الشركات الناشئة الناجحة كعمل جانبي/إضافي. بل تُبنى مع وجود القائد في المقدمة يقاتل كل يوم. ولكن إذا التحقت بكلية الحقوق، وحصلت على درجة الماجستير، وأكملت دورة الممارسة القانونية – فستكون أمامك مهنة مثمرة للغاية، وهي عالية الأجر ومستقرة ومريحة. عليك أن تتخلى عن ذلك لتتبع الحلم الذي قد ينجح أو لا ينجح اعتماداً على متغيرات خارجة عن سيطرتك. يتطلب الأمر الكثير من الشجاعة. كان قرار التخلي عن الخطط البديلة أحد أهم القرارات التي كان علي مواجهتها على الإطلاق.
التحدي الثاني الذي هو الانتقال إلى وكالة تضم 44 شخصًا بعد تخرجي مباشرة من الجامعة، خاصة أنني لم أعمل في وظيفة بدوام كامل من قبل. هناك مستوى من الذكاء الاجتماعي يجب أن تتمتع به في التعامل مع الناس، وكيفية إيجاد التوازن بين أن تكون صارماً أو ودودًا. هناك سبب يجعل الأدوار الإدارية رفيعة المستوى تأتي في سن معينة. يتطلب الأمر الكثير من الشخصية والخبرة لفرض الانضباط على الناس وقيادتهم. يتطلب الأمر معرفة كيفية إدارة نفسك. إذا لم تتمكن من إلهام نفسك، فلن تتمكن من إلهام أي شخص آخر.
معهد دول الخليج العربية في واشنطن: هل كل أعضاء الفريق الـ 44 صانعي محتوى؟
بدر: كنت المؤسس الوحيد الذي بدأ العمل بدوام كامل في يناير/كانون الثاني 2023. وتقريبًا في أبريل/نيسان 2023، انضمت لفريقنا وسن، وهي شريكتي في التأسيس بصفتها رئيسة قسم المحتوى. أما بقية أعضاء الفريق فهم في الغالب من مسؤولي تسويق المحتوى، وهم مكلفون بإنشاء المحتوى، مثل التصوير الفوتوغرافي ومقاطع الفيديو القصيرة (ريلز)، ويقوم محرر الفيديو الخاص بنا بإنهاء أجزائها الأخيرة. وجزء صغير من الفريق يعملون مديرو مشاريع ومديرون مبدعون وتطوير الأعمال، بالإضافة إلى ذلك، لدينا موظفون أساسيون في المحاسبة والموارد البشرية.
معهد دول الخليج العربية في واشنطن: من هم أكبر عملائكم؟
بدر: أحد أكبر عملائنا هو مطعم جسميز (Jasmis)، سلسلة مطاعم الوجبات السريعة الرائدة في البحرين. عندما بدأنا العمل معهم كان ذلك يعني الكثير بالنسبة لنا. حصد المنشور التسويقي الذي أنشأناه للمطعم أول 1000 إعجاب، وأصبح أول منشور لنا يحظى بشهرة. في ذلك الوقت، كان مذهلاً الحصول على 1000 إعجاب، على الرغم من أن هذا أقل بكثير من متوسط ما نحصل عليه الآن.
أحد عملائنا الرئيسيين هو بنك البحرين الوطني NBB)). ويعد مشروع ويست ووك (West Walk) قطر من أهم عملائنا باعتباره أول عميل حصري لنا. ومن بين العملاء الآخرين المهمين الذين نعمل معهم شركة كريدي مكس (CrediMax) وشركة بينيفت (Benefit) وشركة طيران الخليج (Gulf Air).
معهد دول الخليج العربية في واشنطن: كيف تعمل الوكالات الناشئة مثل خوش فكرة على تغيير المشهد الإعلاني؟
بدر: الاهتمام هو العملة الجديدة. تعرف المنصات مثل منصتنا كيفية جذب الاهتمام والاحتفاظ به. وتحويله هو ما سيشكل مستقبل وسائل الإعلام.
على سبيل المثال، هناك مقطع فيديو قصير (ريل) قمنا بعمله لتسويق عطر جديد لشركة جنيد، يحاكي الفيديو نصيحة أحد الأقارب حول كيفية انفاق أموالك. في 11 ثانية، يقول مقطع الفيديو على تيكتوك للمشاهدين باللهجة البحرينية “لا تشتر هذا العود، بل هذا العود (من عطور جنيد)” ويقدم مقارنة بين شراء سيارة رياضية وشراء منزل. وقد حقق هذا الفيديو 3.8 مليون مشاهدة. ومع ذلك، كان العائد في ذلك الوقت لا يتجاوز 100 دينار بحريني، أي حوالي 265 دولارًا. لا يمكن للشركات التي تدفع رسومًا عالية مقابل اللوحات الإعلانية أن تضاهي هذا الانتشار. ينتج عن كل مقطع فيديو 50 ألف مشاهدة على الأقل. ويعبر ذلك عن فعالية التحول في وسائل الإعلام وكيف يمكنك، باستخدام المحتوى القصير والعناصر الأساسية، الوصول إلى مجموعة واسعة من الأشخاص في أي مكان في العالم.
معهد دول الخليج العربية في واشنطن: هل لديك أي نصائح يمكن أن تقدمها لشخص مبتدئ أو أي نصيحة يمكن أن تقدمها لنفسك؟
بدر: نصيحتي هي أن تمتلك الشجاعة للبدء. لأنه من دون هذه الشجاعة، ومن دون الإيمان بنفسك، لن تمنح نفسك الفرصة مطلقًا لرؤية ما سيحدث. تحلَّ بالشجاعة. لا تؤجل الأمر إلى الغد، أفضل وقت للبدء دائمًا هو الآن.
ولكن بمجرد أن تبدأ، يجب أن تتحلي بالانضباط المطلوب للالتزام والاستمرار في العمل. إذا كان الأمر يتعلق بالجري، استمر في الجري. إذا كان الأمر يتعلق ببناء عملك، استمر في بنائه. إذا كان الأمر يتعلق بالرسم، استمر في الرسم. إذا كان يتعلق بالكتابة، استمر في الكتابة. فقط استمر في أداء ذلك!
هذا التكرار يسمح لك بالوصول إلى الجزء التالي، وهو التحسين. حتى لو كان 1% فقط كل يوم، فإن هذه التحسينات التدريجية سوف تولد فجأة تحولاً لا يمكن التعرف عليه تقريباً. هذا مبدأ يمكن تطبيقه على كل شيء، سواء كنا نتحدث عن اللياقة البدنية أو الكتابة أو إنشاء شركة.
عندما يتعلق الأمر بالأعمال التجارية، فإن كل ما عليك فعله هو أن تتحلى بالشجاعة للبدء، وأن تتمتع بالانضباط للاستمرار.
--------------------------
فاطمة الصفار
هي باحثة اقتصادية في مجال التنمية، تخرجت ضمن برنامج فولبرايت. تركز أبحاثها على مجالات النمو المستدام والتنويع الاقتصادي في منطقة